عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 09-30-2010, 03:42 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

يصح له التمييز قرب الحال ، إنما تعليله يجمع الهم هو الدليل على أنها ليست كذلك ، فانظر إلى قلة العلم ماذا تُؤَثِر مع أهل الخير , ولقد بَلغَنا في الحديث عن بعض من نُعَظِمُه ، ونَزُوره ، أنه كان على شاطئ دجلة ، فبَال ثم تيمم، فقيل له الماء قريب منك ، فقال: خِفتُ أن لا أبلُغَهُ ، وهذا وإن كان يدل على قِصَر الأمل ، إلا أن الفقهاء إذا سمعوا عنه مثل هذا الحديث تَلاعبُوا به ، من جِهة أن التيمم إنما يصحُ عند عَدَمِ الماء،فإذا كان الماء موجوداً كان تَحرِيك اليدين بالتيمم عَبثاً، وليس من الضروري وجود الماء أن يكون إلى جانب المُحدِث ، بل لو كان على أَذرُعٍ كثيرةٍ ، كان موجوداً فلا فِعلَ للتيمم ، ولا أثَرَ حينئذٍ ,ومن تأمل هذه الأشياء ، عَلمَ أن فقيهاً واحداً - وإن قل أتبَاعَهُ ، وخَفَت إذا مات أشيَاعَهُ - أفضل من ألوفٍ تتمسحُ العَوام بهم تبركاً ، ويُشيعُ جَنَائِزهَم ما لا يُحصَى ، وهل الناس إلا صَاحِب أثَرٍ يتبعه ، أو فقيهٌ يفهمُ مًرَادَ الشرع ويُفتِي به ؟ ، نعوذُ باللهِ من الجهل، وتعظِيم الأَسلًافِ تقلِيداً لهم بغيرِ دليل ,فإن من وَرَدَ المَشربَ الأَولَ ، رَأَى سائر المَشاربِ كَدِرَةً , والمحنةُ العُظمَى مَدائحِ العوام فكم غَرت كما قال علي- رضي الله عنه-: ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئا ، ولقد رأينا وسمعنا من العوام أنهم يمدحون الشخص فيقولون: لا ينام الليل ولا يفطر النهار ولا يعرف زوجة ولا يذوق من شهوات الدنيا شيئا ، قد نحل جسمه ودَقَ عظمه حتى أنه يصلي قاعدًا فهو خيرٌ من العلماء الذين يأكلون ويتمتعون ذلك مبلغهم من العلم ، ولو فقهوا علموا أن الدنيا لو اجتمعت في لقمة فتناولها عالم يُفتي عن الله ويُخبرُ بشريعته كانت فتوى واحدة منه يرشد بها إلى الله تعالى خيرًا و أفضل من عبادة ذلك العابد باقي عمره ، وقد قال بن عباس- رضي الله عنه-: فقيه واحدٌ أشد على إبليس من ألف عابد ,ومن سمع هذا الكلام فلا يظنن أنني أمدح من لا يعمل بعلمه ، وإنما أمدحُ العاملين بالعلم وهم أعلم بمصالح أنفسهم ، فقد كان فيهم من يصلح على خشن العيش كأحمد بن حنبل وكان فيهم من يستعمل رقيق العيش كسفيان الثوري مع ورعه ومالكٍ مع تدينه والشافعي مع قوة فقهه ,ولا ينبغي أن يُطالب الإنسان بما يقوى عليه غيره فيضعف هو عنه , فإن الإنسان أعرف بصلاح نفسه ، وقد قالت رابعة: إن كان صلاح قلبك في الفالوذج فكله ,ولا تكونن أيها السامع ممن يرى صور الزهد فرب متنعم لا يريد التنعم وإنما يقصد المصلحة ، وليس كل بدن يقوى على الخشونة خصوصا من قد لاقى الكد وأجهده الفكر وأمَضَّهُ الفقر فإنه إن لم يرفق بنفسه ترك واجبًا عليه من الرفق بها , فهذه جملة لو شرحتها بذكر الأخبار والمنقولات لطالت غير أني سطرتها على عجل حين جالت في خاطري و الله ولي النفع برحمته .

هذا كلام ذهب وأنا اخترت هذا الصيد الثمين لأقضي به معكم العشر الأواخر لأن في هذا جملٌ كثيرة من العلم ، وما ذكره بن الجوزي - رحمه الله تعالي- إنما فسره بما رآه بعينه ، وما لابثه مع الناس ، وأنتم تعلمون أن بن الجوزي - رحمه الله -كان أشهر واعظ في زمانه ، كان يصلي خلفه مئين ألوف ، وكان الخليفة يتحري الصلاة خلفه ، وكان مفتوحًا عليه يأتي بالعبارات المسجوعة الغريبة علي البديهة ما يحار المرء منه فخلاصة هذه الخاطرة أو هذا الصيد: أنه ينعي علي الذين يتعبدون بالرأي ولا يتبعون الشرع فهؤلاء مفرطون ، وينعي أيضًا علي الذين رموا الدنيا علي اعتبار أنه وردت آيات وأحاديث كثيرة تذم الدنيا وتذم أهلها ، ونعي عليهم أنهم يخطفون الحكم من نص واحد ، ولا زالت هذه هي المصيبة الكبرى والداهية العظيمة إلي زمان الناس هذا .
لا يجوز الحكم في أي قضية إلا بعد جمع النصوص من الكتاب والسنة: إن العلماء صرحوا أنه لا يجوز لأحد أن يحكم في قضية من القضايا إلا إذا جمع النصوص كلها من الكتاب والسنة بما يقدر عليه .لا إله إلا الله في الميزان:المرجئة مثلًا الذين يرجئون الأعمال فلا يدخلونها في الإيمان خطفوا هذا المعني من حديث واحد وهو قوله ، -: " من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة " وفي الحديث: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وأمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله " ، وقفوا علي هذا وهم يظنون أن العبد يستطيع إذا مات أن يقول: لا إله إلا الله ، لا ، هذه الكلمة أثقل من الجبال الرواسي لا يزلّ اللسان بها حال الموت إلا من عمل بها في الحياة ، عاش بها ، قام بها ، ونام بها ، ولم يحرك قدماً إلا بها ، ولم يضع قدمه في موضع إلا كان مأذونًا له أن يضعها في هذا الموضع الذي عاش حياته كلها .
ذكر الخاص قبل العام أو بعد العام يفيد الاهتمام:كما قال الله- عز وجل-:﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾(الأنعام:162_ 163) . ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ﴾ ، الصلاة والنسك تدخل في المحيَا ، لكن العلماء يقولون: ذكر الخاص قبل العام أو بعد العام يفيد الاهتمام ، فالصلاة شيء خاص ، والنسك شيء خاص ، والمحيا عام يشمل هذا فقال: إنما خصص الصلاة والنسك لمزيد الاهتمام بهما ,﴿وَمَمَاتِي لِلَّهِ ﴾
والموت موتتان: موتة صغرى ، وموتة كبرى : الموتة الصغرى: النوم :﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ (الزمر:42) ، اثنين نائمين بجوار بعض أرواحهم بتخرج يتوفاها الله- عز وجل - ، إذا كان هذا آخر نفس له في الدنيا روحه لا ترجع له ، يصير بدنًا بلا روح ، الثاني مازال له سنة ، سنتين ، عشرة ، عشرين ، ثلاثين ، ترجع له روحه ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ﴾ لا يردها إلي صاحبها ، فيكون النوم هو الموتة الصغرى .
كيف تجعل منامك لله ؟﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي أن يكون الله- عز وجل- آخر مذكور لك لا تفعل مكالمات المصنع ، والمتجر ، والدولار ، واليورو ، والين ابعث الصفقة ، يكون أخر عهدك هو الدينار والدرهم ، لا ، الأذكار الموظفة علمناها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ليكون المرء ذاكرًا طيلة وقته طول النهار ذاكر كلما يري شيء لها ذكر ، فإذا أراد أن ينام قال:" وجهت وجهي إليك ، وألجأت ظهري إليك ، وفوضت أمري إليك رغبة منك إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وأرحمها ، وأن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه "، وتنام. فإذا استيقظت وفتحت عينيك كان الله عز وجل أول مذكور:" أصبحنا وأصبح الملك لله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله " ، " اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير " . هذا هو الممات ، قبل أن يكون مماتك الأكبر لله- عز وجل- فتزل هذه الكلمة التي من أجلها أنزل الله الكتب وأرسل الرسل وجردت أسنة السيوف وشربت الأرض من دماء العباد لأجل هذه الكلمة " لا إله إلا الله " ، لأجل أن يقولها المرء في الموتة الكبرى ، في الموتة الصغرى لابد أن يكون عبدًا ,وهذا معنى﴿وَمَمَاتِي لِلَّهِ ﴾ ، يكون مماتك لله وطبعًا الأذكار الموظفة كلها معاني جميلة ، كلما عرفت المعنى واستطعمته كلما زدت به إيمانًا " وجهت وجهي إليك " ونحن قلنا أن الله- عز وجل- أخر مذكور لك في الدنيا لذلك النبي- صلي الله عليه وسلم قال في هذا الحديث:" فمن مات من ليلته مات على الفطرة " والفطرة هي الإسلام ,الرجل إذا كان هذا آخر كلام له في الدنيا فيكون فعلاً ربنا في قلبه ويعيش نهاره لله ، فأول ما ينام يضع كفه اليمنى تحت خده وينام على جنبه ، واحد يقول أنا جنبي اليمين يؤلمني وأستريح على الشمال ، نقول: ابدأ باليمين ضع يدك تحت خدك كما قال الرسول بالضبط وكما فعل ، تعمل مثله بالضبط أنت ربما لا تفهم وضع الكف تحت الخد ما هي فائدته ، لكن سلم ، إذا قال ضع يدك ، ضع يدك ، لا تجادل وتنام وتقول الأذكار وإذا تقلبت لا مانع لكن ابدأ كما أمرك النبي ، " وجهت وجهي إليك ، وألجأت ظهري إليك ، وفوضت أمري إليك " أنظر إلى هذه الترتيب ، " وجهت وجهي " سيذهب إلى أين ؟ ما هو نائم فإلى أين سيذهب ، ونحن نقول ممكن يموت ، فتكون وجهته إلى الله يذهب مباشرة إلى هناك ، كأنما قال: يا ربي إذا قبضت روحي فوجهت وجهي إليك ، فإذا لم أمت وكان لا يزال لي عمر " وألجأت ظهري إليك " ، وأنت تعرف الإنسان إذا اغتيل يغتال من الخلف ، لأن العدو إذا جاءه من الأمام يستطيع أن يدافع عن نفسه ، إنما يغتال المرء غيلة وغدرًا دائمًا من الخلف .فمن الذي سيغتالك ؟ الشيطان ، فأنت لما تقول الأذكار بالذات لما تقرأ آية الكرسي كما في حديث البخاري في تمر الصدقة والشيطان والحديث أنتم كلكم تحفظونه ، الرسول- عليه الصلاة والسلام- لما قال لأبي هريرة:" أتدري يا أبو هريرة من تكلم منذ ثلاث ؟ قال: لا ، قال ذاك شيطان " ، هذا الشيطان أوصي أبو هريرة لما كان سيمسك به ويرفعه للنبي ، وأراد أن يهرب منه ، فقال له أنا سأقول لك نصيحة ووصية وتتركني ولا ترفعني إلى النبي ، قال له:" إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإن قرأتها فلم يزل عليك حارس من الله حتى تصبح ",أول ما تقرأ آية الكرسي تجد ملك يقف على رأسك مباشرة ، ملك ، معك السلاح ، الشيطان إنما يغتالك وأنت نائم ، أنت إذا كنت مستيقظًا تذكر الله- عز وجل- ، طول ما أنت ذاكر الشيطان لا يستطيع أن يقرب منك ، أول ما تنام ولا تذكر الله كأنما ألقيت سلاحك ونمت ، فمن السهل جدًا أن يذبحك العدو وأنت نائم ، لأنك نمت وألقيت سلاحك فالله- عز وجل- يكافئك ، كأنما يقول لك كنت ذاكرًا لي طيلة اليوم فكان من جزاء ذكرك لي أنني وكلت بك ملكًا يحميك إلى أن تستيقظ فتستأنف الذكر ، الملك يقف بسلاحه يدافع عنك ، فأنت لما تقول:" وألجأت ظهري إليك " أي احمني حتى لا أغتال وأنا نائم " وفوضت أمري إليك " التفويض عند بعض العلماء يكون بعد التوكل أعلى درجة من التوكل ، يقول: التوكل يكون بالأسباب وبغيرها ، إنما التفويض عادة يكون بعد فقد الأسباب ، مثلما حدث للعبارة ، هذه العبارة بعض الناس الذين أنجاهم الله- عز وجل- قال لأول مرة أفهم معني قوله تعالي:﴿ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾(النمل:63) ، ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾(الأنعام:63) .قال لم أكن أعرف أن البحر له ظلمة ، الساعة الثانية ليلاً وفي شهر توبة والإنسان أطرافه تثلج ، حتى لو أراد أن يسبح أو يعوم يقف ، أطرافه تجمدت ، وفي بحر ليس له ساحل ، لو أنت بطل السباحة العالمي لا تستطيع أن تعرف إن كنت تمشي بالطول أم بالعرض ، لو أنا أعرف خطوط السير في البحر كنت أعرف أنني أمشي هكذا سأصل إلى الشاطئ الثاني ، لكن أكون أمشي بالطول ، ولا صريخ ، هذا هو التفويض فقد الأسباب كلها .مثل الأخ السعودي ظل نائم على ظهره ويقرأ سورة الكهف وسورة تبارك وترفعه موجة وتضعه موجة حتى لطف الله سبحانه وتعالي به ، وكانت المشكلة إن كان ثاني يوم الجمعة وكانت هناك مباراة لنا وكانت الدنيا كلها واقفة أي الذي يموت ، يموت ، لا أحد ولا صريخ .التفويض: تفقد الأسباب بالكلية فما يبقى إلا اعتماد القلب على الله- عز وجل- ، وأنت رجل نائم ألقيت سلاحك ، لا تملك من أمر نفسك شيئًا فلم امرأتك تكرهك تذبحك وتضعك في أكياس ، ستة عشر كيس ولا ثلاثين كيس وعلى حسب جسدك ، والعز يدخل في هذه المسألة ن ممكن أي حاجة أنت تدخل عمرك ما تقول أنت وضعت سم في الأكل أو تشك فيها أو غير ذلك ، فأنت نائم ، فقدت الأسباب بالكلية لأنك نائم ميت .فانظر إلى الذكر " لا ملجأ ولا منجى إلا إليك " ، أي جهة تهرب منها إلا الله ، تهرب منه إليه ، لكن أنت لما تكون هارب من ظالم تذهب إلى واحد آخر ليحميك ، لكن رب العالمين تهرب منه وتذهب إلى أين ، تهرب منه إليه " لا ملجأ ولا منجى إلا إليك " ." آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت " الأذكار الموظفة مليئة بالمعاني الجميلة ، كل ما تهضم المعني وتعرفه تزداد به إيمانًا ,فلما نقرأ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ ﴾ ، إذا كانت هكذا يسهل عليك عند الموت أن تقول:" لا إله إلا الله " لأن " لا إله إلا الله " هي الأمانة التي قال الله- عز وجل- فيها:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ﴾(الأحزاب:72) ، و " لا إله إلا الله " هي الأمانة أيضًا التي وردت في حديث حذيفة في الصحيحين قال:" إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، فعلموا من الكتاب وعلموا من السنة "الجذر:جذر كل شيء أصله ، أصل الشيء .فالأمانة :هو الإيمان ، الإيمان: الذي هو أصل الكلمة " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، فنزل الإيمان في أصل قلوب الرجال ، فلما نزل القرءان كان الإيمان متقدماً فلم ينكروا آية ، ولم يعترضوا على رب العالمين لا في قليل ولا في كثير ، لأن الإيمان متقدم .كما روى بن ماجه بسند صحيح في مقدمة السنن عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه- قال: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرءان فازددنا به إيمانًا .اليوم الجماعة الذين يعترضون على الآيات وعلى الأحاديث وغير ذلك ، ليس عندهم إيمان متقدم ، العملية بيضاء كلها ، ليس فيها أي شيء ، يرد عليه الأحاديث يقول: معذرة أنا لست مقتنع به لأنها أحاديث آحاد ، ولابد أن يبلغ مبلغ التواتر ، مثل عمر بن عبيد واحد أفتي فتوى ، فقال له: إن سمرة بن جندب نقل عن النبي- صلي الله عليه وسلم- كذا وكذا ، قال ما تفعل بسمرة ؟ قبح الله سمرة ,عمر بن عبيد هذا كان يجمع خمسة ألوان من البدع ، كل بدعة تهدم بلد إنسان واحد عنده خمسة ألوان من البدع ، وهذا كانت علامة الصلاة في وجهه كركبة العنز ، تبرز إلى الخارج هكذا ، حتى كان المنصور إذا رآه يخضع لفرط زهده وتجافيه عن الدنيا ، وهذا كلام بن الجوزي ، زاهد متصنع في الظاهر يحوي كل هذه البدع ، والمنصور لما كان يراه كان يقول:
كلكم يمش رويد كلكم طالب ** صيد ، غير عمر بن عبيد .
كلكم تمشون على مهل لأنكم تبحثون على شيء ، كلكم طالب صيد غير عمر بن عبيد فكيف وصل إلى الزهد وعلامة الزهد وهو رجل يجمع خمسة ألوان من البدع ، وهذا كلام سنبسطه إن شاء الله تعالي , فيقول له جندب بن عبد الله البجلي: تعلمنا الإيمان إذًا الأيمان يُتَعلم كيف تتعلم الإيمان ؟ هذا بحث إن شاء الله سنذكره ، لأن فيه ناس تريد أن تؤمن ولا تستطيع أن تؤمن ، يقول لك: كيف أتعلم الإيمان ؟ أنا ممكن أتعلم القراءة والكتابة ، وأتعلم العلم ، وأتعلم الأصول ، لأن أمامي كلام ممكن أحفظه أختصره ، لكن الإيمان هذا ، كيف أتعلم الإيمان ، فالإيمان كان عند الصحابة متقدمًا على الوحي ، لما نزل الوحي قالوا سمعنا وأطعنا ، وحتى في المرات القليلة الذي اعترضوا فيها ، مجرد أن بُين لهم انتهي الأمر .كما في حديث أبو هريرة عند مسلم لما نزلت خواتيم البقرة:﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾(البقرة:284) ، هذه مشكلة ، كل إنسان منا تمر عليه من الخواطر ما لو نفذها لدخل النار ، يريد أن يقتل أو يسرق أو يزني أو يشرب الخمر ، يريد أن يعمل كل حاجة ، خواطر تمر على الإنسان ، فلما نزلت صعب عليهم هذا ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ فجاءوا وبركوا على الركب ، وقالوا يا رسول الله جاءت التي لا نستطيع ، لا نقدر على ذلك ، وسواس قهري دخل علي وأسمع سب في قلبي ، وأسمع غض للقرءان في قلبي ، وأنا أكره ذلك وأبكي ليل نهار وأخشى أن أموت على الكفر ، خائف أن تستقر هذه العقائد تستقر في قلبي وأموت على الكفر فماذا أفعل فيها ؟ كيف أدفعها عن نفسي ؟ ، والله عز وجل يقول:﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾(البقرة:286) ، ماذا أعمل ؟ لذلك جاءوا وقالوا لا نستطيع .
فقال لهم:" أتريدون أن تقولوا كما قال بنوا إسرائيل سمعنا وعصينا ، قولوا سمعنا وأطعنا " ، فقالوا سمعنا وأطعنا وزلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله- عز وجل- آية الرخصة بعدها﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ ، فأناط المسألة بعمل الجوارح ، إنما الخواطر التي تمر عليك ألقيها خلف ظهرك ولا تخاف منها .في المرات القليلة التي ما اعترضوا على الشرع ولم يعجبهم الكلام ، لا ، هذا غير وارد عند هذا الجيل ، لكن لما رأوا هذا تحميلًا عليهم ولا يستطيعون جاءوا إشفاقًا على أنفسهم أن يعذبوا بالخواطر ، حتى اعتراضهم أو توقفهم كان بمعني شرعي ، فعلمهم النبي- عليه الصلاة والسلام- قولوا سمعنا وأطعنا لا يعارضون لفظًا قالوا سمعنا وأطعنا وزلت بها ألسنتهم فأنزل الله- عز وجل- آية الرخصة .
انتهى الدرس الحادي عشر
المحاضرة الثانية عشر
كنا ابتدأنا الكلام في المرة الماضية عن الذين يختطفون حكماً من حديث واحد ويتركون بقية الأحاديث أو الآيات ،ومثلنا لذلك بالمرجئة ، وقد تفر ع الكلام .
المرجئة: أي الذين يؤخرون العمال فلا يدخلونها في الإيمان ,ويحتجون بمثل قوله- صلي الله عليه وسلم-:" أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله " قالوا ونحن نقولها ، و على النقيض الخوارج الذين يحتجون بنص واحد لإثبات الحكم كحديث أبي إمامة في صحيح مسلم أن النبي ، - قال:" من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة وأدخله النار ، قالوا: يا رسول الله وإن كان شيئًا يسيرًا ؟ قال وإن كان قضيبًا من آراك " سواك ، واحد أخذ سواك من واحد ، سرقه منه وحلف أنه لم يأخذ هذا السواك منه ، هذا كفر أم معصية ؟ هذه معصية ، لما تأتي على الحديث تجد النبي- ، - يقول:" حرَّم الله عليه الجنة وأدخله النار " .فقال: هذا شيء من الكبائر ، وهذا واحد فعل كبيرة حرم الله عليه الجنة وأدخله النار فيكون الذين فعلوا الكبائر سوف يدخلون النار ويخلدون فيها . أهل السنة ليسوا كذلك ، بل إذا أراد أن يثبت حكماً ما جمع كل الأحاديث أو النصوص التي وردت في الباب فسلط بعضها علي بعض ، ممكن أن يكون فيه نص مطلق يسلط عليه المقيد ، أو فيه نص عام يسلط عليه الخاص ، أو فيه نص منسوخ يسلط عليه الناسخ ، أو فيه نص مجمل يسلط عليه المبين وبعد جمع النصوص كلها يخرج بالحكم الصحيح في المسألة .
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-:( تَأمَلتُ أحوَالَ التصُّوفَ والزُّهَدِ فوجدهم ما بَينَ جَهلٍ بالشَّرعِ وابتِدَاعٍ بالرَّأي ويَتَدلُونَ بنصوصًا لَا يَفهَمُونَ مَعنَاها ).ثم مثل ابن الجوزي بمثال ، وهذا المثال الذي ذكره مناسب للمتزهدين ، وهو موقفهم من الدنيا ، زاهد: بمعني لفظ الدنيا ، لماذا لفظتم الدنيا ؟ قال: لأن الله - عز وجل- ذمها وحذر منها وبين أن المتكالبين عليها لا خلاق لهم في الآخرة ، لأنه كما قال الله- عز وجل-:﴿ وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (الزخرف:35) ، فأتوا بمثل هذه النصوص وببعض الأحاديث . قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-:(فَمِن ذَلك ، أي من النصوص الذين فهموها فهمًا خطأ وبنوا مذهبهم عليها ) ، أنَّهم سِمِعُوا في القُرآَنِ العَزِيزِ:﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾(أل عمران:185) ، أو﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ(الحديد:20) ، كل هذا ذم ثم يأتون علي حديث رواه الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله " أن النبي ، مر مع أصحابه علي شاة ميتة وقد ألقاها أهلها علي قارعة الطريق فقال: ترون هذه هينة علي أهلها ؟ " _أي لو كانت غالية عندهم ولها قيمة كانوا دفنوها ، إنما ماتت رموها علي قارعة الطريق فتكون أرخص ما يكون ، ليس لها قيمة _ " فقال - عليه الصلاة والسلام -:" والله للدُّنيَا أَهونُ على الله من هذا عَلى أَهلِهَ" قال هذه هي الدنيا جيفة يتقاتل عليها كلابها .بن الجوزي: صحح هذه المسألة قال: لا، الدنيا ليست كذلك ، لأن الدنيا فيها مصالح الآدمي وقد امتن الله- تبارك وتعالي- علي الناس بذكر ما ذَلَلَ لهم في هذه الحياة ، عندما تقرأ الثمانية عشر آية التي في افتتاح سورة النحل كلها تفضلٌ من الله عز وجل بذكر الأنعام وأنها تحمل متاعهم وقال الله - عز وجل -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا(النحل:29) .وهذا جاء علي جهة الامتنان أن الله - عز وجل - يمتن علي عباده بأنه خلق لهم ما في الأرض جميعًا وكذلك قول الله- تبارك وتعالي-:﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (الأعراف:32) ، فأباح أن يتنعم المرء لفته:وهنا لفتة أود أن أقف عندها وهي تتعلق بمسألة الوقف والابتداء في القرآن ، أنت تريد أن تعرف الذي يقرأ هذا فاهم أم لا ؟ أنظر إلي وقفاته وإلي بداياته إذا بدأ ، مثلًا الذي يفهم المعني الصحيح لا يقف علي قوله تعالي:﴿ خَالِصَةً ، ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً ،الوقف هذا خطأ ، ما سر خطأه ؟ ﴿خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ نعم ليست هناك نعمة خالصة في الدنيا من النكد والكدر ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ لعباده: هذه للدنيا كلها ليس للمؤمنين فقط ، فما من نعمة إلا وهي مكدرة ، حتى تستطيع أن تستدل علي هذا المعني بالماء ، الماء الفرات العذب ، السلسبيل ، أليس من الممكن أن الفرد تقف في حلقه المياه ويموت منه ؟ ، وهذه المياه ، ليست لقمة تقف في حلقك ولا أنت تريد أن تبلع ولا غير ذلك ، هذا الماء العذب السلسبيل الفرات ، من الممكن أن الفرد تقف في حلقه المياه ويموت منه ، فمكدر أيضًا . ولذلك الله- عز وجل- ذكر ما يخدم هذا المعني قال تعالي:﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (الجن:16) ، حرف الألف في ( أسقي) مثل اللقمة في الحلق ، ولذلك أنت ممكن تقف عليه عندما تقرأ:﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ل ، ألست وقفت؟ ( لأسْقَيْنَاهُمْ ) وقفة ، بخلاف شراب أهل الجنة لا يوجد ألف . ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(الإنسان:21) ، أنظر (سَقَاهُمْ ) سهلة ، لكن الهمزة الواقفة واقفة فعلًا﴿لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ(الجن:16،17) ، هذا في الدنيا بخلاف شراب أهل الجنة لا يغص المرء أبدًا من شراب في الجنة . لذلك لا توجد نعمة في الدنيا غير مكدرة كل نعمها مكدرة فالذي يفهم لا يقف علي﴿ خَالِصَةً ﴾ ، إنما هي متى تكون فعلًا خالصة ؟ يوم القيامة في الجنة ، فمسألة الوقف والابتداء هذه مسألة تدل علي فهم ، في ذات مرة أحد القراء المشهورين جدًا في سرادق من السرادقات كان يقرأ فقرأ الآية الآتية ، فأنظر إلي وقفه وأنظر إلي فساد ابتداءه قال ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ (لقمان: 13) وقف وبعد ذلك تحذق فقال:﴿ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فجعل الباء باء قسم ، والباء هنا أساسًا ليست لقسم أبدًا ، حرف جر فعندما يبدأ ﴿ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ أفسد المعني ، لأنه لا وجود لهذا المعني في الآية ، لذلك يفترض أن وقف الابتداء يخدم المعني ولا يؤسس معني غير موجود في الآية .مثلًا:بعض الناس القراء المشهورين يقرأ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (القصص: 25)فقرأها هكذا ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍوبعد ذلك قال:﴿عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا المعني ممكن أن يكون مقبول لماذا ؟ لأن فيه بعض الإسرائيليات الذي يوجد فيها المعني هذا ، لكن أن لا أقدر أثبت المعني بهذه الإسرائيليات ، الإسرائيليات تقول: عندما جاءت ابنة الرجل الصالح ورغبت في أن تدله علي البيت قالت له أطلع أمام وأنا ورائك وتقذف له حجر أي اتجه يمين ، وتقذف له حجر اتجه شمال علي أساس لا تمشي أمامه فقد يظهر منها له ، وهذا أيضًا فيه حياء وغير ذلك هذا كلام جميل إذا كان له مساعد .مع أن المتصور أن ممكن تكون البنت عندها حياء ، وغير ذلك ، حتى لما كلمت أباها عرضت أنها تريد أن تتزوجه ، لكن كيف لفت بها ، قالت:﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ﴾(القصص:26) ، قال هذه عرضت لكن تعريض في غاية اللطف والبعد ، وقليل جدًا الذي يفهم أن البنت عرضت بأنها ممكن تريد أن تتزوج موسى- عليه السلام- .
إِذا الْوَقْفِ وَالابْتِدَاءً إِنَّمَا يُؤَسِّسُ الْمَعْنِيّ وَلَيْسَ لِتَشْيِيدِ مَعْنَىً لَيْسَ فِيْ الْآَيَةِ: وهذه الآية أيضًا تدل على أن الله- عز وجل- أباح لعباده كل شيء في الأرض إلا ما حرمه عليهم الدنيا مزرعة الآخرة ،: أنت كيف تعمل ، وكيف تصل إلى الجنة ؟ إذا لم تكون من أهل الدنيا ، في صحيح مسلم من حديث بعض أصحاب النبي ، أن النبي قال:" اعلموا أنكم لن ترون ربكم حتى تموتوا " ، رؤية الله- عز وجل- في الجنة فلابد أن يسبق الجنة المزرعة ، مزرعة الآخرة .
فَهَذِهِ الْنَّظْرَةَ الْقَاصِرَةِ إِلَىَ الْدُّنْيَا هِيَ كَانَتْ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الْرَئِيْسِيَّةِ لِتُخْلَيْ هَؤُلَاءِ عَنْ الْدُّنْيَا :فتركوا عمارتها ، وكان لهم في ذلك كلام فظيع ، وبن الجوزي كرر هذا المعني في كتاب صيد الخاطر كثيرًا ، مسألة ذم الصوفية الذين ذموا الدنيا وتركوها ، ولم يتمتعوا بالطيبات ولم ينظروا إلى فعل الرسول- عليه الصلاة والسلام- أنه ما امتنع من مباح طيب ، بل كان يأكل الحلوى ويشرب العسل وكان يستعذب له الماء وكان يلبس الثياب الجيدة .حتى التصوف نفسه يقول مشتق من أشياء ، مرة يقول مشتق من الصوف أو من الصفاء ، أو الصفة ، وأشياء أخري ، يقول لك التصوف جاء من أين الاسم ؟ ، فمن ضمن المشتقات لها أنه يأتي من الصوف ، قال لماذا الصوف ؟ لأن عيسى عليه السلام كان يلبس الصوف .
حُكْمُ إِتْبَاعٌ شَرَعَ مِنْ قَبْلِنَا:من أولى أن تبعه ؟ أليس نبينا- صلي الله عليه وسلم- وكان يلبس القطن الناعم ، قال لك البس الصوف الخشن لكي يحك جلدك وكأنك تنام على الإبر ، فأنت لماذا تعذب نفسك ؟ ما هي المصلحة أنك تعذب نفسك ؟ ، والعلماء في شرع من قبلنا يقولون: ليس شرع من قبلنا شرعًا لنا في الأصل لأنه ما سيق لأجلنا ، أو كالذي يقول بعض العلماء الآخرون ، شرع ما قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يرده فإن ورد في شرعنا ما يرده فالأصل أن نتبع نبينا ،.
يقول بن الجوزي- رحمه الله- بعد ذكر بعض النصوص .قال: ( فَبَالَغُوا في هَجرِهَا من غَيرِ بَحثٍ عن حَقيقَتَهَا ، وذلك أنه ما لم يعرف حقيقة الشيء فلا يجوز أن يُمدَح ولا أن يُذَم .)أبو حازم سلمة بن دينار أحد العلماء الكبار من التابعين ممن يروي عن سهل بن سعد وطبقته من الصحابة- رضي الله عنهم- قال له عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قال، أني لأجد شيئًا يحزنني ، وهذه نظرة العلماء العاملين للدنيا ، عبد الرحمن بن زيد بن أسلم متروك الحديث ، أبوه زيد بن أسلم الثقة الإمام من مشايخ مالك وبن عيينة وهذه الطبقة ، لكن لا يقول أحد أنه متروك فيكون الإسناد ضعيف ، لماذا ؟ لأنه يحكي حكاية ، سؤال ، يقول إني سألت ، فهذه ليست رواية حديث حتى تتوقف علي الإسناد يقول لأبي حازم:( إني لأجد شيئًا يحزنني ، قال وما هو يا بن أخي ؟ قال: حبي للدنيا ، قال: اعلم أن هذا لشيء ما أعاتب نفسي على بعض شيء أباحه الله لي لأن الله قد حبب هذه الدنيا إلينا لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا ، ألا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئًا من شيءٍ يكرهه الله ، ولا أن نمنع شيئًا من شيءٍ أحبه الله ، فإذا نحن فعلنا ذلك لم يضُرنا حبنا إياها) .طالما شيء أنت تأخذه من حل فما الإشكال ؟ الرسول- عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً أشعث الشعر وسخ الثياب ، فقال له:" أربّ مال أنت ؟ عندك فلوس وأموال ، قال:" من أي المال " ؟ عندك إبل أو غنم أو فلوس كثيرة ، قال: من كل المال ، قال له:" إن الله إذا أنعم على عبده أحب أن يرى اثر نعمته عليه " ، طالما عندك فلوس فلتظهر بمظهر جيد لأن ركاكة المظهر فيه نوع شكوى ، طالما أنك تقدر ، أما إذا لم تكن تقدر على مثل هذا فلا شيء عليك .مثل الإنسان يجوع اختيارًا ، أو يجوع اضطرارًا ، الذي يجوع اضطرارًا مثل الصحابة ، لم يجدوا ما يأكلون فكانوا يصبرون ، إنما يجوع اختيارًا لماذا ؟ أمامه الطعام وسيموت من الجوع ، لماذا أنت لا تأكل ؟ يقول أنا أمرن نفسي رياضة ويترك الأكل شيئًا فشيئًا ، فشيئًا ، حتى يحدث له لطف ، يتهيأ له أشياء الشيطان قد يتهيأ للإنسان ويأتي له في صورة رجل صالح ويقول أنا رأيت ملكًا أو غير ذلك .فلماذا تترك نفسك لتجوع ؟ الله ما أراد منك هذا ولا فرض عليك هذا فيأتي المتحذلق بحديث عائشة رضي الله عنها:" أجرك على قدر نصبك " فيقول لك كل ما العمل يكون فيه تعب كل ما يكون أفضل ، أنا رجل غني وممكن أسافر بالطيارة أذهب لكي أقضي عمرة رمضان أو أحج ، يقول لك لا ، أنا أركب سيارة من السيارات القديمة التي تتسبب في الألم لكي يصل متعب ، فيقول أنا أقضي ثلاثة أو أربعة أيام في الطريق لأن" أجرك على قدر نصبك "كل ما تتعب أكثر كل ما تأخذ أجرًا أكبر .
الْمُرَادِ بِقَوْلِ الْرَّسُوْلِ ، (أَجْرَكَ عَلَىَ قَدْرِ نَصَبِكِ ):وهذا نفس الفهم المغلوط الذي يحذر منه بن الجوزي ، لا ، " أجرك على قدر نصبك " إذا كانت المشقة لا تنفك عن العمل ، لا تستطيع أن تفصلهم عن بعض ، لكي تصل إلى الهدف لابد أن تركب الجمل ، لا تعرف غير ذلك وإلا لن تصل ، إذا كانت المشقة لازمة للعمل لا تنفك عنه فيكون " أجرك على قدر نصبك " لأن الله- عز وجل- ما قصد إعناتنا قط قال الله- عز وجل-:﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾(البقرة:185)﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾(الحج:78) إنما أراد الله بنا اليسر ، فهذا فهم مغلوط لمعنى المشقة بالنسبة للعمل .فأبو حازم سلمة بن دينار- رحمه الله- يقول له:لا يضرك أن تحب الدنيا إذا كنت لا تتناول شيئًا يكرهه الله- عز وجل- ، ولكن لتكن معاتبنا أنفسنا في غير هذا ، إن الإنسان إذا تجاوز حدود الله تبارك وتعالي . وقد وجدت كلامًا لعلي بن أبي طالب وهو مروي في عدة كتب من كتب الحديث كالمجالسة للديناوري ، وكذم الدنيا لابن أبي الدنيا وكتاريخ بغداد للحافظ الخطيب وتاريخ دمشق لابن عساكر ، وله أكثر من طريق .فسئل علي- رضي الله عنه- عن الدنيا ، وأنظر الصحابة أيضًا رضي الله عنهم كيف كانت رؤيتهم للدنيا ، فقال:( الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار نجا لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها مهبط وحي الله ومصلَّي ملائكته ومسجد أنبيائه ومتجر أولياءه ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمها وقد أذنت ببَينِهَا ) _أي بفراقها ، الإنسان إذا مات فقد فارقها _( ونادت بفراقها وشبه بسرورها السرور وببلائها البلاء ترهيبًا وترغيبًا ، فيا أيها الذام للدنيا المعلل نفسه متى خدعتك الدنيا أو متى استدامت إليك ؟ أبمصارع أبائك في البِلىَ ، أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى ؟ ) .أي ما الذي غرك بطول المقام تعمل فيها عمل من لا يموت وأملك فيها أمل من لا يموت ، ما الذي غرك ؟ قبور آبائك ، أم قبور أمهاتك ، هذا قبر أبيك لا يزعجك وأنت لا تنتبه أنك ستدركه عن قريب ، وكذلك قبر أمك ، أيضًا أنت لست منتبه أنهم ماتوا ، أبيك كان أغنى منك ، لأن ميراث أبيك إنما انقسم علي إخوتك ، فما من واحد منكم إلا وهو أفقر من أبيه ، لأن أباه كان عنده المال كله ، فلما مات جزء هذا المال ووزع عليهم ، فما الذي غرك بطول المقام ، أمصارعهم ؟ هذه كان من المفروض أنها تنبهك, ( كم مرَّضت بيديك وعللّت بكفيك تطلب له الشفاء وتستوصف له الأطباء لا يغني عنه دوائك ولا ينفعه بكائك )، كثير من الموتى أنت جلست لتمرَّضهم ، أنت كنت الممرض له ، وأنت الذي كنت تأتي له بالدواء وغير ذلك ، ومع ذلك مات ودفنته وجلست تبكي عليه ، فما الذي غرك فيها ؟ .علي بن أبي طالب لما يتكلم هذا الكلام ، يريد أن يقول: إن المذموم الذي لا يتعظ بمصارع غيره فيركن إلى الدنيا ولا يعمل فيها بعمل من ينظر إلى الآخرة والرسول- عليه الصلاة والسلام كان في الدنيا وكانت عينه على الآخرة ، في الحديث الصحيح " أنه لما ذبح ذبحًا وأمر عائشة رضي الله عنها أن تقسم هذا اللحم على الناس ، فلما دخل عليها- ، قال لها: ما فعلت بالشاة ؟ قالت يا رسول الله ذهبت كلها إلا ذراعها ، فقال لها بل بقيت كلها إلا ذراعها " ، بقيت كلها لأن هذا كان صدقة ، فالنبي- عليه الصلاة والسلام إنما قاسها بمقياس الآخرة . مثلما يقول ، في حديث أبي كبشة الأنماري الذي أخرجه الترمذي وأحمد وبن ماجة أخرج عجزه ، قال ، " ثلاثة أقسم عليهن ما نقص مال من صدقة " هذه ليست حسبة أهل الدنيا أهل الدنيا معه عشرة ألاف تصدق بألف فصار معه تسعة ، هذه حسابات أهل الدنيا ، إنما حسابات أهل الآخرة ما نقص مال من صدقة ، لماذا ؟ لأن هذا الألف الذي تصدقت به لما ننظر إلى الآيات﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾(الأنعام:160) .اضرب ألف في عشر أمثال ، وهذا هو الواقع وحديث الرسول " إن الله يقبل الصدقة بيمينه ثم يربيها للعبد كما يربي أحدكم فلوه " .فلوه: أي الخيل ، تأخذ الخيل صغير وتظل تربيه حتى يكبر ، والله- عز وجل- يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، لا تضرب في سبعمائة ، إنما سبعمائة ضعف ، فيكون المال نقص أم زاد ؟ لا يزيد إلا بهذا المنظور ، إنما عند أهل الدنيا ينقص ، تصدق بألف وتبقى معه تسعة ، " وما ظلم عبد مظلةً فصبر عليها إلا زاده الله بها عزًا " ، الناس تقول كلما يظلم يقول الله يسامحك فبذلك سيجعلونك مطية لهم ، ستظل تقول الله يسامحك حتى يضرب وجهك وينقص من كرامتك ويضيع سمعتك ، لا ، لابد أن تقف له وتبين أنك قوي وأنك صاحب قوة ويأتي يقول لك " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " ، النبي ، الشاعر عمر بن أبي عزه لما شبب بنساء المؤمنين وهجا النبي ، فلما أمسكه قال له: كن خير آخذ وهذه أخر مرة ، فتركه النبي ، ، فلما جاء في المرة الثانية عمل في هذا الضلال المبين وشتم المسلمين والنساء وأمسك به قال له: كن خير آخذ وامنن علي وغير ذلك ، فتركه ، فلما عملها في المرة الثالثة وأمسكه وأراد أن يقول ما قال من قبل فقال له: لا ، " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " فأمر به فقتل .يقول لك هذا الحديث يدل على أن هذا ليس على إطلاقه ، أنت تأخذ هذه النصوص وتوفق بينها ، الهدف منها أن يكون لك بصر بمعادن الناس اللئيم إذا ثبت أنه لئيم على وجه الإنصاف ، لا يكون أنت تتجنى عليه ، يكون لئيم بالفعل ، فهذا اللئيم أستعمل معه " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " ، إنما الكريمالإنسان الفاضل " وما ظلم عبد مظلةً فصبر عليها إلا زاده الله بها عزًا " .
يقول المتنبي:
إن أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد
مع أن المتنبي لئيم ، لماذا ؟ لأنه لما غضب عليه كافور الإخشيدي هجاه هجاءًا مقزعًا ، مع أن كافور هذا كان ممن خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا ، هو بالنسبة بالقياس إلى حكام عصره كان ممتاز وكان عنده بقية من دين ، وهو الذي جاء بالمتنبي وجعل يطعمه ويسقيه ويعطيه المال ويغدق عليه ، أول ما المتنبي أحس إن فيه إهمال من كافور له سبه سبًا فظيعًا وسطر فيه الأشعار بأشياء الإنسان يستحي أن يقولها ,الإنسان إذا ثبت أنه كريم سيحفظ لك الجميل ، وهناك واحد تعمل له خدمة واحدة فقط فيظل يخدم فيك طوال عمره ويراعي هذا الجميل الذي أنت فعلته فيه ، وكل ما يقابلك يقول لك: أنا لا أعرف كيف أوفيك حقك أو كيف أرد لك جميلك ، وآخر أنت تكيل له بالخدمات فيقول لك ، هل أنت أتيت بشيء .
لذلك يقول سفيان الثوري: (نظرنا إلى أصل كل عداوة في العالم فوجدناها اصطناع المعروف إلى اللئام ) أصل كل عداوة في العالم أنك تفعل المعروف في إنسان لئيم ,الدنيا لا ينبغي أن ننظر إليها هذه النظرة ، خذ كل النصوص ووجه كل نص إلى مكانه ، لأن الدنيا أطياف شتى ، لا ينفعها نص واحد لأن كل إنسان ممكن يكون دنيا بمفرده ، فأنت تحتاج أن تعامل هذا وتعامل هذا لكن المسألة تحتاج إلى بصر .
فعلي بن أبي طالب يقول: هذه الدنيا هي مهبط الوحي ، وهي فيها المساجد مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى وبقية المساجد ، ومتجر الأولياء ، هي مزرعة الآخرة والحسنات التي تأتي بها إنما هي من بقائك في الدنيا ,فيكون المذموم أن تجعل الدنيا في قلبك ، هذا هو المذموم ، خلاصة الكلام ، إنما أن تجعلها في يدك فهذا لا حرج عليك فيه ، كانت الدنيا في يد الأولياء أيضًا ، إبراهيم عليه السلام كان غنيًا ، وأنت تعرفون داود- عليه السلام- ، وسليمان- عليه السلام- كيف كان غناهم ، وحتى إن إبراهيم عليه السلام كما ورد في بعض الآثار ضاقت البلد عن ماشيته ، واليوم عندنا أغنياء وعندنا من سماهم بن الجوزي مثل طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف والذي سنأتي على أخبارهم خبرًا خبرًا لما نأتي على هذه الفقرة .
يقول ابن الجوزي رحمه الله: ( فإذا بحثنَا عن الدُّنيا رأينَا هذه الأرض البَسيطة التي جُعِلَت قرارًا للخلقِ تَخرج منهَا أقوَاتَهُم ويُدفنُ فيها أموَاتهُم ،ومِثلُ هذا لا يُذَمُ لموضع المصلحة فيه)إذا كانت الأرض خرج لك النبات بإذن الله فهل هذه تذم ، إذا كانت الأرض تكون قبورًا فهل هذه تذم ؟ هذه مصلحة ،﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾(المرسلات:26،25)كِفَاتًا: أي جمعناهم على ظهرها ونجمعهم في بطنها ، أنت تعرف الكفتة وهي عبارة عن ماذا ؟ خليط من اللحم والأرز وخضار تقوم بطحنهم مع بعض يصيرون عجينة كفتة ، ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا ﴾ ، أي جمعناهم على ظهرها وهم أخلاط تجد الأسود والأبيض والعربي والأعجمي والمسلم والكافر أخلاط مثل الكفتة بالضبط ، فهذا لا يذم لأن المصلحة تقتضي ذلك .
يقول ابن الجوزي رحمه الله: (ورأينا ما عليها من ماء وزرع وحيوان كله لمصَالح الآدمي ، وفيه حفظ لسبب بقائه) .لأنه لابد أن يأكل ويشرب وغير ذلك ، وهذا كله موجود على الأرض.
يقول ابن الجوزي رحمه الله ( ورأينا بقاء الآدمي سببًا لمعرفة ربهِ وطاعتهِ إيِاهُ وعبادته ، وما كان سببًا لبقاء العارف العابد يُمدحُ ولا يُذَم )أنت إذا لم تجد أكل ستموت وأنت إذا مت من الذي سيعبد الله ومن الذي يسبحه ومن الذي سيقوم بعبادته ، فأنت لا بد أنك تتقوى وبن الجوزي ذكر أن بعض الصوفية لا يأكل ولا يشرب ويصلي قاعد لأنه لا يستطيع أن يقف هو قال هذا الكلام ، إذًا جوع نفسه وضيع ركنًا ، لأن الوقوف في الصلاة ركن ، لو أن رجلاً صلى الفرض قاعدًا وهو قادر على القيام بطلت صلاته إذًا لما يأتي يضيع ، يضيع ما فرضه الله عليه لشيءٍ لن نقول استحبه الله له ، لأن الاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل ، فهذا جوع نفسه لدرجة أنه ضيع الفرض ، فكيف ذلك ؟ .الإنسان إذا لم يطعم وإذا لم يشرب خارت قواه ولا يستطيع أن يعبد ربه ، بل لا يستطيع وسوق الجهاد لن يقوم إلا بسواعد قوية ، الدنيا كلها ستنتهي إذا سلك الإنسان هذا المسلك ، إذاً ما أوجده الله- تبارك وتعالى- على الأرض من ماء وزرع وحيوان كله لخدمة الإنسان حتى يقتات به ويقوم بعبادة الله- تبارك وتعالي-. قال: ( فبان لنا أن الذم إنما هو لأفعال الجاهل أو العاصي في الدنيا فإنه إذا اقتنى المالَ المُباحَ و أدَى زكَاتهُ لم يُلَم) .ونحن نريد أن نبين هذه المسألة لأن الناس طرفان ووسط في هذه المسألة ، أنا سمعت بعض المشايخ المعاصرين- رحمة الله عليهم- يرفض أحاديث الزهد وقال بالنص ، ليس من الممكن أن المسلم يطلق الدنيا وغير المسلم يتزوجها ، لذلك كل الأحاديث التي وردت في الزهد إنما هي جرعات خاصة وليست أحاديث عامة ، لا يكون هكذا والمسألة تحتاج إلي تفصيل والناس طرفان في هذه المسألة كما قلت بين الجافي والغالي .المال إذا اكتسبه الإنسان من وجه مباح يُمدح به إذا لم يجحد حق الله فيه والرسول لما أرسل إلى عمر بن العاص فقال له البس سلاحك وأتني ، لبس السلاح وأنت تعرف السلاح عبارة عن لئمة الحرب والخوذة ، الخوذة ليحمي رأسه ، واللئمة لكي يحمي ذراعه ، لأن الواحد إذا ذهب إلى المعركة حاسرًا لا يلبس الخوذة الحديد ولا اللئمة ، هي ضربة واحدة على الرأس فتشج رأسه نصفين ، أو واحد يضربه علي يديه يقطعها فماذا يفعل بعد ذلك ، فيلبس اللئمة لكي يحمي ذراعه ويلبس اللئمة ليحمي رأسه ,عمر بن العاص لبس آلة الحرب وجاء فقال له النبي صلي الله عليه وسلم- " إني أريد أن أرسلك إلي مكان كذا " وكان سيخرج إلى غزوة ذات السلاسل" لتغنم وأزعب لك من المال زعبةً صالحة " ، أي تأخذ فلوس ، تهب فتغنم وتأخذوا غنائم ويكون لك مبلغ من المال ، فقال يا رسول الله ما على هذا تبعتك ، أنا لست من أهل الدنيا ولا أريد مال ولا غير ذلك ، لأن عمر بن العاص كان من الأغنياء ، فقال له:" يا عمر: نعم المال لصالح للرجل الصالح " ونحن في هذه الأزمنة ما ضاع فقرائنا إلا بعد ما ذهب المال إلى سفهائنا ، على استعداد أن يذهب لتناول الغذاء في لندن أو باريس أو غير ذلك ، ولا يفكر أبدًا أن يطعم واحد إلا بعدما جاءت المسابقات التي تحمل رائحة الجاهلية ورائحة التفاخر ، التي تسمى بموائد الرحمن ، التي تعملها الراقصات والممثلات ويتسابقون فيها ، من الذي يطعم اللحم أكثر ومن الذي يصنف في اللحوم اللحم البارد والساخن وغير ذلك ، وأصبح الآن يقول هذه مائدة خمس نجوم وهذه أربع نجوم وهذه ثلاث نجوم وغير ذلك .والناس يتسابقوا وينفقوا عشرات الألوف على هذه الموائد ، وهذا عمل وأنا لا أدخل في نية أحد ، لكن مسألة إكرام الفقير ، لما تجعله يأكل جيد يكون في ذلك إكرام للفقير ، لا فيه ناس فقراء لا يسألون الناس إلحافًا في أمس الحاجة إلى هذا المال ، فضلاً عن أننا لا نتكلم عن أصل المال من أين جيء به ، واحدة تهز وسطها طوال السنة مثلاً ، لما هزت جيبها نزل كم ألف ، وفي رمضان يذهبوا إلى العمرة لكي يكفر عن سيئاته ، وفيه ناس توقف مسرحه في رمضان فقط احترامًا للشهر الكريم ، ويوقف المسرح كله ، وممكن يأخذ الفريق كله ويذهب ويعمل عمرة ثم يرجع ، لن نتكلم عن أصل المال لأن المسألة واضحة .دعك من هؤلاء وانظر إلى الناس الذين ينساقون مع أهوائهم ، يذهب أربع أو خمس مرات في السنة إلى بلاد أجنبية وما اعتمر قط ، وما حج قط ، وحتى لما يريد أن يأتي بالملابس ، لا يأتي به من هنا ، وأنا حدث لي موقف قديمًا لم كنت في الإمارات في رمضان ، كنت أقضي العشرة أيام الوسطى وأرجع على عشرين رمضان فإخواننا أرادوا أن يكرمونا فحجزوا لي في الدرجة الأولى الممتازة التي هي لرجال الأعمال الكبار ، القطط السمان وغيرهم ، والطائرة ممتلئة .أنا جلست وكان أمامي الجرائد أقرأ فيها وإذا بي أجد جماعة من الممثلين عندنا كان قادمين كما أنا فهمت من الحوار
رد مع اقتباس