منتديات الحور العين

منتديات الحور العين (http://www.hor3en.com/vb/index.php)
-   القرآن الكريم (http://www.hor3en.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   قصه موسى والخضر واسرارها (http://www.hor3en.com/vb/showthread.php?t=126831)

اتقي الله 05-13-2015 02:57 AM

قصه موسى والخضر واسرارها
 
[size=5]بسم الله الرحمن الرحيم [/size]
[size=5] الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس السابع من سورة الكهف ، ونحن الآن في القصة الثالثة ؛ قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر عليهما السلام ، وقبل الدخول في تفصيلات هذه القصة أريد أن أقدم لها ببضع حقائق تعين على فهمها . [/size]
[size=5]حقائق بين يدي قصة موسى مع الخضر :[/size]
[size=5]الحقيقة الأولى : علم الحقيقة وعلم الشريعة :[/size]
[size=5] الحقيقة الأولى : أنه لما عرض الله على الإنسان الأمانة قبلها ، ومعنى قبلها أي أنه كلف بمعرفة الله ، والسير على أمره ، والتقرب منه ليسعد في الدنيا والآخرة ، وحينما قبل الأمانة منحه الله إرادة حره ، وعقلاً مفكراً ، ونصب له آيات في أرجاء الكون ، وأنزل له الكتاب ، أي أنزل له التشريع ، والتشريع ضوابط في العلاقات بين العبد وربه ، وبين العبد والعبد ، وقد نزلت هذه الشرائع تباعاً على أنبياء الله ورسله .
فسيدنا موسى عالم بالشريعة يعرف الحلال والحرام ، ما يجوز ، وما لا يجوز ، ما ينبغي ، وما لا ينبغي ، والأمر والنهي ، والحق والباطل ، والخير والشر . [/size]
[size=5]الحقيقة الثانية : وجوب انضباط أفعال العباد بالشرع :[/size]
[size=5] يجب أن تضبط أفعال العباد بالشريعة ، وسيدنا موسى نبيٌ عظيم ، ورسول كريم من أولي العزم ، وهو أعلم علماء الأرض في وقته في الشريعة ، لكن الله سبحانه وتعالى يتصرف في الكون ، ويتصرف مع عباده تصرفاً لا يعلم حكمته إلا الله ، أي لا يعلم سر القضاء والقدر إلا الله ، فسر التصرفات الإلهية ، وحكمة الأفعال الإلهية علم مستقل قائم بذاته ، فقد آتى الله سيدنا الخضر ، وهو نبي في رأي معظم العلماء عليه السلام ، من لدنه علماً ، فكأن هذه القصة لقاء عظيم رائع ، بين قطب عظيم من أقطاب الشريعة ، وقطب عظيم آخر من أقطاب الحقيقة ، فنحن مع سيدنا موسى مع قطب من أقطاب الشريعة ، ونحن مع سيدنا الخضر قطب من أقطاب الحقيقة .
والشريعة والحقيقة التقتا ، ومن خلال هذا اللقاء العظيم تتضح بعض الحقائق المهمة التي نحن جميعاً في أمس الحاجة إليها ، ومن لقاء قطبي الشريعة بالحقيقة تتضح بعض أسرار القضاء والقدر ، ومنها نعرف معنى قوله تعالى : [/size]
[size=5]﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾[/size]
[size=5](سورة البقرة : 216)[/size]
[size=5] كأن ملخص هذه القصة تلك الآية : [/size]
[size=5]﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾[/size]
[size=5] يجب أن تضبط أفعال العباد بالشريعة ، لكن أفعال الله عز وجل تفسر بالحقيقة .
ويجب أن تكون أفعال العباد وفق الحلال ، والمباح ، والمندوب ، والأمر ، ويجب أن تبتعد عن المكروه ، والمحرم ، هناك شريعة دقيقة جداً ، فيها حكم كل شيء ، كل حركة ، وكل سكنة ، وكل تصرف ، وأية علاقة تضبطها الشريعة ، لكن أفعال الله عز وجل علم التصرفات الإلهية ، وسر القضاء والقدر ، فعلم الحقيقة يكشف لنا جانباً منه .
ففي لقاء هذين النبيين العظيمين لقاء سيدنا موسى مع سيدنا الخضر تتضح حقائق كثيرة من علم الحقيقة . [/size]
[size=5]سبب ورود قصة موسى مع الخضر :[/size]

[size=5] ورد في بعض الأحاديث الشريفة عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : [/size]
[size=5](( بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ ؟ قَالَ مُوسَى : لَا ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى : بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً ، وَقِيلَ لَهُ : إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ ، وَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ : [/size][size=5]﴿ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾[/size]
[size=5]﴿ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾فَوَجَدَا خَضِرًا فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ ))[/size]
[size=5][/size]
[size=5][متفق عليه][/size]
[size=5] سيدنا موسى نبي مرسل ، ومادام نبياً مرسلاً فهو بالبديهة أعلم علماء الأرض ، فما كان من هذا النبي العظيم إلا أن قال : أنا أعلم علماء الأرض ، فأوحى الله إليه ما أوحى . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ﴾[/size]
[size=5] ليس أعلم منك مطلقاً ، أعلم منك في علم الحقيقة ، وأنت أعلم منه في علم الشريعة ، ينبغي أن تقول : أنا في هذا العلم ، قد علمني ربي ، هذا ما ورد في بعض الأحاديث أن الله عز وجل أراد أن يُعلمه ، وأن يُعَلمه أن في الأرض عبداً صالحاً آتاه الله رحمة من لدنه ، وعلمه من لدنه علما هو أعلم منك .
فما كان من هذا النبي العظيم إلا أن سأل الله عز وجل : يا رب ، كيف ألتقي به حتى أتعلم منه ؟ [/size]
[size=5]بداية القصة : خروج موسى مع فتاه طلبًا للقاء الخضر :[/size]
[size=5] الآن بدأت القصة :[/size]
[size=5]﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ ﴾[/size]
[size=5] فتاه ؛ أي فتى صاحب سيدنا موسى ، ليتعلم منه ، وليخدمه ، فكان في الوقت نفسه خادماً ومتعلماً . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾[/size]
[size=5] لا أبرح أسير إلى أن أصل إلى مكان حدده الله عز وجل ، حينما أوحى الله إلى سيدنا موسى قال : يا موسى تلتقي مع الخضر ، مع هذا العبد الصالح في مجمع البحرين ، وما دام الله عز وجل قد أخبر سيدنا موسى أن هذا العبد الصالح يراه في مجمع البحرين ، عندئذٍ قال هذا النبي العظيم : لا أبرح ، أمشي ، وأبحث ، وأسير . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ﴾[/size]
[size=5] وإن لم أبلغ هذا المجمع : [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾[/size]
[size=5] سأسير حقباً طويلة ، سنوات وسنوات ، إلى أن ألتقي بهذا العبد الصالح . [/size]
[size=5]من دلالات خروج موسى للقاء الخضر : فضل العلم :[/size]

[size=5] انظروا أيها الإخوة ، كم هو ثمين هذا العلم في نظر هذا النبي العظيم ، أحدنا يصرف نفسه عن حضور مجالس العلم لسبب تافه جداً ، يقول : عندي موسم ، أو زارني ضيف ، فهو لسبب تافه يصرف نفسه عن حضور مجالس العلم التي هي مجالس الذكر .
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يذكرون الله فيه إلا غشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، وما اجتمع قوم في مجلس فلم يذكروا الله فيه إلا قاموا عن أنتن من جيفة .
[/size][size=5]﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾[/size]
[size=5] وكانت علامة هذا المكان فيما أوحى الله لهذا النبي العظيم أن يفتقدا حوتاً لهما كانا قد أعداه للطعام ، إذا افتقداه في مكان ما ، فهذا المكان مكان اللقاء بالعبد الصالح . [/size]
[size=5][/size]

[size=5] [/size][size=5] معنى : مَجْمَعَ البَحْرِيْنِ[/size]
[size=5]﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ﴾[/size]
[size=5]المعنى الأول : [/size]
[size=5] يعني مجمع البحرين . [/size]
[size=5]المعنى الثاني : [/size]
[size=5] وبعضهم قال : مجمع البحرين يعني اجتماع بحري الشريعة والحقيقة ، هذا وجه من وجوه التسمية ، اجتماع بحري الشريعة والحقيقة . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾[/size]
[size=5] كانا قد أعدا حوتاً ، وجهزاه للطعام ، ووضعاه في حقيبة إن صح التعبير ، ووضع هذا الحوت في مجمع البحرين ، وفي بعض الأقوال غير الثابتة أن مجمع البحرين مكان التقاء البحر الأحمر ، والبحر الأبيض المتوسط ، فهما مجمع البحرين . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾[/size]
[size=5] نسي سيدنا موسى أن يتفقد الحوت ، ورأى فتاه من الحوت منظراً عجيباً نسي أن يخبر سيده موسى ، هذا الحوت . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾[/size]
[size=5]معنى : فَاتَّخََذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ سَرَبًا [/size]
[size=5]المعنى الأول : [/size]
[size=5] قال بعض المفسرين : " هذا الحوت وقع في البحر " . [/size]
[size=5]المعنى الثاني : [/size]
[size=5] وقال بعضهم : " كانت معجزة أن عادت له الحياة فسقط في البحر ، وعاش فيه ، رأى الفتى الذي رافق سيدنا موسى هذا المنظر فالحوت ، فإما أنه وقع في البحر ، أو أنه عادت له الحياة فوثب في البحر ". [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾[/size]
[size=5] وقد تكون عودة الحياة إلى الحوت ، ووثوبه إلى مياه البحر أيضاً علامة من علامات اللقاء مع العبد الصالح . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا ﴾[/size]
[size=5] أنساهما الله عز وجل سقوط الحوت في البحر . [/size]
[size=5]من استنباطات الآية : [/size]
[size=5]الاستنباط الأول : إعداد الزاد للسفر :[/size]
[size=5] لذلك استنبط العلماء أنه يجوز ، بل يندب لمن أراد السفر أن يعد الزاد ، وليس في إعداد الزاد تناقضاً مع التوكل ، اعقل وتوكل ، واستنبط العلماء أيضاً وجوب الرحلة في طلب العلم ، كيف أن هذا النبي العظيم قال :[/size]
[size=5]﴿ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾[/size]
[size=5] أراد أن يصل ، أن يسافر من أجل لقاء هذا النبي العظيم . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾[/size]
[size=5]الاستنباط الثاني : المشقة في طلب العلم :[/size]
[size=5] يعني تعبا ، تعبنا أين الطعام يا فتى ؟ عندئذ تذكر هذا الفتى أن الحوت الذي قد أعداه للطعام سقط في البحر . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾[/size]
[size=5]كيف اتخذ الحوت سبيله في البحر سربا ؟!!![/size]
[size=5] ليس في الآية قرينة على أن الحياة قد عادت له ، لكن هناك آية تالية تشير من طرف خفي إلى أن هناك شيئاً عجيباً ، كيف وقع هذا الحوت في البحر ، من هنا استنبط العلماء أنه ربما عادت الحياة إلى الحوت بعد شيِّه ، ووثب في البحر .
قال الغلام :[/size]
[size=5]﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً ﴾[/size]
[size=5]كيف اتخذ الحوت سبيله في البحر عجبًا ؟!!![/size]
[size=5] واتخذ الحوت سبيله في البحر عجبا ، هناك شيء عجيب ، وخارق للعادة ، أن حوتاً مشوياً ، أي سمكةً مشويةً تعود لها الحياة ، وتثب في البحر ، والله أعلم ما إذا كانت الحياة قد عادت لها أو لم تعد ، لكن الشيء الثابت أن الحوت قد اتخذ سبيله في البحر ، عندئذ عرف سيدنا موسى أن هذا المكان الذي نسيا فيه الحوت هو مجمع البحرين ، وهو مكان اللقاء المنتظر .[/size]
[size=5]﴿ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ﴾[/size]
[size=5]فقدان الحوت أمارة مكان اللقاء :[/size]
[size=5] ذلك ما كنا نبتغي من هذا السفر الطويل ، وهذا هو الهدف ، لأن المكان الذي افتقدنا فيه الحوت هو مكان اللقاء كما أخبره الله بالوحي .[/size]
[size=5]﴿ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصاً ﴾[/size]
[size=5] بعد أن قطعا يوماً وليلة بعيداً عن مجمع البحرين ، وعن مكان سقوط الحوت في البحر ، ارتدا ، وعكفا راجعين إلى مكان افتقاد الحوت ، لأن هذا المكان هو مكان اللقاء المنتظر الذي يحرص عليه سيدنا موسى عليه وعلى نبيناً أفضل الصلاة والسلام ، وكما وعده الله عز وجل ، وكما أوحى إليه في هذا المكان مكان افتقاد الحوت ، مجمع البحرين .[/size]
[size=5]﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا ﴾[/size]
[size=5]العبودية أعلى مرتبة للإنسان :[/size]

[size=5] أعلى مرتبة ينالها الإنسان في الحياة الدنيا أن يكون عبداً لله ، وأن تتحقق فيه العبودية لله عز وجل ، والعبودية معرفة يقينية ، تفضي إلى طاعة طوعية ، تنتهي إلى سعادة أبدية ، معرفة يقينية ، فطاعة طوعية ، فسعادة أبدية . [/size][size=5]﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ﴾[/size]
[size=5]كيف تكسب العلم ؟[/size]
[size=5] العلم يكتسب بالمدارسة ، والمطالعة ، وحضور مجالس العلم ، والتأمل ، والتفكر ، فإذا حاز الإنسان العلم بالأسباب فهذا العلم الذي نعرفه جميعاً ، أما العلم الذي يحوزه الإنسان من دون أسباب أرضية هو العلم اللدني ، فهذا العبد الصالح ، آتاه الله رحمة من عنده ، وعلمه من لدنه علما . [/size]
[size=5]هل الخضر عليه السلام نبيُّ ؟[/size]

[size=5] هناك إشارات ، ودلالات كثيرة يقينية على أن سيدنا الخضر عليه السلام نبي ، إما أنه نبي مرسل ، أو غير مرسل ، هذا موضوع خلافي ، وبعض العلماء يظنونه ولياً ، فهو بين أن يكون ولياً ، أو نبياً مرسلاً ، أو نبياً غير مرسل ، هناك قرائن ستأتي بعد قليل تبين أن هذا الإنسان العبد الصالح كان نبياً . [/size][size=5]﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً * قَالَ لَهُ مُوسَى ﴾[/size]
[size=5]مِن آداب طالب العلم : التواضع والأدب مع الشيخ :[/size]
[size=5] بأدب جم ، نبيٌ مرسل ، ومع ذلك يتأدب مع من أعلمه الله أنه أعلم منه ، وفوق كل ذي علمٍ عليم ، والأدب مع من يعلمك من لوازم التعليم ، وقد قال بعض العلماء لبعض الطلبة : يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك .[/size]
[size=5]﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ ﴾[/size]
[size=5] الاستفهام فيه أدب ؟ هل تسمح لي بالتعلم ، الاستفهام فيه أدب ، ولم يقل : أنا سأتبعك ، فيجب أن تعلمني . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾[/size]
[size=5] فقال سيدنا الخضر :[/size]
[size=5]﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾[/size]
[size=5]لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا[/size]
[size=5] يبدو أن سيدنا الخضر يعلم أن سيدنا موسى لا يصبر عليه ، وأنه عالم بالشريعة ، وأن الأفعال التي سوف يفعلها هذا العبد الصالح ربما لا تفسر في ضوء الشريعة ، هل في الشريعة أمر أن تقتل غلاماً بلا سبب ‍‍، حاشا لله ، هذا لا يتوافق مع الشريعة ، فقال له :[/size]
[size=5]﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾[/size]

[size=5] علمك الشرعي لا يسمح لك بتفسير أعمالي ، ومزاجك العصبي لا يسمح لك بالصبر .
ورد في بعض الكتب عن الشيخ محي الدين أن سيدنا الخضر قد أعد لهذا النبي العظيم ألف مسألة ، فلما كانت الثالثة فقد سيدنا موسى صبره ، عندها قال عليه الصلاة والسلام : [/size][size=5](( يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا ))[/size]
[size=5][البخاري ومسلم عن أبي بن كعب][/size]
[size=5]﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾[/size]
[size=5] لم يقل : إنك لن تستطيع معي كمال الصبر ، بل قال : صبرا ، على التنكير ، أي ولا تستطيع حتى الجزء البسيط من الصبر ، ثم بيّن العلة :[/size]
[size=5]﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ﴾[/size]
[size=5]بيان علة عدم صبر موسى :[/size]
[size=5] يتناقض العمل في ظاهره مع الشريعة ، وأنت عالم بالشريعة ، وأنا عالم بالحقيقة ، هناك تناقض بيني وبينك .[/size]
[size=5]﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ﴾[/size]
[size=5] ما كان من هذا النبي الكريم إلا أن أظهر الجلد ، والصبر ، والعزيمة على متابعة هذا العبد الصالح كي يتعلم منه ، فقال : [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾[/size]
[size=5] انظر إلى الأدب مع الله عز وجل ، الاستثناء ، إن شاء الله . [/size]
[size=5]من استنباطات الآية : الصبر على طلب العلم :[/size]
[size=5] استنبط العلماء من هذه القصة أنه ينبغي على الذي يحضر مجالس العلم أن يصبر ، وألا يعترض ، وأن يتأدب .[/size]
[size=5]﴿وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي﴾[/size]
[size=5]شرط الخضر في قبول اتباع موسى له :[/size]
[size=5] شرط :[/size]
[size=5]﴿ فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾[/size]
[size=5] انظر واسكت ، اتبعني ولا تعترض ، ولا تبادر بالسؤال ، فأنا سأخبرك عن كل شيء . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَانْطَلَقَا ﴾[/size]
[size=5] انطلقا ليعرفا الحقيقة ، وبعضهم قال : انطلقا من عقال المادة . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾[/size]
[size=5]خبرُ ركوبِ موسى مع الخضر السفينةَ :[/size]
[size=5] تروي بعض الكتب أنهما ركبا في سفينة لمساكين ، لأناس فقراء ، وأن عصفورين وقفا على طرف السفينة ، وغمسا منقاريهما في الماء غمستين ، فقال الخضر لسيدنا موسى : ما علمي وعلمك في علم الله إلا كهاتين النقرتين في البحر ، أي بماذا يرجع هذا العصفور إذا غمس منقاره في البحر ؟ ما علمي وعلمك في جانب علم الله عز وجل ، إلا كهاتين النقرتين في البحر .[/size]
[size=5]﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾[/size]
[size=5]من استنباطات الآية : جواز ركوب البحر :[/size]
[size=5] واستنبط العلماء من هذه الآية جواز ركوب البحر . [/size]
[size=5]خرق الخضر للسفينة وإنكار موسى عليه :[/size]
[size=5] خرقها ، أي أمسك بقدوم ، وقلع من جدار السفينة لوحاً خشبياً ، وهذا عمل غير منطقي ، وغير معقول ، بالإضافة إلى أن صاحب السفينة رفض أن يأخذ منهما أجرة نوالاً ، أركبهما ضيافة بلا نوال ، وفوق هذا العمل الطيب ، والضيافة الكريمة جاء الخضر عليه السلام ، وأمسك قدوماً ، وكسر أحد ألواح السفينة ، واقتلعه ، فقد سيدنا موسى صوابه ، وقال :[/size]
[size=5]﴿ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾[/size]
[size=5] هذا عمل غير صحيح ، ماذا فعل معك صاحب السفينة ؟ أهكذا تكافئه على عمله الطيب ؟ استنبط العلماء هنا أن سيدنا موسى لم يقل هذا بدافع من حرص على حياته ، لا ، نسي نفسه قال : [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ﴾[/size]
[size=5] هذا العمل لا يمكن أن يقبل ، دعاك إنسان مسكين فقير إلى ركوب السفينة بلا مقابل ، وهو يكتسب من هذه السفينة ، ثم تخرقها له . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾[/size]
[size=5] إمراً أي فظيعاً ، غريباً ، غير مقبول ، قال : [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾[/size]
[size=5]تذكير الخضر موسى بعدم صبره وشرطه عليه :[/size]
[size=5] لقد قلت لك : إنك لن تستطيع معي صبرا ، لأن الأعمال التي أعملها ، ليست خاضعة لعلم الشريعة ، إنما هي خاضعة لعلم الحقيقة ، أنت عالم بالشريعة ، وأنا عالم بالحقيقة .
تذكر الوعد ، والاتفاق ، والعهد حين قال له الخضر عليه السلام : [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ﴾[/size]
[size=5] هنا قال : أنا تسرعت ، ومعك الحق . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً ﴾[/size]
[size=5] هذا أول درس ، شيءٌ عجيب ، تركب سفينة بلا نوال ، بلا مقابل ، ودعاك أصحابها المساكين إلى ضيافة كريمة ، ثم تقابل هذا الإحسان بالإساءة . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ ﴾[/size]
[size=5]
[/size]
[size=5]قصة قتل الخضر للغلام :[/size]
[size=5] تذكر الكتب أنه كان هناك غلمان يلعبون ، وبينهم غلام جميل جداً ، نظيف وهادئ ، فأخذه الخضر ، وذبحه ذبح النعاج ، فتفرق الأطفال من حوله ، وفزعوا ، عندئذ اشتد لسيدنا موسى الغضب وقال :[/size]
[size=5]﴿ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾[/size]
[size=5]إنكار موسى على الخضر قتلَه للغلام :[/size]
[size=5] لا بد أن يكون القتل قصاصاً ، نفسٌ بنفسٍ ، هذه جريمة ، ماذا فعل معك هذا الغلام ؟ [/size]
[size=5]﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾[/size]
[size=5]مخالفة موسى لشرطه وتذكير الخض ر له به :[/size]
[size=5] هذه مرة ثانية ، خرجت عن صوابك مرة ثانية ، تذكر هذا النبي العظيم أنه خالف العهد ، وخالف الاتفاق .[/size]
[size=5]﴿ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً ﴾[/size]
[size=5] ليس لي عذر في المرة الثالثة . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ﴾[/size]
[size=5]دخول موسى مع الخضر القرية وطلبهما الاستضافة :[/size]
[size=5] كانا جائعين جداً ، وقال العلماء : يجوز لصاحب الحاجة أن يطالب بما يسدها .[/size]
[size=5]﴿ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ﴾[/size]
[size=5] كانوا أهل قرية بخلاء لؤماء .[/size]
[size=5]﴿ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ﴾[/size]
[size=5]امتناع أهل القرية من ضيافة الخضر وموسى :[/size]
[size=5] امتنعوا عن إطعامهم ، نظر سيدنا موسى والخضر عليهما السلام إلى جدار عظيم كاد يتداعى .[/size]
[size=5]﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ﴾[/size]
[size=5]إقامة الخضر للجدار المائل وطلب موسى منه أخذ الأجر :[/size]
[size=5] فشمرا عن ساعد الجد ، وبنيا هذا الجدار ، هذا موقف غريب ، في الموقفين الأولين ، عمل منكر ، أما هنا فقد رفض أهل القرية اللؤماء ، البخلاء الأشحاء أن يطعمونا الطعام ، وتبني لهم جداراً بلا مقابل ، ما هذا التناقض ؟ كأن الله عز وجل يريد أن يقول لنا : تصرفات الله عز وجل لها حكمة بالغة ، لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع ، قال : نحن جائعون :[/size]
[size=5]﴿ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾[/size]
[size=5] فنشتري طعاماً فنأكل .[/size]
[size=5]﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾[/size]
[size=5]هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ[/size]
[size=5] قال بعض العلماء : مقابلة الإساءة بالإحسان وارد في علم الشريعة ، فلماذا خالفت يا موسى شريعتك ؟ لماذا اعترضت عليه ؟ ولقد بنيت الجدار رداً على الإساءة ، قتل غلام بغير نفسٍ هذا خلاف علم الشريعة ، وخرق سفينة مقابل ضيافة كريمةً ، فهذا خلاف علم الشريعة ، ولكن أن نرد على الإساءة بالإحسان فهذا من علم الشريعة .
ألم تسقِ للمرأتين في مدين بلا مقابل ؟ كيف تلومني على بناء هذا الجدار ؟ لأن أهل هذه القرية أساؤوا إلينا ، وأنت نفسك سقيت لامرأتين في مدين من دون مقابل . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾[/size]
[size=5]مواقف موسى مع الخضر :[/size]
[size=5] ثلاثة مواقف ، خرق سفينة ، وقتل غلامٍ ، وبناء جدارٍ .

الأول :[/size]
[size=5]﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾[/size]
[size=5] والثاني : [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً ﴾[/size]
[size=5] والثالث :[/size]
[size=5]﴿ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾[/size]
[size=5]﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرا ً﴾[/size]
[size=5]ما يقاس على القصص الثلاث الواردة في سورة الكهف :[/size]

[size=5] استمعوا أيها الإخوة الأكارم ؛ هذه القصص الثلاث ينبغي أن يقاس عليها كل شيءٍ يقع في الأرض . [/size][size=5]﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾[/size]
[size=5]***
و لرُبَّ نازلةٍ يضيق لها الفتى ذرعاً وعند اللهِ منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت و كنت أظنها لا تفرجُ
***
كن عن هـمومك معرضاً كـل الأمور إلى القـضا
و بـشر بـخيرٍ عـاجلٍ تنسى به ما قد مــضى
فيا رب أمـر مسخــط لك في عواقبه رضــى
ويا ربما ضاق المضيـق و لا ربما تسع الفضــا
الله يفعل مـا يشــاء فلا تـكن مـــعترضا
الله عـودك الجميـــل فقس على ما قد مضـى[/size]
[size=5] قال : [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ﴾[/size]
[size=5]تفسيرات وحجج الخضر في أفعاله التي أنكرها موسى عليه :[/size]
[size=5] إن هؤلاء الناس مساكين ، مع أنهم يملكون سفينة ، ذلك لأنهم عيشون من دخلِها ، وإذا ملك إنسان بيتاً يسكنه فهو مستهلكه .[/size]
[size=5]﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾[/size]
[size=5]حجة إغراق السفينة :[/size]
[size=5] أردت أن أجعل فيها عيباً .[/size]
[size=5]﴿ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ﴾[/size]
[size=5] كان الملك يُصادر كل سفينة أعجبته ، ويأخذها غصباً ، فحينما خرقتُها فوّتُ على الملك مصادرتها ، وأبقيتها لأصحابها ، يقتاتون من دخلها ، فما قولك ؟ أين الحمق ، والغضب ؟ هكذا يفعل الله عز وجل .
أحياناً يلغى إيفاد الطالب إلى أوربا لعلامة واحدة ، فيغضب ، ويزمجر ، جعلتك هذه العلامة تبقى في بلدك ، ويبقى لك دينك ، لا تغضب ، فلكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأحياناً يفسخ عقد الزواج لسبب تافه ، فقد يكون في هذه الزوجة الدمار والشقاء ، لا تغضب إذا جاءت الأمور كما تشتهي ، فقل : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وإن جاءت على خلاف ما تشتهي ، فقل : الحمد لله على كل حال .[/size]
[size=5]﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ﴾[/size]
[size=5]حجة قتل الغلام :[/size]

[size=5] كان أبواه متعلقين به تعلقاً شديداً ، وكانا مؤمنين ، فإذا كبر هذا الغلام وصار كافراً ، وتعلق الأب والأم بابنهما الكافر فربما يهلكهما مع هلاكه .
وهذا يؤكد علم الله بما سيكون ، علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، وعلم الله قديم ، ليس علماً كسبياً كعلم البشر ، فالإنسان بدون شك مخير ، والله يعلم بلا كيف ما في هذا من شك ، وعلم الله لا يؤثر في اختيار الإنسان .
[/size][size=5]﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً* فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً﴾[/size]

[size=5] أبدلهما الله عز وجل غلاماً مؤمناً طاهراً ، فإذا حدث التعلق به كان التعلق صحيحاً وسليماً . [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ﴾[/size]
[size=5]حجة إقامة الجدار :[/size]
[size=5] قال : يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ، قال : يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين ، لثقتي بأنك خير حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، قال : يا عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك ، وكان أبوهما صالحا ، الأبوة الصالحة تعود بالخير على البنوة الصالحة ، فهذا الأب الصالح استحق أن يطمئن على ولديه اليتيمين ، وأنهما سيأخذان الكنز الذي خبأه لهما تحت الجدار ، وحيث إن الجدار كان على وشك الوقوع جاء هذا العبد الصالح ، وبنى هذا الجدار بلا مقابل .[/size]
[size=5]﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾[/size]
[size=5] هنا الدقة : [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾[/size]
[size=5]دليل نبوة الخضر عليه السلام : وَمَا فَعَلْتُهُ عَن أَمْرِي[/size]
[size=5] ليس في علم الشريعة كلها أن تقتل غلاماً لعلمك بأنه سيكون كافراً ، من هنا استنبط العلماء أن العبد الصالح سيدنا الخضر هو نبي ، لأن خواطر الأولياء ليست معصومة ، لابد أن الله أوحى إليه بقتلِ هذا الغلام ، ولا يمكن أن يقبل قتلٌ بخاطر ، الولي يأتيه خاطر ، أما النبي فيأتيه الوحي ، فقتل نفس زكية لا يمكن أن يكون بخاطر من ولي ، بل لا بد أن يكون وحياً من نبي ، هذا يؤكد أن سيدنا الخضر نبي من عند الله .[/size]
[size=5]﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ ﴾[/size]
[size=5] الأُولى : تستطيع ، كان متألماً جداً ، أما الثانية هدأت نفسه بعد أن عرف التأويل .[/size]
[size=5]﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾[/size]
[size=5]ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك :[/size]
[size=5] يجب أن تكون هذه القصص الثلاث في ذهن كل منا ، لأن الإنسان أحياناً يواجه عقبات ، ومشكلات ، وضغوطاً ، أحياناً يحرمه الله الولد ، أو يحرمه الله الذكور ، أو تأتيه زوجة مشاكسة ، أو يكون دخله قليلاً ، لا تخلو حياة المؤمن من عقبات ، وأزمات .
لذلك جاء في الحديث الشريف : أن الله عز وجل أوحى إلى الدنيا أن تكدري وتمرري ، وتضيقي ، وتشددي ، على أوليائي حتى يحبوا لقائي ، هذا فعل الله عز وجل ، أكرم الأبوين ، وأكرم أصحاب السفينة ، وأكرم الغلامين اليتيمين ، أعماله كلها إكرام .
لذلك جاء في بعض الأحاديث الشريفة : الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن ، وأما هذه القصص الثلاث فهي تفسير للقضاء والقدر .
قال عليه الصلاة والسلام : [/size]
[size=5](( كل شيء بقضاء من الله وقدر ))[/size]
[size=5][ ورد في الأثر ][/size]
[size=5] والله سبحانه وتعالى لا يقضي إلا بالخير ، قد يكون الخير ظاهراً ، وقد يكون غير ظاهر ، وهنا معنى قوله تعالى : [/size]
[size=5]﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾[/size]
[size=5](سورة لقمان : 20)[/size]
[size=5] النعم الظاهرة ؛ هي النعم الظاهرة ، والنعم الباطنة ؛ هي المصائب ، فكم من مصيبة غيرت مجرى حياة الإنسان ، من الضياع إلى الهدى ، ومن الشقاء إلى النعيم ، ومن المعصية إلى الطاعة ، وكم من مصيبة حملت صاحبها على الطاعة . [/size]
[size=5]﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾[/size]
[size=5](سورة الشورى : 30)[/size]
[size=5] ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عودٍ إلا بما قدمت أيديكم ، ويوم القيامة يكشف الغطاء . [/size]
[size=5]﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾[/size]
[size=5](سورة ق : 22)[/size]
[size=5] عندئذٍ تعرف الحقيقة على ما هي عليه ، لو كشف الغطاء لاخترتم الواقع . [/size]
[size=5]﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[/size]
[size=5](سورة يونس : 10)[/size]
[size=5] ما منكم واحد إلا ويعاني بعض المشكلات ، هذه القصة إجابة شافية كل المشكلات التي يعانيها المؤمن ، إنها مشكلات في ظاهرها ، ومعالجات في باطنها ، إنها مشكلات في ظاهرها ، وإكرام إلهي في حقيقتها .
الشيء الذي يلفت النظر في هذه الآيات أن سيدنا الخضر على علم بالشريعة ، لذلك قال : [/size]
[size=5][/size]
[size=5]﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾[/size]
[size=5] وسيدنا موسى على علم بالحقيقة ، ولكنه بالشريعة أعلم ، وسيدنا الخضر بالحقيقة أعلم ، وما هذا اللقاء إلا لقاء بحرين في العلم .
علم الشريعة ... وعلم الحقيقة ...
علم الشريعة المنهج الدقيق الذي يجب أن تسير عليه أفعال الإنسان المكلف ، وعلم الحقيقة تفسير لفعل الله عز وجل الذي لا ينطوي إلا على الرحمة ، والعدل ، واللطف ، والخير .
بقيت قصة أخيرة ، هي قصة ذي القرنين ، وفيها فوائد واستنباطات[/size]


الساعة الآن 04:01 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.