عرض مشاركة واحدة
  #110  
قديم 09-11-2010, 10:43 PM
صابر عباس حسن صابر عباس حسن غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(8)
وبعض أيات من سورة الجاثية


قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ – 14 مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ – 15

يأمر تعالى عباده المؤمنين بحسن الخلق ويدعو المؤمنين إلى الترفع والاستعلاء على الباطل وسعة الأفق ورحابة الصدر في مواجهة الضعاف العاجزين الذين لا تتصل قلوبهم بذلك المصدر الثري الغني . كما يدعوهم إلى شيء من العطف على هؤلاء المساكين المحجوبين عن الحقائق المنيرة القوية العظيمة ; من الذين لا يتطلعون إلى أيام الله , التي يظهر فيها عظمته وأسراره ونواميسه.
فهو توجيه كريم للذين آمنوا ليتسامحوا مع الذين لا يرجون أيام الله . تسامح المغفرة والعفو . وتسامح القوة والاستعلاء على الباطل.
والواقع أن الذين لا يرجون أيام الله مساكين يستحقون العطف أحياناً بحرمانهم من ذلك النبع الفياض , الذي يزخر بالرحمة والقوة والثراء . نبع الإيمان بالله , والطمأنينة إليه , والاحتماء بركنه , واللجوء إليه في ساعات الكربة والضيق . وحرمانهم كذلك من المعرفة الحقيقية المتصلة بصميم النواميس الكونية وما وراءها من أسرار لا يعلمها إلا الله.
وهم إن استمروا على تكذيبهم فلا يحل بكم ما حل بهم من العذاب الشديد والخزي ولهذا قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾

********

هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 20

أي: ﴿ هَذَا ﴾ القرآن الكريم والذكر الحكيم ﴿ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ ﴾ أي: يحصل به التبصرة في جميع الأمور للناس فيحصل به الانتفاع للمؤمنين، والهدى والرحمة.
فهو بذاته بصائر كاشفة كما أن البصائر تكشف لأصحابها عن الأمور . وهو بذاته هدى . وهو بذاته رحمة.
﴿ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ فيهتدون به إلى الصراط المستقيم في أصول الدين وفروعه ويحصل به الخير والسرور والسعادة في الدنيا والآخرة وهي الرحمة. فتزكو به نفوسهم وتزداد به عقولهم ويزيد به إيمانهم ويقينهم، وتقوم به الحجة على من أصر وعاند.

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ – 21

أي: أم حسب المسيئون المكثرون من الذنوب المقصرون في حقوق ربهم.
﴿ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ بأن قاموا بحقوق ربهم، واجتنبوا سخطه ولم يزالوا مؤثرين رضاه على هوى أنفسهم؟ أي: أحسبوا أن يكونوا ﴿ سَوَاءً ﴾ في الدنيا والآخرة؟ ساء ما ظنوا وحسبوا وساء ما حكموا به.
بل الحكم الواقع القطعي أن المؤمنين العاملين الصالحات لهم النصر والفلاح والسعادة والثواب في العاجل والآجل كل على قدر إحسانه، وأن المسيئين لهم الغضب والإهانة والعذاب والشقاء في الدنيا والآخرة.

******

والله تعالى قد أقام السماوات والأرض على أساس الحق والعدل .

وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ - 22

أي: خلق الله السماوات والأرض بالحكمة وليعبد وحده لا شريك له ويطاع في كل ما شرع.
ولكن الذين يرفضون شريعة الله تعالى وهي الحق والعدل ويتبعون غيرها من شرائع البشر فهم في واقع الأمر يتبعون أهواءهم.

*******

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ –23

( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) إنه كائن عجيب يستحق الاستنكار ... وهو يستحق من الله أن يضله , فلا يتداركه برحمة الهدى . فما أبقى في قلبه مكاناً للهدى وهو يتعبد هواه المريض .
( وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْم )
على علم من الله باستحقاقه للضلالة . أو على علم منه بالحق . وهذا يقتضي إضلال الله له والإملاء له في عماه..
( وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً )
فانطمست فيه تلك المنافذ التي يدخل منها النور , وتلك المدارك التي يتسرب منها الهدى . وتعطلت فيه أدوات الإدراك بطاعته للهوى .
( فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) أي: لا أحد يهديه وقد سد الله عليه أبواب الهداية وفتح له أبواب الغواية، وما ظلمه الله ولكن هو الذي ظلم نفسه وتسبب لمنع رحمة الله عليه .
فالمؤمن يرى بنور الله الآيات واضحة أمامه, وعليه أن يأخذ بيد من لا يرى, وذلك بالأخلاق الفاضلة التي تبرهن على صدق معتقده.

هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 20

*****

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس