عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-12-2008, 05:28 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي بيان حقيقة الإيمان والرد على مرجئة العصر الشيخ حامد العلي

 

قال الشيخ حامد العلي حفظه الله في كتاب بيان حقيقة الإيمان والرد على مرجئة العصر

"الحمد لله الذي نزل القرآن ، وفرض الإيمان ، وبين أنه تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان ، أشهد أن لا اله إلا هو ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله الذي فرق بين أهل الإسلام وطاعة الرحمن ، وأهل التولي والكفران .

وبعد : فقد كنت اطلعت على كتاب بعنوان (أحكام التقرير بأحكام التكفير) ، فراعني ما فيه ، وأفزعني ما يحتويه ، فانه قرر مذهب المرجئة في الإيمان ، واستشهد لذلك بكلام أئمتهم ، ظانا أنه مطابق للاعتقاد الصحيح المنقول عن أهل السنة ، ثم رأيت رسالة صغيرة في نقض هذا الكتاب ،

بعنوان ( براءة أهل السنة ) وفق فيها الكاتب وقد سمى نفسه: ( أبو عبدالرحمن السبيعي ) أيما توفيق ، وأجاد غاية الإجادة في رد ما في كتاب (أحكام التقرير ) من الباطل وفرق بينه وبين الحق أحسن تفريق ، فاللهم اجزه عن الإسلام والمسلمين وأهل السنة المتبعين خير الجزاء آمين .

ثم اطلعت على كتاب آخر بعنوان ( الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير ) فوجدته علا درجة عن سابقه ( وهو كتاب أحكام التقرير ) ، غير أنه أخطأ الصواب في مواضع ومال عن جانبه ، منها أنه قرر أن كفر العمل لا يخرج أبدا عن الملة الإسلامية ، إلا إذا دل على الجحود والتكذيب أو الاستخفاف والاستهانة والعناد وعدم الانقياد ، فهو وان نجا من قول من يرى الكفر العملي لا يكون منه أبدا كفر أكبر حتى يقارنه الجحود والتكذيب ، كما في الكتاب الأول ، وهو مذهب المرجئة بعينه
لكنه اشترط شروطا أربعة ليكون الكفر العملي كفرا أكبر ، وعطف بعضها على بعض عطف النسق ، وهي الاستخفاف والاستهانة والعناد وعدم الانقياد ، فكأنه يقول لا يكفر من أتى بناقض عملي إلا إذا قام بقلبه أربعة مجتمعه هي المذكورة ، ونسب هذا إلى أهل السنة ، وإذا قلنا قصد التأكيد بعطف مترادفات ،

صار مذهبه بالاختصار أنه يرى أن الكفر العملي لا يكون أبدا كفرا أكبر، حتى يقارنه أمران لابد من اجتماعهما في القلب ( الاستخفاف والعناد ) والعناد هو الاستكبار ، فاقتضى هذا أن من يسجد للأصنام طمعا في المال ويطوف بالناس حول الأضرحة ويذبح لها ويسجد لها ، راغبا في عرض الدنيا ،

غير مستخف( من الاستخفاف ) ولا مستكبر ، أنه لا يكفر على مذهبه وبمقتضى شروطه ، وأن من سب دين الإسلام وأستهزأ بشعائره لعوض يطلبه من متاع الدنيا ، غير مستخف ، ولا مستكبر لا يكون كافرا أيضا على هذا الرأي ، وقد صرح الكاتب بهذا فأخرج من يفعل الكفر العملي الأكبر الناقض للإيمان ، لا عن استكبار لكن برغبة ، عن أن يكون كافرا ، وهو خلاف اعتقاد أهل السنة ،


وقد غلط أيضا من جهة أنه يحكي هذه الشروط وكأنها مذهب أهل السنة الذي استقر إجماعهم عليه ، أفلا ذكر من كفر منهم تارك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها كإسحاق بن راهويه وغيره ، وأنهم لم يشترطوا أن يكون ذلك عن استخفاف واستكبار ، فمن أين ــ لعمري ــ يطلق قيودا ويشترط شروطا ما أنزل الله بها من سلطان ، فان كان لابد فاعلا فهلا ذكر الخلاف ، ولم يجزم أنه اعتقاد أهل السنة مجتمعين ، وان كانوا ــ في التحقيق ــ لما قاله مفارقين .

فان قيل فلعله يرى أنه لا يسب الرسول صلى الله عليه وسلم راغب في المال ، أو يسجد للأصنام طامع في عرض الدنيا ونحو ذلك إلا من هو من أهل الاستخفاف ، وان كان قد يجمع مع ذلك إيثار متاع دنيا أو شهوة من الشهوات ، فاكتفى بذكر هذا الوصف( الاستخفاف ) ليكون من دلالة التلازم فيحتوى ما أشرت إليه .

فالجواب أنه لم يكتف بهذا الشرط حتى ضم إليه الاستكبار ، فمن هنا أدخل على اعتقاد أهل السنة ــ حاكيا عنهم مذهبهم ــ أمورا جعلها في سياق الشروط ، بلا دليل ولا برهان .

ولنا أن نسأل كيف لنا أن نعرف ما في قلب الساجد للصنم الساب للرسول المستهزئ بالدين وأمثالهم ، هل هو معاند ومستخف أو لم يقم بقلبه شيء من ذلك ، فعلى رأي الكاتب لا نحكم بكفر أحد حتى يعلن لنا بلسانه ويبين ما في قلبه ، وان سب ديننا ونبينا وسجد للصلبان والأصنام وألقى المصحف في الحشوش ،

وإلا فما معنى اشتراط الشروط إذا كانت لا سبيل إلى معرفتها وهي في طي علم الغيوب ، وإذا كان المؤلف لا يحكم على من ينقض إيمانه بالنواقض العملية إلا إذا صرح بلسانه أنه جامع بين أمرين الاستخفاف والعناد ،

فمذهب المرجئة القديم خير من هذا القول الرديء ، فان قدماء القوم كانوا يقولون إذا أظهر السجود للأصنام وسب الرسول يحكم بكفره ظاهرا لأن أحكام الدنيا مبنية على الظاهر ، فان كان مع ذلك مصدقا بقلبه كان مؤمنا عند الله ، وهذا من أحكام الآخرة ولم نخاطب بها ، وأما هؤلاء المحدثون فانهم يقولون لا نحكم بكفره حتى يعلن بلسانه انطواء قلبه على الاستخفاف والاستكبار، أولئك أفسدوا أحكام الآخرة ، وهؤلاء أفسدوها وأحكام الدنيا فإنا لله وإنا إليه راجعون .


ثم يا قوم ، يا أهل العقول والإنصاف ، إن كنتم تقولون لا نكفر ساب الرسول والساجد للأصنام حتى نعلم كونه مستكبرا بقلبه مستخفا ، على مذهب صاحب الكتاب المذكور ،

خالفتم سلفكم من المرجئة وخالفتم إجماع أهل السنة كما سيأتي بيانه ، وصرتم كالغراب الذي حاكى الحمامة فأضاع مشيته وأخطأ مشيها .


وان كنتم تقولون نكفر ساب الرسول والساجد للأصنام من أهل النطق بالشهادتين ولا نسأل عما في قلبه لامتناع أن يكون منه ذلك إلا مع استخفاف واستكبارـ فليت شعري ـ

أوليس الذي يزيح الشريعة بقوة السلطان ،بعد أن كان يحكم بها قضاة الشرع والعلماء ، ثم يعاقب من يحكم بها منهم بالقتل والتشريد والحبس وقطع الأرزاق ، ويأتي بأحكام الطاغوت ، ينصبها حاكمة بين العباد في كل أوجل أمورهم وشئون معايشهم ،

فيفرضها فرضا ويحمل الناس عليها ويسوم من يحاربها سوء العذاب ، أفلا يكون هذا أولى بوصف الاستخفاف من ذلك الذي يسجد للصليب أو يسب الدين طامعا في مال ، فما بال القوم يحومون حول هذا الحمى ويخشونه ، أم أن الكفر لا يجتمع والسلطان ، فبينهما تهاجر عظيم الشان .
أوليس حال أكثر بلاد المسلمين هذا الحال الذي وصفت ، فهل يقدر أحد أن ينصب قاضيا يقضي بالشريعة الإلهية إلا ويزج به في أشد العذاب ،

ويقولون : أفنحن لا نقضي بالعدل حتى تعارض القانون ، أم تريد أن تجعل الشريعة ، بدل قوانيننا الأوربية العريقة ،


ثم أتاهم من حيث لم يكونوا يحتسبون من يفتيهم بأن قولوا نحن فيما فعلناه غير مستحلين ولا مستخفين ولا معاندين لله رب العاملين ، فتكونون بحمد الله من جملة عصاة الموحدين ،


وهل هناك من لا يخطئ من المؤمنين ، لكنكم مع ذلك من ولاة أمر المسلمين وقد علم مالكم من الحقوق العظيمة ، ونحن معكم كلما فعلتم ما يكفر به ، زدنا لكم شرطا من الشروط يخرجكم من باب التكفير ، لتبقى إمامتكم الإسلامية على الدوام ، ولا تنسونا بعد ذلك ، بالفضل والانعام ،



فصار حال هؤلاء المرجئة ، وحال آهل الحق في دولة الطاغوت ، كما قال الشاعر :

إذا قلت المحـــــــــال رفعت صوتي = وان قــــلت اليقـــين أطلت هــمسي

وما أصدق وصف الإمام ابن القيم لهذا المذهب الرديء إذ قال :

وكذلك الارجاء حين تقر بالمعبود تصبح كامل الإيمــان
فارم المصاحف في الحشوش و خرب البيت العتيق وجد في العصيان

واقتل إذا ما استطعت كل موحـــــد وتمسحن بالقس والصلبـــان

واشتم جميع المرسلين ومن أتوا من عنده جهرا بلا كتمـــان
وإذا رأيت حجارة فاسجد لهـــا بل خر للأصنام والأوثــــان

وأقر أن الله جل جلالـــــه هو وحده الباري لذي الأكـــوان

واقر أن رسوله حقا أتـــــى من عنده بالوحــــــي والقـرآن

فتكون حقا مؤمنا وجميـــع ذا وزر عليك وليس بالكفــــران

هذا هو الإرجاء عند غلاتـــهم من كل جهمي أخي شيطـــــــان


وصار حال الشريعة بين الحكام بالطاغوت ومن يفتيهم بمثل هذه الفتاوى ، كحال الخلافة لما دار عليها ما يدور اليوم على الشريعة ، وحق لنا أن نتمثل قول شوقي :

عادت أغاني العرس رجع نواح ونعيت بين معالم الأفـراح
كفنت في ليل الزفاف بثوبـــه ودفنت عند تبلج الاصبـــاح
شيعت من هلع بعبرة ضاحــك في كل ناحية وسكرة صـــاح
ضجت عليك مآذن ومنابـــر وبكت عليك ممالك ونــــواح
الهند والهة ومصر حزينـــة تبكي عليك بمدمع ســــحاح
والشام تسأل والعراق وفارس أمحا من الأرض الشريعة ماح


وكانت مأساة الخلافة ، ثم دارت على الشريعة ، ثم صار الأمر اليوم إفساد عقائد الناس ، وتهوين ارتكاب الكفر الأكبر ، بتركيبه على مذهب المرجئة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

والمقصود أن في الكتاب المذكور مواضع تحتاج إلى تفنيد ، ليس هذا هو موضعه ، لكنني بعد الاطلاع على الكتابين المذكورين ، وما فيهما من مطابقة أو مقاربة مذهب أهل الإرجاء ، قرأت لبعض الكتاب من أهل الكويت ممن يطلب علوم الشريعة ، وينتسب إلى عقيدة السلف ، مقالا في صحيفة يقرر فيه أن ما يندفع به وعيد عصاة الموحدين ،

يندفع به حكم التكفير بجامع أنهما من الوعيد ، وذلك كالحسنات الماحية والمصائب المكفرة والشفاعة أو غيب لا نعلمه


ولم نؤمر أن نبحث عنه ، كما قال بلفظه ، وأظنه قرأ الكتابين فأساء فهم ما فيهما من الصواب ، وزاد على ما فيها من الخطأ ، فحاز السيئتين ، وهكذا البدع تبدأ صغارا ثم تؤول كبارا، ولما رددت عليه وبينت أنه يخالف إجماع أهل الإسلام

ويقول بما لم يضل به حتى غلاة المرجئة ، رد علي قولي ، وتمسك بما عليه من البهتان ، وظن أننا في مفاخرة في الردود أو مغالبة بين الأقران .

ثم بعد هذا كله جرت أحاديث في مجالس عديدة حول هذه القضية ، وحاورني فيها طلبة متعلمون ، وغيرهم من المخالفين ، وجرى في هذه المجالس كلام طويل متشعب ، وقرأنا كلاما لأهل العلم من المتقدمين والمتأخرين ،ثم طلب مني بعض الاخوة أن أسوق ما جرى من الكلام سياق الحوار بين اثنين ، أجعل نفسي فيه طرفا وأذكر ما ذكرت من الكلام في المجالس المتفرقة ،


وأسوق كلام غيري مساق متكلم واحد ، وأزيد ما يحتاج إلى زيادة لتوضيح الكلام وإيصال المعنى بأوضح عبارة ، وأجعل ذلك كله كحديث مجلس واحد تمثيلا للقارئ ، لتقرب المسألة من صغار الطلبة ويفهمها المبتدئ في تعلم العقيدة السلفية ، فرأيت الإجابة لطلبه ، اقتداء بمن تقدم من أهل العلم في تصوير مسائل العلم على هذا النحو كابن القيم في نونيته وغيرها وغيره من العلماء

وليس مقصودي شرح جميع مسائل الإيمان وبيان الفرق بين مذهب السلف ومذهب غيرهم فيه ، فان ذلك يطول جدا ، وإنما أذكر ما جرى حوله غالب الحديث ، ويستفيد منه من عنده معرفة بأصول هذا الباب ، دون غيره ، والله الموفق وعليه التوكل ، وهذه صورة المحاورة .

وأنبه قبل البدأ في ذكر قولي وقول المحاور ، إلى أن دراسة هذه القضية إنما تهدف إلى إيقاف طلبة العلم على حقيقة الحكم الشرعي المذكور في الكتاب والسنة في موضوع الإيمان ونواقضة ، وأن هذا من الواجب المتحتم ولا يجوز السكوت عن بيانه حفاظا على الدين الحق من الاندراس واختلاط مفاهيمه ألحقه بالباطل ،


غير أنه ينبغي لكل مسلم أن يحتاط في باب الحكم على الناس بنقض الإيمان ولا يقدم عليه إلا بعلم ، ولولا انتشار الجهل في هذه القضية ودخول مذهب الإرجاء على كثير من المنتسبين إلى العلم وهم يعلمون أو لا يعلمون ، وخوفا من استقرار البدعة في نفوس كثير من الناس لما احتجنا إلى الكلام فيها هنا والله المستعان ،




واليك صورة المحاورة :


التعديل الأخير تم بواسطة الوليد المصري ; 07-12-2008 الساعة 05:32 PM
رد مع اقتباس