عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 08-08-2008, 06:53 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

تفسير الإستعاذة و بيان أحكامها كتبها أخ في الله من تونس حكم عليه بالسجن خمس سنوات بعد أن تم اعتقاله سنة 2007


تفسير قول الله عزّ وجلّ :{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرّجيم }[ النحل : 98 ]

معناه : إذا أردتَ القراءة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم , كقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم... } أي إذا أردتم القيام إلى الصّلاة فتوضّؤوا , وكقوله جلّ ذكره : { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا... } أي : إذا أردنا إهلاكها جاءها بأسنا...
وهو كقول القائل : إذا أكلتَ فقل بسم الله , يعني إذا أردتَ أن تأكل فقل بسم الله.
والتّعبير عن" أردتَ القراءة "ْ بِـ :" قرأتَ " وعن " أردتم القيام للصّلاة " بِـ :" قمتم إلى الصّلاة "ْ ... : تقديرٌ في الكلام :
فمعنى الإرادة مقصود ولفظها محذوف ,
ويُسمّى ذلك كذلك إضمارٌ .
وقال نفرٌ من السّلف , ذكرهم ابن كثير وغيره , بالاستعاذة بعد القراءة , على ظاهر اللّفظ , وشذوا في ذلك وغلطوا بدليل النّصّ والسّياق :
- أمّا النصّ :
فما جاء من طُرُق عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّه كان يقول بعد افتتاح الصّلاة وقبل القراءة: (( اللهمّ إنّي أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه ))
وهو حديث صحيح بمجموع طُرُقه وشواهده كما ستأتي الإشارة إليه قريبا في مسألة : كيف الاستعاذة ؟ إن شاء الله.
- وأمّا السّياق :
فقال القرطبيّ : هذه الآية متّصلةٌ بقوله : { ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكلّ شيء } فإذا أخذتَ في قراءته فاستعذ بالله من أن يعرض لك الشيطان فيصدّك عن تدبّره.
قلتُ : وعلى هذا فلا يُمكن تقديم القراءة على الاستعاذة لفوات سببها.

* ومثال تقدير الإرادة وإضمارها في السنّة أيضا :
× حديث منصور عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عبّاس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم :
َلوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَىَ أَهْلَهُ فََالَ بِسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ الشَيْطَانٌ أَبَدًا.
هكذا رواه جماعة عن منصور مثل شعبة وسفيان وهمّام وعبد العزيز بن عبد الصّمد عن منصور.
أخرجه البخاريّ ومسلمٌ في *الصّحيحين*.
وقال شيبان عن منصور : ْحين يَأْتِيَ أَهْلَهُ ْ
أخرجه البخاري 4870 .
وقال إسرائيل عن منصور : ْ.. حين يُجامعُ أَهْلَهُ.. ْ وروح بن القاسم عن منصور : ْ.. إذا جامعَ امرَأّتّه .. ْْ
أخرجه الإسماعيلي في *المستخرج* ( كما في *فتح الباري*)

لكنّ المُراد : ْ...إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ ْ... ْ , ووقع ذلك صريحا في رواية جرير عن منصور لهذا الحديث عند البخاري 6961 ومسلم. (1)
فلم يجز حمل الحديث بألفاظه الأولى على ظاهره , لأنّّ الرّوايات إذا كانت محفوظة أو محتملة كما هنا يفسّر بعضها بالبعض.
وأيضا فالتّسمية تشرع قبل الأفعال لأنّ تقدير معناها بسم الله أبتدأ كما يأتي في تفسيرها إن شاء الله.
------------------------------------------------
(1) وعزّاه الحافظ ابن حجر , رحمه الله, في *الفتح* بهذا اللّفظ لأبي داود وحده فذهل! وتابعه جماعة كالشوكاني في *نيل الأوطار* والمباركفوري في *التّحفة*.

× وحديث أبي حميد السّاعدي رضي الله عنه في وصف صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّه إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ,
أخرجه البخاري وأصحاب * السّنن*(1) .
وجاء في رواية لأبي داود :...ثمَّ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكَعْتَيْنِ حَتَّى إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ لِلْقِيَامِ ، كَبَّرَ ، ثُمَّ رَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الأَخِيرَتَيْنِ.
وهي رواية مفسّرة , ومُخرّجة عندنا في *تمام النصيحة بشيء من الزّيادات على سلسلة الأحاديث الصّحيحة* 251 , ويشهد لها حديث لأبي هريرة حسنُ الإسناد مخرّجٌ في * سلسلة الصّحيحة* 604 نفسها.

* وأشهر من حُكي عنه القول بالاستعاذة بعد القراءة أبو هريرة رضي الله عنه , لكن لم يصحّ ذلك عنه :
قال الشافعيّ , رحمه الله , : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، عن ربيعة بن عثمان ، عن صالح بن أبي صالح ، أنه : سمع أبا هريرة ، وهو يؤم الناس رافعا صوته : « ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن »
وهذا إسناد ضعيف جدّا :
- إبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى الأسلميّ متروكٌ مُتّهم ,
- وصالح بن أبي صالح الذي يروي عن أبي هريرة اثنان : صالح ابن نبهان مولى التّوأمة , وهو ضعيفٌ لاختلاطه وصالح بن نبهان مولى عمرو بن حريث وهو ضعيف لجهالته.

وقال إبراهيم بن مفلح المقدسي في * مصائب الإنسان من مكائد الشيطان* ص 14 : ... وقاله داود , يعني تأخير الاستعاذة , وخالفه ابن حزم في ذلك , وقال : صحّ ابتداء القراءة جيلا بعد جيل على الابتداء بالتعوّذ قبل القراءة...

أمّا نفس الاستعاذة , فالسّين للطّلب , والعَوْذُ : اللجوء إلى ما يقي من الضّرر ,
فالعوذ متعدّ بالباء كالتّحصّن والاحتماء , واللجوء متعدّ بال ْ إلى ْ , وعلى هذا فالمعنى :
إذا أردت قراءة القرآن فاطلُبِ اللّجوء إلى الله والتّحصّن به من الشّيطان الرّجيم ,
قال ابن عاشور : ولا يُتصوّر ذلك في جانب الله إلا بالدعاء أن يعيذه.

وحقيقة ْ الشيطان ْ اللّغويّة : المتمرّد من عصاة الجنّ والإنس والدّوابّ,
واختُلف في اشتقاقه على قولين مشهورين :
- فقيل إنّه بوزن ْ فَيعال ْ من ْ شطنْ إذا بعد عن الخير , فالنّون على هذا القول أصليّة.
- وقيل إنّه بوزن ْ فعلان ْ من شاط يشيط أي بطل أو احترق , والنّون على هذا القول زائدة.
وقال ابن عاشور 2 – 125 : وعندي أنه اسم جامد شابه في حروفه مادة مشتقة ودخل في العربية من لغة سابقة لأن هذا الاسم من الأسماء المتعلقة بالعقائد والأديان ... ويدلّ لذلك تقارب الألفاظ الدالة على هذا المعنى في أكثر اللغات القديمة , وكنت رأيت قول من قال إن اسمه في الفارسية سَيْطان .
وهذا قول وجيه رصين نفيس , والله أعلم.
أمّا حقيقته الشّرعيّة : فإذا ذكر بالتّعريف فالأصل في دلالته أن يُقصد به : إبليس أو ذريته أو أحدهم أو الجميع ( إبليس وذرّيّته ) ,
فمثال الأوّل قوله تبارك اسمه : { وقال الشيطان لمّا قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحقّ ...}
ومثال الثاني قوله تعالى جدّه : { ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزّا }
ومثال الثالث : قول عثمان بن أبي العاص للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : حال الشيطان بيني وبين صلاتي , قال :
( ذاك خنزب ... ) الحديث. أخرجه مسلم.
ومثال الرّابع : { إنّ الشيطان لكم عدوّ فاتّخذوه عدوّا } , فالشّيطان ههنا اسم للجنس.

و ْ الرّجيم ْ : بوزن فعيل , وبمعنى مفعول :
كقوله تعالى" النّطيحة "ْ : أي المنطوحة , وفي حديث عدي بن حاتم : "ْ وقيذ "ْ , وهي في الآية : { الموقوذة } كما يأتي في تفسير المائدة إن شاء الله تعالى.
وهذا كقولهم " قتيل" ْ للمقتول و" جريح " للمجروح و" صريع" للمصروع وكما يُقال" ْغسيل " بمعنى مغسول , ونحو هذا كثير جذّا...
------------------------------------------------
(1) ليس عند البخاري والنّسائي هذه الفقرة وإنّما أخرجا أصل الحديث.


فالرّجيم ههنا المرجوم المطرود عن الجنّة بقوله تعالى :{ اخرج منها مذؤوما مدحورا } , وقوله : { اهبط منها } وهو المطرود عن الوحي وسماعه كما قال تعالى : { وجعلناها رجوما للشياطين } وقال : { وحفظناها من كلّ شيطان رجيم } وقال : { لا يسّمّعون إلى الملأ الأعلى ويُقذفون من كلّ جانب }.

لماذا الاستعاذة ؟

قال الله عزّ وجلّ : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين َ* وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
وقال تبارك وتعالى : { ادْفََعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ}
وقال سبحانه : { وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.
قال ابن كثير 1 – 12 : فهذه ثلاث آياتٍ ليس لهنّ رابعة في معناها : وهو أنّ الله تعالى يأمر بمصانعة العدوّ الإنسي والإحسان إليه ليردّه عنه طبعه الطّيّب الأصل إلى الموالاة والمصافاة , ويأمر بالاستعاذة به من العدوّ الشيطاني لا محالة إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل...

مواطن الاستعاذة ومتى تتأكّد :

الاستعاذة من الأذكار والدّعوات المطلقة التي لا تتقيّد بوقت , غير أنّه يتأكّد طلبها في أحوال أكثر من أخرى , فمنها:

1 – قبل الشروع في قراءة القرآن مُطلقا :

كما في هذه الآية .
وحكم الاستعاذة قبل القراءة الوجوب على أصحّ أقوال أهل العلم :
- لظاهر الأمر المقتضي للوجوب في الأصل إذ الأصل في الكلام حقيقته , وحقيقة الأمر الإلزام والإيجاب.
- وأيضا فما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب, وردّ وسوسة الشيطان وكيده واجبة لتحقيق العبادة والطّاعة , ولا سبيل إلى ذلك إلاّ بالاستعاذة ,
وقد روى عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم :
( لا تسبّوا الشيطان [ فإنّه يتغيّظ ]و[ لكن ] تعوّذا بالله من شره )
وهو حديث صحيح مخرّج في *الصّحيحة* 2422 ,
وفي زياداتنا عليها المسمّاة *تمام النّصيحة* ××× تحقيقٌ لصحّة الزّيادات بين الحاصرات في المتن أيضا.
وقد تقدّم في كلام ابن كثير أنّ العدوّ الشيطاني لا ينفع معه إلاّ التّعوّذ منه.
وأشهر القائلين بالوجوب عطاء بن أبي رباح والفخر الرّازي وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن كثير و إبراهيم بن محمّد بن مُفلح المقدسيّ.
وبقول عطاء انتقضت دعوى أبي جعفر ابن جرير , رحمه الله , في تفسيره لهذه الآية على عدم الخلاف في أنّها مندوبة لا واجبة.

تنبيه:
قال ابن عاشور : وعلى الأقوال كلها فالاستعاذة مشروعة للشروع في القراءة أو لإرادته ، وليست مشروعة عند كلّ تلفّظ بألفاظ القرآن كالنّطق بآية أو آيات من القرآن في التعليم أو الموعظة أو شبههما ، خلافاً لما يفعله بعض
المتحذلقين إذا ساق آية من القرآن في غير مقام القراءة أن يقول : كقوله تعالى بعدَ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسوق آية .





2 – قبل الشروع في قراءة الفاتحة وما بعدها من القرآن في الرّكعة الأولى من الصّلاة :

والقول في هذا الموضع كالقول في موضع القراءة المطلق غير أنّ الإمام أحمد بن حنبل ههنا من القائلين بوجوبها , وتبعه جماعة من أصحابه كأبي عبد الله بن بطّة وشيخ الإسلام.
والجمهور على استحبابها فحسب فبل القراءة في الصّلاة غير مالك بن أنس فإنّه لا يُشرع عنده الاستعاذة في المكتوبة ,
وهذه زلّةٌ وخطأ لا محالةَ من مثل هذا الإمام , رحمه الله , بعد ثبوت تعوّذ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الصّلاة كما سبق ,
وأيضا فالمصلّي داخلٌ في عموم خطاب الآية :{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }, بل هو أولى بها من غيره ممّن يقرأ خارج الصّلاة.
وأمّا احتجاج من وافق الإمام من أصحابه بحديث أنس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلّم ، وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ : (الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
أخرجاه في *الصّحيحين*.
فجوابه أنّه حديثٌ عن نفي الجهر بما قبل الفاتحة ممّا عُلم بأدلّة صحيحة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسرّ به كأدعية الاستفتاح والبسملة , وقد جاء ذلك في روايات صحيحة مُفسّرة عن أنس كما سيأتي في بحثنا المطوّل عن كون البسملة آية أم لا في تفسير البسملة قريبا إن شاء الله تعالى , ومن ذلك قوله , رضي الله عنه , :
صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلّم ، وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِـ : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ).

واختلف أهل العلم ممّن قال بها في الصّلاة في تكرارها في كلّ ركعة لأنّ في كلّ ركعة قراءة أو الاقتصار عليها أوّل الصّلاة عقب الاستفتاح.
والقول الثّاني أصوب , والله أعلم , لأنّ :
- أحدًا من النّقلة لم يذكرها في صلاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ما عدى الرّكعة الأولى.
- ولأنه أتى ذكرُها مقرونةً بدعاء الاستفتاح , عقِبَه , وهو في الأولى بلا خلاف.
- ولأنّ المصلّي لم ينقطع عن مجلس القراءة والذكر والصّلاة.

3- إذا أحسّ المرء بوسوسة الشيطان ونزغه , وإن كان في الصّلاة :

كما قال تعالى : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ }.

ومن أمثلة الوسوسة التّشكيك في الحقّ تبارك وتعالى كما قال أبو هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم :
يُوشِكُ النَّاسُ أَنْ يَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ حَتَّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ : هَذَا اللهُ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَمَنْ خَلَقَ اللهُ ، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ ، فَقُولُوا : اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، ثُمَّ لِيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ.
أخرجه أبو داود والنّسائي في *الكبرى* 10497 وغيرهما , وهو مخرّج في الصّحيحة* 118.

وفي *الصّحيحين* من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا :
يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ ، فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ حَتَّى يَقُولَ : مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ ، وَلْيَنْتَهِ.

وروى عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أنه أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ , فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ , وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا , قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.
أخرجه مسلم.




4 – عند الغضب :

فروى سليمان بن صرد رضي الله عنه , قال :استبّ رجلان عند النبي , صلى الله عليه وسلم , فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه , فنظر إليه النبي , صلى الله عليه وسلم , فقال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه ؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , فقام إلى
الرّجل رجل ممن سمع النبي , صلى الله عليه وسلم , فقال : أتدري ما قال رسول الله , صلى الله عليه وسلم , آنفا؟ قال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه ؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فقال له الرّجل : أمجنونا تراني ؟
أخرجاه في *الصّحيحين*.

5 - عِنْدَ سَمَاعِ نَهِيقٍ أو نُبَاحٍ :

لحديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا سَمِعْتُمْ نَهيقَ الْحَمِيرِ [ بالليل ] فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ [ باللّيل ] فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ف[ وارغبوا إليه ] َإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا.
أخرجاه في *الصّحيحين* , والزّيادات عند غيرهما من وجوه ثابتة كما في *الصّحيحة* 3183.

والنّباح باللّيل فيه حديث جابر الآتي في مواضع التّسمية.

6 – إذا رأى المسلم ما يكره من الرّؤى:

لحديث أبي قتادة رضي الله عنه مرفوعا : الرُّّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ ، فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، إِذَا اسْتَيْقَظَ ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا ، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إِنْ شَاءَ اللهُ.
أخرجاه في *الصّحيحين*.
وكذا حديث جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ :
إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا ، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثًا ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاَثًا ، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ.
أخرجه مسلم.

كيف الاستعاذة ؟

- يقول ما رُوي عن جبير بن مطعم وأبي أمامة مُسندا وأبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف مرسلا ًعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : (( اللهمّ إنّي أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه ))
وفي إسناد حديث جبير وأبي أمامة ضعف ينجبر بانضمامهما واعتضادهما بما يُروى عن ابن مسعود أيضا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : (( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان وهمزه ونفخه ونفثه ))
وبما روى جعفر بن سليمان عن علي بن علي الرّفاعي عن أبي المُتوكّل النّاجي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا :
(( أَعُوذُ بالله السمِيعِ اَلْعَلِيمِ مِنَ ألشيْطَانِ الرَجِيمِ ، مِنْ هَمْزِهِ ، وَنفخِهِ ، وَنَفْثِه ))
وأخطأ فيه جعفر سندا ومتنا , فقد :
رواه علي بن الجعد عن علي بن علي الرّفاعي عن الحسن مرسلا , وبلفظ الحديثين الأوّلين : (( اللهمّ إنّي أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه ))
وهذا هو الصّحيح , ولذلك قال أبو داود : وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقُولُونَ هُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا , الْوَهْمُ مِنْ جَعْفَرٍ.
وجميع هذه الطّرق مخرّجة عندنا في *الوابل الغزير على تفسير ابن كثير* 1 – 14 , والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات.


وقد وجدنا من قال بهذه الصّيغة من العلماء , وهو الإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي , المعروف بابن راهويه , رحمه الله تعالى , نقله عنه إبراهيم بن مفلح.
وقد فُسّر غريب هذا الحديث في أكثر طُرُقه , ففيها :

ْ نفثه ْ : الشعر ,
و ْ نفخه ْ : الكبر ،
و ْ همزه ْ : الموتة ( أي الجنون )
- أو يقول : (( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ))على ظاهر الآية , وهي قول الله تبارك وتعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } , ولحديث سليمان بن صرد وغيره في الغضب , ولعمل جمهور القرّاء وقول عامّة الفقهاء به.
والصّيغة الأولى أحسن وأحبّ إلينا :
قال ابن كثير : .. والأحاديث الصّحيحة كما تقدّم أولى بالاتّباع ..

متى يتعّوذ بغير ذلك من الصّيغ ؟

1- في مُطلق حالات المرء متى شاء :

قال الله تبارك اسمه : { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ}

2 – عِنْدَ الفزع والوحشة باللّيل وغيره :

لحديث عبد الله بن عمرو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنْ الْفَزَعِ كَلِمَاتٍ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ.
رواه محمّد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد الله بن عمرو ,
أخرجه أبو داود والتّرمذي والنّسائي .
وابن إسحاق مدلّس إلاّ أنّ لحديثه هذا شاهدا من حديث الوليد بن الوليد عند أحمد وغيره.

3 - عند الرّقية :

لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ.
أخرجه البخاري.
والهامة : ذات السّمّ كالحيّة والعقرب.
واللاّمة : نظرة العين بسوء .

4 - عند دخول المسجد :

لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ : فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ.
أخرجه أصحاب السّنن بإسناد صحيح.




5 - عند دخول الخلاء :

لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ من الخبث والخبائث.
وفي رواية : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ .
أخرجاه في *الصّحيحين*.
وقال زَيْدِ بْنِ أَرْقَم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنّّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ .
أخرجه أبو داود وابن ماجه والنّسائي في *اليوم واللّيلة*,
وسنده صحيح على شرط البخاري كما حرّره الألباني في *صحيح سنن أبي داود* 4 ,
وحقّق هناك وفي *تمام المنّة* ص57 شذوذ وخطأ من روى الحديثين بزيادة ( بسم الله ) قبل ( أعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ).

هل يجهر بالاستعاذة ؟

يُسِرّ في الصّلاة ويتخيّر في غيرها :

- أمّا الصّلاة فلحديث أنس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلّم ، وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ : (الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) , يعني أوّل ما يجهرون به من القراءة { الحمد لله ربّ العالمين } , لا يجهرون بِـ :{ بسم الله الرّحمن الرحيم } ولا بالاستفتاح , كما فسّرته الرّوايات الآتية في تفسير البسملة.
والاستعاذة في الصّلاة ذكرها النّاقلون في صلاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مقرونةً بالاستفتاح , وهو يُسرّ به كما عُلِم بالنّصّ وغيره .

- وأمّا خارج الصّلاة فالأصل أنّ الأمر واسع.
وقال الشافعي في *الأمّ* بالتّخيير بين الإسرار والجهر مطلقا ؛ في الصّلاة وفي غيرها , والذي تدلّ عليه النّصوص المتقدّمة وغيرها التّفصيل.
رد مع اقتباس