عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 09-29-2012, 11:05 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

المادة الثانية وإخضاع الشريعة للبشر
السلام عليكم ورحمة الله.


أحبتي الكرام في الحلقة الماضية رأينا أن نص المادة الثانية من الدستور المصري لا يصلح أبدا كمدخل لمن يريد تطبيق الشريعة من خلاله. ثم قلنا سيعترض معترض بأن هناك ما يجعل لهذه المادة أهميتها، وهو قرار المحكمة الدستورية العليا القائل: (لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها).


نقول إخواني: هذا القرار لا يغير من واقع المسألة شيئا لسببين، سنفرغ بداية من الأقل أهمية منهما:
السبب الأول: هو إبقاء المحكمة الدستورية مفهوم الشريعة عاما غير محدد، حيث فسرت الأحكام الشرعية بأنها: (تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً)ـ
إذن لاحظ: مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلا.
فإذن عدنا إلى كلمة (مبادئ)، التي بينا عموميتها في الحلقة الماضية.
أما كلمة (الثابتة)، فمن الثبوت، أي أن تكون قطعية الثبوت.


ومعلوم أن العلمانيين والحداثيين في مصر ما فتئوا، وبدعم من وزارة الثقافة المصرية، يطعنون على السنة النبوية وينكرون ثبوتها وحجيتها، لكي يخلصوا من ذلك إلى ترك أحكام القرآن دون دلالة وهم يعلمون قاعدتنا...(إذا حاجك أهل الأهواء بالقرآن فحاججهم بالسنة فإن القرآن حمال وجوه).





لدينا القرآن والسنة. عندما يقول قرار المحكمة: (أصولها الثابتة) يُخرجون السنة، ثم عندما يقول: (لا تحتمل تأويلا) يخرجون القرآن الذي يتأولونه ألف تأويل بعيدا عن السنة.






وزيادة في تضييع الشريعة نصت المحكمة الدستورية في حكمها أنه: (ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندا، أكثرها ملائمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفا لآراء استقر عليها العمل زمنا). وهذا النص يُمَكِّن من الاعتماد على رأي شاذ مخالف للإجماع.
وعند الحاجة يمكنهم طبعا الرجوع إلى آراء الشيعة، معتمدين على ما قاله الدستوري المستشار عبد الرزاق السنهوري في كتابه (الوسيط في القانون المدني للسنهوري): (ومذهب الإمامية، يمكن الانتفاع بها إلى حد بعيد)!






بعد هذا كله، هل هناك كتاب معتمد لدى المحكمة الدستورية اسمه (مبادئ الشريعة الإسلامية الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً)؟ هل لديها كتاب كهذا يمكن أن نتصفحه لنعرف ما هي هذه المبادئ والأصول؟ بالطبع لا. فالأمر يراد له أن يبقى هلاميا عاما.
سيقال: لكن حصل أن يستفاد من هذا القرار، عندما قُضي لصالح موظفين في مصر للطيران بعد أن فُصلوا لامتناعهم عن تقديم الخمور. فأقول إخواني: الباطل يعلق الناس بأمل وهمي حتى يبقوا مخدوعين به تائهين في دهاليزه بدلا من أن يبين لهم قبحه فييأسوا منه ومن دهاليزه ويبحثوا عن المخرج الحقيقي. وإلا فماذا استفاد البرلمانيون "الإسلاميون" من هذا القرار طوال السنوات الماضية؟ هل استطاعوا أن يأسلموا القوانين من خلالهما؟ ألم يكن القرار موجودا والخمارات وبيوت البغاء مفتوحة على مصراعيها بقوة القانون؟ والكتب تؤلف والإعلام ينضح بالسخرية من الله وكتابه ورسوله؟ والدعوة تحارب والأنفاق تُردم على أهل غزة والمسلمات يُسلَّمن للكنيسة...هل استفاد الإسلاميون من قرار المحكمة الدستورية في وقف هذا كله؟ بل سُنت قوانين جديدة مخالفة للشريعة في ظل وجود هذا القرار, وبقيت الشريعة غائبة عن القوانين الجنائية والسياسية والعسكرية والتجارية والإدارية. فلِمَ لم تُستخدم هذه المادة لإبطال هذه القوانين المخالفة لشرع الله؟






فموافقة حكم شرعي في حادثة أو حادثتين لا يزيد عن أن يكون استنزافا لطاقات الإسلاميين وإيهاما لهم بوجود أمل في أسلمة الواقع من خلال الدستور الوضعي المهترئ...






كان هذا السبب الأول لقولنا أن حكم أو قرار المحكمة الدستورية لا يعين أبدا على تطبيق الشريعة. السبب الثاني والأهم:
هو أن الدستور والمحكمة الدستورية يُخضعان الشريعة لحكم البشر! فما يطبق من أحكام الشريعة لا يطبق لأنه حكم الله، بل لأن الدستور ومحكمته ومن ثم البرلمان أذنوا لهذا الحكم بالتطبيق. وهذا ليس من الإسلام في شيء، بل هو تأليه للبشر بجعلهم حكاما على شريعة رب البشر متحكمين بها.




إن المادة الثانية لا تُعرض من الناحية الدستورية البحتة على أنها (حكم الله أو شرعه) الذي لا راد له ولا معقب، بل تعرض على أنها (اختيار وحكم الشعب) القابل للأخذ والرد والتعديل، لأن سلطة الشعب والبرلمان فوق الشريعة وحاكمة عليها! ومن حق البرلمان أن يعدلها أو يلغيها في أي وقت متى توفرت الأغلبية اللازمة لذلك بموجب الدستور، وبالتالي فهي لم تُـشـرع على أنها تعبد لله أو إذعان لحكمه أو تسليم له ولشريعته، بل شرعت لأنها توافق هوى البرلمان وحكمه واختياره!




فالدستور يخضع الشريعة لأهواء البشر في كل المراحل:
فأولا: وجود المادة الثانية منوط بإرادة البرلمان. فالمادة 189 من دستور 71 تقول: (لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور)، وهذا طبعا يشمل المادة الثانية. وكذلك المادة 60 من الإعلان الدستوري تعلق العمل بالدستور بموافقة الشعب عليه، دون أدنى إلزام بوجوب موافقته للشريعة. وبالتالي فليس في الدستور ما يُلزم ببقاء المادة الثانية.




ثانيا: قررت المحكمة الدستورية أن تأثير المادة الثانية يقتصر على (القوانين التي صدرت بعدها فقط)! أما القوانين القديمة فلا تأثير للمادة الثانية عليها.




ثالثا: لا سيادة للمادة الثانية على بقية مواد الدستور، فتأثيرها يقتصر على (القوانين) فقط، وليس على (مواد الدستور) الأخرى. بل نص من يُسمون فقهاء الدستور على تقييد مادة الشريعة الإسلامية بباقي مواد الدستور المخالفة للشريعة، فقد قال السنهوري في وسيطه: (يراعى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق ما بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الحكم الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه) [الوسيط في القانون المدني للسنهوري 1 / 48 - 49]ـ
وقال المستشار حامد الجمل: (والمادة الثانية لا يمكن تفسيرها وحدها، بمعزل عن المواد الأخرى فى الدستور، ومنها ما يتعلق بالمساواة، وعدم التمييز بين المواطنين).
يعني إذا خالف حكم من أحكام الشريعة مبدأً من مبادئ الدستور كسيادة الشعب والمدنية والمواطنة وحرية الردة وولاية الكافر وغيرها، فما الحل؟ الحل أن يرد حكم الله ويُعمل بحكم الدستور، إذ لا يجوز عندهم أن يُعمل بحكم الله في هذه الحالة...((كبرت كلمة تخرج من أفواههم)).




رابعا: تحديد ما إذا كانت القوانين الجديدة موافقة أو غير موافقة للمادة الثانية لا يخضع لأية أسس شرعية. فالجهة المخولة بتحديد ما إذا كان القرارات الجديدة مخالفة للمادة الثانية أم لا هي المحكمة الدستورية، التي ليس لأعضائها أهلية شرعية بل يحكمون بإعمال الدستور ولا يخضعون في تقييمهم لأية معايير شرعية. وبالتالي فتفسيرهم للمادة الثانية، والذي فرح به الإسلاميون البرلمانيون، هذا التفسير قابل للطعن، والمحكمة قد تغير رأيها، وأعضاؤها قد يتغيرون، وليس هناك ما يلزم ببقاء قرارها ما دام أن المحكمة ذاتها لا تتخذ الشريعة مرجعية بل تُخضع الشريعة لقواعد الدستور الوضعي.




خامسا: المادة الثانية ليس لها أي تأثير أو سلطة أو سيادة على البرلمان في عملية إصداره لقراراته، ولا تجبره على قبول أي حكم شرعي.
فإذا كان القانون المراد تشريعه أمراً من الفرائض أو الواجبات الشرعية مثل فرض الزكاة مثلا. فمن حق البرلمان دستوريا حينئذ أن يرفض حكم الله طبقا لرأي الأغلبية. فإن رفضت الأغلبية حكم الله فلا أحد يجبرهم عليها، ولا حتى المحكمة الدستورية.




سادسا: على فرض أن البرلمان وافق على حكم من أحكام الله، فإنه لا يصدر إلا بعد أن يُنزع عنه صفة أنه حكم الله ويُكسى بصفة (حكم الشعب)، ليعطيه صفة برلمانية دستورية. وهذا هو حرفيا معنى المادة الثالثة التي تقول:
(السيادة للشعب وحده)، والمادة الرابعة والعشرين التي تقول: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)، أي لأن الشعب أرادها، إذ هو في الدستور يحكم لا معقب لحكمه.
قال المستشار حامد الجمل: (وهناك مسألة مهمة ترتكز على أن الشريعة الإسلامية لا تطبق بقوة نصوص الدستور، ولكن تطبق بإرادة المشرع المصري) [جريدة "الأهرام اليوم" الجمعة 1 ابريل 2011]ـ
أي أنها لا تطبق لأنها شريعة الله، ولا لأن الدستور اعتبرها مصدرا، ولكن يطبق منها ما يأذن البرلمان المشرع بتطبيقه من حيث هو حكمه لا من حيث هو حكم الله.
- وهذا هو نص فلاسفة الدولة المدنية كتوماس هوبز الذي قال: (إنَّ الكتابَ المقدسَ لا يصبحُ قانونًا إلَّا إذا جعلَتْهُ السُّلطةُ المدنيَّةُ الشرعيَّةُ كذلِكَ) (ص/258).




سابعا: المادة الثانية لا سلطان لها على القضاة في المحاكم وإنما هي تخاطب "المشرعين" في البرلمان. وبهذا أفتت المحكمة الدستورية العليا واستندت إلى المادة (165) في الدستور التي تنص على أن (الحكم في المحاكم بالقانون)، وشبيه بها مـــــادة 46 من الإعلان الدستوري التي تنص على أن (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون). ولهذا يمنع أي قاضٍ من أن يحكم بالشريعة بدلاً من القانون الوضعي، ومعروف في ذلك حادثة القاضي المصري المستشار محمد محمود غراب الذي حكم بالحد الشرعي على رجل ضبط بحالة سكر بَيِّن بالطريق العام، فنُقض حكمه بموجب الدستور وتم عزله من العمل القضائي.




ملخص القول أن الشريعة الإسلامية في الدستور المصري ليست حاكمة بل هي محكومة. وتجدر الإشارة أني في هذه الحلقة أنقل كثيرا عن مبحث على الإنترنت بعنوان (المادة الثانية في ميزان الإسلام، حقائق مغيبة)، لم يُحدد كاتبه, وهو مبحث عظيم النفع جدا، من أرقى ما قرأت في طريقة توثيقه وعرضه وتأصيله، جزى الله كاتبه خير الجزاء، وأنصح إخواني جميعا بقراءته والاستفادة من منهجيته التوثيقية التحليلية.




