منتديات الحور العين - متى يحسن الرد على المخالف ؟

[indent][right][size=5][b][font=traditional arabic][b]
للشيخ عبدالعزيز الطريفي[/b]
[/font][font=traditional arabic]
[color=purple]بسم الله الرحمن الرحيم[/color][/font][font=traditional arabic][color=purple][/color]
[/font][font=traditional arabic]كثير ممن يطيل الجدل والمناظرة لا يفرق بين بيان إثبات الحجة، وبين الإقرار بها، فيجعل لازم إثبات الحجة أن يُقر المحجوج بها، وهذا ليس من العلم والنظر، ولا من مقاصد التشريع في شيءٍ، وذلك أن محل الإقرار في القلب، واللسان ناقل لما في القلب، والصدق في هذا شاقٌ جداً، حتى ربما ظهر الحق لجميع السامعين، ويبقى المحاجَج في سكرة نفي ثبوت الحُجج، والتهوين منها، والتعلق بالإقرار تعلق بباطن لا يمكن الوصول إلى حقيقته، فإلقاء الحجة مع بيانٍ ووضوحٍ يفهمها المجادَل والسامع لو أرادا الفهم، كافٍ في قيام التكليف عليه، لذا لما كان أعظم تكليف هو الإسلام يكفي في ثبوته الإسماع على وجه ولغة يفهمها المخاطب، قال تعالى: ([color=blue]وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله[/color])، فكفى السماع الواضح الصحيح، ولم يُنتظر الإقرار ([color=blue]وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعُلواً[/color]) فمن باب أولى الاكتفاء بما دونه من التكليف.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]قال الإمام أبو يوسف:[color=green] إثبات الحجة على الجاهل سهل، ولكن إقراره بها صعب.
[/color][/font][font=traditional arabic][color=green] [/color]
[/font][font=traditional arabic]وليكتفي صاحب الحق بالقدر الكافي من البيان وتكراره، من غير استرسال مع لجاجة صاحب الباطل، فكل قول باطل يندثر ويتلاشى بانخفاض صوت صاحبه، وأما الحق فيعيش في النفوس ويبني بها صروحاً لا تندثر بموت أصحابها فضلاً عن أصواتهم ([color=blue]فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض[/color]) .
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]وينبغي لصاحب الحق أن يفصل بين ذاته والحق الذي يحمله، فلا ينتقم لحظ نفسه بالحق الذي معه عند الخطأ عليه، فبين حظ النفس وحظ الحق قدر مشترك دقيق لا يَعرف قدره إلا الندرة من الناس، وكم فوّت الكتاب من حظ الحق، بسبب استكمالهم حظ أنفسهم من حيث لا يشعرون، فيقابلون السوء بسوء مثله وزيادة، فيصدون عن الحق وكلما زاد حظ النفس أكل من حظ الحق، وربما كانت الغلبة لشبهة الباطل لأن الذي يقابلها شهوة في صورة حق، والشبهة أقوى من الشهوة.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]والمناظر في الحق قاضٍ يقضي في حق الله، فلا يقضي وقلبه منصرفٌ إلى غير الحق، وفي الحديث "[color=blue]لا يقضي القاضي وهو غضبان[/color]" وهذا في تفويت حق البشر فكيف في تفويت حق الله.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]ويُقابل هذا أن يحجم عن بيان الحق، خوفاً على حظ نفسه من أن يتنقصه جاهل أو يلومه في نفسه لائم، فهذا لم يهتم أن ينتقص الحق واهتم لتنقص نفسه، وأكثر أهل الحق عند الفتن من هذين النوعين، والمنصفون عند ذلك قليل جداً.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]ومن خاف ملامة الناس إذا كتب وبيَّن، كتب إذا أوجس مدحاً أو حمداً، وهؤلاء من أسباب اضطراب العامة في الدين، وكثرة المنافقين .
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]والمجادِل وإن كان قوي الحجة حاضر البينة فإنَّه يخاصم إلى غير قاض، وإنما قاضيه عقل مقابله بالإقرار أو عدمه، ومرد ذلك إلى كمال العقل والإنصاف وتمام الديانة وهذه خصال نادرة التوافق في فرد .
