عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-20-2014, 10:03 AM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي

وَبَشِّــرِالصَّـــابِــرِيـــــن

نقلًا عن أخي في الله الداعية.. أبو الإمام معاذ جزاه الله خيرًا، يرويها عن أحد أحبائه في الله


يقول راوي القصة:
سافرت إلى مدينة جدة في مهمة رسمية، وفي الطريق فوجئت بحادث سيارة ويبدو أنه حدث لتوّه فكنت أول من وصل إليه.
أوقفت سيارتي واندفعت مُسرعاً إلى السيارة المصطدمة.. تحسستها في حذر.. نظرت إلى داخلها.. حدقتُ النظر.. خفقات قلبي تنبض بشدة..
ارتعشت يداي.. تسمَّرت قدماي.. خنقتني العبرة.. ترقرقت عيناي بالدموع.. ثم أجهشت بالبكاء.. فالمنظر عجيب.. والصورة تبعث الشجن

كان قائد السيارة مُلقاً على مقودها .. جثة هامدة .. وقد شَخَصَ بصره إلى السماء .. رافعاً سبابته .. وقد أفتر ثغره عن ابتسامة جميلة ..
ووجهه تحيط به لحية كثيفة .. كأنه الشمس في ضحاها .. والبدر في سناه ،
العجيب أن طفلته الصغيرة كانت مُلقاة على ظهره .. محيطة بيديها عنقه .. ولقد لفظت أنفاسها هي الأخرى وودعت الحياة.

لا إله إلا الله .. لم أرى ميتة كمثل هذه الميتة .. طُهر وسكينة ووقار .. صورته وقد أشرقت شمس الاستقامة على مُحيَّاه.. منظر سبابته التي ماتت توحّد الله..
جمال ابتسامته التي فارقت بها الحياة.
حلّقت بعيداً..تفكرت في هذه الخاتمة الحسنة .. ازدحمت الأفكار في رأسي .. سؤال يتردد صداه في أعماقي .. كيف سيكون رحيلي ؟!!
على أي حال ستكون خاتمتي ؟!! تنهمر دموع الخشية ويعلو صوت النحيب .. من رآني هناك ظن أني أعرف الرجل أو أن لي به قرابة ..
كنت أبكي بكاء الثكلى .. لم أكن أشعر بمنحولي.

ازداد عجبي حين انساب صوت يحمل برودة اليقين لامس سمعي وردَّني إلى شعوري..
"يا أخي لا تبكي عليه إنه رجل صالح .. هيا.. أخرجنا من هناك وجزاك الله خيراً".
إلتفتُ فإذا هي امرأة تجلس في المقعد الخلفي للسيارة .. تضم إلى صدرها طفلين صغيرين لم يُمَسَّا بسوء ولم يصابا بأذى ..
كانت شامخة في حجابها شموخ الجبال .. هادئة في مصابها منذ أن حدث لهم الحدث .. لابكاء ولا صياح وعويل ..
ثم أخرجناهم جميعاً من السيارة من رآني ورآها ظن أني صاحب المصيبة دونها.

قالت لنا وهي تتفقد حجابها وتستكمل حشمتها .. في ثباتٍ راضٍ بقضاء الله وقدره..:
لو سمحتم أحضروا زوجي وطفلتي إلى أقرب مستشفى وسارعوا في إجراءات الغسل والدفن واحملوني وطفليَّ إلى منزلنا جزاكم الله خير الجزاء.

فبادر بعض المحسنين إلى حمل الرجل وطفلته إلى أقرب مستشفى.. ومن ثَم إلى أقرب مقبرة بعد إخبار ذويهم ،
وأما هي فلقد عرضنا عليها أن تركب مع أحدنا إلى منزلها .. فردَّت في حياء وثبات :
"لا والله .. لا أركب إلا في سيارة فيها نساء" ،
ثم إنزوت عنا جانباً وقد مسكت بطفليها الصغيرين ريثما نجلب بغيتها وتتحقق أمنيتها ، فاستجبنا لرغبتها وأكبرنا موقفها.

مرَّ الوقت طويلاً ونحن ننتظر على تلك الحال العصيبة في تلك الأرض الخلاء وهي ثابتة ثبات الجبال ساعتان كاملتان ..
حتى مرّت بنا سيارة فيها رجل وأسرته أوقفناهم وأخبرناه خبر هذه المرأة .. وسألناه أن يحملها إلى منزلها فلم يمانع.
أما أنا فعدت إلى سيارتي وأنا أتعجبُ من هذا الثبات العظيم ، ثبات الرجل على دينه واستقامته في آخر لحظات الحياة وأول طريق الآخرة ،
وثبات المرأة على حجابها وعفافها في أصعب المواقف وأحلك الظروف ثم صبرها صبر الجبال.

إنه الإيمان .. إنه الإيمان

يقول الله تعالى :
(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ) سورة إبراهيم : 27
انتهى كلام الراوي وفقه الله تعالى

الله أكبر .. هل نَفَروا في هذه المرأة صبرها وثباتها .. أم نفروا فيها حشمتها وعفافها ؟!!
والله لقد جمعت هذه المرأة المجد من أطرافه .. إنه موقف يعجز عنه أشداء الرجال .. ولكنه نور الإيمان واليقين.

وإني لأرجو أن يتحقق فيها قوله تعالى:
(وَبَشِّرِالصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
سورة البقرة : 155 ، 156 ، 157


منقـــــــول بدون تصرف
التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس