عرض مشاركة واحدة
  #95  
قديم 07-05-2010, 02:22 AM
صابر عباس حسن صابر عباس حسن غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثالث والعشرون
( 5 )
وبعض أيات من سورة ص

مبدأ الصبر عند المرض والابتلاء
ومع هذه الصورة الحية لنبي الله ( أيوب ) عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ – 41 ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ – 42 وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ – 43 وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ – 44

﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ ﴾ حين أصابه الضر، فصبر على ضره، فلم يشتك لغير ربه، ولا لجأ إلا إليه داعيا، وإليه لا إلى غيره شاكيا، فقال: رب ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾ أي: بأمر مشق متعب معذب، وكذلك هلك أهله وماله. ولكنه صبر.
فقيل له: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾ أي: اضرب الأرض بها، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب، فيذهب عنك الضر والأذى، ففعل ذلك، فذهب عنه الضر، وشفاه اللّه تعالى.
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ﴾ في الدنيا، وأغناه اللّه، وأعطاه مالا عظيما ﴿ رَحْمَةً مِنَّا ﴾ بعبدنا أيوب، حيث صبر فأثبناه من رحمتنا ثوابا عاجلا وآجلا. ﴿ وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ ﴾ أي: وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب ويعتبروا، فيعلموا أن من صبر على الضر، أن اللّه تعالى يثيبه ثوابا عاجلا وآجلا، ويستجيب دعاءه إذا دعاه.
﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ﴾ أي حزمة شماريخ ﴿ فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ﴾
قال المفسرون: وكان في مرضه وضره، قد غضب على زوجته في بعض الأمور، فحلف: لئن شفاه اللّه ليضربنها مائة جلدة، فلما شفاه اللّه، وكانت امرأته صالحة محسنة إليه، رحمها اللّه ورحمه، فأمره أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، فيبر في يمينه. وهذا وجه من وجوه التيسير في الفتوى حيث أنه أبر بقسمه ولم يتسبب في إلام زوجته الوفية.
﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ﴾ أي: ابتليناه بالضر العظيم، فصبر لوجه اللّه تعالى. ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ ﴾ الذي كمل مراتب العبودية، في حال السراء والضراء، والشدة والرخاء.
﴿ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ أي: كثير الرجوع إلى اللّه، في مطالبه الدينية والدنيوية، كثير الذكر لربه والدعاء، والمحبة.
وهذه الصور الوقعية تعلمنا الصبر حين الإصابة بالمرض والتضرع إلى الله تعالى وطلب الشفاء منه مع أخذ الدواء , فالله تعالى خالق الداء والدواء . ولا نضجر ولا نيأس من رحمة الله .

*********

فالمرض يصيب الإنسان , فيكون رفعة وزيادة في حسنات المؤمن ,
وقد يكون كفارة من الذنوب لبعض المؤمنين.
وقد يكون عقابا لبعض الناس ,

وتلاحظ ذلك من تصرف المريض , فالمؤمن يدرك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه فهو راضي وفرح بمعية الله تعالى , ففي الحديث القدسي : إن الله عز وجل يقول ، يوم القيامة : يا ابن آدم ! مرضت فلم تعدني . قال : يا رب ! كيف أعودك ؟ وأنت رب العالمين . قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده . أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2569
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وآخر يذنب فيصيبه البلاء فيحمد الله تعالى , ويتذكر قول حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يصيب المسلم ، من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5641
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وتجد شخص يصيبه المرض فينهار ويشتكي ويسخط وتسود الدنيا في وجهه وييأس , فيعد هذا عقاب له والله أعلم .

*******
ونتعلم مما سبق أن الله تعالى رحيم بعباده يبتليهم ليرحمهم ويرفع من درجاتهم في الجنة أو يكفر عنهم سيئاتهم , أو يذكرهم بأن الدنيا دار بلاء وليست الجنة فعودوا إلى ربكم من قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أت الله بقلب سليم.

وليعلم الإنسان أن الشفاء بيد الله وحده , وأن الله تعالى خلق الدواء وجعله سببا فلا ترد سببا خلقه الله لك. ولكن كن على يقين أن الأمر كله لله تعالى ,فقد يكون هناك شخصان بنفس المرض ويتناولا نفس الدواء , فيشفى أحدهم ولا يشفى الأخر . لأن الأمر كله مرده إلى الله نعالى, وقد أخبرنا الله في سورة الشعراء الآية 80 عن قول إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال:

وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ


********
والقرآن خير شفاء لقلوب المؤمنين , ويتيقن بذلك المداومون على قرآته.
قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ - 57 يونس

هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة.
وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه.
وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان، مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين.
وإذا صح القلب من مرضه، ورفل بأثواب العافية، تبعته الجوارح كلها، فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده. ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فالهدى هو العلم بالحق والعمل به.
والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به، فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين.
وإذا حصل الهدى، وحلت الرحمة الناشئة عنه، حصلت السعادة والفلاح، والربح والنجاح، والفرح والسرور.
ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك فقال: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ﴾ الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده ﴿وَبِرَحْمَتِهِ﴾ الدين والإيمان، وعبادة الله ومحبته ومعرفته.

وقال تعالى:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ - 82 الإسراء

فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة، وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين به، وأما الظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خسارًا، إذ به تقوم عليهم الحجة، فالشفاء الذي تضمنه القرآن عام لشفاء القلوب، من الشبه، والجهالة، والآراء الفاسدة، والانحراف السيئ، والقصود السيئة
فإنه مشتمل على العلم اليقيني، الذي تزول به كل شبهة وجهالة، والوعظ والتذكير، الذي يزول به كل شهوة تخالف أمر الله، ولشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها.
وأما الرحمة، فإن ما فيه من الأسباب والوسائل التي يحث عليها، متى فعلها العبد فاز بالرحمة والسعادة الأبدية، والثواب العاجل والآجل .

وقد خلق الله تعالى لنا دواء حلو الطعم رحمة منه وفضل, قال تعالى:
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ - 68 ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ - 69 النحل

فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه.

******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس