عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 12-05-2010, 02:02 PM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي


قال تعالى : " وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) " .

لا يُهلك الله الناس ، أو يبتليهم بما يعذبهم ، إلا بفسادهم ، كما تقدم معنا من خبر بني إسرائيل ، وكما قال تعالى : " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " .
فإذا أراد الله إهلاك قرية ، يقول " أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " ، وتأويل المُراد بأمر الله هنا يحتاج إلى بيان .
فأوامر الله على نوعين :
1- أوامر كونية قدرية ، وهو كل ما يحصل في الكون من حوادث كالحياة والموت والرزق ونزول المطر والحركات والسكنات ، وكل شيء .
2- أوامر شرعية ، وهي ما يأمر الله به عباده في وحيه من أوامر الشرع ، كتوحيده ، والصلاة ، والصوم ، والزكاة ، وحسن الخلق ، وبر الوالدين ، وترك الربا والزنا ، ونحوه .

أولا : " أمرنا مترفيها " أمرا قدريا .
لو أنكَ تحرك يدك حركة ما في لحظة ما ، اعلم أن هذه الحركة كانت بأمر الله القدري . فالله تعالى علمها سبحانه ، وكتبها عنده قبل خلق السماوات والأرض ، وشاء لك أن تحرك يدك ، وخلق لك هذه الحركة . فحركة يدك هذه التي أنت من حركها ربك يعلمها من قبل ، ومكتوبة عنده ، وشاء الله لك أن تحرك يدك فأذن لك ، ولو شاء أن يمنعك لمنعك ، وخلق لك هذه الحركة .
وهكذا كل شيء في الكون فإن له أربعة مراتب في القدر : الخلق فالكتابة فالإرادة فالخلق .
والإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان ، وهو التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الكون فهو بتقدير الله تعالى ، بمراتب القدر الأربع وهي :
1) الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلا من الأزل والقدم فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض .
2) الإيمان بأن الله كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة .
3) الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشر إلا بمشيئته سبحانه .
4) الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله فهو خالق الخلق وخالق صفاتهم وأفعالهم كما قال سبحانه : ( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء ) الأنعام/102 .
وللمزيد : http://islamqa.com/ar/ref/49004
فقوله تعالى : " أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " ، يعني أمرناهم أمرا قدريا : علمنا فسقهم الذي يكون وكتبناه عندنا ، وشاء الله لهم هذا ، وخلق فعلهم .

ثانيا : " أمرنا مترفيهم " أمرا شرعيا .
فبم أمرهم الله ؟ المأمور به هنا محذوف ؛ لأنه معروف ، من قوله تعالى : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي " ، وقوله تعالى : " قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون . قل أمر ربي بالقسط " .
وعليه يكون تأويل قوله تعالى : " أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " ، أي : أمرناهم بالطاعة فلم يستجيبوا وفسقوا فيها ، فاستحقوا بهذا العقاب والتدمير .

قال تعالى : " وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) "
فيه تهديد لمن خالف حكم ربه وأفسد في الأرض أنه قد يُهلكه الله كما أهلك قوم نحو وبعدهم كثير ، كعاد وثمود وفرعون وغيرهم ، وترى الكوارث تصيب أماكن متفرق من الأرض اليومَ ، فيجب عليك أن تتعظ لذلك ولا تأمنَ أن يعاقبكَ الله في الدنيا قبل الآخرة ، وهو خبير بصير بعباده ، يعاقبهم على ذنوبهم ولا يظلمهم ، قال الشيخ الجزائري – رحمه الله - : فإن القول وإن تضمن علم الله تعالى بذنوب عباده فإن معناه الوعيد الشديد والتهديد الأكيد ، فإنه تعالى لا يرضى باستمرار الجرائم والآثام انه يمهل لعل القوم يستفيقون ، لعل الفساق يكفون ، ثم اذا استمروا بعد الاعلام إليهم والتنديد بذنوبهم والتخويف بظلمهم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر . الا فليحذر ذلك المصرون على الشرك والمعاصي!! ا.هـ [ أيسر التفاسير – الشيخ أبو بكر الجزائري ] .

التعديل الأخير تم بواسطة عبد الملك بن عطية ; 12-05-2010 الساعة 05:14 PM
رد مع اقتباس