بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء التاسع
( 1 )
بعض آيات من سورة الأعراف
قد يقول إنسان ما فائدة الإيمان ؟ في التعامل بين الناس؟
وتجيب الآيات الكريمة علي هذا التساؤل وتضع قواعد
للأمان والرخاء ثم بيان لعاقبة المكذبين .
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ -96 أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ – 97 أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ – 98 أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ - 99
لو آمنوا بقلوبهم إيمانا صادقا صدقته الأعمال، فالمؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده .
ولو استعملوا تقوى اللّه تعالى ظاهرا وباطنا بترك جميع ما حرم اللّه،
والتقوى هي الخشية من الله تعالى في القلب تنعكس على جميع جوارح الإنسان , فإذا تحقق الإيمان والتقوى بين المجتمعات , لفتح الله تعالى عليهم بركات السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب، ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ بالعقوبات والبلايا ونزع البركات، وكثرة الآفات، هي بعض جزاء أعمالهم، وإلا فلو آخذهم بجميع ما كسبوا، ما ترك عليها من دابة. ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾41 الروم
﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى﴾ أي: المكذبة، بقرينة السياق ﴿أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا﴾ أي: عذابنا الشديد ﴿بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ﴾ أي: في غفلتهم، وغرتهم وراحتهم.
﴿أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ أي: أي شيء يؤمنهم من ذلك، وهم قد فعلوا أسبابه، وارتكبوا من الجرائم العظيمة، ما يوجب بعضه الهلاك؟!
﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ﴾ حيث يستدرجهم من حيث لا يعلمون، ويملي لهم، إن كيده متين، ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾
وقد بين لنا ربنا أوصافهم في آية آخرى , قال تعالى :
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ – 27 البقرة
ولا يقتصر الخسران في الدنيا بل يشمل الأخرة , نسأل الله السلامة .
قال تعالى: (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) الزمر/15
فإن من أمن من عذاب اللّه، فهو لم يصدق بالجزاء على الأعمال، ولا آمن بالرسل حقيقة الإيمان.
وهذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ، على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنا على ما معه من الإيمان.
بل لا يزال خائفا وجلا أن يبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعيا بقوله: ﴿يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك﴾ وأن يعمل ويسعى، في كل سبب يخلصه من الشر، عند وقوع الفتن، فإن العبد - ولو بلغت به الحال ما بلغت - فليس على يقين من السلامة.
وقوله تعالى " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا " أي آمنت قلوبهم بما جاء به الرسل وصدقت به واتبعوه واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات " لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " أي قطر السماء ونبات الأرض, وهذه هي الثروة الحقيقية للبشر ومن دونها لا يجدي شئ.
كيف يعيش الإنسان دون ماء عزب , كيف يعيش الإنسان دون أن تنبت الأرض بإذن ربها تلك الثمار التي يتقوت بها الإنسان وغيره من سائر المخلوقات , فإن البركة في هذه الأشياء الهامة من مياه عزبة وثمار طيبة وثروة سمكية وثروة حيوانية وثروة معدنية , هي الأساس الحقيقي للحياة الطيبة التي يتطلع إليها الإنسان . وكلها هبة من الله تعالى ,
قال تعالى " ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " أي ولكن كذبوا رسلهم فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم.
هل أدركنا ضرورة الإيمان برسالة الله تعالى وتطبيق ما ورد فيها من أداب وأخلاق وبيان لحقيقة التقوى حتى نسعد في الدنيا والآخرة. قال تعالى :
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – 97 النحل
****
وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى