عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 06-08-2008, 12:44 PM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




افتراضي

مصر مش هتنساك يا رأفت!


«مصر مش هتنساك يا رأفت».. «سلملي علي مصر يا سيد محسن»..
كانت هذه الجمل تستدعي دموع بعض المشاهدين، وخاصة من جيل الآباء والجدود. أما عن جيل الأبناء أو جيلي علي الأقل (ممن ولدوا في ثمانينيات القرن العشرين) فقد تلقوا هذه الجمل بسخرية شديدة، وأصبحوا يرددونها تندرا وتهكما!
فما الذي تغير؟ ما الذي حدث للكلمات التي تتعلق بمصر والوطن والوطنية لتتحول من كلمات جادة تثير الحماس في عروق الشباب إلي مصدر لسخريتهم في فترة زمنية تقل عن ٣٠ عاماً؟!
لكي نفهم ذلك يجب أن ننظر إلي الوطن الذي نعيش فيه الآن.
الشارع الذي تسكنه شارع مزدحم، لا تجد مكاناً فيه لتصف سيارتك (إذا كان لديك واحدة!) بل تم الاستيلاء علي الأماكن من قبل بعض السكان ووضعوا السلاسل لحماية أماكنهم من «الغزو»! وإن فكرت بالسير علي أقدامك تجد الأرصفة محتلة ببضائع أصحاب المحال وبالسيارات وبالأسوار التي تفصل «مناطق نفوذ» العمارات المتجاورة!
المحل الذي تشتري منه يتفنن في زيادة أسعار السلع بحجج مختلفة، بل قد يقنعك بأنه يعطيك خصما خاصا لأنك «زبونه المفضل»!
فرن العيش المدعم (أبوخمس قروش) تقف بالساعات لتحصل علي رغيف غير قابل للأكل لمجرد أنك لا تقدر علي شراء الرغيف الفاخر «أبو ٢٥ قرش». وتجد أمامك من يتناوبون لشراء مئات الأرغفة حتي يتاجروا بها لاحقا.
المدرسة التي تذهب إليها طفلا تجد نفسك محشوراً وسط ٧٠ طفلا وغير قادر علي التنفس لا التعلم! وإذا سألت سؤالا لتحاول أن تفهم تواجه بالحقيقة البسيطة: «مفيش وقت يا بني للكلام ده.. احفظها كده» وإذا أردت ممارسة هوايتك فلا مكان لها في المدرسة ولا البيت «ذاكر أحسن لك.. رسم إيه وعبط إيه»! فتذهب للمدرسة مجبرا كارها والجامعة لا تفرق كثيرا عن المدرسة!
وتتخرج في الجامعة وتبدأ الرحلة الصعبة في الحصول علي عمل فتحصل (إن حصلت) في الأغلب علي عمل لا علاقة له بمؤهلك الأساسي، وحتي إن كان العمل هو ما يناسب دراستك فالمقابل هو راتب لا يكفي إلا مصاريفك الأساسية من مواصلات وطعام.
وفي طريقك اليومي لعملك تضطر لركوب وسائل مواصلات تزدحم بأضعاف طاقتها الاستيعابية، سواء كانت أتوبيسات أو قطارات. ومن شبه المستحيل أن تعرف مواعيد هذه الوسائل، فتضطر للنزول باكرا عن موعد العمل حتي لا تتأخر. وتصل لعملك غارقا في العرق نتيجة الزحام وكارها لنفسك ولعملك ولزملائك وللعالم!
في حياتك اليومية تحتاج العديد من الأوراق التي تتطلب ذهابك لمصالح حكومية. وهناك تري العجب، فالموظفون لا يريدون أن يعملوا. وقد يتطلب الأمر في أحيان كثيرة بعض ما يطلق عليه المصريون «تفتيح الدماغ» حتي تسير الأمور.
أما عن والديك فمنذ طفولتك تراهما يسعويان للسفر خارج البلاد للعمل أو الهجرة الدائمة سعياً محموماً. وتجد علي ألسنتهما الجملة المعتادة «يا عم هي دي بلد دي.. دي بلد بنت...»!
هذه هي صورة الوطن الذي نراه ونعيش به منذ طفولتنا صورة سلبية في معظم جوانبها، فكيف بالله عليك يستطيع أي إنسان أن يحب هذا الوطن؟!
العكس هو الطبيعي، والعكس هو ما حدث، أصبح الحلم شبه الجماعي للمصريين العاديين هو السفر، لا يهم إلي أين، المهم أن يخرج من هذا المكان المسمي الوطن. فهو لا يشعر بأن هذا الوطن أعطاه أي شيء، أو ينوي أن يعطيه أي شيء.
وأصبحت الجملة المعتادة: «يعني خدنا إيه من البلد دي غير الهم»!
الناس، بمنتهي البساطة، لم تجد سببا واحدا لكي تحب هذا الوطن. كرهوا حياتهم فيه بكل ما فيها. ومن حقهم أن يعلنوا هذا الكره بكل أنواع الكلام والسخرية، ومن حقهم أن يفعلوا كل ما يستطيعون، بحثا عن حياة أفضل في وطن أفضل.
 

رد مع اقتباس