عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 01-28-2008, 01:33 AM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




Islam













والحديث هنا عن اليهود وعن النصارى . فلقد حفلت الأسفار بكثير مما يصف حال المرأة والنظرة السائدة الموجهة لها فى التوراة المحرفة . وكذلك أقوال الحاخامات وغيرهم من اليهود سواء كانوا عواما أو رجال دين .

ومثل ماجاء فى أسفار اليهود ، جاء قريب منه فى فقرات كتاب النصارى المحرف ، وإن كنت قد جمعت بين اليهود والنصارى فى الحديث عنهما ، فذلك لأن النصارى أنفسهم قد جمعوا أسفار اليهود فى كتابهم كعهد قديم ، ثم ألحقوا بها ما زعموا فيه أنه العهد الجديد للإنجيل . فكان الكتاب الذى أسموه بــ ( الكتاب المقدس ) . والذى جمع بين دفتيه صنوفا من الفضائح التى كان عليهم أن يخجلوا منها بدلا من أن يتعبدوا لربهم بها .
وكذلك لأن كِـليْهما قد اجتمعا فى حرب موحدة ضد الإسلام والمسلمين ، فكان لابد لنا من أن ننظر إليهما على كونهما بوتقة واحدة وجبهة حربية متحدة فهم رغم خلافاتهم إلا أنهم حلفاء فى الحرب على الإسلام .
ومن جانب آخر كان الصواب أن يتم توحيد الحديث عنهما نظرا لتقارب أو تماثل نظرتيهما للمرأة .
النظرة التى اتفقت فيما بينهما على دونية ووضاعة المرأة وانعدام وزنها وقدرها ، كما ستقرئين أيتها الأخت الفاضلة .





فترجع نظرة اليهود والنصارى للمرأة إلى بدء الخليقة ، حين خلق الله آدم وحواء ؛ فتتحد نظرة اليهود والنصارى للمرأة على أنها صورة لحواء التى يعتقدون فيها أنها سبب غواية آدم ( عليه السلام ) ، فهى على حد فـهمهم مَن أغوته وَوَسْـوَسَـتْ له ليعصىَ ربه تعالى ويخالف ما أمره الله به من اجتناب الشجرة ، فأضلته وكانت السبب الرئيسي فى طرده من الجنة ونعيمها وهبوطه إلى الأرض ومعاناتها ومكابدة قسوتها .
فعند اليهود والنصارى تتبلور المرأة فى كونها ( حـواء ) التى كانت على زعمهم مصدر التعاسة لزوجها ( آدم ) .

ثم تأتى بعد ذلك نظرية توريث الذنوب التى تـحـفـل بها عقلية اليهود والنصارى .. فيمتد السياق ليشير إلى كل رجل وامرأة ، فكل رجال الأرض قد ورثوا من ( آدم ) المعصية . فكل مولود ذكر ليس يولد بصفحة بيضاء نقية ؛ وإنما يولد وفى صحيفته معصية الأكل من الشجرة .

أما النســـاء فقد ورثن عن ( حـواء ) صفة الغواية والضلال بزعمهم . فكل امرأة منتظرٌ منها أن تغوى الرجل لأنها ورثت صفة الغواية والوسوسة من ( حـواء ) .

فكانت صورة ( حـواء ) كما يرونها وكما يعتقدونها هى الصورة الحقيقية الأصلية ، التى تم نسخها لصور عديدة اليوم تتمثل فى النساء المعاصرين لكل زمن وكل جـيـل ، فالنساء جميعا متبلورات فى أنـَّـهن أسباب غواية وضلال الرجال ، ولم يستثنوا من ذلك أى امرأة إلا : السيدة [ مريم ] أم رسول الله [ عيسى ] ( عليهما السلام ) .

فمن فكرة المعصية الأولى والخطيئة الأصلية ، تـشكلت لديهم النظرة العامة للمرأة ، وعليها انبنت كل أقاويلهم وأفكارهم تجاه المرأة فيما بعد . فتجد المرأة واقعة فى ظلم بالغ فى الشرائع ، ولم تسلم كذلك فى الإعتقاد من الإزدراء والإنتقاص والتقليل .

فكما قـلـنـا أن حواء عند اليهود والنصارى هى سبب الخطيئة الأصلية حسب اعتقاداتهم . فيعتقدون بأن ( حَـيَّـة ً ) وِسْـوَسَـتْ لـحَـوَّاء بالأكل من الشجرة ، فقامت حــواء بدورها بالوسوسة لزوجها آدم حتى يأكل من الشجرة ويطعمها معه .
وهذا وحـده فيه مافيه من تشبيه المرأة بالحـَـيـَّـةِ الماكرة الخبيثة التى ، دأبت على الغدر ، فجاء تفكيرهم بهذه الصورة ليتمكنوا من إلصاق التهمة بالمرأة ، وهذا إن دلَّ فإنما يدلُّ على سفه العقول وضيقها ، وعلى المسارعة فى التنصل من أى مسؤولية . فرمزوا لها بـهـذا الرمز القبيح الذى يأنف كلّ حُــرٍّ أن يتمثل به لأى سبب .




والقصة فى كتابهم جاءت فى الإصحاح الثالث من سِـفـْـرِ التكوين ، وتحت عنوان ( سـقوط الإنـسـان ) ، كالآتى :
[ و كانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله ، فقالت للمرأة : أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة فقالت المرأة للحية : من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله : لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا فقالت الحية للمرأة : لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل ، وأنها بهجة للعيون ، وأن الشجرة شهية للنظر . فأخذت من ثمرها وأكلت ، وأعطت رجلها أيضا معها فأكل فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان . فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار ، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة فنادى الرب الإله آدم وقال له : أين أنت فقال : سمعت صوتك في الجنة فخشيت ، لأني عريان فاختبأت فقال : من أعلمك أنك عريان ؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها فقال آدم : المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت فقال الرب الإله للمرأة : ما هذا الذي فعلت ؟ فقالت المرأة : الحية غرتني فأكلت فقال الرب الإله للحية : لأنك فعلت هذا ، ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية . على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل أيام حياتك وأضع عداوة بينك وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها . هو يسحق رأسك ، وأنت تسحقين عقبه وقال للمرأة : تكثيرا أكثر أتعاب حبلك ، بالوجع تلدين أولادا . وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك وقال لآدم : لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا : لا تأكل منها ، ملعونة الأرض بسببك . بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكا وحسكا تنبت لك ، وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها . لأنك تراب ، وإلى تراب تعود ] . [ التكوين : 3 _ 1 : 19 ] .

وهـذه القصة فيها من الهراء مافيها ، ويكفى لتبيان سفهها الإشارة للفقرة التى تجيب فيها حـواء على سؤال الحـية ، فتخبرها بأن الله نهاهما عن الأكل من هذه الشجرة لئلا يموتا ، وبعدها تذكر الفقرات أنهما أكلا بالفعل ؛ ولكنهما لم يموتا ، إذن فالفقرة من جهلهم تدعى أن هذا الإله قد كذب عليهما .. فهل يكذب الإله ؟؟
ولكن ليس هذا بمحل بسط وتفصيل فى مثل هـذا ؛ فلنتأمل سويا ماجاء فى هذه الفقرات :

فانظروا كيف صوروا جواب آدم ؟؟
[المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت ] .
فهذا مايورثونه لأنفسهم اليوم ، المرأة هى المخطئة ، ويتبرأ كل رجل ويتنصل هاربا من مواجهة خطئه ، ليلصق السبب فى من ؟؟ فى المرأة .

ثم لتنظرى أختنا الفاضلة ، لما جاء فى الفقرة من عقوبات :
[ تكثيرا أكثر أتعاب حبلك ، بالوجع تلدين أولادا . وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك ] .

فعلى ماجاء فى هذا الكلام ، فكل امرأة تحمل أو تلد فحملها وولادتها ومخاضها ماهو إلا عقوبة تعاقب بها بسبب معصيتها للرب ، وكذلك فقد جعلوا مجرد اشتياق المرأة لزوجها وحنينها إليه الذى فطرها الله عليه ؛ جعلوا كل هذا نابعا من عقوبة مماثلة تـُـعـَـاقـَـبُ بها المرأة إلى أبد الدهر وحتى تقوم الساعة .

ثم لكِ أختنا الفاضلة أن تتأملى فى العقوبة الواقعة على ( آدم ) :
[ ملعونة الأرض بسببك . بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك وشوكا وحسكا تنبت لك ، وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها . لأنك تراب ، وإلى تراب تعود ] .

فعلى هذا أيضا ، فالمرأة سبب فى حلول اللعنات على الأرض جميعها ؛ حيث كانت المرأة سبب هذه الغواية وهذا الإنقلاب .
ليس هذا فحسب ؛ وإنما كل مايعانيه ( آدم ) وبنوه إلى اليوم ( كما زعموا ) من تعب فى المعايش وغيره إلى يوم القيامة ، قد تسببت فيه المرأة أيضا .

فأى تكريم للمرأة فى مثل هذا ؟؟

ولكن :
هل انتهت المسألة عند هذا الحـد ؟

لا لم تنتهِ ؛ وإنما استمرت مع الأجيال جيلا بعد جيل ، وكانت هذه الإهانة التى رأينهاها للمرأة هى لـُـبّ وجوهر قضية الإعتقاد عند النصارى ، فقضيتهم تمثلت فيما سبق من أنه الخطيئة الأصلية التى توارثتها الأجيال ؛ وكان لابد حتى تتحقق المغفرة أن يُـرْسِلَ الله ابنه إلى الأرض ( تعالى الله عن الند والنظير والزوجة والولد وعن كل نقص . سبحانه ) لكى يضحى بنفسه على زعمهم فداء لهم وسببا لتحصيل المغفرة من ذنب كانت بدايته عند حواء التى أضلت آدم على زعمهم .

فاللهم لاحول ولا قوة إلا بك .






ثم هذه المعصية الملتصقة بحــواء استمر توارثها وانتقالها لكل النساء من بعدها إلى يوم القيامة ، فكل مولودة تولد ومعها معصيتها .
وكما قلنا ، من هنا جاء ازدراء اليهود والنصارى للنساء وللجنس الأنثوى بصفة عامة .

ولتوضيح مثل هذا ، يمكـننا أن نتأمل فى ماقاله ( القس ترتوليان ) وهو يخاطب بنات دينه ، فيقول لهن :
[هل تعلمن أن كل واحدة منكن حواء ؟؟ فما كتبه الله عليكن ما زال مستمرا إلى عصرنا هذا ، والخطيئة مستمرة أيضا ، وأنتن الباب الذى يدخل منه الشيطان ، وأنتن السبب فى خطيئة الشجرة المحرمة ، وأنتن أول من ارتكب معصية ، وأنتن اللاتى أغـوين آدم الذى لم يستطع الشيطان أن يغويه ، فأنتن دمرتن العلاقة بين الإنسان والرب ، وبسبب معصيتكن قـُـتِـلَ ابن الإله ] ( 1 ) .

وهذا القول يفسر ماقاله ( ترتوليان ) أيضا فى موضع آخر :
[ إنها – أي المرأة - مدخل الشيطانإلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة لصورة الله (الرجل) ] .

فسبحان الله العظيم ، بلغوا فى تكريمهم للمرأة على حـد زعمهم أن جعلوها هى السبب فى كل شر وبلاء .

بل تمادى ( القس أوجستين ) فى هذا الصدد ، فنفى عن المرأة أى فائدة مرجوة منها إلا : إنجاب الأطفال وكفى . حين قال فى رسالة بعثها لصديق له :
[ ليس هناك فرق بين الزوجة والأم فهى فى كلتا الحالتين حـواء التى غـوت آدم ، ويجب أن نحذر جميعا منها ... لاأعرف مافائدة المرأة بالنسبة للرجل سوى أنها تنجب أطفالا ]( 2 ) .

وهكذا حكم رهبان النصارى على المرأة بأنها صورة من حـواء التى صوروها على أنها سبب الغواية والضلال والمعصية لآدم وبنيه جميعا إلى يوم الدين ، فهى كائن يجب الحذر منه واجتنابه فى جميع الأحوال ... ولا فائدة فيها ولا نفع ؛ فهى كائن اقتصر دوره على الحمل والولادة فقط .


بل جاء بعدها بقرون من بالغ فى هذا أكثر وأكثر كــ ( القس توماس أكويناس ) الذى أكد على عدم جدوى المرأة والنفع فيها . فقال :
[ إن المرأة لافائدة لها ؛ أما الرجل فيولد صالحا ويُـوَرِّثُ هذا لبنى جنسه ؛ لكن المرأة مشوبة بالاخطاء منذ ميلادها ]( 3 ) .

فعقد مقارنة ظالمة بين المرأة والرجل ، وانتهى فيها إلى أن الرجل يولد على الصلاح وينقل الصلاح لذريته ، وأن المرأة على عكس ذلك تولد على المعصية وتنقل معصيتها لذريتها كذلك . ولهذا نفى عنها النفع والفائدة .

وقد أكد الشهير ( مارتن لوثر ) هذا الإعتقاد السائد ، فى عبارته الشهيرة :
[ إذا تعبن أو متن الأمر لايهم ، فليمتن بعد الولادة ؛ فهذه هى وظيفتهن ]( 4 ) .

ويعنى أن المرأة إذا وضعت مولودها لم يعد من المهم أن تحيا أم تموت ، فهى مخلوقة لهذه الوظيفة فقط لاغير ؛ ألا وهى أن تكون وعاء يفيض بالإنجاب ، فإذا أنجبت فقد أدت وظيفتها ودورها وماعاد لوجودها معنى .
حسنا ، ولكن ماذا عن المرأة العقيم التى لاتنجب ؟؟ فهل هذه ليس لها أن تحيا أم ماذا ؟؟

فهذا لون من ألوان تكريم المرأة وتوقيرها ومعرفة قدرها عند أهل الكتاب . والألوان غير ذلك كثيرة وكثيرة .





ومن أجـل هذا المعتقد القبيح الذى اعتقدوه فى الجنس الأنثوى ، فقد أهانوا المرأة وشوهوها فى عقولهم ، حتى اعتبروا مجرد ولادتها دربا من دروب الخزى والعار .

فيأتى الإنجيل الكاثوليكى فى إصحاحه الثالث ليطرح العبارتين مجتمعتين عن الذكور والإناث فيقول :
[ إن ميلاد الفتاة خسارة ] ( ecclesiasticus : 3 _ 22 ) .
ثم يقول :
[ الرجل الذى يعلم ابنه الذكر فيحسده أعداؤه ] ( ecclesiasticus : 3 _ 30 ) .

ويؤكدها أحد حاخامات اليهود بهذه العبارات :
[ إنه خيرا أن تنجبوا ذكورا ، لكنه شرا أن تنجبوا إناثا ]( 5 ) .
[ الجميع يسعدون بميلاد الذكور ، لكنهم يحزنون لميلاد الإناث ]( 6 ) .
[ عندما يولد الذكر يحل السلام على الأرض ، لكن عندما تولد الأنثى فلا يحل شىء ]( 7 ) .




وبعد الولادة ، تستمر نظرة الدونية ناحية المرأة ، وتتمثل هذه المرة فى حال أم المولود بعد انتهاء الوضع .
فمن تلد ذكرا تتنجس ( سبعة أيام ) ؛ أما من تلد الأنثى فتبقى نجاستها ( أسبوعين كاملين ) . وكأنها كانت تحمل وتضع مولودا من الكائنات الأخرى .

جاء فى الإصحاح الثانى عشر من سِـفـْـر اللاويين :
[ وكلم الرب موسى قائلا كلم بني إسرائيل قائلا :إذا حبلت امرأة وولدت ذكرا ، تكون نجسة سبعة أيام. كما في أيام طمث علتها تكون نجسة وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوما في دم تطهيرها . كل شيء مقدس لا تمس ، وإلى المقدس لا تجئ حتى تكمل أيام تطهيرهاوإن ولدت أنثى ، تكون نجسة أسبوعينكما في طمثها ] [ اللاويين : 12 _ 1 : 5 ] .






وأما عن الطمث الذى يصيب النساء كما فطرهن الله على ذلك ، فالأحكام عند اليهود والنصارى هى من توضح حال المرأة عندهم إن كانت مُـكـرّمة أم غير ذلك .
المرأة حين محيضها تكون كالكائن النجس الذى ماإن احتك بشىء أو لامس شيئا أصابه بالنجاسة ، حتى إن بعض اليهوديات مازلن حتى اليوم يطبقن على الحيض مصطلح ( اللعنة ) . نظرا لما يعانينه ويقاسينه أثناء هذه الفترة التى تعتريهن طبقا لما جـُـبـِـلن عليه من خِـلقة .

ومن المضحكات المبكيات ماوضعه أحد الحاخامات اليهود من تفصيل غريب فى شأن الحائض ، حيث وضع فارقا بين أن تكون المرأة فى بداية حيضها وبين أن تكون فى نهاية فترة الحيض ، فقال :
[ لو مرّت امرأة حائض بين رجلين فى بداية فترة المحيض سيموت أحدهما بسببها ، ولو كانت فى نهاية فترة المحيض ستتسبب فى خلاف بينهما ] .

فسبحان الله العظيم ماهذا الحيض الذى يتحكم بزعمهم فى حياة الناس وموتهم ، وفى اجتماعهم وافتراقهم .. إنها لإحدى الكـُــبَـرْ .

أضف إلى ذلك أن زوج الحائض يُـمنع من دخول المعابد اليهودية أثناء فترة حيض زوجته ، لأعتباره متنجسا بنجاستها ، حيث أن الأمر لايخلو أن يكون قد خطا فوق الثرى الذى خطت من فوقه الحائض . فتنجس بسببها . وفى نفس المعابد وصل الأمر لأن يُـمنع أى قديس من قديسيهم أن يلقى خطبته المعتادة على الناس إذا كانت زوجته أو إحدى بناته أو حتى أمه حائضا .

كما تجدر الإشارة إلى أنه كان فى فترات سابقة يقوم اليهود بنفى الحائضات فى دار تسمى بــ ( بيت الدّناسة ) وتظل هناك يذهب عنها الطمث ، ثم تـُـعاد لبيتها بعد ذلك .

وكل ذلك يفعلونه احترازا من نجاسة المرأة ، وتنفيذا لما جاء عندهم فى سـِـفـْـر اللاويين :
[ وإذا كانت امرأة لها سيل ، وكان سيلها دما في لحمها ، فسبعة أيام تكون في طمثها . وكل من مسها يكون نجسا إلى المساء وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجسا ، وكل ما تجلس عليه يكون نجسا وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ، ويكون نجسا إلى المساء وكل من مس متاعا تجلس عليه ، يغسل ثيابه ويستحم بماء ، ويكون نجسا إلى المساء وإن كان على الفراش أو على المتاع الذي هي جالسة عليه عندما يمسه ، يكون نجسا إلى المساء ] [ اللاويين : 15 _ 19 : 23 ] .

وكما أن هذه الأحكام للحائض ، فكذلك كانت بعينها أحكام المستحاضة :
[ وإذا كانت امرأة يسيل سيل دمها أياما كثيرة في غير وقت طمثها ، أو إذا سال بعد طمثها ، فتكون كل أيام سيلان نجاستها كما في أيام طمثها . إنها نجسة كل فراش تضطجع عليه كل أيام سيلها يكون لها كفراش طمثها . وكل الأمتعة التي تجلس عليها تكون نجسة كنجاسة طمثها وكل من مسهن يكون نجسا ، فيغسل ثيابه ويستحم بماء ، ويكون نجسا إلى المساء ] [ اللاويين : 15 _ 25 : 27 ] .

ليس هذا فحسب ، بل كان هناك حكما آخر عجيبا غريبا للمرأة الحائض عند أهل الكتاب :
[ وإذا طهرت من سيلها تحسب ، لنفسها سبعة أيام ثم تطهر وفي اليوم الثامن تأخذ لنفسها يمامتين أو فرخي حمام ، وتأتي بهما إلى الكاهن إلى باب خيمة الاجتماع فيعمل الكاهن : الواحد ذبيحة خطية ، والآخر محرقة . ويكفر عنها الكاهن أمام الرب من سيل نجاستها ] [ اللاويين : 15 _ 28 : 30 ] .

فحتى تتمكن المرأة من التخلص من نجاستها لابد لها فى نهاية الأمر من هذه الزيارة التى تذهب فيها للكاهن وتقف عند باب خيمة الإجتماع ، وفى يدها فرخى حمام أو يمامتين ؛ حتى يعلم كل من رآها مارّة فى طريقها بأنها حاضت ، وكذلك يعلم بالأمر كل من رآها منتظرة عند باب الإجتماع هذا ، وكأنهم قرروا فضيحة كل أنثى ، ومحـاسبتها على شىء فى أصل خِـلقتها وجبلتها التى جبلها الله عليه ، وكأن هذا ذنبا اقترفته أو خطيئة أصابتها ، فاحتاجت معها لتدخل الكاهن فى الأمر كى يُـكـفِّـرَها عنها .. فأين الحياء المفترض أن تتمتع به الإناث وأين الحفاظ على خجلهن .




فهذه مكانة من مكانات المرأة العالية ودرجة من درجاتها الرفيعة التى تفرّد بها أهل الكتاب . أنها كائن نجس ينجس ماحوله بدون نظر لبشريته وإنسانيته .



فعلى هذا النحـو وفى ذاك المضمار دارت أفكار أهل الكتاب .. فالمرأة فى أصل تفكيرهم هى أصل للـخـطـايا وأساس تنبنى عليه البلاءات . فجاء كلامهم عنها بهذه الصورة المـهينة التى تنضح بها كتبهم ورسائلهم .

وليس أدل على هذا من مؤتمر ( ماكون ) الذى عقدوه فى القرن الخامس الميلادى ، ليتباحثوا خلاله فى قضية من قضايا المرأة ، ألا وهى قضية ( هل المرأة لها روح أم لا ؟؟ ) .. واستقروا فى نهاية المطاف إلى أن المرأة لها روح بالفعل ؛ ولكن هى روح شريرة .. فالمرأة عندهم كائن حى حقا وله روح ؛ ولكنه كائن يخلو من الروح الناجية .. ولم يستثنوا من تلك القاعدة إلا ( السيدة مريم عليها السلام ) .. أما ماعداها من النساء فهن متشيطنات _ مملوءات بأرواح شيطانية _ ولذلك فهن يعادين الله ويعادين المجتمع .

وبعد حوالى قرن من الزمان ، انعقد مؤتمر آخر فى عام 586 م ، وكان موضوعه عن إنسانية المرأة ( هل المرأة إنسان أم لا ؟ ) .. وانتهى بهم المطاف أيضا إلى أن المرأة إنسان ، ولكن ؛ هى إنسان الغاية من خلقه هو خدمة الرجل فحسب .



فعاشت المرأة فترات وعصورا كاملة من الضيق والعذاب . بسبب هذه الأفكار الشاذة التى يطوقونها بها .
والذى يزيد الأمر سوءا على سوء فى حال المرأة وقتها ، أن أصحاب هذه الأفكار لم يكونوا فقط هم عامة الناس وجهال القوم مثلا ؛ وإنما كان رأس ذلك القساوسة والكهنة والرهبان والحاخامات ، وأولئك كان لهم من التوقير والتقدير بين أقوامهم الحظ الوافـر باعتبارهم رجال الدين ، فكان حال المرأة يومها مظلما أشد ظلمة ؛ إذ لم يكن أمامها وقتها من يناصرها أو يزيح عنها مايلصق بها من تهم وادعاءات .

مثال ذلك ماجاء فى الإنجيل الكاثوليكى :
[ لايوجد خطيئة يمكن مقارنتها بخطيئة المرأة ، فأى خطيئة تكون وراءها امرأة وبسبب المرأة سنموت جميعا ] [ ecclesiasticus : 25: 19 K 24 ] .


كما يقول ( القديس سوستام ) عن المرأة :[إنها شر لا بد منه ، و آفة مرغوب فيها ، و خطر على الأسرة والبيت ، و محبوبة فتاكة ، و مصيبة مطلية مموهة ] .

وفى سِـفـْـر الجامعة الإصحاح السابع ، هناك فقرة تقول :
[فوجدت أمر من الموت : المرأة التي هي شباك ، وقلبها أشراك ، ويداها قيود . الصالح قدام الله ينجو منها . أما الخاطئ فيؤخذ بها ] [ الجامعة : 7 _ 26 ] .




وعلى هذا الأساس قد انبنت كثير من الأحكام النسائية التى سار عليها أهل الكتاب ، كالإرث مثلا وضوابط الذمة المالية بين الزوجين وماشابه . وكذلك الحال بالنسبة لقبول الشهادة من المرأة كان له أحكامه الخاصة .

أما عن شهادة المرأة فلم تكن تقبل فى المجتمع اليهودى القديم ، وقد اعتبروا عدم قبول شهادتها واحدة من تسع لعنات لعنها الله بهن عقابا لها على خطيئتها الأولى .
وفى ذلك قال أحد حاخامات اليهود :
[ على المرأة تسع لعنات ثم الموت : الطمث ، ودم العذرية ، وتعب الحمل ، والولادة ، وتربية الأطفال ، وتغطية رأسها كأنها فى حداد ، وتـُـخـرَم أذنها مثل الجارية ، ولا يؤخذ بشهادتها ... وبعد كل هذا : الموت ] .

وأما عن ميراث المرأة ، فاليهود لم يسمحوا للمرأة بالحق فى الميراث ، بل تجاوزوا ذلك إلى أن جعلوا المرأة جزءا من التركة ذاتها ، فتنتقل مع التركة إلى المستحقين للإرث . هذا إذا كانت زوجها فإنها لاترث فى زوجها ،، أما إن كانت إبنة فلها أن ترث أباها فى حالة واحدة : وهى إن لم يكن لها إخوة من الذكور ؛ فإن كان لها أخ واحـد ذكر يستحوذ على التركة كلها وتخرج هى دون نصيب .
وقد برر الحاخام إبستاين مسألة اعتبار المرأة جزءا من التركة ، فقال :
[ لأن المرأة ملكا لأبيها قبل الزواج ، وملكا لزوجها بعد الزواج ]( 8 ) .

وكذلك الأم لاترث فى أبنائها .

ومع ذلك فإذا كاتت المرأة فزوجها هو صاحب الحق الأول فى الميراث .

وفى النصرانية كانت هذه القوانين هى السارية أيضا ، حتى القون الماضى .

وأما عن الذمة المالية للزوجة ، فهذه كانت منعدمة إلى أقصى درجة ، فممتلكات الزوجة وكل ماتكسبه يكون ملكا لزوجها لأنها هى نفسها ملكا للزوج . ولذلك تفصيلات كثيرة عندهم .

هذا إضافة إلى التفاوت الواضح بين أحكام الرجل والمرأة فى الزنا وفى النذور وفى غيرها .

وليس شىء يوضح المكانة الحقيقية للمرأة عند أهل الكتاب بقدر الدعاء السائد عند اليهود ، والذى يردده المتدينون منهم إلى اليوم .
فعندهم فى الصلاة يدعو الرجل اليهودى قائلا : [ الحمد لله أنه لم يخلقنى وثنيا ، الحمد لله أنه لم يخلقنى امرأة ، والحمد لله أنه لم يخلقنى جاهلا ] .
أما النساء فدعاؤهن : [ نحمد الله على أنه خلقنا كما يشاء ] .






فهذه هى المرأة عند أهل الكتاب باختصار شديد : [ كائن قد وُلـد ومعه خطيئته وهو السبب فى كل خطايا البشر وفساد العالم . وهى تارة يصورونها على أنها سبب خلقتها خدمة الرجل ، وتارة سبب خلقتها إنجاب الذرية فحسب ، وتارة أخرى تحوى فى داخلها روحا شيطانية يعم فسادها فى البرية ، ليس لها حق فى إرث إلا عند افتقاد الوارث الذكر ، ليس لها أى نوع من أنواع التملك الشخصى فهى مملوكة لزوجها ، ولادتها شر وبلاء وكارثة تنزل بأبيها ، هى دوما المسؤولة عن الإنحرافات ، فهى ناقضة لنواميس الله ، حين ولادتها تتنجس أمها لمدة تعتبر الضعف من المدة المعهودة للذكور ، وفى طمثها يتنجس بسببها العالم بأسره ، وكل مايعتريها من فطرة فطر الله بها بنات حواء تعتبر من العقوبات واللعنات التى تحل عليها طيلة حياتها ] .









فــمــاذا كان حال المرأة فى ظـل شريعة الإسلام المباركة ؟؟
نعيش معها فى الفصل القادم إن شاء رب العالمين .





حــــــاشـية الـفـصــل




( 1 ) نقلا عن كتاب [ المرأة فى الإسلام والمرأة فى العقيدة اليهودية والمسيحية الأسطورة والحقيقة ] صـــ 9 ، 10 .

( 2 ) ، ( 3 ) ، ( 4 ) ، المصدر السابق صــــــ 10 .

( 5 ) ، ( 6 ) ، ( 7 ) Swidler, op. cit., p. 140.
نقلا عن كتاب [ المرأة فى الإسلام والمرأة فى العقيدة اليهودية والمسيحية الأسطورة والحقيقة ] صـــ 13 .

( 8 )ibid.p.121.
نقلا عن المصدر السابق صـــــ 41 .



التعديل الأخير تم بواسطة أبو عمر الأزهري ; 01-30-2008 الساعة 08:18 AM
رد مع اقتباس