عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-25-2008, 02:32 AM
أبو الحارث الشافعي أبو الحارث الشافعي غير متواجد حالياً
.:: عفا الله عنه ::.
 




افتراضي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد ...


فاعلموا رعاكم الله أن التصدق على اليتيم في شهر معين ،
لا يلزم المُتصدق بهذه الصدقة في كل شهر ، إلا أن يلزم نفسه بنذر ونحوه ،
فالواجب عليه حينئذ الوفاء ،

وأما خروج الزوجة من غير إذن زوجها فلا يجوز إلا لضرورة أو واجب شرعي

قال شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه الله في الفتاوى الكبرى ( 3/148 ) :

"وقال زيد بن ثابت : الزوج سيد في كتاب الله ,
وقرأ قوله تعالى : ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) ،
وقالعمر بن الخطاب : النكاح رق , فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته ،
وفي الترمذي وغيرهعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ،فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ – أي : أسيرات- ) ،
فالمرأة عند زوجها تشبهالرقيق والأسير ,
فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه ،
سواء أمرها أبوها أو أمها أوغير أبويها باتفاق الأئمة "

وقال تلميذه ابن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية ( 3/375 ) :
"ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة ، أو واجبشرعي "

ومما استدل به الفقهاء على ذلك ما أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن )

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح " :

( قال النووي : استدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه ،
لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن ،
وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه إن أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف ،
لكن يتقوى بأن يقال : إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر ،
وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز ، فيبقى ما عداه على المنع .)

وأما تصدق المرأة من مال زوجها بغير إذنه فله صورتان :

فأما إن كان كثيرا بحيث يُفضي إلى إفساد ماله فهذا لا يجوز لها إجماعا عند العلماء ،

ومستند الإجماع ما أخرجاه في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غيرَ مُفْسِدة كان لها أجرها بما أنفقت ،
ولزوجها أجره بما كسب ، وللخازن مثل ذلك ، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا )

قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " :
( أما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه )

وأما إن كان يسيرا لا يُفضي إلى إفساد ماله ، فهذا تنازع فيه العلماء :
فمنهم من أجازه مطلقا ، ومنهم من منعه مطلقا ،
وهما روايتان عن أحمد ، نقلهما عنه ابن قدامة في " المغني "

وثم مذاهب أخرى للفقهاء ذكرها الحافظ في " الفتح " نقلا عن ابن العربي رحمه الله :
فمن الفقهاء من قيد الجواز بالشيء اليسير الحقير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان دون غيره ،
ومنهم من قيده بإذن الزوج العرفي المفهوم من اطراد العرف والعادة ،
ومنهم من قيده بنفقة المرأة على عيال صاحب المال ومصالحه دون غيرها ،
ومنهم من فرّق بين المرأة والخادم في ذلك ، فأجازه للمرأة مطلقا دون الخادم ،
وهذا هو ظاهر صنيع البخاري رحمه الله في صحيحه ؛
لأنه بوَّب على حديث عائشة الذي ذكرته آنفا بتبويبين ،

فأما الأول فقوله رحمه الله :
( باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد )
وأما الثاني فقوله رحمه الله :
( باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة )

قال الحافظ رحمه الله في " الفتح " :
( ولم يقيده بالأمر كما قيد الذي قبله ، فقيل : إنه فرق بين المرأة والخادم ،
بأن المرأة لها أن تتصرف في بيت زوجها بما ليس فيه إفساد للرضا بذلك في الغالب ،
بخلاف الخادم والخازن .
ويدل على ذلك ما رواه المصنف ( أي البخاري ) من حديث همام عن أبي هريرة بلفظ :
" إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره " )

قال الفقير إلى عفو ربه :

ويدل عليه أيضا ما استدل به البخاري نفسه على التفريق وأورده تحت الباب الأول
من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( الخازن المسلم الأمين الذي يُنَفِّذ ( وربما قال : يعطي ) ما أُمِرَ به كاملا موفرا طيبا به نفسه
فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين )

ومما يدل على صحة اختيار الإمام البخاري رحمه الله في هذه المسألة ،
وهو أن المرأة لها أن تتصرف في بيت زوجها بما ليس فيه إفساد بخلاف الخادم والخازن :

ما جاء في الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت :
( يا رسول الله ! ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير ، فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي ؟ فقال : ارضَخِي ما استطعت ، ولا تُوعِي فيُوعِيَ الله عليك )

وفي لفظ عنها عند أحمد في مسنده :
( أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت :
إن الزبير رجل شديد ، ويأتيني المسكين ، فأتصدق عليه من بيته بغير إذنه ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارضخي ، ولا توعي فيوعي الله عليك )

ووجه الاستدلال بهذا الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم : ( ارضخي )
لأن العرب تقول : رضخ لفلان : إذا أعطاه عطاء غير كثير ، كذا في القاموس وغيره .
وهذا صريح في جواز تصدق المرأة من مال زوجها بغير إذنه ولكن باليسير دون الكثير ،

وقوله ( ولا توعي فيوعي الله عليك )
معناه : لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك .

واستدل من قال بعدم جواز تصدق المرأة من مال زوجها بغير إذنه
بما رواه الترمذي وابن ماجة من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها ، قيل : يا رسول الله ولا الطعام ؟
قال : ذاك أفضل أموالنا )

وهذا حديث عام ، قيدته الأحاديث الخاصة في هذا الباب ،
كحديث عائشة وحديث أسماء ،
وفيهما تقييد الجواز بالنفقة اليسيرة الغير المفسدة لمال الزوج ،
فأما في حديث عائشة فبقوله : ( غير مفسدة )
وأما في حديث أسماء فبقوله : ( ارضخي )

ولذا قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " :

( والأول أصح ( أي القول بجواز التصدق بالمال اليسير ) ؛
لأن الأحاديث فيها خاصة صحيحة ، والخاص يقدم على العام ويبينه ،
ويعرف أن المراد بالعام غير هذه الصورة المخصوصة . )

هذا والله تعالى أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .


التعديل الأخير تم بواسطة أبو الحارث الشافعي ; 10-02-2008 الساعة 04:13 AM