القلب
القلب
إن القلب هو محل نظر الرب سبحانه وتعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
وما سمي القلب قلبا إلا من تقلبه،
فتارة يجد العبد قلبه ممتلئا إيمانا وخشية ، مما يورثه سعادة وأنسا وانشراحا،
وتارة يضيق عليه صدره ويضعف الإيمان في قلبه ،وهذا حال ابن آدم.
وقد نبه الشرع المطهر إلى هذه الحقيقة ـ أن القلب يتقلب ـ
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إنما القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن".
وقال صلى الله عليه وسلم:
" لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا".
ولهذا كان كثيرا ما يسأل ربه ثبات القلب على الإيمان والهداية والتقوى ،
فيقول: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة رضي الله عنه أن القلب لا يستقر على حال ،
فحين لقي حنظلة أبا بكر رضي الله عنه فسأله أبو بكر: كيف أنت يا حنظلة ؟
قال: نافق حنظلة ، قال أبو بكر : وما ذاك؟
قال حنظلة : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة
حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات
( يعني أسباب المعاش ) فنسينا كثيرا ، قال أبو بكر رضي الله عنه : إنا لنلقى مثل هذا ،
فانطلقا حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ،
فقال: " والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر
لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة".
نعم فالإيمان يزيد وينقص ، وهذه عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص ،
وقد دل على ذلك الكثير من الأدلة ، ومنها قوله تعالى:
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (الفتح:4) .
وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال:2) .
وقوله تعالى (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22).
وحين يزداد الإيمان ينعم الإنسان بهذا الإيمان حتى قال بعضهم:
إنه لتمر بالقلوب ساعات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي خير عظيم.
وقالوا حين استشعروا حلاوة الإيمان ولذته :
لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه ( يعني من السعادة) لجالدونا عليه بالسيوف.
كما قد يضعف الإيمان في القلب حتى لا يكاد يكون له أثر
ولا يكاد يحجز صاحبه عن شيء من المعاصي ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن،
ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".
وليس معنى ذلك أن الزاني والسارق وشارب الخمر قد كفر بذلك ،
كما بين ذلك النووي رحمه الله فقال في شرح هذا الحديث:
فالقول الصحيح الذي قاله المحققون إن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان،
وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله...
كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة.
وإنما تأولناه على هذا المعنى لحديث أبي ذر وغيره
من قال: "لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق"...
فالمقصود بيان أن الإيمان قد يضعف جدا في القلب ،
وإذا ضعف الإيمان في القلب وجد العبد وحشة وضيقا حتى إن الدنيا كلها لتضيق عليه
كما قال الله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً )(طـه: من الآية124).
لهذا كان لزاما على العبد أن يتفقد قلبه ويأخذ بأسباب صلاحه وزيادة الإيمان لأنه:
لا يفلح ولا ينجو يوم القيامة إلا أصحاب القلوب الحية الطيبة السليمة المؤمنة:
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:88ـ89) .
وقد كان السلف يوقنون بهذا فيتواصون بأسباب زيادة الإيمان
كما ثبت ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لجلسائه: تعالوا نزدد إيمانا.
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لأخيه المسلم إذا لقيه: اجلس بنا نؤمن ساعة.
كما كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: هيا بنا نؤمن ساعة ،
وأُثر من دعائه: اللهم زدني إيمانا ويقينا وهدى وصلاحا.
===========
رحمكِ الله ياقرة عيني
وغفر لكِ ورزقكِ الجنة
التعديل الأخير تم بواسطة أم سُهَيْل ; 03-31-2012 الساعة 12:37 AM
|