هذه هي المادة الثانية وهذا هو تفسير المحكمة الدستورية لها في سياق الدستور...مادة مقيدة قاصرة مموهة مبتورة مزوية محكومة ذليلة، بينما شريعة الله عزيزة قاهرة مطلقة واضحة حاكمة.






إخواني، وأنا أحضر هذه المادة ماعت نفسي وكدت أصاب بالغثيان لما أراه من تجرؤ البشر على ربهم. ألا لعنة الله على الظالمين ((الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا))... والله إن هجران شريعة الله بالكلية لأقل وقاحة من العبث بها والتعالي عليها وإخضاعها لأهواء البشر بهذا الشكل. ألا لعنة الله على قلوب تشمئز إذا ذكر الله وحده، وشاهت وجوه ترفع جبهتها رفضا لشريعته، وذلت نفوس تستعلي على رب العزة.






ثم ماذا أصابكم أيها "الإسلاميون" البرلمانيون؟ أهذه المادة التي تصرون على بقائها وتعتبرونها خطا أحمر؟! أهذه المادة التي تريدون تفعيلها لا تعديلها؟! أهذه المادة التي تبررون بها قسمكم على احترام الدستور؟! أهذا الدستور الذي يسميه بعضكم دستورا محافظا وجيدا؟! أهذا الدستور الذي لا يحتاج سوى تعديلات طفيفة؟!






هل أسمى أمانيكم أن تعرض أحكام الله على البرلمان حكما حكما، ثم تلتمس أعذار لهذه "الأحكام" من القوانين الوضعية، فيستمع البرلماني صاحب البول والغائط لهذا الحكم وهو ساحل في كرسيه واضع رجلا على رجل يهز قدمه ويتثاءب. ثم يصوت، فإن لم يعجبه حكم الله هز حاجبه ورفع يده بالرفض، كصورة دكتاتور يأمر بأخذ سجين للإعدام! وإن وافق فلسان الدستور يقول: ليس لأنه حكم الله بل لأنه حكم البرلمان؟!






والله لو لم يكن من مفسدة لتنازلاتكم إلا تهزيل صورة الشريعة بهذا الشكل لكفى. شريعة الله أيها البرلمانيون لا تطبق من خلال ثغرة في الدستور والقانون فاربأوا بها عن هذا المقام الدنيء. ولا والله لا معنى للتشبث بهذه المادة وسط ركام من جعل البشر أربابا يشرعون من دون الله وتجب لهم الطاعة بنص الدستور.



-لم تغيِّر المادة ولا تفسيرها من حقيقة الدستور المصري شيئا، بل بقي الدستور تمرغا في وحل العبودية للبشر. حاكها أرباب الدستور وقيدوها بمواده لتكون ((كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب () أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض)) ظلمات في نصها وظلمة في سياقها وظلمة في تقييدها وظلمة في قصورها وظلمة في تفعيلها ((إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور))


هذا الدستور لم يجعل الله له نورا، فما له من نور، فوالله أيها البرلمانيون، لو أوقدتم له ألف شعلة ورقعتم له ألف خرق فما له من نور ولا لجيفته إلا القبور. فبطلانه بطلان أصلي لا يُصلح، وكسره لا ينجبر وما بني على باطل فهو باطل.






خلاصة الحلقة: المادة الثانية موجودة في الدستور باسم الشعب، وهي قابلة للإلغاء، ولا تفعَّل في القوانين السابقة لها، وهي مقيدة بمواد الدستور غير الشرعية، وتفسيرها لا يخضع لأسس شرعية، ولا تجبر البرلمان على القبول بحكم شرعي، وإن تسبت في إصدار قانون فإنما يُصدر باسم الشعب لا لأنه حكم الله.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس