عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-21-2008, 01:57 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




Islam ولنا في حرّ الصيف عبرة

 






ولنا في حرّ الصيف عبرة
فقد مُلِئ هذا الكون الفسيح دلائلَ وآياتٍ، تدل بعظمتها على العظيم سبحانه، ويكشف ما فيها من عجائب الخلق وبدائعه قدرةَ الخالق وجميلَ خلقه وإتقانَ صنعه (صنع الله الذي أتقن كل شيء). وإتقان صنعه يتجلّى لنا في كل شيء في هذا الوجود الفسيح، فلا فلتة ولا مصادفة ولا خلل ولا نقص، ولا تفاوت ولا نسيان. ويتدبر المتدبر آثار صنع الله المعجز، فلا يعثر على خَلَّةٍ واحدة متروكة بلا تقدير ولا إتقان؛ فكل شيء بتدبير وتقدير يُدهش العقول التي تتابعه وتتملاه.
ويربط القرآن بين القلب ومشاهد الكون؛ لينبه الحس الخامد، والقلب المغلق، إلى بدائع صنع الله المبثوثة حول الإنسان في كل مكان؛ كي يَقْدُرَ اللهَ حقّ قدره، ويُجِلَّه حقَّ جَلالِه، ويشاهدَ عظمتَهُ في بدائع صنعه، ويشعرَ به كلما وقعت عينه على آية من خلقه؛ ويتصلَ به في كل ساعة تفكُّر ولحظةِ تأمُّل.
وتتابعتْ آي التنـزيل تدعو الإنسانَ للتفكر في ملكوت السموات والأرض، وأن يعيد إليها النظر كما لو كان يراها أول مرّة؛ بحسٍ مرهف وقلب يقِظٍ وعين مبصرة؛ ليلحظ ما فيها من آيات الإبداع والإتقان، وما تصوِّره أجرامها من عظمة الخالق وقدرته وحسن تقديره، فيزداد إيماناً به، ومهابةً له وتوقيراً.
ويتجدد له هذا الشعور تُجاه خالقه كلما جدد النظر في أجرام الكون الفسيح بقلب شاهد وبصر نافذ وحسِّ متيقّظ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37] لنستمع إلى دعوة القرآن للتفكر في هذا الكون: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس:101]. (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ...)[الأعراف: من الآية185]، (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...)[سـبأ: من الآية9]، (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف:105]. وكما يصِلنا التفكر في هذا الملكوت العجيب بالخالق -جل جلاله- فإن التفكّر في هذا الملكوت وفي تقلّب الليل والنهار واختلافهما، وفي تعاقب فصول السنة، وما يتبع ذلك من حياة النباتِ ثم إيناعِه واخضرارِه ثم يُبسه وموته؛ ليصِلُنا بعالم الآخرة ويذكِّرنا بها؛ حتى ليتخيَّلُ لنا مشهد البعث والعرضِ الأكبرِ يوم القيامة، ومشهدُ الجنة والنار في نظرات التفكر هذه.
(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ). [يونس:6]. وكيف يكون التفكّر في ذلك باعثاً على التقوى لولا ما في اختلاف الليل والنهار وبديع خلق السموات والأرض من إيماء وتذكير بالآخرة.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191]. وتأخذنا الدهشةُ أمام هذا الارتباط العجيب بين التذكّر والتفكّر، تذكرِ النار عند لحظات التفكر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)، أيُّ مناسبة تلك التي اقتضت هذا الارتباط العجيب بين المشهدين: بين مشهد السموات والأرض ومشهدِ عذاب النار؟! ويا لله العجب كيف قادهم هذا التفكر في ملكوت السموات والأرض إلى تذكر الآخرة وما فيها من العذاب الشديد؟!
أما إنه لتفكرٌ فريدٌ ، هو أعمق أثراً، وأطول تأملاً، وأرق مشهداً، وأرهف حساً، وأوسع تدبراً، إنه تفكّر انفرد به نظر أولي الألباب المتحفِّزة لكل مشهد من مشاهد عظمة الله لا كنظر الغافلين، الذين يمرون بالآيات، وهم عنها معرضون، وينظرون إلى بديع هذا الخلق العجيب نظرَ مَن ألفه حسه، بتكرّر منظره فلم يَعُدْ يتيقّظ له.
إن التفكر في هذا الملكوت وفي تعاقب الليل والنهار وحركة الأجرام وتتابع فصول العام لهو عبادة تزيد الإيمان وتذكر بالآخرة، وتملأ القلب من تعظيم الله ومهابته.
وكل ما في الدنيا فهو مذكر بالآخرة ودليل عليها، وها هي دورةُ حياةِ النبات تكشف للمرء قِصر الأمد في هذه الحياة، وتذكِّر بحقيقة الدنيا وتفضح زخرفها الزائل، (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس:24-25]. ويحضرنا في هذه الأيام مشهدٌ آخر من مشاهد الاعتبار وآيةٌ من آيات التفكر...مشهدٌ يصِل القلوب بخالقها، وينفذ بها إلى عالم الآخرة؛ حيث كربة الموقف في العرصات، وحيث النارُ بسمومها وعذابها.
إنه هذا القيظُ الشديد بسَمومه اللافح وحرِّه المؤذي وشمسِه اللاهبة وظلِّه اليحموم. وليس هو بالحدث الجديد الذي يلفت كلَّ نظر، بل هو فصل معتاد مألوف معروف السبب، ومهما اعتدناه وألِفْناه وعرفنا تفسيرَه وتجلّت لنا أسبابه فذلك لا يُذهب ما فيه من مشهد العظة والذكرى، فلقد كان القرآن يعطف بصائرَنا إلى تذكّر الآخرة عند لحظات التفكر، ويلفت أنظارنا إلى مشهد النار إذا ذُكر حرّ القيظ، (... وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التوبة: من الآية81], وفي نار الدنيا ما يذكر بنار الآخرة (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ) [الواقعة:71-73]. وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم، كان يجعل من مشاهد الحياة المألوفة صلةً لتذكر عالَم الآخرة، "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم". وقال صلى الله عليه وسلم: "أشد ما تجدون من الحر من سَموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم".
فلنتذكر إذا لفحنا سمومُ هذا القيظ عذابَ السموم يوم القيامة، وإذا آذانا حر الهاجرة فلنتذكر حرَّ جهنمَ، ولْنتمثَّلْ حين نفرّ من لهيب الشمس إلى الظل ذلك اليوم العظيم...يومَ العرض على الله وقد دنتِ الشمس من الخلائق قدر ميل، لا يجدون ظلاً إلا ظل عرشه جل جلاله، ولا يُظل فيه إلا من يستحقه من صالحي عباده، فإين هي شمس الدنيا من شمس الآخرة، وما تبلغ سويعات الهاجرة من يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة.
إن الاستباق إلى الظل في عرصات يوم القيامة لا يتأتى بحث الخطا والإسراع إليه ركضاً، إنما هو بالاستباق بالخيرات والمنافسةِ في الطاعات.
وكم يُشعرنا هذا بمنة الظل الذي يقينا حر الشمس، والقرآن يذكرنا هذه النعمة في آيتين من آياته: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) [النحل:82 -83] وقال جل جلاله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) [الفرقان:45]. ـ وكما للقيظ في حره وسمومه آية، فله في سببه آيه، فما القيظ إلا نتيجةٌ لدنوّ الشمس نحونا قليلاً، كما أن زمهرير الشتاء من انصرافها عنا قليلاً، حالتان متضادتان، سببهما دنوّ يسير أو انصراف يسير، ولو دنت أكثر لأحرقت، ولو بعدت أكثر لأماتت.
والشمس ـ كما أخبر صلى الله عليه وسلم ـ آيةٌ من آيات الله، يخوف الله بها عباده، سخرها لهم لتكون سبباً لبعض النعم التي يجود بها عليهم، فهي نعمة من النعم وآية من الآيات الباهرات. ولها في حركتها وتنقلها في منازلها شأن عجيب؛ إذ لها في كل يوم من أيام السنة الشمسية مطلِع، ولها في كل يوم منها مغرِب، مطلِعٌ ومغرِبٌ ثابت في كل سنة لا تحيد عنه الشمس ولا تميد، وإلى هذا يشير القران في قوله تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ومغربهما، وفي قوله (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ). وكلما اختلف مطلعها ومغربها اختلف تبعاً لذلك طول الليل والنهار، فأخذ هذا من ذاك، أو أخذ ذاك من هذا، كما قال تعالى: (...يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ...)[الحج: من الآية61].
إن هذا القيظَ وإن كان يؤذي إلا أنه نافع تقتضيه ضرورة الحياة لبعض الكائنات، وبه يكتمل نموها ويينعُ ثمرُها، ولو لم يكن قيظٌ لما كان لها ثمر، فلا يُنسينا إيذاؤه تذكّرَ ما لله فيه من حِكَم بالغة وآياتٍ ظاهرة. والله سبحانه لا يقدّر ولا يخلق عبثاً، إنما خلق لحكمة وقدر لغاية، وله في كل تحريكة وتسكينة شاهد، (... وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: من الآية2). تبارك الله...
ألا وإن التفكّر في شدة القيظ وتذكّر الآخرة به لا يستدعي التعرض للحر ولا البروزَ للشمس، فالأمر لا يتطلب سوى حسّ متيقّظ مرهف وقلب شاهد ونظر ثاقب، وأما التعبّد لله بالبروز للشمس والتعرض للسَّموم من أجل تذكر الآخرة ووعظ النفس به فذلك بدعةٌ من ضلالات الجهال، ومن تعبّد الله بذلك فقد أعظم عليه الفرية، وأساء وتعدى وظلم.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "وأما مجرد بروز الإنسان للحر والبرد . بلا منفعة شرعية , واحتفاؤه وكشف رأسه , ونحو ذلك مما يظن بعض الناس أنه من مجاهدة النفس, فهذا إذا لم يكن فيه منفعة للإنسان, وطاعة لله, فلا خير فيه, بل قد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً قائما في الشمس, فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا أبو إسرائيل, نذر أن يقوم في الشمس, ولا يستظل, ولا يتكلم, ويصوم. فقال: مروه فليجلس, وليستظل, وليتكلم, وليتم صومه" (الفتاوى الكبرى 2/148)
ثم كيف يكون ذلك مستحباً وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا اشتدّ الحرّ أن نُبردَ بالصلاة. وعلى هذا فلا يجوز للمسلم أن يتعنى المشقّة طريقاً للعبادة وهو يجد طريقاً إليها أيسر، وإنما المشقة التي يُؤجر المرء على تحملها تلك المشقة الملازمة للعبادة، بحيث لا يتأتّى تحقيقها إلا باحتمال تلك المشقة، فمثلاً لا يشرع الوضوء بالماء الحميم مع وجود غيره، ولا الوضوء بالماء البارد في الليلة الشاتية مع وجود الدافئ، وإنما يُؤجر من توضأ بذلك وهو لا يجد غيره.
والسلام عليكم ورحمة الله




التعديل الأخير تم بواسطة أبو مصعب السلفي ; 10-22-2008 الساعة 01:16 AM
رد مع اقتباس