عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-12-2008, 05:34 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

قال : العمل عند السلف شرط كمال في الإيمان .

قلت : حكاية هذا عن السلف غلط محض .

قال : ذكره ابن حجر في الفتح عند شرح ترجمة البخاري ( وهو قول وفعل يزيد وينقص ) .

قلت : هات الكتاب واقرأ

قال : قال ابن حجر ( فالسلف قالوا : هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان ، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله ومن هنا نشأ القول بالزيادة والنقص كما سيأتي ، والمرجئة قالوا : هو اعتقاد ونطق فقط ، والكرامية قالوا : هو نطق فقط والمعتزلة قالوا : هو العلم والنطق والاعتقاد ،والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطا في صحته والسلف جعلوها شرطا في كماله ) انتهى

قلت : رحم الله الإمام ابن حجر وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، غير أن ما ذكره هنا عن السلف والتفريق بين قولهم وقول المعتزلة لا يخلو من نظر ، والصواب خلافه .

قال : كيف يكون هذا ؟ ما ذكره هو ما تعلمناه ، أن العمل شرط كمال ، ولذلك تارك العمل لا يكفر ، وتارك التصديق والنطق يكفر .




قلت : بل العمل جزء من حقيقة الإيمان والإيمان حقيقة مركبة من القول والعمل ، والتولي عن العمل بالكلية زوال لحقيقة الإيمان الشرعي ، وتارك العمل بالكلية ليس بمؤمن عند السلف ، والفرق بين قولهم وقول المعتزلة والخوارج أن تارك بعض العمل عند المعتزلة والخوارج ليس بمؤمن ، وجعلوا منه مرتكب مطلق الكبائر ، وأما السلف فيقولون تارك العمل بالكلية ، وتارك ما ينزل منزلة ترك العمل بالكلية كالنواقض العملية مثل ترك الصلاة ـ عند من يقول به ــ ليس بمؤمن ، وأما تارك بعضه الذي لا ينزل منزلة تركه بالكلية ، كفعل الكبائر المعروفة ، فانه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ، هو مسلم فيه مطلق الإيمان , وليس مؤمنا الإيمان المطلق الذي يستحق صاحبه الجنة بلا عقاب .

قال : أنت من جماعة التكفير ،وهذا القول هو قولهم ، وسمعنا عنكم وهذا أوان عرفت حقيقتكم .

قلت : مهلا عفا الله عنك ، اصبر حتى تسمع قولي فربما كان صوابا وكان قولك هو الخطأ ، ولا تعجل فلربما كان مع المستعجل الزلل.


قال : لا ينبغي أن أسمع من أهل البدع ، فانه يجب هجرهم .

قلت : هلا سمعت مني قاصدا دعوتي إلى الحق ، فان أخطأت علمتني وان ضللت هديتني، فإني أراك لم تهجر من هو أضل مني عندك لأجل دنيا تصيبها ، فهل جعلتني أضل الناس ؟

قال : هات نسمع ، ونرد عليك إذا خالفت منهج السلف .

قلت : حقيقة مذهب السلف أنه يتركب مما يلي :

1ـ الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، والقول هو قول القلب وهو التصديق ، وقول اللسان وهو النطق بالشهادتين ، والعمل هو عمل القلب والجوارح بما فيها اللسان ، وعمل القلب يدخل فيه الخوف والرجاء والمحبة والتوكل ..الخ .

قال : أما هذا فصواب .

قلت : 2ـ الإيمان حقيقة جامعة لهذه الأمور ، متركبة منها

قال : وهذا صواب أيضا إن شاء الله .

قلت : 3ـ المرجئة تقول( وهو قول أئمتهم المشهورين ) الإيمان شيء واحد فقط وهو تصديق القلب ، والنطق بالشهادتين شرط لإجراء أحكام الدنيا عندهم فحسب .

قال : هذا هو قولهم .

قلت : 4ـ إذا كان عمل الجوارح إنما هو نتيجة حتمية لعمل القلب وعمل القلب نتيجة لتصديقه ما لم يحل بين التصديق وبين العمل القلبي مانع ، فهذا يعني أن عمل الجوارح لازم لعمل القلب لا يتخلف تخلفا تاما إلا إذا زال عمل القلب زولا تاما .

