عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-19-2011, 07:05 PM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




افتراضي

الصحابة والشعر:


قال أبو عمر القرطبي -رحمه الله-: "وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحًا... " تفسير القرطبي 13/105.
وقال ابن حجر -رحمه الله-: "وأسند الطبري عن جماعة من كبار الصحابة ومن كبار التابعين أنهم قالوا الشعر وأنشدوه، واستنشدوه، وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن خالد بن كيسان قال: كنت عند ابن عمر -رضي الله عنهما- فوقف عليه إياس بن خيثمة، فقال: ألا أنشدك من شعري؟ قال: بلى، ولكن لا تنشدني إلا حسنًا".
وأخرج ابن أبي شيبة بسند حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منحرفين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه" اهـ بتصرف من فتح الباري 10/663، 664.
وقال الشاطبي -رحمه الله-: "فجائز للإنسان أن ينشد الشعر الذي لا رفث فيه، ولا يذكر بمعصية وأن يسمعه من غيره إذا أُنشد على الحد الذي كان ينشد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عمل به الصحابة والتابعون، وقد يقتدى به من العلماء، وذلك أنه كان ينشد ويسمع الفوائد، منها: المنافحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن الإسلام وأهله، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لحسان: (اهْجُهُمْ -أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ). وهذا من باب الجهاد في سبيل الله -تعالى-.
ومنها: أنهم كانوا يتعرضون لحاجاتهم، ويستشفعون بتقديم الأبيات بين يدي طلباتهم كما فعل ابن زهير -رضي الله عنه-، وأخت النضر بن الحارث، مثل ما يفعل الشعراء مع الكبراء، وهذا لا حرج فيه ما لم يكن في الشعر ذكر ما لا يجوز.
ومنها: أنهم ربما أنشدوا الأشعار في الأسفار الجهادية تنشيطًا لكلال النفوس، وتنبيهًا للرواحل أن تنهض في أثقالها وهذا حسن...
ومنها: أن يتمثل الرجل بالبيت أو الأبيات من الحكمة في نفسه ليعظ نفسه أو ينشطها أو يحركها لمقتضى معنى الشعر، أو يذكرها ذكرًا مطلقًا كما روي أن قومًا شكوا إلى عمر -رضي الله عنه- إمامهم أنه إذا فرغ من صلاته تغنى؟
فجاءه عمر -رضي الله عنه- وقال له: أتتمجن في عبادتك؟
قال: لا يا أمير المؤمنين، لكنها عظة أعظ بها نفسي.
قال عمر: قلها. فإن كان كلامًا حسنًا قتله معك، وإن كان قبيحًا نهيتك عنه، فقال:
وفـؤاد كـلمـا عـاتـبـتـه فـي مـدى الـهـجـران يـبـغـي تعـبي
لا أراه الــدهــر إلا لاهـيا فـي تـمـاديـه فــقــد بــرح بــي
يا قـريـن السوء ما هذا الصبا ****** فني العـمـر كــذا فـي الـلـعـب
وشـبـاب بـان عـنـي فمضى ****** قـبـل أن أقـضـي مــنـه أربـي
مـا أرجـي بـعـده إلا الـفـنا ****** ضـيـّق الشـيب عـليَّ مـطلبي
ويــح نـفسـي لا أراهـا أبـدًا ****** في جـميل لا ولا فــي أدب
نفسي لا كنت ولا كان الهوى ***** راقبي المولى وخافي وارهبي
قال عمر -رضي الله عنه-:
نفسي لا كنت ولا كان الهوى ******* راقبي المولى وخافي وارهبي
ثم قال عمر -رضي الله عنه-: "على هذا فليغن من غنَّى".
"... هذا وما أشبهه كان فعل القوم، وهم مع ذلك لم يقتصروا في التنشيط للنفوس ولا الوعظ على مجرد الشعر، بل وعظوا أنفسهم بكل موعظة... " اهـ ملخصًا من الاعتصام 212 وما بعدها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كل ما يعين على طاعة الله -تعالى- من تفكر أو صوت أو حركة أو قوة أو مال أو أعوان أو غير ذلك، فهو محمود في حال إعانته على طاعة الله ومحابه ومراضيه، ولا يستدل بذلك على أنه في نفسه محمود على الإطلاق، ويحتج به على ما ليس هو من طاعة الله، بل هو من البدع في الدين، أو الفجور في الدنيا" اهـ من الاستقامة 1/162.
الضابط في إنشادهم وسماعهم:

كان الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان ينشدون الشعر المحمود يُذكِّرون به أنفسهم، ولم يشغلهم عن القرآن الحكيم، ولا اتخذوه ديدنهم، ولم ينشدوا الشعر بصوت فيه إلذاذ أو إطراب يلهي أو تصاحبه آلة لهو.
قال الإمام الشاطبي -رحمه الله- في "الاعتصام" في ذكر فوائد إنشاد الصحابة للشعر: "إنهم ربما أنشدوا الشعر في الأسفار الجهادية تنشيطـًا لكلال النفوس وتنبيهًا للرواحل أن تنهض في أثقالها وهذا حسن، لكن العرب لم يكن لها من تحسين النغمات ما يجري مجرى ما الناس عليه اليوم، بل كانوا ينشدون الشعر مطلقًا من غير أن يتعلموا هذه الترجيعات التي حدثت بعدهم، بل كانوا يرققون الصوت ويمططونه على وجه لا يليق بأمية العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى فلم يكن فيه إلذاذ ولا إطراب يلهي، وإنما كان لهم شيء من النشاط كما كان الحبشة وعبد الله بن رواحة يحدوان بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكما كان الأنصار يقولون عند حفر الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدًا ***** على الجهاد ما بقينا أبدًا
فيجيبهم -صلَّى الله عليه وسلم- بقوله:
اللَّهم لا خير إلا خير الآخرة ***** فاغفر للأنصار والمهاجرة"
وقال أيضًا بعد ذكر تمثل الصحابة بالشعر: "هذا وما أشبهه كان فعل القوم وهم مع ذلك لم يقتصروا في التنشيط للنفوس ولا الوعظ على مجرد الشعر، بل وعظوا أنفسهم بكل موعظة ولا كانوا يستحضرون لذكر الأشعار المغنيين إذ لم يكن ذلك من طلباتهم ولا كان عندهم من الغناء المستعمل في أزماننا شيء، وإنما دخل في الإسلام بعدهم حين خالط العجم المسلمين، وقد بيَّن ذلك أبو الحسن القرافي فقال: "أي الماضين من الصدر الأول حجة على من بعدهم ولم يكونوا يلحنون الأشعار ولا ينغمونها بأحسن ما يكون من النغم إلا من وجه إرسال الشعر واتصال القوافي؛ فإن كان صوت أحدهم أشجن من صاحبه كان ذلك مردودًا إلى أصل الخلقة لا يتصنعون ولا يتكلفون"، هذا ما قال فلذلك نص العلماء على كراهية ذلك المحدث، وحتى سئل مالك بن أنس -رحمه الله- عن الغناء الذي يستعمله أهل المدينة فقال: "إنما يفعله الفساق".
"بل سئل عن إنشاد الأشعار بالصوامع كما يفعله المؤذنون اليوم في الدعاء بالأسحار؟ فأجاب بأن ذلك بدعة مضافة إلى بدعة؛ لأن الدعاء بالصوامع بدعة، وإنشاد الشعر والقصائد بدعة أخرى، إذ لم يكن ذلك في زمن السلف المقتدى بهم" اهـ من الاعتصام ص202 وما بعدها.
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وأما سماع القصائد لإصلاح القلوب، والاجتماع على ذلك إما نشيدًا مجردًا أو مقرونًا بالتغبير ونحوه مثل: الضرب بالقصبة على الجلود حتى يطير الغبار ومثل التصفيق ونحوه، فهذا السماع محدث في الإسلام بعد ذهاب القرون الثلاثة، وقد كرهه أعيان الأئمة، ولم يحضره أكابر الشيوخ" اهـ من مختصر الفتاوى المصرية ص592.
وبذلك أفتى العلماء المعاصرون الذين يتبعون منهج السلف
أولاً: فتوى اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "يجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية فيها من الحكم والمواعظ العبر ما يثير الحماس، والغيرة على الدين، ويهز العواطف الإسلامية وتفر من الشر ودواعيه؛ لتبعث نفس من يُنشدها ومن يسمعها إلى طاعة الله، وتنفر من معصيته -تعالى- وتعدي حدوده إلى الاحتماء بحمى شرعه، والجهاد في سبيله، لكن لا يتخذ من ذلك وردًا لنفسه يلتزمه، وعادة يستمر عليها؛ بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة عند وجود مناسبات ودواعٍ تدعو إليه كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه، وعند فتور الهمم لإثارة النفس، والنهوض بها إلى فعل الخير، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها؛ لردعها عنه وتنفيرها منه.
وخير من ذلك أن يتخذ لنفسه حزبًا من القرآن يتلوه، ووردًا من الأذكار النبوية الثابتة، فإن ذلك أزكى للنفس وأطهر، وأقوى في شرح الصدر وطمأنينة القلب، قال الله -تعالى-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23)، وقال -سبحانه-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ . الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (الرعد:28-29).
- وقد كان ديدن الصحابة وشأنهم -رضي الله عنهم- العناية بالكتاب والسنة حفظًا ودراسة وعملاً، ومع ذلك كانت لهم أناشيد وحداء يترنمون به في مثل حفر الخندق وبناء المساجد وفي سيرهم إلى الجهاد، ونحو ذلك من المناسبات دون أن يجعلوها شعارهم، ويُعيروها جُل اهتمامهم وعنايتهم، لكنه مما يُروِّحون عن أنفسهم، ويهيجون به مشاعرهم.
- أما الطبل ونحوه من آلات الطرب؛ فلا يجوز استعماله مع هذه الأناشيد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- لم يفعلوا ذلك والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" اهـ نقلاً عن حكم الأناشيد ص88-89.
ثانيًا: فتوى الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-: "لا أرى أن الإنسان يتخذها سبيلاً للعظة:
أولاً: لأن أصلها موروث عن الصوفية، فإن الصوفية هم الذين جمعت أذكارهم مثل هذه الأناشيد.
ثانيًا: أنها توجب إعراض القلب عما هم فيه من الموعظة الحقيقية، وهو القرآن والسنة؛ فلا ينبغي للإنسان أن يتخذها سبيلاً إلى الموعظة.
نعم لو فرض أن إنسانًا في حالة خمول وركود، واستمع إليها بعض الأحيان؛ فهذا لا بأس به، بشرط ألا تكون على سبيل التلحين أو مصحوبة بموسيقى أو آلة عزف؛ فإنه في هذه الحالة يكون حرامًا" اهـ السابق ص12.
ثالثًا: فتوى الشيخ الألباني -رحمه الله-: "كل باحث في كتاب الله -تعالى-، وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيما كان عليه السلف الصالح لا يجد مطلقًا هذا الذي يسمونه بالأناشيد الدينية ولو أنها عُدلت عن الأناشيد القديمة التي كان فيها الغلو في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
حسبنا في الاستدلال على إنكاره هذه الأناشيد أمران:
الأول: أنه ليس من هدي سلفنا الصالح -رضي الله عنهم-.
الثاني: وهو من الواقع -فيما ألمس وأشهد- خطير أيضًا، ذلك لأننا بدأنا نرى الشباب يلتهي بهذه الأناشيد الدينية ويتغنون بها كما يقال قديمًا "هجيراه" دائمًا وأبدًا، وصرفهم ذلك عن الاعتناء بتلاوة القرآن، وذكر الله -تعالى-، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- حسب ما جاء في الأحاديث الصحيحة، ولعل من أجل هذا وغيره من الانحراف قال -صلَّى الله عليه وسلم-: (تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا) (رواه مسلم)، وكذلك قال -صلَّى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ) (رواه البخاري)، فالمفروض في الشباب المسلم أن يدندن دائمًا وأبدًا على تلاوة القرآن، وأن يتغنى به، وليس المقصود بطبيعة الحال التغني به هو: التطريب الذي يخالف أيضًا هدي السلف الصالح، وإنما قراءته بالتجويد والترتيل كما جاء في علم التجويد الصحيح... إلى أن قال: "إذا علمنا هذا كله تبين لنا أن هذه الأناشيد لا يجوز التعبد بها، ولا يجوز استعمالها لا سيما وقد اقترنت بالمحذور السابق أنها صرفت الشباب عن العناية بكتاب الله -تبارك وتعالى- وتلاوته، ولعل فيما ذكرنا ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين" اهـ ملخصًا من المصدر السابق ص27-36.
وقال في فتوى أخرى: "أضف إلى ذلك أن بعضهم أخذ يضرب عليها بالدف، وهذا من كمال ما أوحى الشيطان إليهم وزين لهم سوء عملهم" السابق ص37.
التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة







رد مع اقتباس