عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-24-2015, 10:29 PM
عبدالله الأحد عبدالله الأحد غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي من ردود الشيخ دمشقية على الاحباش في التوسل

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله

التوسـل والوسيلـة

تسمية التوسل بغير اسمه
أنواع التوسل المشروع
كيف كان توسل الصحابة
توسل الأعمى بالنبي ïپ¥ وفيه أثر بطعن عثمان
موقف أبي حنيفة من التوسل
نماذج بضاعة الحبشي في التوسل






مسألة التوسل

يستخدم أهل البدع ألفاظاً شرعية يصطلحون لها على معان مخالفة للمعنى الذي أراده الشرع ، فيطلقون لفظ التوسل ويقصدون به الاستغاثة تارة والتوسل بذوات الصالحين أمواتاً تارة أخرى.
وبما أنه قد دخل في لفظ التوسل خلط ولبس ، وصار مفهومه عند المتأخرين مخالفاً لمفهومه في لغة الصحابة : حيث معناه عندهم : التوسل بدعاء المتوسَل به وأما عند المتأخرين : التوسل بذاته لا بدعائه : صار الكلام في التوسل داخلاً في العقائد لأنك لا تكاد تجد مدافعا عن التوسل إلا وهو يعني به الاستغاثة بغير الله ويحتج له بحديث الأعمى يسمونه حديث التوسل وفيه لفظ " يا محمد " .
فالكلام على التوسل وإغراء الناس به صار استدراجاً للعوام نحو الاستغاثة بغير الله فلهذا لم تعد مسألة التوسل داخلة في مسائل الفقه كما زعم من ظن أنه بلغ الاعتدال وهو إلى التساهل في الدين أقرب .

تعقيب على الشيخ فيصل مولوي
وفي ذلك رد على قول الشيخ فيصل مولوي أن كثيراً من المنتسبين للشيخ محمد بن عبد الوهاب قد بالغوا حتى اعتبروا موضوع التوسل من مسائل الشرك ، مع أنه من مسائل الفقه ( ) . وكيف يكون من مسائل الفقه وهؤلاء تركوا التوسل بأسماء الله الحسنى والتوسل بالعمل الصالح واستبدلوه بالتوسل بالصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى ! وقد وقع الاختلاف فيه حين ضاع المفهوم الصحيح للتوسل وبعدما اتفق السلف على نمط واحد من التوسل هو التوسل بدعاء الرجل الحي الصالح . فالخلاف الذي وقع بعدهم لا اعتبار له .
ولقد ذكر التفتازاني أن شرك المشركين وقع حين " مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله اتخذوا تمثالاً على صورته وعظمـوه تشفعـاً إلى الله تعالى وتوسلاً " ( ).
فليتنبه الشيخ إلى أن شرك المشركين كان شرك الوسيلة الذي يدعو إليه هؤلاء اليوم .

يسمونها بغير اسمها

وتذلل وخضوع المستغيثين عند أعتاب وأضرحة الأولياء وبين يدي مشايخهم هو الخشوع الذي لا يجوز أن يكون إلا لله . وقد أفلح الخاشع في صلاته بين يدي ربه . وهذا الشرك ( أعني التذلل والخضوع لغير الله ) قد ألبسوه لباس الدين بإعطائه أسماء مختلفة ، فبدل أن يسموه عبادة سموه توسلاً ، وبذلك ارتكبوا جناية على اللغة والدين ، فبدلوا اللغة كما بدلوا الدين .
فالاستغاثة : طلب الغوث ، كما أن الاستعانة طلب العون من المستعان به ، فإذا كانت بنداء من المستغيث للمستغاث كان ذلك سؤالاً منه وهو واضح وصريح أن ذلك ليس توسلاً به إلى غيره ، يسمونها بغير اسمها ، وذلك على غرار تسمية الربا ( فائدة ) والخمرة ( أم الأفراح ) حتى لا يقال لهم ( إنكم لمشركون ) !!!
فكما أن هناك من سمى الخمرة بغير اسمها فهناك من يسمى الشرك بغير اسمه يسميه توسلاً وتبركاً ويسمي التحريف تأويلاً ويسمي التعطيل تنزيها ويسمي الرقص ذكراً ويسمي التقديس محبة ! هكذا يزين الباطل .
• أن النبي ïپ¥ قد ندبنا أن نسأل الله كل شأن من شؤوننا فكيف نلتفت إلى غيره في أشد حوائجنا وشدائدنا ونلجأ إلى سواه .
التوسل بالذات أم بالدعاء ؟
وقد خالف الموحدون المشركين بتفريقهم بين التوسل بذوات الصالحين وبين التوسل بدعائهم ، فتركوا التوسل بذات أفضل الصالحين وسيد المرسلين محمد ïپ¥ بعد موته وتوسلوا بدعاء غيره من الأحياء ، ولهم في ذلك سلف كتوسل عمر بالعباس ، وتوسل معاوية بالأسود بن يزيد ( ) ، وحدث ذلك أمام جمع غفير من الصحابة فكان هذا إجماعاً منهم على صحة الفعل. وهذا الترك سنة ، وعدم الترك بدعة مخالفة لما تركه خير القرون ، وسلوك لغير سبيل المؤمنين . { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا } . فلابد من الرجوع إلى المعنى الشرعي للفظ التوسل من القرآن والسنة وفهم سلف الأمة .
ولا اعتبار للخلاف الذي وقع في التوسل بعدهم وبعد قول عمر ( كنا نتوسل بنبيك ) الذي قاله أمام جموع الصحابة . وقد جعل مؤلفو الحديث كالبخاري هذه الأحاديث تحت باب ( سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا ) ولم يجعلها تحت باب التبرك بقبور الصالحين . إذ لا يوجد ولله الحمد مثل هذا الباب في كتب الحديث المعتبرة .

التوسل في اللغة
قال في القاموس في مادة (وسل) وسل إلى الله تعالى توسلاً : أي عمل عملاً تقرب به إليه " . وفي المصباح ًالمنير " ووسل إلى الله تعالى توسيلاً : أي عمل عملاً تقرب به إليه " . و " توسل إلى ربه وسيـلة : أي تقرب إلى الله بعمل " .
وفي الصحاح للجوهري " توسل إليه بوسيلة : أي تقرب إليه بعمل ".
والتوسل إلي الله معناه اتخاذ سبب يزيد العبد قربة من الله . وفي ذلك آيتان من كتاب الله :
ïپ¶ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } [ المائدة 35 ] ، عن ابن عباس والسدي وقتادة " أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه " قال ابن كثير " وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف فيه بين المفسرين " وساق الطبري أقوالاً " حاصلها " أن الوسيلة هي التقرب إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه ( ) .
وقال أبو الليث السمرقندي (كبير مشائخ الحنفية) { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } " أي اطلبوا القربة والفضيلة بالأعمال الصالحة " ( ) .
ولم يقل أحد من المفسرين " المعتبرين " أن معنى { َابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } أي سلوا الأموات من دون الله أو اتخذوا الأولياء وسيلة لكم إلي الله .

هل ابتغى الصحابة الوسيلة ؟

ونسأل : هل طبق الصحابة هذه الآية على الوجه الذي تفهمونه ؟ هل كانوا يتوسلون إلى الله بالنبي ïپ¥ أم أنكم فهمتم فهماً جديداً فات الصحابة فهمه حتى عدلوا عنه وتمسكتم به ؟
وقد ذكر النبي ïپ¥ لعمر ولياً من أولياء الله ، وأمره إذا لقيه أن يسأل الله له الاستغفار ، ولو كان التوسل بالذات هو المفهوم عند الصحابة لتوسل عمر بأويس قبل أن يلقاه كأن يقول : اللهم إني أسألك بأويس . . . . لكنه لم يفعل !
قال تعالى { قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً 56 أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [ الإسراء 56 ] . قال ابن عباس ومجاهد " وهم : عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم " ( ) ".
قال ابن مسعود " نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن ، فأسلم الجنيّون ، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون " .
قال الحافظ " استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن ، والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا وصاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة ، وهو المعتمد في التفسير" ( ) .
وقال بعض السلف : " كان أقوام يدعون المسيح وعزيراً والملائكة ، فبين الله لهم أن هؤلاء عبادي كما أنتم عبادي ، يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي ويتقربون إلي كما تتقربون إليّ " .
ومن هاتين الآيتين يتبين لنا نوعان من التوسل :
أحدهما توسل شرعي : وهو التقرب إلى الله بالوسائل التي شرعها ، كالتوسل بأسماء الله الحسنى والتوسل بالعمل الصالح .
وثانيهما : توسل شركي يعتمد التعلق بالذوات واللجوء إليها ، والتماسات شركية يظنونها وسائل شرعية تحقق المطلوب وتدفع المحذور .

أنواع التوسل المشروع

1) التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وهو أعظم أنواع التوسل ، قـال تعالى { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأعراف 180 ] ، ومن أعظم أنواع التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى : ما رواه بريدة أن رجلاً جعل يدعو ، فجعل النبي ïپ¥ يستمع إلى دعائه فكان يقول اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ( أن تصر لي ذنوبي ) فقال النبي ïپ¥ " والذي نفسي بيده ، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى " ( ) .
2) التوسل إلى الله بالإيمان والعمل الصالح : ودليله قصة الثلاثة نفر من بني إسرائيل الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار وحالت دون خروجهم فجعلوا يذكرون أخلص أعمالهم الصالحة ويسألون الله بها أن يفرج عنهم الصخرة ففرجها عنهم ( ) .
ومن ذلك التوسل بالإيمان بالنبي ïپ¥ ومحبته ، ولكن لم يعهد عن أحد من سلف الأمة أنه قال ( اللهم أسألك بإيماني بنبيك وبمحبتي له ) وإنما كانوا يقولون { رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } . ولا شك أن هؤلاء لم يكونوا يجهلون أسماء الأنبياء ، فلم يتوسلوا إلى الله بإبراهيم أو إسماعيل أو يعقوب ، وإنما اقتصروا في هذا الموقف العصيب على التوسل بأخلص أعمالهم ، ثم يقرهم الله على ذلك ويكافئهم بأن يفرج عنهم .
أو كانوا وهابيين لا يرون التوسل ؟ أين الأنبياء والأولياء الذين زعم الحبشي أنهم يخرجون من قبورهم فيغيثون الملهوف ثم يعودون إليها ؟
ومع مشروعية التوسل بالعمل الصالح فإن النووي رحمه الله كان يخاف أن يكون فيه نوع من ترك الافتقار المطلق إلى الله ، فكيف بمن يتوسل بالذوات غير المشروع ؟ !
ومن التوسل بالإيمان ما نجده في تلك الآية { رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [ آل عمران 16 ] ، فيجوز للعبد أن يتوسل بإيمانه أن يغفر له ، ففي الصحيحين أن رجلاً سأل رسول الله ïپ¥ " أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله ورسوله ( )
3) التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح وهذا مشروع . وقد كان الصحابة يتوسلون إلى الله بدعاء نبيهم ïپ¥ وكانوا يتوسلون بعد موته ïپ¥ بدعاء من يتوخون فيه العلم والصلاح ، كقول أم الدرداء لصفوان - وقد كان مسافراً " أدع لنا بخير ، فإن رسول الله ïپ¥ كان يقول " دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه مَلَك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل : آمين ، ولك بمثل " ( ) ، وهكذا توسلت أم الدرداء بدعاء صفوان في الحج .
















كيف كان توسل الصحابة ؟

وفي قضية التوسل بالنبي ïپ¥ نسأل الأسئلة التالية :
السؤال الأول : هل طرأ التوسل بالنبي ïپ¥ بعد موته أم كانوا يتوسلون به في حياته ؟ الجواب : لا شد أنهم كانوا يتوسلون به في حياته .
السؤال الثاني : إذا ثبت أنهم كانوا يتوسلون به في حياته فكيف كانت طريقة التوسل ؟ هل كان التوسل بذاته أم بدعائه ؟
السؤال الثالث : هل التوسل بالذات مجمع عليه أم مختلف فيه في عهدهم ؟ ومتى ابتدأ الخلاف ؟
إن الذين لا يجعلون فرقاً بين التوسل به ïپ¥ حياً وميتاً محجوجون بفهم الصحابة وفعلهم ، فإننا إذا اختلفنا في فهم سنته رجعنا إلى فهم السلف لها .
فقد ترك عمر التوسل بالنبي ïپ¥ بعد موته أمام جمع من الصحابة ، فكان المشروع ما فعلوه لا ما تركوه ، والترك الراتب سنة متبعة ، وفاعل ما تركوه سالك غير سبيلهم .
فلقد أصيب الناس في عهده بالقحط فخرج بالناس للاستسقاء ثم قال " اللهم كنا إذا أجدبنا سألناك بنبيك ïپ¥ فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " ( ) . وفي رواية أنس " كانوا إذا قحطوا على عهد النبي ïپ¥ استسقوا به ، فيستسقي لهم فيسقون ، فلما كان في عهد عمر.. " ( ) .
وفي هذا أكبر تكذيب لقول الأحباش " لم يكن بين المسلمين إنكار للتوسل بالرسول في حياته أو بعد وفاته : المسلمون مجمعون على جواز ذلك " (منار الهدى 32: 27) . فقد كره أبو حنيفة التوسل بالنبي ïپ¥ على ما سترى . فأين هذا الإجماع المزعوم ؟ !
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رواية تؤكد أن التوسل كان بدعاء العباس فقال عمر للعباس " قم واستسق لنا " فقال العباس " اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ، ولم يُكشف إلا بتوبة ، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك ، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث " ( ) ". وهذا رد على من زعم أن توسل عمر بالعباس كان بالذات ، ولو كان بالذات لما كان ثمة حاجة ليأخذوا العباس معهم ولتوسلوا بمنزلته من النبي ïپ¥ ( ) . فهو توسل بفعل العباس لا بذاته .
ومالك لم يكن يرى فرقاً بين حياة النبي ïپ¥ وبين موته فيما يتعلق بتوقيره وحرمة رفع الصوت في مسجده ، ولكنه مع ذلك كان يفرق بين حياته ïپ¥ وبين موته فيما يتعلق بمسألة التوسل به ïپ¥ ومسألة زيارة قبره حتى قال " وأكره أن يقال زرت قبر النبي ïپ¥ " .












بطلان قاعدة جواز التوسل بالمفضول

وقد أجابوا عن ترك عمر التوسل بذات النبي ïپ¥ بأن توسل عمر بالعباس إنما كان لتعليم المسلمين جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل . لو ثبت بإسناد صحيح ولو مرة واحدة أن واحداً من الصحابة توسل إلى الله بميت لقلنا صدقتم ، بل الثابت توسلهم بدعاء العباس والأسود بن اليزيد مما يبطل زعمكم .
وهذا تعليل لا نسلم لكم به إلا بدليل يرد فيه هذا التعليل نصاً من كلام الصحابة . بل هذا اللتعليل ادعاء للغيب ، فإن عمر لم يقل شيئاً من ذلك ولا أحد من الصحابة ، فلم يبق إلا أن تدعوا أنكم تعلمون ما كان في قلب عمر ونيته .
ويلزمكم أن تبرهنوا على صحة هذا التعليل بأن تأتوا برواية صحيحة تثبت أن الصحابة استسقوا بالنبي ïپ¥ بعد موته ولو مرة واحدة حتى نوافقكم على هذه القاعدة ( التوسل بالمفضول مع جواز الفاضل ) .
• لأن تعليلكم ظن ، والظن لا يرفع الخلاف ، إذ الروايات تتضمن عبارة (كانوا) و (فلما) الدالان على عدول الصحابة عن الأمر الأول إلى الثاني ، والظنيات عند الأشاعرة لا يجوز دخولها في أمور العقائد التي تتطلب القطعيات ، وكان عليهم أن يحترموا عهودهم وأن لا يحتجوا في أمور العقائد بالمحتملات .
• أن الأمر { وَابْتَغُواْ } دليل على الوجوب ، لا ينصرف عنه إلى السنية إلا بدليل .
• أنه يمتنع في العادة أن يلجأ المضطر في حالة الشدة إلى الأدنى المشكوك فيه مع توافر الأعلى المضمون .
• أن ترك الصحابة التوسل بأنبياء آخرين يبطل قاعدة الخصم (جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ) ، ويؤكد أن قول عمر ( كنا نتوسل بنبيك ) تفيد الماضي .
• أن أحداً من هؤلاء اليوم لا يرضى أن يقول ما قاله عمر ( كنا نتوسل بنبيك ) لأن الواقع أنهم ما يزالون اليوم يدعون الناس إلى التوسل الذي عدل عنه الصحابة . وهذه علامة الضلالة ومخالفة السلف : أنهم يقولون اليوم ( لماذا لا نتوسل بالنبي ïپ¥ ) بينما قال عمر ( كنا نتوسل بنبيك ) .

• شبهة : وزعموا أن قول عمر (كنا) لا يفيد الماضي وإنما هو نظير قوله تعالى { وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيما } والجواب :
أولاً : أنه لما قال عمر (كنا) لم يتوسل بالنبي ïپ¥ مما يدل على أنه استعمل (كان) التي تفيد الماضي ، ولا أظن أن هؤلاء يجهلون تلك الحقيقة ولكن علم الكلام يورث المجادلة بالباطل
ثانياً : ما حكاه الحافظ ابن حجر عن الراغب " أن (كان) عبارة عما مضى من الزمان . لكنها في كثير من وصف الله تعالى تنبئ عن معنى الأزلية كقوله تعالى { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } قال : وما استعمل منه في وصف شيء متعلقاً بوصف له هو موجود فيه فللتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له أو قليل الانفكاك عنه كقوله تعالى { وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } " ( ) .
قلت : لاحظ أنه لا يأتي في هذه الآيات بعد (كان) فعل وإنما صفة ، وأما إذا جاء بعدها فعل فلابد أن تكون مفيدة للماضي .
• فالتوسل كان بدعاء النبي ïپ¥ وهذا ثابت بأدلة متوافرة أنهم كانوا يأتون النبي ïپ¥ فيقولون هلك الحرث فادع الله لنا يا رسول الله .
- ولم يثبت أنهم كانوا يتوسلون بذاته في الاستسقاء ، ولم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف أنهم كانوا يستسقون برسول الله ïپ¥ من غير أن يفعل هو الاستسقاء من صلاة ودعاء ، فلما مات استسقوا بالعباس وكان هذا بجمع الصحابة كلهم وإقرارهم ، ولو كان بذات النبي ïپ¥ لما قال عمر (كنا) ولا قال أنس (كانوا) . وهذه الأنواع من التوسل قد أجمعت الأمة على مشروعيتها " .


وهنا تجاهل نقد الذهبي للرواية

• ويتمسك الأحباش بحديث باطل وهو " إذا سألتم الله فسلوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم " ولو كان هذا الحديث معلوماً عند الصحابة لصار عمر مخالفاً لقوله ïپ¥ " سلوا الله بجاهي " ولصار الذين جمعهم عمر وتوسل أمامهم بدعاء العباس موافقين له على خلاف ما أمر به ïپ¥ من التوسل بجاهه أو ذاته ، فهل جهل الصحابة - أو تجاهلوا - جاهه ïپ¥ فتركوا التوسل بجاهه ؟
وهل جهلوا جاه موسى الذي قال الله فيه { وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا } وعيسى الذي قال الله فيه { وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } فلم يسألوا الله بهذا الجاه ؟
• ويتمسكون برواية ضعيفة مفادها أن عمر قال " يا أيها الناس إن رسول الله ïپ¥ كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا برسول الله واتخذوه (أي العباس) وسيلة إلى الله " ( ) . وهذه الرواية ضعيفة فيها داود بن عطاء المدني وهو ضعيف كما في التقريب للحافظ (1801) وقد تعقب الذهبي الحاكم (3/334) في هذه الرواية قائلاً " داود متروك " ، فلماذا لا تحتجون هنا بالذهبي كاحتجاجكم به في موقفه من أبي إسحاق السبيعي ؟
ثم على فرض صحة الرواية فإن منزلة العباس من النبي ïپ¥ لا تُنكر ، فاجتمع في كلا الروايتين منزلة العباس ودعاؤه .
فأي محاولة لإثبات أن التوسل كان بمنزلة العباس أو قرابته دون دعائه إنما هو طعن منهم في منزلة النبي ïپ¥ وفي فعل الصحابة .
وأما أن يقال : إن التوسل بالعباس كان لمجرد منزلته فيقال : أفيجوز أن يتوسلوا بمكانة العباس ولا يتوسلوا بمكانة النبي ïپ¥ التي لا تزول بموته ؟ أم أن التوسل كان بشيء ثان مقرون مع المكانة وهو التوسل بالدعاء ؟ وقد انتفى دعاء رسول الله ïپ¥ بموته فتوجه الصحابة إلى دعاء العباس وقالوا " قم يا عباس أدع الله لنا " .
وإذا كان توسل عمر بالعباس لقرابته ومنزلته فبماذا نفسر توسل معاوية بيزيد بن الأسود أمام جمع من الصحابة أيضاً ؟ ( ) . ولئن كان لكم مخرج في الطعن بمعاوية فأي مخرج لكم في إقرار جموع الصحابة لفعله ؟
• شبهة : وزعموا أن عمر لم يبلغه حديث الضرير ولو بلغه لتوسل به ، وهذا باطل فقد كان توسل عمر بدعاء العباس أمام جمع من الصحابة وتكرر هذا الجمع للاستسقاء بموجب قول أنس (كانوا) مما يدل على الاستمرار ( ) ، فهذا اتهام له وللمهاجرين والأنصار بجهل حديث الضرير أو اتهام لهم بالسكوت عليه .
• شبهة ( ) : واحتجوا بقوله تعالى { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } مع مخالفتهم لما فهمه السلف منها حيث معناها المجيء إليه في حياته . فلا يجوز إحداث تأويل في آية أو حديث لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه لأنه يلزم من ذلك الطعن بهم أنهم جهلوا الحق الذي اهتدى إليه الخلوف من بعدهم ، أو أنهم علموه ولكن كتموه عن الأمة .
• وقد ذم الله من تخلف عن هذا المجيء واعتبرهم منافقين مستكبرين غير مغفور لهم فقال { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ 5 سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .
• ولم يثبت أن أحداً من الصحابة أتى قبر النبي ïپ¥ وسأله الاستغفار وهذا يقتضي دخول الصحابة في المنافقين المستكبرين وأن الله لن يغفر لهم لأنهم ما عملوا بهذه الآية ، بل ثبت تركهم للتوسل به بعد موته والتوسل بغيره .
ولا يعقل أن يعطل الصحابة تطبيق الآية ثم يأتي هؤلاء الخلوف ويفهمون منها ما لم يفهمه ولم يطبقه الصحابة .
• ثم إن إيجاب مجيء القبر على كل مذنب من أمة محمد ïپ¥ تكليف بما لا يطاق ، فإن الأمة لا تستطيع مجيء القبر عند ارتكاب كل ذنب .
• أن في هذا الفهم إلغاء لدور الحج والعمرة ، بل يصير القبر حَرَماً يحج إليه الناس . وحينئذ : فلماذا يحج الناس إلى مكة ؟ أليس ليعودوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ؟ ولماذا يفعلون ذلك والآية تنص بزعمهم على وجوب حج المذنبين إلى قبره ïپ¥ ؟ وكأنهم يقولون : من حج إلى قبر النبي ïپ¥ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه !!!
• ويلزم أن يصير القبر عيداً ، بل أعظم أعياد المذنبين ، وهذا مخالفة للنبي ïپ¥ فإنه نهى عن أن يُتخذ قبره عيداً .
• أن الآية خاصة بحياة النبي ïپ¥ حيث نزلت فيمن ترك الرسول ïپ¥ وتحاكم إلى الطاغوت فهو بذلك أساء إلى الرسول وترك حقا شرعياً لا تتحقق التوبة منه إلا بالمجيء إلى النبي ïپ¥ وإعلان التحاكم إليه . فوضح من ذلك أن هذه الآية نزلت في المنافقين { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ }

شبهة العبرة بعموم اللفظ
أما ما يدعيه القوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فأخبرونا :
ألم يكن الصحابة من هذا العموم ؟
وإذا كان الجواب : نعم .
فمن عمل بمقتضى هذا المفهوم الذي تزعمونه ؟ لقد تركوا التوسل به كما عند البخاري ولم يأتوا قبره ولم يثبت عن واحد منهم أنه جاء إلى قبره ïپ¥ وطلب الاستغفار هناك بعد موته .
وهذا يؤكد أن هذا العموم قد انقطع بموته ولو كانت العبرة بالعموم لفعلوه بعد موته ïپ¥ .
وإن كانت الآية عامة لزم منه أن خير القرون قد عطلوا هذا الواجب وتجاهلوه حتى جاء المتأخرون وعملوا به أو أنهم جهلوه وضلوا عنه وفقهه الخلف !









التوسل بالذوات من خصال المشركين

فأما التوسل بالذوات فإنه من خصال المشركين الذين كانوا يتخذون الصالحين وسيلة لهم ليقرِّبوهم إلى الله { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } ( الزمر3 ) أمثال ود وسواع ويعوق ويغوث ونسر .
قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } (نوح 23) هذه أسماء رجال أولياء صالحين من قوم نوح عليه السلام فلما ماتوا بنَوْا لهم الصور والتماثيل (البخاري 4920) . هذا باعتراف الأحباش .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد مال حدثنا مهران عن سفيان عن بن محمد بن قيس : أن يغوث ويعوق ونسرا كانوا قوما من بنى آدم ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم : لو صورنا صورهم كان أشوق لنا إلى العبادة ، فصوروهم : فلما ماتوا ، وجاء آخرون : دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم ، وبهم يسقون المطر ، فعبدوهم ( ).
فهؤلاء المشركون الذين قاتلهم رسول الله ïپ¥ كان منهم من يعبد المصورة على صور الصالحين : ود وسواع ويغوث فيستسقون .

قبور الصالحين مبتدأ عبادة الأصنام
قال الحافظ ابن حجر في الفتح " وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح لهذه الأصنام ، ثم تبعهم من بعدهم على ذلك " ( ). وذكر أنهم كانوا يتبركون بدعاء سواع وغيره من الصالحين . فكلما مات منهم أحد مثلوا صورته وتمسحوا بها . فعبدوها بتدريج الشيطان لهم ( ).
قال القرطبي " فعلوا ذلك ليتأنّسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله عز وجل عند قبورهم ، فمضت لهم بذلك أزمان ، ثم إنه خلف من بعدهم خلوف جهلوا أغراضهم ووسوس لهم الشيطان أن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصورة فعبدوها ، فحذر النبي ïپ¥ عن مثل ذلك .. وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال " اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ) ( ) .

موقف الرازي الأشعري من القبوريين
وذهب الرازي إلى أن المشركين " وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم ، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى . (أضاف) : ونظيره في هذا الزمان : اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقادهم أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله " ( ). أهـ.

الاستغناء بالمشروع عن المظنون
إن الله شرع لنا من التوسل المشروع ما يغنينا عن غيره مما لا دليل على مشروعيته اللهم إلا من خلال الروايات والمفاهيم الضعيفة ، فليس من الحكمة أن يُشغلنا الجدالُ حول أنواع التوسل غير المشروع وغير الثابت عن التوسل المشروع الثابت من الكتاب والسنة كالتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته ، وبالإيمان والعمل الصالح .
التوقيع

اكثروا قراءة الاخلاص وسبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه،سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله مثل ذلك وسبحان الله وبحمده عددخلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته واكثروا الصلاة على النبي واكثروا السجود ليلاونهارا
رد مع اقتباس