عرض مشاركة واحدة
  #92  
قديم 06-22-2010, 08:05 PM
صابر عباس حسن صابر عباس حسن غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
مع الجزء الثالث والعشرون
( 2 )
وبعض أيات من سورة يس

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ -60
وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ -61
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ -62

*****
مفهوم العبادة

يظن كثير من الناس أن العبادة تعني الصلاة وبقية الفرائض من صيام وزكاة وحج وحسب , ولكن في حقيقة إن الأمر أكثر من ذلك, فالعبادة تعني الطاعة والإذعان لشريعة الله في الإسلام في سائر الأمور, قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ – 56 الذاريات
هذه الغاية، التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته أي طاعته في كل ما أمر والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى، المتضمنة لمعرفته ومحبته،
فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله،
والناس كلهم عبيد الله بل الأشياء كلها كذلك بالتسخير لقوانين الله الكونية، وبعضها بالاختيار وهم عباد الله المؤمنين ويسمون عباد لا عبيد،
ويطلق لفظ عباد علي كافة الناس بعد الموت. قال تعالى: يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ – 17 الفرقان
وذلك لأن الجميع طائع ولا مجال للتمرد والعصيان في البرزخ أو الدار الأخرة.
وتعد الطاعة لأوامر وإغواءات الشيطان عبادة له رغم لا سجود ولا صلاة ولا صوم للشيطان ومع ذلك قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ....
ليدل ذلك على أن طاعة الشيطان في المحرمات يعد عبادة حيث يحلل الحرام ويحرم الحلال.
وفي الحديث الشريف , قدم [ عدي بن حاتم ] على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نصراني فسمعه يقرأ هذه الآية : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )31 التوبة قال : فقلت له : إنا لسنا نعبدهم ، قال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ، قال : قلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم
الراوي: عدي بن حاتم الطائي - المصدر: حقيقة الإسلام و الإيمان, لابن تيمية - الصفحة أو الرقم: 111
خلاصة حكم المحدث: حسن
أي يُحِلُّون لهم ما حرم اللّه فيحلونه، ويحرمون لهم ما أحل اللّه فيحرمونه، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها.
وكانوا أيضا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم، ويتخذون قبورهم أوثانا تعبد من دون اللّه، وتقصد بالذبائح، والدعاء والاستغاثة.
ومن الناس يجعل نفسه عبدا للدنيا وأعراضها، وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها، وإياه قصد النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ( تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار ) (أخرجه البخاري في كتاب الرقائق 7/175)

*******
والإقرار بالالتزام بالطاعة لله أي العبادة - يتكرر في جميع الصلوات بقرآءة فاتحة الكتاب ,
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ -5
فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال, والأقوال الظاهرة والباطنة. و الاستعانة هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع, ودفع المضار, مع الثقة به في تحصيل ذلك.
والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية, والنجاة من جميع الشرور, فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.

*******

وبهذا المفهوم الواضح للعبادة وهو الطاعة لشريعة الله تعالى متمثلة في كتاب الله القرآن العظيم وسنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم. تستقيم حركة الحياة لدى المؤمن مع ضرورة الحرص على أداء الفرائض وعلى رأسها الصلاة والزكاة.
قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ -31 إبراهيم

قل -أيها الرسول- لعبادي الذين آمنوا: يؤدوا الصلاة بحدودها, ويخرجوا بعض ما أعطيناهم من المال في وجوه الخير الواجبة والمستحبة مسرِّين ذلك ومعلنين, من قبل أن يأتي يوم القيامة الذي لا ينفع فيه فداء ولا صداقة.

******

ومن التوجيهات المهمة لعباد الله الالتزام بالقول الحسن الطيب. قال تعالى:
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً - 53 الإسراء

وقل لعبادي المؤمنين يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك ألقى الشيطان بينهم العداوة والفساد والخصام. إن الشيطان كان للإنسان عدوًا ظاهر العداوة.

*******

وعلى الإنسان الطائع لله أي العابد والملتزم بشريعة الله, أن يتوجه بالدعاء في كل أموره فإن ربي قريب مجيب. قال تعالى:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَان فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ – 186البقرة

وإذا سألك -أيها النبي- عبادي عني فقل لهم: إني قريب منهم, أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني, فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم عنه, وليؤمنوا بي, لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم. وفي هذه الآية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده, القرب اللائق بجلاله.

********

وعباد الله ليس للشيطان عليهم سلطان لإغوائهم
قال تعالى:
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ (42) الحجر

أي إن عبادي الذين أخلصوا لي لا أجعل لك سلطانًا على قلوبهم تضلُّهم به عن الصراط المستقيم, لكن سلطانك على مَنِ اتبعك مِنَ الضالين المشركين الذين رضوا بولايتك وطاعتك بدلا من طاعتي.

********

ومن النتائج العظيمة لعبادة الله والأعمال الصالحة التمكين في الأرض. قال تعالى:
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ (105) الأنبياء

ولقد كتبنا في الكتب المنزلة من بعد ما كُتِب في اللوح المحفوظ: أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون الذين قاموا بما أُمروا به, واجتنبوا ما نُهوا عنه, وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

******
وعلى المؤمن ألا يضيق على نفسه , فإن لم يستطع عبادة الله في أرض ما فإن أرض الله واسعة . قال تعالى:
يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) العنكبوت

يا عبادي الذين آمنوا إن كنتم في ضيق من إظهار الإيمان وعبادة الله وحده, فهاجِروا إلى أرض الله الواسعة, وأخلصوا العبادة لي وحدي.

*******

والمؤمن لا يقنط من رحمة الله تعالى فلو وقع الإنسان في بعض المعاصي والذنوب وجب عليه الرجوع والتوبة , قال تعالى:
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) الحجر
وقال تعالى:
قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) الزمر

قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي, وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم.

*******
ومن أعظم البشريات للمؤمن في الأخرة أن يدخل في عداد عباد الله الصالحين , قال تعالى:
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) الفجر

يا أيتها النفس المطمئنة إلى ذِكر الله والإيمان به, وبما أعدَّه من النعيم للمؤمنين, ارجعي إلى ربك راضية بإكرام الله لك, والله سبحانه قد رضي عنك, فادخلي في عداد عباد الله الصالحين, وادخلي معهم جنتي.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس