12-25-2011, 06:40 PM
|
|
علة ذل المسلمين :
ولا بد هنا من بيان أمر مهم جدا يغفل عنه الكثيرون فأقول : ليست علة بقاء المسلمين فيما هم عليه من الذل واستعباد الكفار حتى اليهود لبعض الدول الإسلامية هي جهل الكثيرين من أهل العلم بفقه الواقع أو عدم الوقوف على مخططات الكفار ومؤامراتهم كما يتوهم
من أغلاط بعض ( الدعاة :(
ولذلك فأنا أرى أن الاهتمام بفقه الواقع اهتماما زائدا بحيث يكون منهجا للدعاة والشباب يربون ويتربون عليه ظانين أنه سبيل النجاة : خطأ ظاهر وغلط واضح
والأمر الذي لا يختلف فيه من الفقهاء اثنان ولا ينتطح فيه عنزان : أن العلة الأساسية للذل الذي حط في المسلمين رحاله :
أولا : جهل المسلمين بالإسلام الذي أنزله الله على قلب نبينا عليه الصلاة والسلام
وثانيا : أن كثيرا من المسلمين الذين يعرفون أحكام الإسلام في بعض شؤونهم لا يعملون بها
التصفية والتربية :
فإذا : مفتاح عودة مجد الإسلام : تطبيق العلم النافع والقيام بالعمل الصالح وهو أمر جليل لا يمكن للمسلمين أن يصلوا إليه إلا بإعمال منهج التصفية والتربية وهما واجبان مهمان عظيمان وأردت بالأول منهما أمورا :
الأول : تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها كالشرك وجحد الصفات الإلهية وتأويلها ورد الأحاديث الصحيحة لتعلقها بالعقيدة ونحوها
الثاني : تصفية الفقه الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة وتحرير العقول من آصار التقليد وظلمات التعصب
الثالث : تصفية كتب التفسير والفقه والرقائق وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات والمنكرات
وأما الواجب الآخر : فأريد به تربية الجيل الناشئ على هذا الإسلام المصفى من كل ما ذكرنا تربية إسلامية صحيحة منذ نعومة أظفاره دون أي تأثر بالتربية الغربية الكافرة
ومما لا ريب فيه أن تحقيق هذين الواجبين يتطلب جهودا جبارة مخلصة بين المسلمين كافة : جماعات وأفرادا من الذين يهمهم حقا إقامة المجتمع الإسلامي المنشود كل في مجاله واختصاصه
الإسلام الصحيح :
فلا بد إذا من أن يعنى العلماء العارفون بأحكام الإسلام الصحيح بدعوة المسلمين إلى هذا الإسلام الصحيح وتفهيمهم إياه ثم تربيتهم عليه كما قال الله تعالى : ) ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ( [ آل عمران : 7 ]
هذا هو الحل الوحيد الذي جاءت به نصوص الكتاب والسنة كما في قوله تعالى :
) إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ( [ محمد : ] وغيره كثير
كيف يأتي نصر الله ؟
فمن المتفق عليه دون خلاف ولله الحمد بين المسلمين أن معنى ) إن تنصروا الله ) أي : إن عملتم بما أمركم به : نصركم الله على أعدائكم
ومن أهم النصوص المؤيدة لهذا المعنى مما يناسب واقعنا الذي نعيشه تماما حيث وصف الدواء والعلاج معا قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) [ وهو مخرج في كتابي ( سلسلة الأحاديث الصحيحة ) ( رقم : 11 ]
سبب( مرض ) المسلمين :
فإذا : ليس مرض المسلمين اليوم هو جهلهم بعلم معين أقول هذا معترفا بأن كل علم ينفع المسلمين فهو واجب بقدره ولكن ليس سبب الذل الذي لحق بالمسلمين جهلهم بهذا الفقه المسمى اليوم ( فقه الواقع ) وإنما العلة كما جاء في هذا الحديث الصحيح هي إهمالهم العمل بأحكام الدين كتابا وسنة
فقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تبايعتم بالعينة ) إشارة إلى نوع من المعاملات الربوية ذات التحايل على الشرع
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وأخذتم أذناب البقر ) إشارة إلى الاهتمام بأمور الدنيا والركون إليها وعدم الاهتمام بالشريعة وأحكامها ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورضيتم بالزرع)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وتركتم الجهاد ) هو ثمرة الخلود إلى الدنيا كما في قوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ( [ التوبة : 3 ]
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( . . . سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) فيه إشارة صريحة إلى أن الدين الذي يجب الرجوع إليه هو الذي ذكره الله عز وجل في أكثر من آية كريمة كمثل قوله سبحانه : ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضت لكم الإسلام دينا ( [ آل عمران : 1 ]
وفي تعليق الإمام مالك المشهور على هذه الآية ما يبين المراد حيث قال رحمه الله : ( وما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)
الغلو في ( فقه الواقع) :
وأما هؤلاء الدعاة الذين يدندنون اليوم حول ( فقه الواقع ) ويفخمون أمره ويرفعون شأنه وهذا حق في الأصل فإنهم يغالون فيه حيث يفهمون ويفهمون ربما من غير قصد أنه يجب على كل عالم بل على كل طالب علم أن يكون عارفا بهذا الفقه
مع أن كثيرا من هؤلاء الدعاة يعلمون جيدا أن هذا الدين الذي ارتضاه ربنا عز وجل في أمة الإسلام قد تغيرت مفاهيمه منذ قديم الزمان حتى فيما يتعلق بالعقيدة فنجد أناسا كثيرين جدا يشهدون أن ( لا إله إلا الله ) ويقومون بسائر الأركان بل قد يتعبدون بنوافل من العبادات كقيام الليل والصدقات ونحو ذلك ولكنهم انحرفوا عن مثل قوله تعالى : ) فاعلم أنه لا إله إلا الله ( [ محمد : 1 ]
واقع) الدعاة ) مع ( فقه الواقع( :
ونحن نعلم أن كثيرا من أولئك ( الدعاة ) يشاركوننا في معرفة سبب سوء الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم جذريا ألا وهو بعدهم عن الفهم الصحيح للإسلام فيما يجب على كل فرد وليس فيما يجب على بعض الأفراد فقط فالواجب : تصحيح العقيدة وتصحيح العبادة وتصحيح السلوك
أين من هذه الأمة من قام بهذا الواجب العيني وليس الواجب الكفائي ؟ ؟ إذ الواجب الكفائي يأتي بعد الواجب العيني وليس قبله
ولذلك : فإن الانشغال والاهتمام بدعوة الخاصة من الأمة الإسلامية إلى العناية بواجب كفائي ألا وهو ( فقه الواقع ) وتقليل الاهتمام بالفقه الواجب عينيا على كل مسلم وهو ( فقه الكتاب والسنة ) بما أشرت إليه : هو إفراط وتضييع [ أنظر ما سبق ( ص 14 ] لما يجب وجوبا مؤكدا على كل فرد من أفراد الأمة المسلمة وغلو في رفع شأن أمر لا يعدو كونه على حقيقته واجبا كفائيا
القول الوسط الحق في ( فقه الواقع ) :
فالأمر إذا كما قال الله تعالى : ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( [ البقرة : 14 ] ففقه الواقع بمعناه الشرعي الصحيح هو واجب بلا شك ولكن وجوبا كفائيا إذا قام به بعض العلماء سقط عن سائر العلماء فضلا عن طلاب العلم فضلا عن عامة المسلمين
فلذلك يجب الاعتدال بدعوة المسلمين إلى معرفة ( فقه الواقع ) وعدم إغراقهم بأخبار السياسة وتحليلات مفكري الغرب وإنما الواجب دائما وأبدا الدندنة حول تصفية الإسلام مما علق به من شوائب ثم تربية المسلمين : جماعات وأفرادا على هذا الإسلام المصفى وربطهم بمنهج الدعوة الأصيل :
الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة
وجوب المحبة والولاء :
ومن الواجب على العلماء أيضا وعلى مختلف اختصاصاتهم فضلا عن بقية الأمة أن يكونوا ممتثلين قول نبيهم صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد . . . ) [ مخرج في ( الصيحة ) ( 1083 ]
ولا يتحقق هذاالمثل النبوي العظيم بمعناه الرائع الجميل إلا بتعاون العلماء مع أفراد المجتمع تعليما وتعلما دعوة وتطبيقا
فيتعاون إذا من عرفوا فقه الشرع بأدلته وأحكامه مع من عرفوا فقه الواقع بصورته الصحيحة التطبيقية لا النظرية فأولئك يمدون هؤلاء بما عندهم من علم وفقه وهؤلاء يوقفون أولئك على ما تبين لهم ليحذروا ويحذروا
ومن هذا التعاون الصادق بين العلماء والدعاة على تنوع اختصاصاتهم يمكن تحقيق ما ينشده كل مسلم غيور
خطر الطعن بالعلماء :
أما الطعن في بعض العلماء أو طلاب العلم ونبزهم بجهل فقه الواقع ورميهم بما يستحيى من إيراده :
فهذا خطأ وغلط ظاهر لا يجوز استمراره لأنه من التباغض الذي جاءت الأحاديث الكثيرة لتنهى المسلمين عنه بل لتأمرهم بضده من التحاب والتلافي والتعاون
كيف نعالج الأخطاء ؟
وأما الواجب على أي مسلم رأى أمرا أخطأ فيه أحد العلماء أو ( الدعاة ) : فهو أن يقوم بتذكيره ونصحه :
فإن كان الخطأ في مكان محصور : كان التنبيه في ذلك المكان نفسه دون إعلان أو إشهار وبالتي هي أحسن للتي هي أقوم
وإن كان الخطأ معلنا مشهورا فلا بأس من التنبيه والبيان لهذا الخطأ وعلى طريقة الإعلان ولكن كما قال الله تعالى : ) ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ( [ النحل : 12 ]
ومن المهم بيانه أن التخطئة المشار إليها هنا ليست التخطئة المبنية على حماسة الشباب وعواطفهم دونما علم أو بينة لا وإنما المراد : التخطئة القائمة على الحجة والبيان والدليل والبرهان
وهذه التخطئة بهذه الصورة اللينة الحكيمة لا تكون إلا بين العلماء المخلصين وطلاب العلم الناصحين الذين هم في علمهم ودعوتهم على كلمة سواء مبنية على الكتاب والسنة وعلى نهج سلف الأمة
أما إذا كان من يراد تخطئته من المنحرفين عن هذا المنهج الرباني فله حينئذ معاملة خاصة وأسلوب خاص يليق بقدر انحرافه وبعده عن جادة الحق والصواب
خطر) السياسة ) المعاصرة :
ولا بد أخيرا من تعريف المسلمين بأمر مهم جدا في هذا الباب فأقول :
يجب ألا يدفعنا الرضا بفقه الواقع بصورته الشرعية أو الانشغال به إلى ولوج أبواب السياسة المعاصرة الظالم أهلها مغترين بكلمات الساسة مرددين لأساليبهم غارقين بطرائقهم
وإنما الواجب هو السير على السياسة الشرعية ألا وهي ( رعاية شؤون الأمة ) ولا تكون هذه الرعاية إلا في ضوء الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح وبيد أولي الأمر من العلماء العاملين والأمراء العادلين فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن [ انظر ( الدر المنثور ) ( 4 / 99 ) ]
أما تلك السياسة الغربية التي تفتح أبوابها وتغر أصحابها : فلا دين لها وسائر من انساق خلفها أو غرق ببحرها : أصابه بأسها وضربه جحيمها لأنه انشغل بالفرع قبل الأصل ورحم الله من قال : ( من تعجل الشيء قبل أوانه : عوقب بحرمانه )
والله الموفق للسداد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[ 12 ] سؤال و جواب حول فقه الواقع للعلامة شيخ الإسلام الألباني
</b></i>
|