عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-08-2008, 01:12 AM
احمد الانباري احمد الانباري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




Tamayoz مشروعية الإغلاظ على الروافض

 


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد:

فقد سألني بعض الإخوة وفقهم الله عن الرد على المخالفين، ومتى يشرع الإغلاظ عليهم، ومتى يكون الرفق؟ وعن حكم من يسب الصحابة من الروافض ونحوهم؟ وهل يسوغ السكوت عنهم مع القدرة على الرد؟ وما الحكم فيمن يقول عمن يسب الصحابة لا يغلظ عليه لأن الإغلاظ عليه من باب سوء الخلق؟

فكتبت هذه الرسالة المختصرة مستعيناً بالله، فأقول:

إن الرد على الآخرين والكلام فيهم والغلظة عليهم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:

أن يكون ابتداء لأمر شخصي فهذا لا يجوز ؛ لأنه من التعدي والظلم - حتى لو كان المتكلم فيه كافراً - وقد قال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقد قال الله سبحانه - في الحديث القدسي الصحيح - (يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

القسم الثاني:

أن يكون على سبيل الاقتصاص من الغير والجزاء بالمثل فهذا جائز على أن يكون بقدر المظلمة، والعفو في هذه الحالة أفضل، قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}، وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.

القسم الثالث:

أن يكون ذلك غيرة على حرمات لله قد انتهكت، وقياماً على أهل البدع، وحرصاً على السنة، فهذا له حالتان:

الحالة الأولى:

أن يكون الذي انتهك ما حرمه الله جاهلاً أو غافلاً ونحو ذلك، أو يرجى رجوعه إذا لم يغلظ عليه، فهذا يعلّم ولا ينهر، ويرفق به، كما في حديث الأعرابي - الذي بال في المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم علمه برفق - ، وكما في حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه عندما تكلم في الصلاة فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها برفق ولم يزجره، وغير ذلك من الأحاديث.

الحالة الثانية:

أن يكون الذي انتهك ما حرمه الله عالماً بذلك، أو يكون مبتدعاً - يرى أن عمله قربة - لا يرجى رجوعه، أو يخشى من تدليسه على العامة، أو كافراً معادياً، ونحو ذلك، فالغضب من كلامه و القيام عليه والتحذير منه والغلظة له هو مذهب أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، وإليك بعض الأدلة:

1) ما ثبت في الصحيح - في صلح الحديبية - لما قال عروة الثقفي للرسول صلى الله عليه وسلم: إني لأرى وجوهاً وأرى أوباشاً من الناس خلقاء أن يفروا ويدعوك. عند ذلك غضب أبو بكر رضي الله عنه وقال له: (امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟).

قال الحافظ رحمه الله في الفتح: (وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك).

2) وما ثبت في الصحيح من قول عمر لحاطب رضي الله عنهما لما كاتب أهل مكة: (دعني أضرب عنق هذا المنافق).

قال ابن القيم رحمه الله في الزاد على هذا الحديث: (أن الرجل إذا نسب المسلم إلى النفاق والكفر متأولا وغضبا لله ورسوله ودينه لا لهواه وحظه فإنه لا يكفر بذلك بل لا يأثم به بل يثاب على نيته وقصده وهذا بخلاف أهل الأهواء والبدع فإنهم يكفرون ويبدعون لمخالفة أهوائهم ونحلهم وهم أولى بذلك ممن كفروه وبدعوه).

3) وما ثبت في الصحيح أيضاً من قول أسيد بن الحضير لسعد بن عبادة رضي الله عنهما عندما أخذت سعد الحمية لعبد الله بن أبي: (إنك منافق تجادل عن المنافقين).

4) وفي الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده).

5) وما ثبت في الصحيح من هجر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة للثلاثة الذين خلفوا خمسين يوماً حتى نزلت توبتهم.

6) وفي السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر عماراً وترك السلام عليه لأنه تضمخ بخلوق حتى غسله عنه.

7) وفي السنن أن الرسول صلى الله عليه وسلم هجر أنصارياً بنى قبة ولم يرد عليه السلام حتى هدمها.

8) وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر حفصة لما شتمت صفية.

9) وفي الصحيح أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها). فقال بلال بن عبد الله - وهو من الصالحين الثقات - : (والله لنمنعهن). قال الراوي: فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئا ما سمعته سبه مثله قط، وقال: (أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول والله لنمنعهن؟).

قال النووي رحمه الله تعالى على هذا الحديث: (وفيه تعزير المعترض على السنة والمعارض لها برأيه).

10) وفي الصحيح عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: أنه رأى رجلا يخذف - والخذف رمي الحصاة بين الإصبعين - فقال له: (لا تخذف ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: إنه لا يصاد به صيد، ولا ينكأ به عدو، ولكنها قد تكسر السن، وتفقأ العين). ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: (أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف وأنت تخذف، لا أكلمك كذا وكذا)، وفي رواية: (لا كلمتك أبداً).

قال النووي رحمه الله تعالى على هذا الحديث: (فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً).

11) وفي السنن أن عبادة بن الصامت غزا مع معاوية رضي الله عنهما أرض الروم، فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير وكسر الفضة بالدراهم فقال: (يا أيها الناس، إنكم تأكلون الربا ؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل لا زيادة بينهما ولا نظرة). فقال له معاوية: (يا أبا الوليد، لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة). فقال عبادة: (أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن رأيك، لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة)، وفي رواية: (لا يظلني وإياك سقف أبداً) .

12) وروى الإمام أحمد في الزهد أن عبد الله بن مسعود أبصر رجلاً يضحك في جنازة فقالا: (تضحك في جنازة؟ لا أكلمك أبداً).

13) وفي المسند عن ابن عباس قال: (تمتع النبي صلى الله عليه وسلم) - يعني في الحج - فقال عروة بن الزبير: (نهى أبو بكر وعمر عن المتعة). فقال ابن عباس: (ما يقول عرية) - تصغير عروة - ؟ قال: يقول: (نهى أبو بكر وعمر عن المتعة). فقال ابن عباس: (أراهم سيهلكون ؛ أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول نهى أبو بكر وعمر).

14) وفي الصحيح أن أبا قتادة حدث قال: كنا عند عمران بن حصين رضي الله عنه في رهط منا وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران يومئذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله). فقال بشير بن كعب: (إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقاراً، ومنه ضعف). قال: فغضب عمران حتى احمرت عيناه، وقال: (ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه؟).

15) وفي المسند وغيره عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها). قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال: (والذي نفسي بيده، لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله).

16) وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً، فقال رجل: إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله). قال: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته، فغضب من ذلك غضباً شديداً، واحمر وجهه، حتى تمنيت أني لم أذكره له).

17) وفي الصحيح عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان. قال: فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضباً من يومئذٍ. فقال: (أيها الناس، إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة).

18) وروى اللالكائي وغيره عن عبد الله عن نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: (يا أبا عبد الرحمن، الزنا بقدر؟)، قال: (نعم). قال: (قدره الله عليّ، ثم يعذبني؟!)، قال: (نعم، يا ابن اللخنا، لو كان عندي إنسان لأمرته أن يجأ بأنفك).

19) وفي السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بميمونة في عمرة القضية وقد شرط لكفار مكة ثلاثة أيام، فجاءه سهيل بن عمرو في نفر من أصحابه من أهل مكة فقال: يا محمد اليوم آخر شرطك. فقال: (دعوني أبتني بامرأتي وأصنع لكم طعاماً). فقال: لا حاجة لنا بك ولا بطعامك. فقال له سعد: (يا عاض بظر أمه، أرضك وأرض أمك، نحن دونه لا يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يشاء).

وأما الوارد عن السلف كثير في هذا الباب، ومن ذلك:

1) في سنن الدارقطني عن إسحاق بن سليمان الرازي قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، كم وزن صاع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: خمسة أرطال وثلث بالعراقي، أنا حزرته. قلت: يا أبا عبد الله، خالفت شيخ القوم. قال: من هو؟ قلت: فلان يقول: ثمانية أرطال. قال: فغضب غضباً شديداً، وقال: قاتله الله، ما أجرأه على الله!

2) وفي السنة لعبد الله بن أحمد: عن ابن المبارك أنه سأله رجل عن مسألة، فحدثه فيها بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الرجل: قال فلان بخلاف هذا. فغضب ابن المبارك غضباً شديداً وقال: أروي لك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأتيني برأي رجل يرد الحديث، لا حدثتكم اليوم بحديث. وقام.

3) وفي السنة لعبد الله لما قيل للإمام أحمد عن قول الكرابيسي في القرآن قال: كذب هتكه الله الخبيث، ولما قيل لأبي ثور عن قول الكرابيسي تكلم فيه بكلام سوءٍ رديء.

4) وبوّب اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) باباً سماه (أخبار الجعد بن درهم لعنه الله)، ولعن المريسي والجهم وغيرهم.

5) وقال ابن قتيبة في مختلف الحديث عن - أبي الهذيل العلاف المعتزلي - : (وكذب أبو الهذيل الكافر الجاحد لعنه الله).

6) وروى البخاري في (خلق أفعال العباد) عن وكيع قال: على المريسي لعنة الله. وروى عن كثير من السلف لعنهم وتكفيرهم وشتمهم للجهيمة والمعتزلة.

والمنقول عن السلف في الغضب لله والتشنيع على من رد الحق برأيه وبهواه كثير جداً، وإنما المقصود الإشارة.

فصل؛ فيمن تكلم على الصحابة

أما الكلام في الصحابة رضوان الله عليهم فهو علامة الزندقة والخبث، والسكوت على قائله مع القدرة دليل على ضعف الإيمان، وعلى ضعف توقير الصحابة في قلب الساكت.

وإلا فلو وقع هذا الرجل وتكلم في (أم) أحدهم لأقام الدنيا ولم يقعدها غضباً لأمه، والمسلمون وأمهاتهم لا تساوي أعمالهم مد أقل الصحابة فضلاً رضوان الله عليهم أجمعين ولعن مبغضهم.

1) روى ابن عبد البر في التمهيد وغيره عن المنذر بن عبد الله قال: ما سمعت من هشام بن عروة رحمه الله تعالى رفثاً قط إلا يوماً واحداً، فإن رجلاً من أهل البصرة كان يلزمه فقال له: يا أبا المنذر، نافع مولى ابن عمر كان يفضل أباك - يعني عروة بن الزبير - على أخيه عبد الله - يعني عبد الله بن الزبير - فقال: كذب والله نافع، وما يدري نافع عاض بظر أمه؟ عبد الله والله خير وأفضل من عروة.

وذلك لأن عبد الله أدرك فضل الصحبة دون عروة.

فانظر هنا:

أولاً: أن المشتوم نافع، ومَن نافع؟ من أعلام التابعين وخيارهم وثقاتهم وفضلائهم.

ثانياً: أن نافعاً لم يشتم عبد الله بن الزبير ولم يقدح فيه، وإنما فضل عليه أخاه عروة، وعروة من فضلاء التابعين وخيارهم.

ثالثاً: أنه شتمه بلفظ فاحش.

فهل يقارن هذا التابعي الجليل بمثل هؤلاء الروافض الأنجاس؟ وهل يقارن تفضيله عروة على عبد الله، بشتم هؤلاء لأبي بكر وعمر؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

2) ومن جنس هذا أيضا: ما رواه عباس الدوري في (تاريخه) قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ومن مينا - يعني الراوي: مينا بن أبي مينا - الماص بظر أمه حتى يتكلم في الصحابة؟

3) ومن جنسه أيضاً ما في (الضعفاء للعقلي) عن أبي بكر بن عياش قال: أقول لهم حدثنا أبو حصين، فيقولون حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن ذي لعوة، الماص بظر أمه، كان يشتم عثمان.

4) وقال الإمام أحمد في رسالته في السنة - وقد ذكرها القاضي أبو يعلى في (طبقات الحنابلة في ترجمة الاصطخري) - : (فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أحداً منهم أو تنقصه أو طعن عليهم أو عرض بعيبهم أو عاب أحداً منهم فهو: مبتدع، رافضي، خبيث، مخالف، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).

وقال في نفس الرسالة: (و الرافضة هم الذين يتبرؤون من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم، وليست الرافضة من الإسلام في شيء).

5) وفي السنة لعبد الله بن أحمد: قال الإمام أحمد: إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام.

6) وقال إسحاق بن راهويه: من شتم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعاقب ويحبس.

7) وروى الخطيب في (الكفاية) عن أبي زرعة الرازي قال: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة).

8) وروى اللالكائي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: لو أتيت برجل يسب أبا بكر ما كنت صانعاً؟ قال: أضرب عنقه. قلت: فعمر؟ قال: أضرب عنقه.

9) وروى الخلال في السنة عن موسى بن هارون بن زياد قال: سمعت الفريابي ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر؟ قال: كافر. قال: فيصلي عليه؟ قال: لا. وسألته: كيف يصنع به وهو يقول لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسوه بأيديكم، ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته.

10) وفي ترجمة (تليد بن سليمان المحاربي) في (التهذيب) أن يحيى بن معين قال فيه: (كذاب، كان يشتم عثمان، وكل من شتم عثمان أو طلحة أو واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجال، لا يكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).

11) وفي ترجمة (أبي الأحوص سلام بن سليم) في (سير أعلام النبلاء): (وكان إذا ملئت داره من أصحاب الحديث، قال لابنه أحوص: يا بني، قم فمن رأيته في داري يشتم أحداً من الصحابة فأخرجه، ما يجيء بكم إلينا؟).

12) وفي ترجمة (عمرو بن الوليد) في (لسان الميزان): (قال الحسين بن الوليد: خاطبت عمرو بن الوليد: أتجيز شهادة من يشتم الصحابة؟ فقال: أنظر قبل هو مؤمن حتى أجيز شهادته).

وكلامهم كثير جداً، وفيما سبق كفاية لمن أراد الحق.

فصل؛ في حكم شتم الصحابة وما يترتب عليه

قد اتفق جميع علماء الإسلام - على اختلاف مذاهبهم - على أن من شتم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعاقب، وإنما اختلفوا في العقوبة، فمنهم من قال يقتل، ومنهم من قال يضرب، ومنهم من قال يحبس، أما القول بتركه فلا يقوله أحد من أهل السنة (1).

وقد قال شيخ الإسلام في آخر (الصارم المسلول): (فصل: فأما من سب أحداً من أصحاب رسول الله من أهل بيته وغيرهم، فقد أطلق الإمام أحمد أنه يضرب ضرباً نكالاً وتوقف عن كفره وقتله.

قال أبو طالب: سألت أحمد عمن شتم أصحاب النبي؟ قال: القتل أجبن عنه ولكن أضربه ضرباً نكالاً.

وقال عبد الله: سألت أبي عمن شتم رجلاً من أصحاب النبي؟ قال: أرى أن يضرب. قلت: له حد؟ فلم يقف على الحد إلا أنه قال: يضرب. وقال: ما أراه على الإسلام. وقال: سألت أبي من الرافضة؟).

إلى أن قال: (وقال - أي الإمام أحمد - في الرسالة التي رواها أبو العباس أحمد بن يعقوب الإصطخري وغيره: وخير الأمة بعد النبي أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قبل منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع. وحكى الإمام أحمد هذا عمن أدركه من أهل العلم.

وحكاه الكرماني عنه وعن إسحاق والحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم.

وقال الميموني: سمعت أحمد يقول: ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية.

وقال لي: يا أبا الحسن، إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله بسوء فاتهمه على الإسلام. فقد نص رضي الله عنه على جواب تعزيره واستتابة حتى يرجع بالجلد وإن لم ينته حبس حتى يموت أو يراجع، وقال: ما أراه على الإسلام، واتهمه على الإسلام، وقال: أجبن عن قتله. وقال إسحاق بن راهويه: من شتم أصحاب النبي يعاقب ويحبس.

وهذا قول كثير من أصحابنا منهم ابن أبي موسى قال: ومن سب السلف من الروافض فليس بكفؤ ولا يزوج، ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين ولم ينعقد له نكاح على مسلمة إلا أن يتوب ويظهر توبته.

وهذا في الجملة قول عمر بن عبد العزيز وعاصم الأحول وغيرهما من التابعين.

قال الحارث بن عتبة: إن عمر بن عبد العزيز أتي برجل سب عثمان، فقال: ما حملك على أن سببته؟ قال: أبغضه. قال: وإن أبغضت رجلاً سببته. قال: فأمر به فجلد ثلاثين سوطاً. وقال إبراهيم بن ميسرة: ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنساناً قط إلا إنساناً شتم معاوية فضربه أسواطاً رواهما اللالكائي.

وقد تقدم أنه كتب في رجل سبه لا يقتل إلا من سب النبي ولكن اجلده فوق رأسه أسواطاً ولولا أني رجوت أن ذلك خير له لم أفعل.

وروى الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول قال: أتيت برجلٍ قد سب عثمان قال: فضربته عشرة أسواط. قال: ثم عاد لما قال، فضربته عشرة أخرى، قال: فلم يزل يسبه حتى ضربته سبعين سوطاً.

وهذا هو المشهور من مذهب مالك، قال مالك: من شتم النبي قتل، ومن شتم أصحابه أدّب. وقال عبد الملك بن حبيب: من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدباً شديداً، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد ويكرر ضربه ويطال سجنه حتى يموت ولا يبلغ به القتل إلا في سب النبي.

وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يوجب قتل من سب من بعد النبي.

وقال القاضي أبو يعلى: الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة إن كان مستحلاً (2) لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلاً فسق ولم يكفر، سواء كفّرهم أو طعن في دينهم مع إسلامهم.

وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة و غيرهم بقتل من سب الصحابة وكفر الرافضة.

قال محمد بن يوسف الفريابي: وسئل عمن شتم أبا بكر قال: كافر. قيل: فيصلى عليه؟ قال: لا. وسأله: كيف يصنع به وهو يقول لا اله الا الله؟. قال: لا تمسوه بأيديكم ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته.

وقال أحمد بن يونس: لو أن يهودياً ذبح شاة وذبح رافضي لأكلت ذبيحة اليهودي ولم آكل ذبيحة الرافضي لأنه مرتد عن الإسلام.

وكذلك قال أبو بكر بن هانيء: لا تؤكل ذبيحة الروافض والقدرية كما لا تؤكل ذبيحة المرتد.

مع أنه تؤكل ذبيحة الكتابي لأن هؤلاء يقامون مقام المرتد وأهل الذمة يقرون على دينهم وتؤخذ منهم الجزية.

وكذلك قال عبد الله بن إدريس - من أعيان أئمة الكوفة - : ليس لرافضي شفعه لأنه لا شفعة إلا لمسلم.

وقال فضيل بن مرزوق: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة: والله إن قتلك لقربة إلى الله، وما امتنع من ذلك إلا بالجوار.

وفي رواية قال: رحمك الله قد عرفت إنما تقول هذا تمزح؟ قال: لا والله، ما هو بالمزح ولكنه الجد. قال: وسمعته يقول: لئن أمكننا الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم.

وصرح جماعات من أصحابنا بكفر الخوارج المعتقدين البراءة من علي وعثمان، وبكفر الرافضة المعتقدين لسب جميع الصحابة الذين كفروا الصحابة وفسقوهم وسبوهم.

وقال أبو بكر عبد العزيز في المقنع: وأما الرافضي فإن كان يسب فقد كفر فلا يزوج.

ولفظ بعضهم وهو الذي نصره القاضي أبو يعلى: إنه إن سبهم سباً يقدح في دينهم أو عدالتهم كفر بذلك، وإن كان سباً لا يقدح مثل إن يسب أبا أحدهم أو يسبه سباً يقصد به غيظه ونحو ذلك لم يكفر.

قال أحمد في رواية أبي طالب في الرجل يشتم عثمان: هذه زندقة.

وقال في رواية المروذي: من شتم أبا بكر وعمر وعائشة ما أراه على الإسلام.

وقال في رواية حنبل: من شتم رجلاً من أصحاب النبي ما أراه على الإسلام.

قال القاضي أبو يعلى: فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبه لأحد من الصحابة، وتوقف في رواية عبد الله وأبي طالب عن قتله، وكمال الحد وإيجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره).

ثم إن شيخ الإسلام رحمه الله عقد فصلاً في آخر الكتاب عن حكم سبهم وما يترتب عليه فراجعه.

وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه): (قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير عن مغيرة قال: كان يقال: شتم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الكبائر.

قلت - أي ابن كثير - : وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة، وهو رواية عن مالك بن أنس رحمه الله.

وقال محمد بن سيرين: ما أظن أحداً يبغض أبا بكر وعمر وهو يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي).

وقال أيضاً في سورة التوبة عن الصحابة: (فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم، ولاسيما سيد الصحابة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وخيرهم وأفضلهم، أعني الخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذاً بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة).

والنقول في هذا الباب كثيرة جداً، ذكر جملة منها القاضي عياض في (الشفا)، وابن حجر الهيتمي في (الزواجر) وغيرهما.

هذا ما تيسر إيراده في هذه المسألة.


1) فمن رأى أنه لا يعاقب مطلقاً ، بل ولا يسب ويشتم ويغلظ عليه فقد خالف أهل السنة كلهم .
2) والروافض لا يستحلون هذا فقط ، بل يرونه دينا وقربة . هذه المادة هي للشيخناصر بن حمد الفهد
رد مع اقتباس