بمعنى أنه إذا كان يصدق بالله تعالى ربه ومعبوده المستحق للعبادة وكمال الصفات ، فلا بد أن يحبه ويخافه ويرجوه ويتوكل عليه بالتوحيد ، ما لم يقم بقلبه مانع الكبر أو غيره.

وإذا أحبه وخافه ورجاه وكان حبه وخوفه ورجاؤه لله أكبر مما يكون لغير الله ، فلا بد أن يأتي بشيء من مقتضى هذا كله من عمل الجوارح، ولا يتخلف عمل الجوارح تخلفا كليا مع وجود عمل القلب ، بلا مانع يمنع من تخلفه ، كعدم التمكن مثلا أو مفاجأة الموت ، أو الجهل

قال : أنا موافق على هذا كله ، لا إشكال فيه .

قلت : 5ـ إذن لا يمكن افتراض وجود باطن الإيمان ( تصديق القلب وعمله ) دون شيء من ظاهر العمل ، لأن حقيقة الإيمان مركبة من الأمرين أصلا .

قال : فلماذا قالت المرجئة إذن ، بأنه يكون مؤمنا بقلبه ، والعمل خارج عن اسم الإيمان .

قلت : لأن الإيمان عندهم هو التصديق فقط ، فلم يصعب عليهم تصور وجوده مع فقد كل الأعمال بالكلية .

قال : والسلف ؟

قلت : الإيمان عندهم تصديق وعمل ، مركب من الأمرين ، وعمل الجوارح لازم لعمل القلب ، وكلاهما من الإيمان نفسه وداخل مسماه ، ولهذا لا يوجد الإيمان مع انتفاء عمل الجوارح كله إلا لمانع ، لأن انتفاء عمل الجوارح بالكلية بلا مانع ، يعني انتفاء عمل القلب بالكلية ، ولا يكون الشخص مؤمنا وليس في قلبه شيء من عمل القلب ( خوفه ورجاؤه ومحبته وتوكله ..الخ ) ، فإذن لا ايمان مع انتفاء عمل الجوارح بالكلية

قال : قد يكون الإنسان مصدقا بوجود الله تعالى لكن لا يحبه ولا يخافه ولا يرجوه أكبر من محبته وخوفه ورجاءه لغيره .

قلت :فإذن لن يأتي بالعمل الصالح ، إلا على صورة يكون العمل مع الشرك بالله ، فهل تسمى هذا مؤمنا ؟

قال : حاشا لله ، بل هو مشرك ، لكن كيف وهو مصدق ؟

قلت : هو مصدق بالله تعالى ، لكن كتصديق ابليس وفرعون ، ليس معه انقياد قلبي لما صدق به ، بسبب مانع منع من الانقياد القلبي الذي تكون معه أعمال القلوب ،ومن الأسباب المانعة : الكبر فإبليس استكبر عن الانقياد مع وجود التصديق ، وفرعون كذلك قال الله تعالى عنه (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ) ، ولهذا من الكفر ما يكون استكبارا لا تكذيبا ، ومن الأسباب المانعة إيثار الحياة الدنيا فيسمع حجة الرسل ويعتقد صدقها بقلبه، ولا ينقاد لها لأنه لا يريد الانقياد لغيره إذا كان ينزعه عن حالة يحبها ويريدها ويؤثرها على اتباع الرسل ، كاتباع ملة آباءه على سبيل المثال ، وذلك مثل أبي طالب ، فانه كان يعتقد صدق الرسول وصحة رسالته لكنه آثر محمدته في قومه ومكانته في قلوبهم على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخشي أن تفوت هذه المكانة فيسبونه ويلومونه إذا اتبعه، فآثر هذه على الآخرة ، فصار كافرا بتوليه عن الشهادتين ، وان كان يعتقد صدق الرسول ، ولو فرض أن انسانا نطق بالشهادتين وتولى عن الانقياد لها بالعمل توليا تاما لنفس السبب الذي حمل أبي طالب على الامتناع عن النطق لكان حكمه حكم أبي طالب سواء ، ولا ينفعه النطق بالشهادتين مع التولي عن العمل بالكلية عند أهل السنة وان كانت المرجئة تعتقد أنه ينفعه .

قال : هذا واضح بحمد الله تعالى ، وهل هو كفر التولي المذكور في القرآن .

قلت : نعم هو كفر التولي، كما في قوله (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) ، فالتصديق قابله بالتكذيب ، وفعل الصلاة التي هي أعظم العمل وتاركها كتارك العمل كله ، قابله بالتولي .

قال : وما تقول المرجئة في مثل أبي طالب ، يقولون كل من حكم الله أو رسوله بكفره فهو مكذب في الباطن ، وان كان يظهر التصديق وهو مكابرة أوقعهم فيها إصرارهم على أن الإيمان هو التصديق فقط وضده هو التكذيب فقط .

قال : وماذا يقولون فيما لو صدق رجل بقلبه وامتنع عن النطق هل نحكم عليه بالإسلام أو الكفر ؟ فإذا كنا نحكم عليه بالكفر فقد كفرناه مع وجود التصديق فكيف يجعلون التصديق وحده هو الإيمان، وإذا كنا نحكم عليه بالإسلام فهو خلاف الإجماع المتيقن.


قلت : يقولون النطق شرط لإجراء أحكام الدنيا فقط ، ولو تركه ثم مات فانه مؤمن عند الله ، هذا قول غلاتهم ، ويقولون :هو مؤمن عند الله ، وان كنا نطبق عليه أحكام الكفر ، لأننا مأمورون بالظاهر في إجراء أحكام الدنيا، وبعضهم يقول ( كافر قضاء مؤمن ديانة ) .



وقلت : ومن قال منهم الإيمان تصديق القلب وعمله ، فرارا من هذا القول ، فانه يتناقض عندما يخرج عمل الجوارح لأنها لازمة لعمل القلب ، ومن قال منهم تصديق القلب وعمله والنطق بالشهادتين فقط من عمل الجوارح لكي يجعل مثل أبي طالب كافرا وليوافق النقل ، فانه يتناقض أيضا لأن جعل النطق بالشهادتين ، لازما لعمل القلب لا يصح الإيمان إلا بهما معا ، ثم إخراج أعمال الجوارح كلها من هذا اللزوم ، تحكم وتناقض بين ، فان من نطق بالشهادتين لوجود تصديق القلب وعمله ، لابد أن يأتي بشيء من عمل الجوارح ، ولا يتصور أن يتركها بالكلية ، فان الملزوم لا يتخلف عن لازمه .

قال أو قلت : ذلك أن الإنسان حارث وهمام ، لا يكون له إرادة إلا ومعها عمل ، طبيعة الخلقة الإنسانية أنها تعمل بحسب الإرادة التي تنبثق من التصديق والعلم .

قلت : صدقت ، فلا يكون الإنسان ذا علم وتصديق إلا ويترتب عليه إرادة بحسب علمه وتصديقه ، ثم العمل يكون على وفق هذه الإرادة .

قال : إلا لمانع يمنع من حصول محبة في القلب وإرادة توافقان التصديق ، ومن الموانع الكبر والعناد والتولي والإعراض أو إيثار الانقياد لغير ما صدق به لسلطان محبة ذلك الغير على قلبه ، ونحو ذلك .

قلت : صدقت ، هل علمت الآن أنه لا يصح أن يقال العمل شرط كمال هكذا بإطلاق .

قال : علمت وهو خلاف الصواب ولا يطابق مذهب السلف

قلت : وهذا النص عن إمام أهل السنة الناطق بمذهبهم يبين صحة ما قلناه ، ( قال الحميدي وأخبرت أن أقواما يقولون : إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت ، ويظل مسندا ظهره مستدبر القبلة حتى يموت ، فهو مؤمن ــ ما لم يكن جاحدا ــ إذا علم أن ترك ذلك فيه إيمانه ، إذا كان مقرا بالفرض واستقبال القبلة ، فقلت : هذا الكفر بالله الصراح ، وخلاف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفعل المسلمين قال الله عز وجل (حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) قال حنبل : قال أبو عبدالله ( وهو الإمام أحمد ) : من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به صلى الله عليه وسلم ) كتاب الإيمان مجموع الفتاوى 7/209





وإليك هذا النص ( قال الاجرى ، فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان ، فمن لم يصدق الإيمان بعمله ، مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ، ورضي لنفسه بالمعرفة والقول دون العمل ، لم يكن مؤمنا ، ولم تنفعه المعرفة والقول ، وكان تركه للعمل تكذيبا منه لإيمانه ، وكان العمل بما ذكرنا تصديقا منه لإيمانه ..وقد قال عز وجل في كتابه ، وبين في غير موضع ، أن الإيمان لا يكون إلا بعمل ،وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قالته المرجئة الذين لعب بهم الشيطان ) الشريعة ص 121

قال : لو كان العمل مجرد شرط كمال لا يصح أن يقول الإمام أحمد والحميدي والآجري قولهم المتقدم ، فان شرط الكمال لو ذهب كله يذهب الكمال فقط ، وقد كنت أظنك خارجيا تكفيريا خبيثا أحذر منك ، فبان لي الآن أن من كان يقول فيكم هذه الأوصاف ، ينطبق عليه قول الاجري : مرجئ خبيث يحذر منه .

قلت : لا عليك فالحق أبلج والباطل لجلج ،ومهما نفخ في الباطل فان مآله إلى اضمحلال ، وقد قيل عن دعاة أهل السنة من قبل أنهم خوارج وأنهم يكفرون المسلمين فلم يطفئ ذلك نور الحق الذي دعوا إليه ، ذلك أن الله تعالى نصب للحق منارا هاديا .

قال : لكن ما توجيه النصوص التي ذكر فيها دخول أقوام الجنة بلا عمل .

قلت : تلك محمولة على أقوام مخصوصين ، منعهم من العمل مانع الجهل أو عدم التمكن أو غير ذلك والمتشابه إذا رد إلى المحكم تبين وجهه ومعناه ، أما قول من يقول انهم مؤمنون إيمانا صحيحا مع وجود عمل القلب ، وقد قام في قلوبهم حب الله أعظم من غيره والخوف والرجاء كذلك ، ثم علموا ما يسخط ربهم وما يرضيه ، وتمكنوا من العمل ، ثم لم ينقادوا لشيء منه قط ، ولا سجدوا لله سجدة ولا سبحوه بألسنتهم تسبيحة واحدة قط ، بل تولوا توليا كليا عن الانقياد دهرهم كله حتى ماتوا ، فهذا لا يتصور وقوعه أصلا إذا قلنا الإيمان حقيقة مركبة من القول والعمل (عمل القلب والجوارح )، وأن عمل الجوارح لازم لعمل القلب لا يتخلف عنه إلا لمانع خارج عن إرادة الإنسان وقدرته ، لا يتصور وقوعه على مذهب أهل السنة ، وإنما تتصوره المرجئة التي تقول الإيمان مجرد التصديق والعمل خارج عن اسم الإيمان بالكلية ، وهو شرط لكماله وليس جزءا من حقيقته في عقيدتهم .

قال : لكن هذا يترتب عليه أن الكفر الأكبر يكون منه كفر عملي ، كما يكون اعتقاديا ، ويترتب عليه أن المكفرات العملية إن كانت من نواقض الإيمان لا يشترط فيها الاستحلال والجحود ، بعبارة أخرى يترتب عليه أن الكفر ليس بالجحود فقط ، بل يكون بعض الأعمال ما هو كفر أكبر ، وان لم يستحله الفاعل ويجحد تحريم الشريعة له ،( قلت : وهو النواقض العملية ) قال : لأن العمل إذا كان من الإيمان ، فيكون منه ما يضاد الإيمان ، كما يضاد التكذيب التصديق في الإيمان المركب منهما.


قلت : ليكن كذلك ، ويكون من الكفر العلمي أيضا كفر أكبر وان لم نعلم انطواء القلب على الاستكبار والاستخفاف أيضا، وتسمى النواقض العملية ، بل هذا هو مذهب السلف ، ولا يقول أن الكفر الأكبر لا يكون إلا بالاعتقاد خاصة جحودا أو استحلالا إلا المرجئة ، ألم تر الإمام أحمد يكفر تارك الصلاة وان لم يستحل وان لم يكابر الشريعة ، وذلك بسبب أن اعتقاد الإمام مطابق للنصوص في حقيقة الإيمان التي شرحتها آنفا ، ووافقتني عليها .

وقلت أيضا : ومن هنا يحكي شيخ الإسلام عن طائفة من السلف تكفيرهم تارك الأركان الأربعة( الصلاة والصيام والحج والزكاة ) أو بعضها وان لم يستحل ، فجعلوا ترك هذه الأركان بمنزلة ترك العمل كله ، لأن ترك الركن يبطل العبادة وإلا فما فائدة جعله ركنا ، وهذا يدل على أن فهمهم لحقيقة الإيمان أن العمل باعتبار جنسه لا بعضه ركن في الإيمان ، ويدل على أنهم يكفرون ــ الكفر الأكبر بأعمال مخصوصة .

قال : لكن هل يكفر تارك الصوم أو الحج أو الزكاة كتارك الصلاة .

قلت : كلا بسبب أن النصوص خصصت تارك الصلاة ، وجاءت بعضها تنص على أن تارك سائر الأركان ليس بكافر ،مع أن تاركها بمعنى المتولي عن فعلها الممتنع عن التزامها بالكلية حتى لو قوتل عليها لقاتل فانه يكفر كمانعي الزكاة ، وان لم يجحد وجوبها ،والنصوص التي خصصت الأركان الثلاثة لا تتناول هذه الصورة ، و المقصود هنا بيان دلالة تكفير من يكفر من السلف لتارك الأركان الأربعة على مذهبهم في حقيقة الإيمان ، وأن من الكفر العملي عندهم ما يكون كفرا أكبر بسبب أن الكفر عندهم ليس بالجحود والتكذيب فقط ، انطلاقا من اعتقادهم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط .

قال : أما من هذه الجهة فالدلالة واضحة ، لما كان الإيمان عندهم ، تصديقا قلبيا ولسانيا وعملا ، صار ضده وما ينقضه أيضا منه تكذيب ومنه عمل .

قال : لكن الإشكال لازال باقيا في الفرق بينهم وبين من يكفر بارتكاب الكبائر كالخوارج .

قلت : الفرق أن الخوارج يكفرون بمطلق الكبائر كالزنى وشرب الخمر والقتل ، والسلف لا يكفرون بها ، بل بالنواقض العملية كترك الصلاة عند من يكفر بها ، وسب الرسول صلى الله عليه وسلم ، والاستهزاء بالمصحف وتوجيه العبادة لغير الله تعالى ، ونحو هذه النواقض العملية .

قال: حتى ولو لم يستحل ؟

قلت : حتى ولو لم يستحل ، ولا يشترط الاستحلال في كل تكفير إلا المرجئة .


قال : فهمت أن الخوارج يكفرون بكل كبيرة مطلقا ، والسلف يكفرون بأفعال معينة ــ ليس منها الكبائر المعروفة ــ يسمونها النواقض العملية ، وترك الصلاة مثال واضح لهذا ، وكما أن من يحكم بكفر تارك الصلاة من السلف لا يشترط الاستحلال ، كذلك من يكفر بغيرها من النواقض العملية لا يشترط الاستحلال .


قلت : نعم ، غير أنهم قد يختلفون في الفعل هل هو من النواقض العملية أم لا ، واختلافهم في تكفير تارك الصلاة هو من هذا الوجه ، لا من أجل أن من أتى بالنواقض العملية لا يكفر إلا بالاستحلال عندهم ، بمعنى أن من لا يكفر بترك الصلاة من السلف ليس لأنه يرى رأي المرجئة الذين لا يكفرون إلا بالاستحلال مطلقا ، بل لأنه لا يجعل ترك الصلاة من النواقض العملية ، وترى نفس الفقيه الذي لا يكفر بترك الصلاة ــ إن كان على مذهب السلف في العقائد ــ تراه يكفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا وان لم يستحل .

قال : لكننا نسمع كثيرا من العلماء يقولون لا يكفر من فعل كذا إلا أن يستحل .

قلت : نعم ويكون المذكور بهذا الحكم ، ليس من النواقض العملية ، ولا يكون من النواقض العملية إلا ما يقتضي التكفير بحد ذاته ، من غير اشتراط استحلال قلبي عندهم.

قال : أما أن التكفير ببعض الأعمال التي تسمى النواقض من غير اشتراط الاستحلال يتلاءم على مذهب السلف في فهمهم لحقيقة الإيمان ، فواضح جدا ، لكن يبقى إشكال وهو أن من يسب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا أو يستهزئ بالمصحف ونحوهما ، لا يتصور أن يكون ذلك منه إلا باستحلال وعدم تصديق ، وحينئذ تعود المسألة إلى أن التكفير لا يكون إلا بالتكذيب الذي هو ضد التصديق ، وأن الأعمال شرط كمال فقط ، فكأن الخلاف عاد إلى أن يكون خلافا لفظيا ، بمعنى أن كل ناقض عملي لا يتصور وقوعه إلا مع عدم تصديق قلبي ( الاستحلال صورة منه ) ، فحينئذ النتيجة واحدة .

قلت : غير صحيح البتة ، إذا كنت تقصد بالاستحلال ، انه يعتقد أنه حلال في الدين فواضح أنه قد يعتقد تحريمه ، ومع ذلك يفعله ، وإذا كنت تقصد أنه لا يصدق بالله وبأن النبي صلى الله عليه وسلم حق وأنه حرم هذا الفعل ، فكذلك واضح أنه قد يصح منه هذا التصديق ومع ذلك يقع منه السب ، وقد رأينا بعض الجهلة يسبون الدين والرب تعالى في حال الغضب ويصلون أحيانا ، وهم كفار بسبهم وان اعتقدوا أنه محرم وصدقوا بالدين ، وعليهم أن يتوبوا توبة صحيحة ليرجعوا إلى الإسلام

قال : لكن لا يقع ذلك منهم إلا لهوان الدين في قلوبهم .

قلت : نعم ، وقد يكون لأسباب أخرى أيضا ،لأن ترابط فعل الجوارح بالقلب ضرورة خلقية ، لكن المقصود أن هذا الذي سميته هوان الدين وترتب عليه فعل المكفرات العملية هو أمر أخر يختلف عن التكذيب والجحود والاستحلال الذي يشترطه المرجئة في كل حكم بالتكفير ، ويختلف عن العناد والاستكبار المقارن للاستخفاف كما يشترطه بعضهم ، ويقولون لا يكون التكفير بالكفر الأكبر إلا اعتقاديا مطلقا ، وأما أفعال الجوارح فلا يكفر بها إلا مقرونة بالاستحلال والتكذيب أو الجحود فيكون التكفير بهذا الاعتقاد لا بالفعل .

قال : حتى لو سجد للصنم ، لا تكفره المرجئة إلا بالاعتقاد المقارن؟

قلت : حتى لو سجد للصنم ، لا يكون كفره عندهم لسجوده للصنم ، بل لما في قلبه من اعتقاد قارن السجود .

بل لقد حدثني بعض أفاضل الدعاة أن بعض الطلبة المتأثرين بكتاب ( الحكم بما أنزل الله وأصول التكفير ) لما سأله ذلك الفاضل عن حكم من يسجد للأصنام طمعا في متاع الدنيا غير مستحل ولا مستكبر ولا جاحد قال لا يكفر .

قال : لكن كيف لنا أن نعرف اعتقاده وما في قلبه ، فكيف إذن نحكم عليه ، أليس هذا يقتضي أن لا يحكم على أحد بالكفر إلا إذا نطق به فقط.

قلت : المرجئة قديما كانت تقول نحن مأمورون أن نحكم بالظاهر ، فنكفره إجراء لأحكام الدنيا فقط لأنها تبنى على الظاهر ، وإذا علم الله تعالى أنه مصدق بالله ، غير مستحل السجود للصنم ، فانه مؤمن عند الله تعالى ناج يوم القيامة من حكم التكفير وان عوقب على فعل المحرم.

وقلت : وهم يقولون لو قدر أننا علمنا أنه كافر عند الله تعالى أيضا فهذا يدل على أنه غير مصدق بقلبه ، وكل من كفره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو غير مصدق بقلبه ، وان كان يظهر خلاف ذلك ، لأن الكفر لا يكون إلا التكذيب .

يتبع
رد مع اقتباس