عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05-12-2008, 09:39 PM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي

السؤال : في أثناء آيات الطلاق والعدة قي سورة البقرة قال الله تعالى ((حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وقوموا لله قانتين)) والآية بعدها ، والسؤال : ما الوجه البلاغي عند العرب لورود آية الصلاة مسبوقة ومتبوعة بآيات الطلاق والعدة؟


الجواب : ترتيب الآيات في القرآن ؛ آي في محالها من السور : توقيفي من الله تبارك وتعالى باتفاق العلماء، ولذا يجد قارئ القرآن المتدبر له تناسباً عجيباً في الآيات واتساقاً منضبطاً فيما بينها، فكل آية لها صلة بما قبلها وبما بعدها، حتى لو اختلف موضوع الآي وانتقل السياق إلى معانٍ آخر، فلا يعدم الارتباط، ومن العلماء من عنُي بهذا ؛ أي بيان ما بين الآيات من التناسب، وأكبر من رأينا منهم معنياً بذلك برهان الدين البقاع (ت 885 هــ) في كتابه الكبير "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" الذي جاء في اثنين وعشرين مجلداً، وهو مطبوع،
قال أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه "سراج المريدين" : وارتباط أي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد، عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله عز وجل لنا فيه، فلما نجد له حملة ، ورأينا الخلق بأوصاف البطلة، ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله، ورددناه إليه.(انظر البرهان في علوم القرآن ( 1/36 )


وأما ما سأل عنه السائل من قوله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وقوموا لله قانتين، فإن خفتم فرجالا أو ركباناً ) الآية 238، 239 البقرة.
حيث جاء الأمر بالمحافظة على أداء الصلوات في أثناء الحديث عن أحكام الطلاق والعدة، فموقع الآيتين، موقع الجملة المعترضة بين هاتيك الأحكام فيما يرى ولقد تطلب العلماء رحمهم الله سببا لذلك، ومجمل ما قالوا ينحصر في أمور أربعة:
الأول: أن الأمر بالمحافظة على الصلاة في تضاعيف الحديث عن أحكام الطلاق والعدد، يدل عظم شأن الصلاة وأنها محبوبة إلى الله تعالى، بل إنها أحب العبادات إليه سبحانه، أنظر كيف أمر الله بها أن تؤدي في اليوم والليلة خمس مرات بما لا يكون مثله في عبادة أخرى، ثم هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
الثاني: أن الأمر بالصلاة هنا فيه إيماء إلى أن الأزواج والأولاد، وما يتعلق بهم من أحكام وشرائع لا ينبغي أن يكون ذلك كله ملهياً عن الصلاة، والمحافظة عليها والاعتناء وأدائها في أوقاتها كاملة غير منقوصة.
الثالث: أنه سبحانه لما ذكر الحقوق والواجبات في العدد وأحكامها أمر بالمحافظة على الصلوات لأنها تعين على المؤمن على أداء الواجبات وتمنحه البركة وتيسير له ما قد يعسر عليه من حقوق غيره عنده بل من حقوق الله تعالى أيضا كما قال سبحانه في السورة نفسها : (واستعينوا بالصبر والصلاة ) أي على كل شيء من أمور ديناكم وديناكم.
الرابع: أنه لما طال الحديث في الآيات عن الأحكام الأسرية بين الأزواج مما هو من حقوق العباد، ناسب جداً أن يذكِّر في أثناء ذلك بحقه سبحانه، وأعظم ما يتمثل حقه عز وجل في الصلاة لذا أمر بها ههنا، فجمعت الآيات بين حقوق الله وحقوق العباد.
(انظر نظم الدرر 3/160، حاشية الشهاب على البيضاوي 2/325، تفسير الألوسي 2/ 155، تفسير التحرير والتوير2/ 451)


ولا مانع أن تكون هذه الأوجه كلها مرادة. والله أعلم.

رد مع اقتباس