4. تعهد البصر:
فللبصر تأثير بالغ وكبير على العقل والقلب فما أن يقع البصر على شيء حتى تنتقل الصور إلى العقل والقلب متحولة إلى أفكار تسيطر على عقل المصلى وتشغله في الصلاة، وقد سُأل النبي صلى الله عليه و سلم كما جاء في صحيح البخاري عن الألتفات في الصلاة فقال:
" هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ".
ولذلك كان توجيه النبي لأنس كما في سنن البيهقى :
" يا أنس اجعل بصرك حيث تسجد ".
· وفي هذه إشارة واضحة إلى أن الخشوع يتأكد بعدم تشتيت البصر ولذلك راعى النبي صلى الله عليه و سلم كل ما يشغلك ويشتت النظر من ملبس أو المكان المعد الصلاة.
· أما بالنسبة للملبس:
- فقد اخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها:
" أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى في خميصه بها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال: أذهب بخميصتي(1) هذه إلى أبى جهم
وائتوني بأنبجاتية(2) أبى جهم فإنها ألهتني آنفا في صلاتي ".
فإذا كان الثوب شغله في الصلاة ونزعه خشية على خشوعه فنحن من باب أولى.
(1) الخميصة : كساء مربع له علمان. وهو غإلى الثمن يأتى من الشام وسمى خميصة لخفته وصفرة إلى طول.
(2) أنبجاتية : كساء غليظ لا علم له معروف عند العرب.
· أما بالنسبة لموضوع الصلاة:
1- فقد أخرج البخاري عن أنس رضى الله عنه قال:
" كان قرام(3) لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبى صلى الله عليه و سلم أميطي(4) عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض(5) في صلاتي ".
(3) القرام: ستر رقيق من صوف ذو ألوان وقيل فيه رقم ونقش.
(4) أميطى: أزيلى
(5) تعرض: تلوح
2- وأخرج الإمام مسلم عن القاسم عن عائشة (رضي الله عنها) أنها كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوه ، فكان النبي صلى الله عليه و سلم يصلى إليه فقال:
" أخريه عنى فإن تصاويره تعرض لي في صلاتى " فأخرته فجعلته وسائد.
ويدل على ذلك أيضا ما أخرجه أبو داود وهو في صحيح الجامع :
" أن النبي صلى الله عليه و سلم لما دخل الكعبة ليصلى فيها رأى قرني كبش فلما صلى قال لعثمان الحجبي: إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلى" .
· وهنا ينبغي أن ننتبه إلى زخرفة المساجد والتي أصبحت سمه من سمات هذا العصر وزخرفة المساجد ليست من هدى سيد المرسلين بل فيها متابعة لأحفاد القردة والخنازير.
- فقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال:
" لتُزخْرِفُنَها كما زخرفت اليهود والنصارى".
·بل عد النبي صلى الله عليه و سلم زخرفه المساجد علامة من علامات الساعة:
- فقد أخرج أبو داود عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم :
" لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد "
فلابد من الرجوع إلى خير القرون وانظر إلى قول عمر عندما أمر ببناء المسجد قال: اُكِنَّ الناس من المطر وإياك أن تُحّمر أو تُصفر فتفتن الناس.
5. تعهد حاسة السمع
· فلاشك أن السمع طريقه موصل ومباشر للعقل فكل ما يشوش على سمع المصلى فهو يشوش على عقله وبالتالي يؤثر في خشوعه.
- فقد أخرج أبو داود عن أبى سعيد الخدري قال:
" اعتكف رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة ".
فإن رفع الصوت يجذب سمع المصلى ويخرجه عما يقول في صلاته.
· ولذلك نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن تصلى خلف من يتحدث أو خلف من هو نائم.
-فقد أخرج أبو داود وهو في صحيح الجامع أن النبيصلى الله عليه وسلم قال :
" لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث. لأن المتحدث يلهى بحديثه، والنائم قد يبدو منه ما يلهى ".
· قال الخطابي:
- أما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد بن حنبل وذلك من أجل أن كلامهم يُشغل المصلى عن صلاته.
-أما أدله النهى عن الصلاة خلف النائم فقد ضعفها عدد من أهل العلم ومنهم (أبو داود في سننه، وابن حجر في فتح الباري ..). وقال البخاري باب الصلاة خلف النائم وساق حديث عائشة:
"كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلى وأنا راقدة معترضة على فراشه"
وكره مالك وطاووس ومجاهد الصلاة إلى النائم خشيه أن يبدو منه ما يلهى المصلى عن صلاته.
فإذا أُمن ذلك فلا تكره الصلاة خلف النائم.
6. تعهد حاسة الشم:
وكذلك حاسة الشم من الحواس التي لها تأثير بالغ على عقل وقلب الإنسان، فالرائحة الطيبة تسكن النفس وتهدى الأعصاب، والرائحة الكريهة تهيج الأعصاب ويتمنى الإنسان أن لو بَعُدت عنه أو بَعُد عنها، ولذلك حرص النبى صلى الله عليه و سلم على ألا يعكر صفو المصلى وذلك بشم رائحة كريهة مثل
"البصل أو الثوم أو الكراث".
-فقد أخرج البخاري مسلم عن أنس رضى الله عنه
أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
"من أكل من هذه الشجرة – يعنى الثوم- فلا يقربنا ولا يصلى معنا".
- وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
"من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريح الثوم".
وذلك مراعاة لحال المصلين حتى لا يتأذوا من هذه الرائحة وينقطع عليهم الخشوع، ومراعاة كذلك لحال الملائكة فقد خرج أخرج الإمام مسلم من حديث جابر قال:
"نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أكل البصل والكرات فغلتنا الحاجة فأكلنا منها فقال: من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس".
· ويلحق بالثوم والبصل الدخان، والجورب ذو الرائحة الكريهة، وملابس أصحاب المهن والأعمال الشاقة التي تنبعث منها رائحة العرق النافذة
أو تكون متسخة مثل الملابس المشحمة.
من كتاب كيف نصلى ونخشع
منقول