03-05-2011, 02:03 AM
|
|
مقال ساخر رائع : المعنى الحقيقي للتضحية .. كتبه / متعلم .
المعنى الحقيقي للتضحية
« ضحى » بنفسه أو بعمله أو بماله : تبرَّع به دون مقابل. [المعجم الوسيط]
صبيحة اليوم ، كنت أرتدي ملابسي على مهل ، توطئة لنزولي إلى مكتبي الصغير الحبيب .. شردت أفكاري متدبرًا مسترجعـًا حوارًا شهدته جرى في (الأتوبيس) قبل تنحية (مبارك) ..
قالت إحدى السيدات : شباب التحرير "الرقيع" لا ينوون الخير، لا يهمهم العودة إلى العمل لأهم لا يعملون أصلاً، يعيشون عالة على جيوب آبائهم، "يكبشون" ليتعاطوا المخدرات في ميدان التحرير!
بعض النسوة وافقنها ، وبعضهن قلن كلامًا محايدًا ، وبعض الرجال اشتكى من "وقف الحال اللي كان واقف أصلاً " ! ..
صدقني كنت أنوي التعقيب ، لكن سد فمي وسد عليَّ الأفق : لفافة ضخمة مبهمة يحملها ظاهريًا الواقف بجواري وحقيقة الحال أني أحملها كلها تقريبًا ، وظني أني أحمل صاحبها أيضًا معها !
شاء الله أن يأتي التعقيب من السائق ، سمعت صوته وأنا في غياهب الظلمات يقول : "شباب التحرير رجالة يا مدام ، واقفين هناك "بيضحوا" علشاننا ، بيتضربوا ويتحرقوا عشان ابني وابنك ، عيب قوي نقول عليهم كده !" ..
استوقفني من الحوار لفظة "التضحية" ومعانيها ..
أخرجني من شرودي صوت "مكرم محمد أحمد" ، صاحب اللقب المحبب إليه "رجل التطبيع الأول" .. كان يهتف في التلفاز بحماس مؤكدًا أن خبر استقالته – كنقيب للصحفيين – كاذب ، وأنه فقط "تنحى" !
تركت عمنا "مكرم" يردد نغمته المعروفة عن نزاهته التي أشاد بها "الجميع" ! .. وغرقت في تهويمة جدلية حول الفرق بين الاستقالة والتنحي ..
أنقذني "مكرم" من دوائري المفرغة بقوله : الأمر ليس حرصًا على المنصب – لا سمح الله ! – وإنما هو "مضطر" إلى ممارسة عمله من باب "التضحية" .. هذا هو قدره المقدور !
التضحية ! ..
عندما وصف "السائق" ثوار التحرير بالتضحية ، كان الأمر مفهومًا ، فهم "قدموا" أشياء بذلوها ، وعرضوا أنفسهم لمخاطر ، فاستحقوا فعلاً وصف التضحية .. أما أن يصف "مكرم" أفندي توليه لمنصبه بالتضحية ، فهو أمر غير مفهوم على الإطلاق.
لا بد من نبذة سريعة عن "مكرم محمد أحمد" ..
عمنا "مكرم" (المضحَّي) تاريخه الوطني مشرِّف بحق ! .. عندما ترشح كنقيب للصحفيين، لم تستطع وسائل الإعلام الإسرائيلية إخفاء غبطتها بهذا .. السبب كما قالوا هم: " سينقذنا من كراهية الصحفيين المصريين لنا" .. واستبد الحماس ببعض هاتيك الصحف حتى هتفت: "لا نقيب إلا مكرم ولا مكرم إلا النقيب" ..
عمنا "مكرم" (المضحي) ظل أكثر من عشرين عامًا بوقـًا كبيرًا مخلصـًا لمبارك وعصابته ، حتى تنحية مبارك ، بل وبعدها قليلاً !
عمنا "مكرم" (المضحي) كان موقفه من "الثورة" مشرفـًا بحق !
عندما بدأت المظاهرات في 25 يناير وصف "مكرم" المتظاهرين بأنهم أصحاب "تفكير مريض" و"نفوس خربة" ، ونصحهم بأن يتظاهروا تحية وتقديرًا لشرطتنا الباسلة لا ضدها !
بعد جمعة الغضب 28 يناير ، قال "مكرم" (المضحي) : إن غضب المتظاهرين ليس له ما يبرره ! والحل الأمثل في مواجهة هذه "المؤامرة" أن نضرب بيد من حديد ! وأن نغلق الأبواب والنوافذ ونراجع موقفنا من حرية الرأي والتعبير, لأن الغالبية لا يحسنون استخدامها !
عمنا "مكرم" (المضحي) له ميزة أخرى : ثابت على مبدئه لا يجامل .. !
مع اضطرار عصابة مبارك إلى تقديم بعض التنازلات – نظرًا لصمود المتظاهرين - فالثوار الذين وصفهم (المُضحي) بالنفوس الخربة والتفكير والمريض، أصبحوا فقط "الشباب المضلل المخدوع" ..
ومع استمرار تنازلات العصابة صار من المناسب وصف المتظاهرين بأنهم "يؤدون عملاً مشروعًا" ..
ومع المزيد من التنازلات أصبحوا "الشباب البريء الذي يريد النهوض لوطنه" ..
أما بعد تنحية مبارك فقد وصفهم - في مقاله "مصري بكل فخر" – بأنهم "أبطال" وصار (المُضحي) يحدثنا عن نبل ونقاء الثورة !
عمنا "مكرم" (المُضحي) ثابت على مبدئه ..
بخصوص أعداد المتظاهرين، كان (المُضحي) يحدثنا في بداية المظاهرات عن "قلة" ..
ومع تنازلات العصابة اضطر (المُضحي) لوصف الأعداد فقط بالآلاف ، لكن "حجم المتظاهرين المؤيدين لمبارك لا يقل عددا أو وزنا عن عدد المعارضين إن لم يتفوق عليه " ..
أما بعد تنحية مبارك فصار (المُضحي) يحدثنا عن "ملايين الشباب المصري الذي خرج إلي ميدان التحرير ومعظم ميادين المدن المصرية, يمتلئ غضبا وعزة وكرامة" ..
عمنا "مكرم" (المُضحي) ثابت على مبدئه ..
على أثر "مسخرة" انتخابات 2010 طلع (المضحي) يحدثنا عن "نزاهة الانتخابات التي أحيت أمل الديمقراطية في النفوس" ! .. صدع أدمغتنا بحديثه الطويل عن "فخره" بهذه الانتخابات التي لم يعرف التاريخ لنزاهتها مثيلاً لا في مصر ولا غيرها !
أما بعد تنحية مبارك ، فقد صار (المُضحي) يحدثنا عن عجبه من "مسرحية الانتخابات الهزلية" ، وأنه طالما نصح الحاكم وحزبه بالاعتذار عن رداءة المسرحية .. لكن "مع الأسف سد نظام الحكم سمعه وعقله وبصره عن شواهد عديدة لا يخطئ فهمها أولو الألباب بعد أن ماتت قرون استشعاره, ورفض نصائح عديدة, من داخله وخارجه كان كاتب هذه السطور من أولهم" !
طبعًا مسألة "من أولهم" هذه استفزت قراء صفحته الإلكترونية بشدة فصاروا يذكرونه عبثـًا – بالنسخ واللصق من كلامه – بنصائحه للشعب قبل تنحية مبارك بقبول نتائج الانتخابات النزيهة ! .. لكن عمنا (المضحي) ثابت لا يلين كما قلنا !
عمنا "مكرم" (المُضحي) ثابت على مبدئه ..
في تعليقه على مذابح المجنون الليبي، وقف (المضحي) الهمام موقف الحكيم الناصح، في مقاله (الأخطاء تتكرر!)، وعدَّ من أخطاء النظامين التونسي والمصري – التي سار عليها المجنون الليبي - : "الادعاءات القديمة السابقة بأن المتظاهرين مجرد قلة مارقة" !
وكأن (المُضحي) الهمام كان يصف ثوار بالتحرير بغير هذا قبل تنحية مبارك !
ومن خطايا النظامين عند (المُضحي) : "استخدام العنف المفرط بدعوي أن المتظاهرين تحركهم أيادٍ أجنبية, وأنهم يهدرون مصالح الوطن العليا, أو تسيير مظاهرات مضادة موالية, في الأغلب مدفوعة الأجر" .. !
وكأن (المُضحي) كان يصف ثوار التحرير بغير هذا ! .. بخصوص "إهدار مصالح الوطن" كان (المُضحي) - قبل تنحية مبارك - يرى أن المتظاهرين يريدون من المجتمع "الانتحار الجماعي" !
لسبب ما – بعيد طبعًا عن ميزة الثبات – صدَّر معلقون كثيرون تعقيباتهم على مقالاته الإلكترونية بعد التنحية، بقوله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } !
عمنا "مكرم" (المُضحي) له ميزة أخرى: نومه ثقيل .. !
في يوم الجمعة 11 فبراير ، تمت تنحية مبارك كما يعلم الجميع .. لكن (المُضحي) كان نائمـًا فلم يعرف الخبر ساعتها ولا اليوم التالي وربما الذي بعده أيضًا !
ففي مقاله يوم السبت 12 فبراير ، تساءل (المضحي) : ماذا يريد هؤلاء الرافضون في ميدان التحرير بعد كل هذه التنازلات ؟! .. ثم أجاب: هم مصرون علي تنحية الرئيس مبارك ، مبينـًا سبب إجابته بأن "تنحية مبارك تعني كسر نظام الحكم بدلا من إصلاحه, وفتح الطريق إلي مطالب لن تتوقف, وتدمر قدرة الوطن علي النهوض، وتسلم الأمور إلي فوضي"
واضح أن عمنا "مكرم" (المضحي) ما زال نائمًا فلم يعلم بعد أن تنحية رئيسه تمت بالفعل في اليوم السابق لمقاله !
.
وفي مقاله يوم الأحد 13 فبراير، يؤكد (المُضحي) أن وعود "الرئيس ونائبه" فشلت في طمأنة المتظاهرين من خوف الملاحقة لو خرجوا من الميدان .. ثم يقترح على "عمر سليمان" أن يفعل كذا وكذا في اجتماعاته لطمأنة المتظاهرين !
خخخخخخخـ هفففففف (صوت غطيط) .. "شِد وقسِّم" يا عم "مكرم" .. وصمتـًا من فضلكم .. (المضحي) الهمام ما زال نائمـًا لا يريد الإزعاج !
يا لها من "تضحية" .. الرجل يضحي بالفعل .. الرجل يضحي بكل حواسه !
الرجل يضحي من أجل مصر ومن أجلنا طبعًا فيضطر اضطرارًا ويلتجئ التجائـًا إلى قبض راتب شهري يُحصى – أو لا يُحصى - بعشرات الآلاف (هذا المعلن فقط) ، ناهيك عن النفوذ و"المصالح" .. يا لها من تضحية !
سمعت أمس "عبد الله كمال" رئيس تحرير "روزاليوسف" ، يعلن أنه لن يستقيل ، لا من باب التمسك بالمنصب والكرسي – لا سمح الله ! – ولكن من باب التضحية !
التضحية مرة أخرى !
ما هذا ؟! .. التمتع بالأموال والنفوذ صار تضحية ؟!
أراجوز الفراعين "توفيق عكاشة" .. من "أبطالي" المفضلين الذين يسرُّون عني في الكروب ! .. هو المعادل الموضوعي - المنتسب للإسلام - للقمص المفضوح بطرس ، تدرك هذا جيدًا حين يحاول كل منهما التحدث بالفصحى ، فيأتيان من التفيهق والتشدق ما يضحك الثكلى بسبب جهلهما الفاحش باللغة ..
أراجوز الفراعين مضحك جدًا لا تنكر هذا ..
من أواخر مضحكاته ، حين استضاف في برنامجه "أكرم لمعي" البروتستانتي و"بسيط أبو الخير" الأرثوذكسي، يريد أن يدفع عن أحبابه النصارى الشائعات "المغرضة" .. فالرجل "توفيق" – ولا توفيق – التهب حماسه فقال مدافعـًا عن النصارى : "وبيقولوا : المسيحيين ما بيستحموش وريحتهم وحشة .. ده أنا أعرف واحد صاحبي مسيحي بستحمى كل يوم .. وبيحط برفان كمان .. وأعرف مسيحيين بيستحموا في اليوم مرة واثنين وثلاثة" ..
تقول الحكمة: عدو عاقل خير من صديق جاهل !
في حادثة الشرطي "الحلوف" الذي اعتدى على الطالبة "سمية"، أراجوز الفراعين هو الذكي الوحيد الذي اكتشف أن الحلوف هو المظلوم والطالبة المسحولة هي الظالمة ! .. هي "إخوانجية" تعمدت استفزاز الشرطي ليضربها، ويعاونها أخريات كن جاهزات بالموبايلات للتصوير .. وقد علم (أذكى إخوانه) تفاصيل المؤامرة من مصدر موثوق "محايد" هو الشرطي ذاته !
هذا الأراجوز كان يسبح بحمد مبارك آناء الليل وأطراف النهار حتى التنحية، وكذا "أحمد عز" وباقي العصابة، لا سيما بعدما أنجحوه في الانتخابات (النزيهة طبعًا) ..
موقفه من الثورة متوقع طبعـًا : سب وشتيمة وبذاءة على كل من يعارض مبارك "ولي نعمتنا الراجل الشريف الطاهر"! .. استمات على هذا حتى آخر نفس قبل التنحية ..
بعد التنحية طلع علينا يقول : نعم كنت أمدح مبارك ، لكن هاتوا لي واحد في مصر قبل التنحية لم يكن يمدحه ! ..
ثم أخذ يسترضي المشاهدين بممارسة بذاءاته على مبارك كما كان يفعل بمعارضيه من قبل!
أثناء ذلك – وهذا هو الشاهد – قال : إنه سيترشح لمجلس الشعب ، لا طلبًا لمنصب أو كرسي – لا سمح الله (أتواصوا به) ! – وإنما لأن هذا الوطن يستأهل التضحية !
تضحية .. تضحية .. تضحية .. ؟!
الكل "مضطر" لقبول الأموال والمناصب والنفوذ .. ويسمي هذا "تضحية" ..
"بن علي" تونس .. طلع قبل الهروب ليكرر أنه سيضحي .. بماذا ؟! .. سيضحي بأن يتمسك بالرئاسة .. لا حبـًا فيها – لا سمح الله طبعـًا – ولكن حتى لا تئول إلى المغامرين ..
مرة بعد مرة : تضحية .. تضحية ..
المجنون الليبي أكد على أنه لا يتمسك بالرئاسة حبًا فيها – لا سمح الله ! – ولكن يتمسك بها من باب التضحية ! .. لماذا ؟! .. لأنه ليس مجرد "رئيس" وإنما هو "قائد" ، فعليه التضحية وعدم التفريط في "العزبة" .. أعني الرئاسة !
حتى المجنون الليبي يحدثنا عن التضحية .. !
منذ أسابيع عديدة ، صرح "مبارك" في لقاء عاطفي بأنه "محروم" .. (يا عيني يا حرام إهئ !) .. محروم مما يتنعم به المواطن "الغلبان" .. إي والله ! .. لماذا ؟! .. لأن المواطن "الغلبان" يستطيع أن يمشي بحريته في أي شارع في وسط البلد وسط الزحام ، أو يتنزه على الكورنيش براحته ويدخل أي سينما .. أما هو فلا يستطيع .. محروم .. !
الشاهد : أنه استتبع هذا بتأكيده على أن منصب الرئاسة "تضحية" وليس للتنعم (لا سمح الله !)
قبل التنحية ، وفي غمار الثورة ، أعلن "مبارك" عن أن بقاءه في السلطة لا حبًا فيها - لا سمح الله – ولكنه مضطر إلى البقاء في السلطة "تضحية" منه كي يسلم مصر بانتخابات حرة نزيهة !
عديد من الناس أثناء الثورة ، اتصلوا بالقنوات الفضائية ، وأعلنوا تأييدهم لمبارك ؛ لأنه "ضحى" ثلاثين سنة من أجلنا نحن ناكري الجميل !
قلت : إن كانت هذه التضحية فاجعلوني أول المضحين ! .. أعطوني حكم مصر ثلاثين سنة وسأضحي تضحية ما لها مثيل ! .. أشركوني في هذه التضحية فقط قليلاً وسأريكم كيف تكون التضحية .. التضحية بحق وحقيق !
الحق أني ضيعت سنين عمري بعيدًا عن "التضحية" الرائعة ..
تخيلت ملكـًا أو رئيسـًا يشكو من كثرة "التضحيات" العظيمة ويطلب مني مشاركته قليلاً .. فقط قليلاً .. يا سلام ! .. كم هي جميلة التضحية ! ..
" إنت لسه ما لبستش ؟!" .. هذا صوت زوجتي يجلجل .. سارعت بالانتهاء منها (الملابس طبعًا يا خفيف لا الزوجة) .. وجلجلت بدوري : لبست ! .. سارعت بالنزول مهرولاً ، ليس خوفًا من أحد - لا سمح الله - ولكن حتى لا أتعرض للمعنى الحقيقي للتضحية !
|