عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 06-29-2008, 08:38 PM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




افتراضي

حكاية الثانوية العامة

بقلم د. عبدالمنعم سعيد

لدي أخبار غير سارة للمجتمع المصري، وللحكومة المصرية أيضا، وهي أن امتحانات الثانوية العامة سوف تتسرب في العام القادم، والعام الذي يليه، وكل الأعوام التالية، وليس ذلك نوعا من قراءة الفنجان أو فتح أوراق اللعب، أو حتي رؤية كف وزارة التربية والتعليم، ولكنه اعتراف بما كان يجري في العام الماضي والعام الذي قبله وكل الأعوام السابقة،
وما حدث هذا العام ليس جديداً بالمرة، ولكنه كان مجرد إضافة علي ما سبق بسبب جشع شديد كان ضروريا أن يحدث بحكم منطق الأشياء التي تعلم الناس أن المال السائب يعلم السرقة، والامتحانات المتاحة تعلم الناس الغش والتسريب لكل من هب ودب وبأسعار السوق، وليس ذلك راجعا إلي وجود الفساد فقط، وإنما لأنه بات مستحيلا في دولة عدد سكانها ٨٠ مليون نسمة، ويدخل امتحانها للثانوية العامة مئات الألوف كل عام، أن تتم حماية الامتحان من الانتشار والذيوع.
وحماية هذه الامتحانات مهمة مستحيلة ولا توجد لدي الحكومة المصرية ولا وزارة التربية والتعليم ما يكفي من الإمكانيات والقدرات لكي تمنع امتحانا سوف تتداوله عشرات الأيدي من الخروج إلي أيدي الطلاب.
وما جري هذا العام لم يكن كشفا عن بيع امتحانات الثانوية العامة، وإنما إشهار لسر ذائع أشبه بحكاية «المطار السري» المعروفة في الأساطير المصرية، حيث يتواطأ المجتمع كله علي سر معروف، فيصمم الجميع علي أن المطار لايزال سريا، بالدرجة نفسها التي تتفق فيها قرية أو مدينة أو حي علي الغش الجماعي للطلبة، ثم يحلف الجميع بأغلظ الأيمان بأن نظام الثانوية العامة هو النظام «العادل» الوحيد، حتي لو حصل بعض الطلاب المحظوظين، بالمال أو النفوذ، علي فرصة الحصول علي الامتحانات قبل غيرهم، ثم بعد ذلك يدخلون مستشفي خاصاً لكي يتم الغش بالتواطؤ بين الأهل والأساتذة والأطباء والزائرين أيضا، الذين يتمنون للجميع غشا سعيداً.
وحكاية الثانوية العامة ببساطة أنها نظام فاسد، من أوله حتي آخره، وهو ليس نظاما عادلا بل ظالم بالجملة، لأنه يميز من أول اعتماده الكامل علي الحفظ، والدروس الخصوصية، والتدريبات التي تشل عقل الطلاب وتجعلهم غير قادرين علي التفكير، ثم بعد ذلك يكتمل المشهد بتسريب الامتحانات ومن بعدها الغش الجماعي، وهي حكاية من حكايات الشذوذ المصرية المعروفة - تماما مثل حكاية العمال والفلاحين والأنواع المعروفة من أشكال العدالة الظالمة!- التي تجعل نظما، عرفها العالم في العصور البدائية، تستمر معنا حتي القرن الواحد والعشرين حتي ولو غادرتها الدنيا كلها أو معظمها المتميز علي الأقل، وهي حكاية من كثرة ما تعودنا عليها أصبحت نوعا من الثقافة الوطنية، التي لا يريد أحد أن يغادرها أو يتمرد عليها، حتي ولو كانت نتائجها مضحكة.
وعندما تعطي نتائج امتحانات من أي نوع لطلبة ما هو أكثر من ١٠٠% ثم لا يستطيع أي من هؤلاء الطلبة منافسة أقرانهم في الدول الأخري، من حيث مستوي المعرفة، ثم بعد ذلك لا يصلحون لمهنة في سوق العمل فإنه لا توجد لديك مشكلة حقيقية بل مرض قومي من نوع عضال، اتفق أهل المريض فيه، من خلال التضليل العام، علي أن مريضهم يستطيع الفوز بميداليات ذهبية في الدورات الأولمبية في العدو، بينما هو لا يستطيع المشي.
الكارثة أن التواطؤ يجري بين الناس والحكومة والمعارضة والصحافة والإعلام، فالكل، بعد الغش وتسريب الامتحانات وإذاعة أجوبتها، يريد امتحانات سهلة في مستوي الطالب المتوسط أو العادي، ولولا الخجل لطالب الجميع بمدرس خلف كل طالب، لكي يلقنه الإجابة،
وربما يكتبها له، وإلا فإن الوزارة «الرحيمة» عليها إعادة توزيع الدرجات وإلغاء الامتحانات وإلا تم اتهامها بأنها معقدة وتريد تعذيب الطلاب، بينما مهمتها تدليلهم وبث السعادة في قلوبهم وتجهيزهم بالجهل، الذي يجعل أهلهم يصرخون كل يوم: لماذا لا يجدون مكانا في سوق العمل؟ ما هذا الهزر في موقع الجد، وما هذا الخداع ساعة الحقيقة، وكيف تتواطأ أمة بأكملها علي التخلف؟ ولماذا لا يوجد لدي أحد الشجاعة لكي يطالب بإلغاء هذا النظام المتخلف الظالم؟
رد مع اقتباس