الموضوع: قضية سمرقند
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 10-18-2010, 01:24 AM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




افتراضي

وجاء اليوم الموعود ، واحتشد أهل سمرقند من كل قاص منها ودان ، وجاء الكهنة الذين كانوا محتجبين لا يراهم من أحد ، وجاء القائد الفاتح الذي خلف قتيبة ، وكانت المحكمة في المسجد ، فقعدوا ينتظرون القاضي .
ولم يكن الكهنة يأملون في شيء ... وفيم يأملون ؟ في أن يحكم لهم القاضي المسلم بطرد المسلمين من سمرقند ؟ يحكم لهم هم المغلوبين على أمرهم ، المخالفين للقاضي في دينه ، الذين لم يبق لهم حول ولا طول ؟
وعلى من يحكم ؟ على خلفاء القائد المظفر الفاتح الذي لم يطأ أرض المشرق قائد أعظم منه ، ولا أكثر ظفراً ، ولا أعظم فتحاً ، اسكندر العرب : قتيبة ؟
كانت القلوب تخفق ارتقاباً لأعجب محاكمة سمعت بها أذنا التاريخ ، وكانت الأبصار شاخصة إلى باب المسجد الذي يدخل منه القاضي الفرد ، الذي وضعت في عنقه أعظم أمانة وضعت في عنق قاض ، والذي أُلقى بين حجري الرحى ، فها هنا مصلحة أمته ، وسيادة دولته ، والبلد العظيم الذي خفقت فوقه راية الإسلام ، وامتلكه أهله ، وهناك الحق والشرف ، وإنها لمزلة أقدام القضاة ، وإنها لمحنة الضمائر ...
وكان صاحبنا السمرقندي يقرأ الشك والارتياب ، في وجوه أهل بلده ، وفي أوجه الكهنة ، كما يقرأ المرء في صحيفة منشورة أمامه ، أما هو ، وأما المسلمون فلم يكونوا يشكون ، ولم تكن تداخلهم ريبة في أن الحق والشرف ، فوق مصلحة الوطن ، وما الوطن ؟ إن وطن المسلم دينه فحيثما صاح المؤذن : ( الله أكبر ) فثمة وطنه ...
وإن جهاده للحق ، فإن جاء الحق زهق معه كل باطل ، ولو كان فيه نفع الأمة ، وكان فيه الغنم الأكبر .
ونظروا فإذا رجل له هيئة الأعراب ، هزيل ، ضئيل الجسم ، شاحب اللون ، قد لاث على رأسه عمامة له ، ووراءه غلام ، فجاء حتى قعد على الأرض محتبياً ، وقام غلامه على رأسه .
أهذا هو الرجل الذي أتى ليحكم على خليفة قتيبة العظيم ، وعلى أميره ، وعلى مصلحة دولته ؟ أهذا هو قاضي المسلمين ؟
وانطفأت آخر شعاعة من الأمل في نفوس الكهنة ، ونادى الغلام باسم الأمير وهكذا بلا إمارة ولا لقب ، فجاء حتى جلس بين يديه ، ونادى باسم كبير الكهنة فأجلسه إلى جانبه .
وابتدأت المحاكمة ...
وتكلم القاضي فإذا صوته يخرج خافتاً ضعيفاً فقال للكاهن :
ما تقول ؟
قال : إن القائد المبجل قتيبة بن مسلم ، قد دخل بلدنا غدراً من غير منابذة ولا دعوة إلى الإسلام .
قال القاضي للأمير : ما تقول ؟
قال : أصلح الله القاضي ، إن للحرب خدعة ، وهذا بلد عظيم قد أنقذه الله بنا من الكفر ، وأورثه المسلمين .
قال : أدعوتم أهله إلى الإسلام ، ثم إلى الجزية ، ثم إلى القتال ؟
قال : لا .
قال : إنك قد أقررت ، وإن الله ما نصر هذه الأمة إلا باتباع الدين واجتناب الغدر ، وإنا والله ما خرجنا من بيوتنا إلا جهاداً في سبيل الله ، ما خرجنا لنملك الارض ولا لنعلو فيها بغير حق . حكمت بأن يخرج المسلمون من البلد ، ويردوه إلى أهله ، ثم يدعوهم وينابذوهم ويعلنوا الحرب عليهم .

يتبع ..
رد مع اقتباس