الموضوع: قضية سمرقند
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-18-2010, 12:57 AM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




Icon37 قضية سمرقند

 


كانت ليلة ميتة لا يتردد في صدرها نفس من نسيم ، ولا تبدو فيها حركة حياة ، عمياء لا تبصر فيها عين من نجم يسطع في السماء ، أو مصباح يزهر على الأرض ، وقد آوى كل حي في ( سمرقند ) إلى مضجعه ، ونامت المدينة تحت أثقال من الصمت والظلام ، ولم يبق متيقظاً فيها إلا هذا الرجل الذي خرج من داره ، يخوض لجة الليل ماراً إلى غايته ، ولا يقف ولا يلتفت حتى بلغ قصر الإمارة فألقى عليه نظرة ، لو كانت نظرة تحرق ، لأحرقه الشرر المتطاير منها ، ثم أوسع الخطو ، وأسرع كأنه يريد أن يجنب نفسه مرأى هذا القصر ، وأن يسابق الزمن إلى هدفه الذي يرمي إليه ...
وفارق المدينة واحتواه الغاب ، وطنت في أذنيه أصوات هوامه وحشراته ، وكان الغاب موحشاً غارقاً في ظلمتين : ظلمته وظلمة الليل ... ولكن الرجل لم ينتبه إلى وحشته وظلامه ، وقد كان له من ضخامة المطلب الذي يسعى إليه ، وعظم الخطر الذي يقدم عليه ، شاغل عن التفكير في ثقل هذه الليلة ، وانفراده في الغاب ، والخوف من أن تنشق هذه الظلمة المتراكبة حوله عما يؤذي ويروع ... حتى إذا بلغ الصخرة التي تقوم عند باب المعبد وقف وأحجم ، وخالطته هيبة شديدة ، ووقر على صدره شيء لم يجد مثله في الغاب الموحش ، ولم يكن غلاماً تفزعه الأشباح ، ولا كان الجبان الرعديد ، ولكن ما وضعوه في نفسه وهو صغير ، من أسرار المعبد وعجائبه ، جعله يشب ويكتهل ولا يزال أمامه مثل الطفل الصغير . وكان فارس البلد غير مدافع ، وبطل المعارك المكفهرة ، ولكن المعبد غير الميدان ، ولئن واجه في الميدان رجالاً مثله ، ففي المعبد قوى لا يراها ، وخفايا لا تصنع معها شجاعة شيئاً ... ولم يدخله قط ، إنما يدخل المعبد هؤلاء النفر من الشيوخ الذين مارسوا من أنواع العبادة والرياضات ما جعلهم أهلاً لدخوله ، ثم لا يخرجون منه أبداً . ولا يجوز لهم أن يعودوا فيروا نور الشمس ولا زهو الروض ، وكان يشعر بأن لهؤلاء الكهنة مهابة في قلبه ومحبة ، ويحس بالخوف منهم وهو الذي يواجه الأبطال الصناديد ، ويقدم على الموت الأكيد غير خائف ولا وجل ، وطال وقوفه عند الصخرة وهو يتهيب أن يقرعها بيده على نحو ما أمروه أن يفعل إذا هو وصل ... وجعل يحدق في الظلام ، فرأى كأن شخصاً عظيم الهامة ، له لحية بيضاء عريضة قد نبع من الأرض ، ففزع وارتاع

يتبع ..
رد مع اقتباس