عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 04-23-2009, 09:55 AM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي




الإمارة الأموية وفتراتها

ظل عبد الرحمن الداخل يحكم الأندلس منذ سنة ثمان وثلاثين ومائة من الهجرة، وحتى سنة اثنتين وسبعين ومائة من الهجرة، أي قرابة أربعة وثلاثين عاما، وكانت هذه هي بداية تأسيس عهد الإمارة الأموية ، والتي استمرت من سنة ثمان وثلاثين ومائة من الهجرة وحتى سنة ست عشرة وثلاثمائة من الهجرة .
ولفهم عهد الإمارة الأموية يمكننا تقسيمه إلى فترات كما يلي ..
الفترة الأولى ، واستمرت مائة عام كاملة من سنة ثمان وثلاثين ومائة وحتى سنة ثمان وثلاثين ومائتين من الهجرة ، وتعتبر هذه الفترة هي فترة القوة والمجد والحضارة، وكان فيها هيمنة للدولة الإسلامية على ما حولها من مناطق .


الفترة الثانية ، وتعد فترة ضعف ، وقد استمرت اثنين وستين عاما ، من سنة ثمان وثلاثين ومائتين وحتى سنة ثلاثمائة من الهجرة .


الفترة الأولى من الإمارة الأموية فترة القوة


تمثل هذه الفترة عهد القوة في فترة الإمارة الأموية ، كانت البداية فيها - كما ذكرنا - لعبد الرحمن الداخل رحمه الله ثم خلفه من بعده ثلاثة من الأمراء ، كان أولهم هشام بن عبد الرحمن الداخل ، وقد حكم من سنة اثنين وسبعين ومائة وحتى سنة ثمانين مائه من الهجرة .

عهد هشام بن عبد الرحمن الداخل


بعد فترة طويلة من الاختبارات والمشاورات كان عبد الرحمن الداخل قد استقر من بين ابنيه الأكبر سليمان والأصغر هشام على ابنه هشام ، فولاّه العهد مع كونه أصغر من أخيه سليمان ، وقد صدق حدسه فيه؛ حيث كان الناس يشبهونه بعد ذلك بعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في علمه وعمله وورعه وتقواه .
كان هشام بن عبد الرحمن الداخل عالما محبا للعلم ، قد أحاط نفسه رحمه الله بالفقهاء ، وكان له أثر عظيم في بلاد الأندلس بنشره اللغة العربية فيها ، وقد أخذ ذلك منه مجهودا وافرا وعظيما ، حتى لقد أصبحت اللغة العربية تُدرّس في معاهد اليهود والنصارى في داخل أرض الأندلس ، ثم قام أيضا بنشر المذهب المالكي بدلا من المذهب الأوزاعي ، هذا فضلا عن صولاته وجولاته الكثيرة في الشمال مع الممالك النصرانية .



عهد الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل


تولى بعد هشام بن عبد الرحمن الداخل ابنه الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، وذلك من سنة ثمانين ومائة وحتى سنة ست ومائتين من الهجرة ، كن الحكم هذا لم يكن على شاكلة أبيه ولا على شاكلة جده فكان قاسيا جدا، فرض الكثير من الضرائب، واهتم بالشعر والصيد، وقاوم الثورات بأسلوب غير مسبوق في بلاد الأندلس في عهد الإمارة الأموية، حيث كان يحرق بيوت الثائرين، وكان يطردهم خارج البلاد.
ومن أشهر الثورات التي قمعها الحكم بن هشام ثورة الربض ، وهم قوم كانوا يعيشون في منطقة جوار قرطبة ، وقد ثار أهلها ثورة كبيرة جدا عليه، فأحرق ديارهم وطردهم خارج البلاد ، ورغم ما في هذا الأمر من القسوة وغيرها فإنه حين طرد الربضيين خارج البلاد فقد انتقلوا إلى جزيرة كريت في عرض البحر الأبيض المتوسط، وأسسوا بها مملكة إسلامية ظلت قائمة مائة عام متصلة.
ورغم أفعاله تلك إلا أن الحكم بن هشام لم يوقف حركة الجهاد؛ وذلك لأن الجهاد كان عادة في الإمارة الأموية سواء في بلاد الشام أو في بلاد الأندلس ، لكن كانت له انتصارات وهزائم في نفس الوقت، وكنتيجه طبيعية لهذا الظلم الذي كان عنده، وهذه العلاقة التي ساءت بين الحاكم والمحكوم سقطت بعض البلاد الإسلامية في يد النصارى ، فسقطت برشلونة وأصبحت تُكّون إمارة نصرانية صغيرة في الشمال الشرقي عرفت في التارخ باسم إمارة أراجون ، وكانت متاخمة لحدود فرنسا بجوار جبال البيرينيه في الشمال الشرقي للبلاد.
لكن الحكم بن هشام بفضل من الله ومنٍّ عليه أنه تاب عن أفعاله في آخر عهده ، ورجع عن ظلمه ، واستغفر واعتذر للناس عن ذنوبه ، ثم اختار من أبنائه أصلحهم وإن لم يكن الأكبر ليكون وليا لعهده ، وكان من حسن خاتمته أنه قام بهذا الاعتذار وهذه التوبة وهو في كامل قوته وبأسه ، وذلك قبل موته بعامين .



عهد عبد الرحمن الأوسط



بعد الحكم بن هشام تولى ابنه عبد الرحمن الثاني ، وهو المعروف في التاريخ باسم عبد الرحمن الأوسط فهو الأوسط بين عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر كما سيأتي ، وقد حكم من سنة ست ومائتين وحتى آخر الفترة الأولى عهد القوة من عهد الإمارة الأموية ، وذلك سنة ثمان وثلاثين ومائتين من الهجرة ، وتعد فترة حكمه هذه من أفضل فترات تاريخ الأندلس ، فاستأنف الجهاد من جديد ضد النصارى في الشمال وألحق بهم هزائم عدة ، وكان حسن السيرة ، هادئ الطباع ، محبا للعلم محبا للناس .
ومن أهم ما ميز عهد عبد الرحمن الأوسط الأمور الثلاثة التالية
= أولاً ازدهار الحضارة العلمية ..
كان عبد الرحمن الأوسط لتقديره العلم يستقدم العلماء من بغداد ومن كل بلاد العالم الإسلامي ، فجاءوا إلى بلاد الأندلس وعظمهم وأكرمهم ورفع من شأنهم ، وأسس نواة مكتبة قرطبة العظيمة ، وأشاع التعليم في كل بلاد الأندلس .
وقد اشتهر العلماء في هذه الفترة في كل مجالات العلوم ، وكان من أشهرهم في ذلك الوقت عباس بن فرناس رحمه الله ، وهو أول من قام بمحاولة طيران في العالم ، وقد راح ضحية هذه المحاولة البكر ، وفضلا عن هذا فقد كانت له اختراعات كثيرة في شتى المجالات ، فاخترع آله لتحديد الوقت ، واخترع آله تشبه قلم الحبر ، وقد كان لهذا الاختراع أهمية كبيرة في ذلك الزمن الذي انتشر فيه العلم والتعليم ، ويعد أيضا أول من اخترع الزجاج من الحجارة .

= ثانياً ازدهار الحضارة المادية
اهتم عبد الرحمن الأوسط بالحضارة المادية العمرانية والاقتصادية وغيرها اهتماما كبيرا ، فازدهرت حركة التجارة في عهده ، ومن ثم كثرت الأموال ؛ الأمر الذي أجمع فيه المؤرخون أنه لم يكن هناك في الأندلس ما نسميه بـ quot ; عادة التسول ، كانت هذه العادة منتشرة في بعض البلاد الإسلامية الأخرى لكنها لم تُعرف أصلا في بلاد الأندلس .
كذلك تقدمت وسائل الري في عهده بشكل رائع ، وتم رصف الشوارع وإنارتها ليلا في هذا العمق القديم جدا في التاريخ ، الوقت الذي كانت أوروبا تعيش فيه في جهل وظلام دامس ، كما أقام القصور المختلفة والحدائق الغنّاء ، وتوسع جدا في ناحية المعمار حتى كانت المباني الأندلسية آية في المعمار في عهده .

= ثالثاً وقف غزوات النورمان ..
النورمان هم أهل إسكندنافيا ، وهي بلاد تضم الدانمارك والنرويج وفنلندا والسويد ، وقد كانت هذه البلاد تعيش في همجية مطلقة ، فكانوا يعيشون على ما يسمى بحرب العصابات ، فقاموا بغزوات عرفت باسم غزوات الفايكنج ، وهي غزوات إغارة على أماكن متفرقة من بلاد العالم ، ليس من هم لها إلا جمع المال وهدْم الديار .
في عهد عبد الرحمن الأوسط وفي سنة ثلاثين ومائتين من الهجرة هجمت هذه القبائل على أشبيلية من طريق البحر في أربع وخمسين سفينة ، دخلوا فأفسدوا فسادا كبيرا ، فدمروا أشبيلية تماما ، ونهبوا ثرواتها ، وهتكوا أعراض نسائها ، ثم تركوها إلى شذونة وألمرية ومرسيه وغيرها من البلاد فأشاعوا الرعب وعم الفزع ، وشتّان بين المسلمين في فتحهم للبلاد وبين غيرهم في معاركهم .
ما كان من عبد الرحمن الأوسط رحمه الله إلا أن جهز جيشه وأعد عدته ، ولأكثر من مائة يوم كاملة دارت بينه وبينهم معارك ضارية ، أغرقت خلالها خمس وثلاثين سفينة للفايكنج ، ومنّ الله على المسلمين بالنصر ، وعاد النورمان إلى بلادهم خاسئين .
لم يجنح عبد الرحمن الأوسط رحمه الله بعدها إلى الدعة أو الخمول ، وإنما عمل على تفادي تلك الأخطاء التي كانت سببا في دخول الفايكنج إلى بلاده فقام بما يلي ..
= أولاً رأى أن أشبيلية تقع على نهر الوادي الكبير الذي يصب في المحيط الأطلنطي ، ومن السهولة جدا أن تدخل سفن الفايكنج أو غيرها من المحيط الأطلنطي إلى أشبيلية ، فقام بإنشاء سور ضخم حول أشبيلية ، وحصّنها تحصينا ظلت بعده من أحصن حصون الأندلس بصفة عامة .
= ثانياً لم يكتف بذلك بل قام أيضا بإنشاء أسطولين قويين جدا ، أحدهما في الأطلسي والآخر في البحر الأبيض المتوسط ، وذلك حتى يدافع عن كل سواحل الأندلس ، فكانت هذه الأساطيل تجوب البحار وتصل إلى أعلى حدود الأندلس في الشمال عند مملكة ليون ، وتصل في البحر الأبيض المتوسط حتى إيطاليا .
وكان من نتيجة ذلك أنه فتح جزر البليار للمرة الثانية ، كنا قد ذكرنا أن الذي فتحها للمرة الأولى كان موسى بن نصير رحمه الله وذلك قبل فتح الأندلس سنة إحدى وتسعين من الهجرة ، ثم سقطت في أيدي النصارى في عهد الولاة الثاني حين انحدر حال المسلمين آنذاك ، وهنا وفي سنة أربع وثلاثين ومائتين من الهجرة تم فتحها ثانية .
كذلك كان من نتيجة هزيمة الفايكنج في هذه الموقعة قدوم سفارة من الدانمارك محملة بالهدايا تطلب ود المسلمين ، وتطلب المعاهدة معهم .



الفترة الثانية من الإمارة الأموية فترة الضعف

بوفاة عبد الرحمن الأوسط رحمه الله يبدأ عهد جديد في بلاد الأندلس ، وهو فترة الضعف في الإمارة الأموية ، ويبدأ من سنة ثمان وثلاثين ومائتين وحتى سنة ثلاثمائة من الهجرة ، أي حوالي اثنتين وستين سنة .
تولى بعد عبد الرحمن الأوسط ابنه محمد بن عبد الرحمن الأوسط ثم اثنين من أولاده المنذر ثم عبد الله ، وحقيقة الأمر أن الإنسان ليتعجب كيف بعد هذه القوة العظيمة والبأس الشديد والسيطرة على بلاد الأندلس وما حولها يحدث هذا الضعف وهذا السقوط وهذا الانحدار ؟!
أولاً انفتاح الدنيا وحب الغنائم .
ثانياً القبلية والقومية .
ثالثاً ظلم الولاة .
رابعاً ترك الجهاد .
وكل هذه الأسباب لم تنشأ فجأة ، وإنما كانت بذورها قد نشأت منذ أواخر عهد القوة من عهد الولاة أثناء وبعد موقعة بلاط الشهداء .
إذن لكي نفهم سبب ضعف الإمارة الأموية علينا أن نرجع قليلاً ، وندرس الفترة الأخيرة من عهد القوة ، ونبحث فيها عن بذور الضعف والأمراض التي أدّت إلى هلكة أو ضعف الإمارة الأموية في هذا العهد الثاني .




التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 06-11-2009 الساعة 12:48 PM
رد مع اقتباس