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]وأصعب الأقوال رداً أشدها سقوطاً، لأن مردَّها إلى التسليم بها، فلم يخطر في بال عاقل وجودها فضلاً عن استحضار جوابٍ في الذهن سابقٍ لها.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic] ومن الأعباء الشاقة التصدي لرد جهالة لجوج جاهل مستحكمة الجهل، من جهتين : [/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic][color=navy]- من جهة استحكام جهالته،[/color][/font][font=traditional arabic][color=navy]
[/color][/font][font=traditional arabic][color=navy]- ومن جهته هو،[/color]
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic] فإن من لم يرفع نفسه عن قدر الجاهل رفع الجاهل قدره عليه.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]فإن من المجادلين مجادل مع جهل وكبر، تتناسخ في ذهنه الجهالات، فكلما رددت واحدةً أورد مثليها، فتُريد أن ترد شبهة تخشى وقوعها في أذهان الناس، فيأتي بشبهات أُخرى ربما تقع في أذهان الناس موقعاً أكثر من سابقتها، لا تجد وقتاً لتتبعها لسقوطها عندك، وهي عند بعض الناس حق محكم، فتعين في ثبات الباطل بابتداء الرد عليه، فمن كمال الأدب مع العلم، الاعتداد بمآلات الأحوال ومعرفة الأعيان، ومن المعارف التي لا يُدركها بسطاء الناس عدم الرد على من كانت هذه حاله، لأن انشغال الناس بجهالة واحدة يبديها، ثم تتبدد في جو الحق السائد، خير من انشغالهم بجهالات كثيرة يولِّدها، وتَرقيع بعض الجهالات يوسعها، ونسج ثوب حق تام أفضل من ذلك.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic] ولذا يقول الأحنف بن قيس:[color=green] قطيعة الجاهل، تعدل صلة العاقل .[/color]
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]والكلام ساقط المعنى يختلف في قدر سقوطه، منها ما يسهل رده وإعادته إلى الجادة ومنها ما يجد الناقد مشقة في رده لقوة سقوطه.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic] وكثير من الأقوال الخاطئة التي يرميها الكتاب والمتحدثون كالمتاع يسقط من يد صاحبه، بعضه سهل تناوله، وبعضه لا يؤبه به ويسقط في بئر سحيقة تناوله متعذر، والمصلحة في تركه، وقد يوصف تاركه حينها بالعجز، وينبغي أن لا يضره ذلك في نفسه، ولا يضره عند العقلاء، ولا يمكن أن يستكمل العالم اسم العلم، حتى يسمع الكلمة العَوراء فيجعلها خلف أذنه.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]وقد يجد الإنسان صعوبة في رد حجة الجاهل مستحكم الجهل، لأنه يحتاج نوعاً نازلاً من العلم يليق بنزول جهالته.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]وكثرة المجادلة في المسألة ليست محمودة في حد ذاته، ما لم يُنظر إلى دلائل الاقتران بها حالاً وما تؤول إليه، ولا ينبغي للعالم أن ينساق وراء ما يريد الجاهل من المراجعة والمقاولة، وما عليه أكثر مما بينّه.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic] لأن الجاهل لا يعرف نفسه قدر معرفة العالم له ولقوله، لأن العالم كان جاهلاً من قبل، وأما الجاهل فلا يعرف العالم لأنه لم يكن مرة عالماً.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic]وقد يكون الحق بيِّناً، وصاحب الباطل معاند معروف العناد، فتجب محاججته وبيان الحق لا له بل لمن وراءه ومن يتابعه، فهذا أبو لهب حكم الله بعدم إيمانه، وقطع بدخوله النار، ([color=blue]تبت يدا أبي لهبٍ وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب[/color])، ومع ذلك بقي النبي صلى الله عليه وسلم يحاججه وقومه دهراً، لأن المقصود قومه في صورته لكونه سيداً متبوعاً.
[/font][font=traditional arabic]
[/font][font=traditional arabic] والعالم يُدرك من أنواع وأجناس وأعداد المخاطبين ما لا يدركه غيره، فربما خاطب فرداً وسماه وهو يُريد غيره، وربما خاطب فرداً وهو يُريد جماعة، وربما أحجم عن تسمية فردٍ يستحق الردع، استصلاحاً لغيره ممن يشركه في منكره من أهل العناد، أو ممن يمد له بسببٍ ونسبٍ إغلاقاً لمدخل الشيطان عليهم من الذب عنه والتماس التأويل الباطل له، لاختلاط الهوى بالحق، فتكون حينئذٍ فتنة جماعة بعد أن كانت فتنة فردٍ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مع بعض المنافقين من الأوس والخزرج، وهذا من البصيرة المذكورة في قوله تعالى: ([color=blue]قل هذِهِ سَبِيلِي، أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[/color])
[/font][/b][/size] [/right]
[/indent]