عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-10-2010, 08:12 PM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




افتراضي

شهادات أطباء تؤكد تلوث اللحوم.. وبيطريون: الميكروبات تنتشر بسبب الذبح اليدوى والتلوث يزداد أثناء النقل


الذبح والسلخ والتشفية تتم على الأرض


الجميع يتدافع نحو وجهة واحدة.. إلا هى تتحرك فى صمت وسط زحام شديد ضاق به المكان، لم توقفها رائحة الدم المنبعثة ولا صرخات وعويل الحيوانات أو نداءات «المِعَلمين» المدوية لتثبيت ماشية حان وقت ذبحها، تتحرك بجسد نحيل وملامح فتية تشهد بأنها لم تتجاوز العشرين من العمر، تقحم يديها الصغيرتين فى إحدى البالوعات الملاصقة لجدران «عنبر الذبح» تخرج يداها ملوثتين بالدماء ممسكة مخلفات وبقايا أحشاء تلك الماشية، ومهما دفعك المشهد للتقيؤ، تظل هى محتفظة بتوازنها تجاه مخلفات مجزر المنيب الآلى، فهو المكان الذى صنفها عاملة نظافة، وقت أن قررت العمل فيه منذ بضع سنوات.
ربما لم تعد تستنشق هى أو غيرها ممن يعملون بالمجزر رائحة الهواء النقى، فرائحة الدم وإفرازات ومخلفات الذبائح التى ترد إلى المجزر طوال ساعات اليوم جعلت كل من فيه يعتادون عبور برك الدماء دون أن يصيب أحدهم القلق تحسباً لتعرضه لمرض ما ينتقل إليه عبر هذه الدماء، يستنشقون هواء المكان مهما كان تلوثه، أغلبهم على قناعة بأن هذه هى طبيعة العمل فى المجزر وإلا فكيف جاءت تسميته بـ«المدبح»، على حد تعبيرهم.
اللافتة التى تتصدر المبنى تشير إلى أنه «مجزر المنيب الآلى»، وهو عكس ماتجده أثناء الدخول إلى عنابر الذبح بداخله، فطريقة العمل داخل تلك العنابر لا تمت إلى الآلية بصلة، وعلى الرغم من تأكيد العاملين بالمجزر أن نشأته كانت آلية فإن كل الوسائل التى تتيح العمل آلياً انقرضت منذ سنوات طويلة ماضية، فللذبح قواعد وأصول لا يعرفها سوى الجزارين المتواجدين بالمكان، تبدأ مع إسقاط الماشية على الأرض لتمتثل لعملية الذبح تاركة وراءها بركاً من الدماء، وكثيرا من الأحشاء الروث.
مشهد اعتاده كل من يعمل بالمكان ومهما كانت طريقة الذبح صحية أم لا، فإنها تنتهى دائما بمخلفات تنتشر فى كل مكان، يحاول الجزار ومساعدوه التخلص من تلك المخلفات بعيداً عن جسد الذبيحة باستخدام خرطوم للمياه يساعد على تحريك الدماء وانتشارها فى كل مكان، ويساهم بدرجة كبيرة فى تلويث ملابس الواقفين بمخلفات الماشية.
ينتهى تعليق الذبيحة على «المشنكار» الخاص بتلك المهمة من أجل إخضاعها للفحوصات، التى يقوم بها البيطرى لتوضيح مدى صلاحية تلك اللحوم، وخلوها من الأمراض التى قد تنتقل إلى المواطنين.
عملية الفحص قصة أخرى يخوضها الأطباء البيطريون فى المكان، يقف الدكتور جلال أحمد على، مدير الشؤون البيطرية بالمجزر، يرتدى بالطو أبيض ملطخاً بالدماء، وغيرها من الملوثات الملازمة للمكان، لا يستطيع جلال ارتداء قفازات مثل أى طبيب آخر لحماية نفسه من أخطار المهنة، فالسكين الحاد الذى يلازمه أثناء عملية الفحص سيؤذيه لا محالة إذا ما استخدم قفازة عادية، فمهنته هذه تحتاج، على حد قوله، إلى «قفاز معدنى» يحميه من أخطاء السكين الحاد، ونظراً لقلة الإمكانات فإنه يمارس عمله بهذه الطريقة معتمداً على حذرٍ اعتاد عليه طوال ساعات العمل، التى يبدأها منذ السادسة صباحا فيقول: «يوميا يبدأ عملى من الساعة ٦ صباحا..
حيث يتوافد الجزارون ومعهم الماشية، التى يريدون ذبحها داخل المجزر، ويتم الفحص منذ ذلك التوقيت وحتى نهاية الدورية الأولى، التى تكون بالتقريب إلى الساعة ١٢ ظهراً»، ويؤكد جلال أنه لا محالة من انتقال بعض الأمراض مباشرة إليه وإلى غيره من الأطباء، خاصة أنه يقوم بالفحص بشكل مباشر دون وجود حائل يحميه من مثل هذه الأمراض، فعلى حد تعبيره: «الأمراض المشتركة كثيرة ومنها ما هو سريع الانتشار كالسل، والبروسيلا، التى تسبب العقم، وغيرهما من الأمراض التى تنتقل بمجرد اللمس لهذه الحيوانات، وتحتاج إلى رعاية فائقة فى العلاج حال إصابته بأى من هذه الأمراض، لكن بدل الإصابة بالعدوى مبلغ وصفه الأطباء بـ«المهين» فعلى حد قولهم: «بدل الإصابة بالعدوى ١٥٠ جنيهاً».
العمل وسط الجزارين يعد أمرا شاقا، ويحتاج إلى فن ومهارة يكتسبها الطبيب بمرور الوقت، يقول جلال: «بمرور الوقت بنقدر نتعامل معاهم.. بس ده مايمنعش إن المعاملة معاهم صعبة للغاية وتحتاج إلى تكتيك محدد حتى لا تحدث مشاجرات ومشادات نحن فى غنى عنها».
ولنشوب الخلافات داخل المجزر أسباب مختلفة عن غيرها من الخلافات، فبمجرد أن يحكم البيطرى على إحدى الذبائح بالإعدام نظرا لإصابتها بأمراض خطيرة، يثور اصحابها بمنطق انها صحيحة وان حكمه خاطئ وفحصه غير عادل فيقول الدكتور رجائى مسؤول الاشراف على صالات الذبح: «بمجرد ان ينطق الطبيب بعدم صلاحية الذبيحة وإعدامها يثور الجزار مشككا فى حكم البيطرى ويصرخ منددا بالظلم الذى ألم به،
ومن الممكن ان يتطاول فى حديثه على الطبيب وقد يصل الامر إلى حد الاشتباكات بالايدى»، ما يثير غضب الأطباء هو أن الشرطة الموجودة بالمبنى لا تقوم بالدفاع عنهم أو حتى تحرير محاضر ضد المخالفين من الجزارين، ويوضح رجائى قائلا: «لا توجد شرطة داخل المجزر لحماية من فيه، وكلما حدثت مشكلة ما قالو لنا: نحن هنا لحماية المنشأة فقط ولا دخل لنا بمشكلات الجزارين»، الوضع يثير ألما فى نفوس البيطريين فى المكان،
فعلى حد قولهم أقل درجات الحماية لا نجدها ونحاول بكل السبل توفير الحماية لانفسنا بالابتعاد عن مثيرى الشغب من الجزارين وحالات الاعدام التى تحدث للذبائح نحاول تهدئة صاحبها وإقناعه بأن المبلغ الذى يتقاضاه كتعويض عن إعدامها يعد افضل من بيعها وتسميم المواطنين بالأمراض التى قد تسببها ويكون مبلغ التعويض ٢٥% من ثمن الذبيحة.
نظافة العنبر أمر مهم بالنسبة للمجزر ولسلامة اللحوم التى تخرج منه لكنها عملية لا تحدث إلا مرة واحدة بعد انتهاء الدورية وهو ما أكده الدكتور أسامة إبراهيم سيد، مدير مجزر المنيب، حيث قال: «نظافة المجرز تحدث بشكل دورى بعد الانتهاء من كل دورية ويحدث ذلك من خلال التعاقد مع بعض عمال النظافة والذين لا يتقاضى الواحد فيهم سوى خمسة جنيهات يوميا وهو ما يجعل العمالة فى المكان ضعيفة جدا ولا تسع طاقة المجزر الكبيرة، فلا يقبل العمل مقابل ذلك الراتب إلا قلة قليلة».
مصطلح «لحوم خالية من البكتيريا» يكاد يكون مستحيلا مع واقع المجازر اليدوية الحالية وهو ما يؤكده الدكتور أسامة، مدير مجزر المنيب، الذى أكد أن المجازر الآلية تتعامل مع الذبيحة بطريقة راقية ولا تسبب أى أضرار لأحد، واصفا ما يفعله الجزارون فى اللحوم من غسيل لها بالمياه الباردة اثناء عملية الذبح وتنظيفها من الأحشاء يعد امرا ملوثا للمنطقة التى توجد فيها وللحوم نفسها، وهو ما يسبب انتشار الميكروبات،
ولفت اسامة إلى ان الجزار لا يحق له الوقوف داخل المجزر أثناء عملية الفحص، خاصة إذا كان المجزر آليا أى أن عمليات الذبح تحدث بطريقة نظيفة وآمنة وخالية من البكتيريا وهو ما كان عليه مجزر المنيب منذ سنوات ماضية إلا أن غالبية المعدات الآلية تعطلت ولم تحدث لها صيانة مما تسببت فى أن يصبح المجزر مثله مثل أى مجزر يدوى الا من تقنيات بسيطة تجعلنا مجزراً نصف آلى.
ينتهى المجزر من دوره فى الرقابة على اللحوم ليبدأ الجزارون فى حملها على أكتافهم وعلى ملابسهم المتسخة إلى أن يضعوها فى إحدى عربات النقل المنتظرة خارج عنابر الذبح، سيارات النقل تحمل اللحوم إلى الأسواق مباشرة، ربما لا يوجد حائل يحول بين طبقة اللحم وجدران العربة التى فى الغالب تكون غير نظيفة وهو ما وصفه مدير المجزر بأنه من الممنوعات فى عملية نقل اللحوم، لافتا إلى أن هناك بعض الجزارين يضعون حائلا من القماش بين اللحوم وسطح العربات التى تنقلها، ولكن الأمر برمته يضم كثيرا من الملوثات للحوم ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك.
التخلص من «فرت» الذبائح أو أحشاء ومخلفات عملية الذبح قديما كانت تحدث عبر وحدة خاصة للتخلص من مخلفات المجزر بطريقة حديثة ونظيفة إلا أن الأهالى المحيطين بالمكان قدموا شكاوى من رائحة الوحدة الكريهة وهو ما دفع محافظة الجيزة لغلقها وتحويلها إلى جراج خاص بحى المنيب، وبات مجزر المنيب يتخلص من الفرت عبر وسائل بدائية تبدأ من قيام العاملين بالمجزر بتجميعها فى مكان واحد لحين حضور متعهد القمامة لحملها خارج جدران المجزر.
يضم مجزر المنيب ثلاثة عنابر للذبح بينها عنبر فى طريقه للتطوير، حيث سعى المسؤولون إلى تطويره وقسموه إلى نصفين أحدهما يخضع للتطوير والآخر لايزال يعمل كصالة لذبح المواشى. ورغم ما يتسم به الـ«مدبح» من القسوة بداية من الذبح المعتاد فيه وآثار الدماء الملازمة لجدرانه وأرضياته، بخلاف الروائح الكريهة المنبعثة من كل مكان..
إلا أن المشهد لا يخلو من صغيرة تجرها والدتها وتقحمها داخل إحدى صالات الذبح، وبين صرخات الطفلة وعويل الذبيحة تغمس الأم قدم طفلتها فى دماء الذبيحة التى سقطت لتوها على الأرض، اعتقاد غمس الأقدام فى دماء الذبيحة يشفى الفتاة من تشققات القدم، وكغيره من المعتقدات التى ترسخت فى أذهان العامة من سكان المنطقة، يتحول مجزر المنيب إلى مزار لمثل هذه الحالات وتمتلئ عنابر الذبح عن آخرها بزيارات استثنائية شبيهة من الأهالى بالإضافة إلى الجزارين وعمال النظافة والأطباء.
من جانبه، يؤكد الدكتور جودة عزت، مدير مديرية الطب البيطرى بمحافظة الجيزة، أن تطوير المجازر أمر مفروغ منه ولكن المسألة تتعلق بالميزانية أكثر من أى شىء آخر، لافتا إلى أن مجزر المنيب ذاته جار تطوير أجزاء كبيرة منه وهناك أجزاء ستخضع للتطوير بعد الانتهاء من تلك العنابر ، مشيرا إلى أن المخاطر التى تواجه البيطرى أثناء عملية الفحص بحاجة إلى إعادة النظر فحماية الطبيب أمنيا أمر مطلوب فى ظل وجود جزارين لا يعرفون فى المعاملة أكثر من استخدام السكين للذبح.
 
رد مع اقتباس