والحقيقة أننا إذا دققنا النظر في قول الإمام مالك رحمه الله ، علمنا أنه فرق في جوابه بين أمرين أساسيين ، هما أصل الفهم الذي امتاز به السلف الصالح عن غيرهم في باب الصفات ،
أولهما : معنى الاستواء على العرش ، أو معاني الألفاظ التي ورد بها الأدلة السمعية في باب الصفات وسائر الغيبيات بوجه عام ،
وثانيهما : كيفية الاستواء على العرش أو الكيفية الغيبية التي تؤول إليها دلالة هذه الألفاظ ، فالمعنى الوارد في نصوص الكتاب والسنة يستوعبه الذهن من خلال فهمه للألفاظ العربية التي نزل بها الوحي ، أما الكيفية فهي المدلول الحقيقي الذي ينطبق عليه اللفظ ، فلفظ الاستواء في الآية السابقة ، لفظ ينطبق على صفة من صفات أفعال الله ، لها كيفية حقيقية غيبية تليق بجلاله ، ما رأيناها ، لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - : ( تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت ) (1) .
وكذلك الكيفية لا تخضع لأقيستنا التمثيلية والشمولية ، لأننا ما رأينا لها مثيلا نصفها أو نحكم عليها من خلاله ، وذلك ما نص عليه قوله تعالى : { ليس كمثله شيء } (2) ، فاللفظ احتوى على مدلول حقيقي يثبت وصف الله عز وجل بالاستواء على العرش ، وقد أمرنا أمر الله بالإيمان به والتصديق بوجوده.
__________
(1) خرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب ذكر ابن صياد ، (2931) 4/2240 .
(2) لشورى:11.
|