الموضوع: كيف نحقق الزهد
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-23-2008, 08:32 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




Islam كيف نحقق الزهد

 



اليكم هذا المقال الجامع
المتضمن مختارات من كلام ابن القيم
للشيخ/سليمان محمد اللهيميد
بعنوان
كيف نحقق الزهد
اترككم معه




كيف نحقق الزهد


[ تعليق وشرح للأسباب التي ذكرها ابن القيم في كيفية تحقيق الزهد ] .



للشيخ


سليمان بن محمد اللهيميد


السعودية – رفحاء


تم إلقاء هذه المحاضرة عبر البث المباشر عبر الإنترنت





كيف نحقق الزهد


مقدمة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد
ضمن دروس ( مختارات من كلام ابن القيم ) فهذا هو الدرس الثاني من هذه الدروس وهو بعنوان : كيف نحقق الزهد ، فقد ذكر رحمه الله بعض الأسباب التي يحقق بها المسلم الزهد ،
وقبل ذكر هذه الأسباب مع تعليق خفيف عليها ،
أذكر مقدمة فأقول مستعيناً بالله مصلياً على رسول الله عليه الصلاة والسلام :

الزهد عرفه ابن تيمية بقوله : ترك ما لا ينفع في الآخرة .
إن الزهد في الدنيا شعار الصالحين .
إن الزهد في الدنيا دليل اليقين .
إن الزهد في الدنيا شعار الأنبياء والصالحين .
إن الزهد في الدنيا – أيها الإخوة – منزلة رفيعة ، وعلامة عظيمة ،
دليل على اليقين والإيمان بالله تعالى وبوعده .


ولذلك كان الزهد في هذه الدنيا سبب لمحبة الله تعالى ،
كما جاء في الحديث عند ابن ماجه عن سهل قال
( جاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله ! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله ؟
فقال : ازهد في الدنيا يحبك الله ) .

: لأن الزهد في الدنيا دليل الإنابة والتقوى ، ودليل على أن الإنسان عنده رغبة في الجنة ،
ولو لم يكن في بغض الدنيا و الزهد في الدنيا إلا هذه المنقبة لكفى بها شرفاً وفضلاً .


يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله : من فوائد هذا الحديث :
1- أن من زهد في الدنيا أحبه الله ، لأن الزهد في الدنيا يستلزم الرغبة في الآخرة .

2- أن الطمع في الدنيا والتعلق بها سبب لبغض الله تبارك وتعالى ،
وقد قال بعض السلف [ مهر الجنة ترك الدنيا ] .

فالزهد في الدنيا سبب لمحبة الله ، لأن الإنسان لا يزهد في الدنيا حقيقة إلا من أيقن بالجنــة ،
كما سيأتي بعد قليل إن شاء الله .

ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على غايةٍ من الإعراض عنها
مع تمكنه من التوسع فيها، فقد كان يقول
( إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد ، أجلس كما يجلس العبد )

وكان يمر عليه شهران ولا يُوقد في بيوته مصابيح ولا نار لطبخ ، وإنما كان طعامهم التمر والماء .
وكان له جيران لهم غنم فيرسـلون له من لبنها ،
وكان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً هو وأهله لا يجدون عشاء .
وأيضا أيها الإخوة الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن


قال الحسن : الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن .
وصدق رحمه الله : فإن الزاهد في الدنيا لا ينافس في عزها ، ولا يغضب من نقصها ،
ولا يحسد من أجلها ، ولا يهتم لذهابها ولا يركض وراءها .

قال عمرو بن العاص: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ،
إنه كان أزهـد الناس في الدنيا، وأنتم أرغب الناس فيها .

وقال مالك : بلغني أنه ما زهد أحد في الدنيا واتقى إلا نطق بالحكمة

وقال الفضيل : حرام علىقلوبكم أن تصيب حلاوة
الإيمان حتى تزهدوافي الدنيا

قال علي : من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات .

وقال ابن مسعود : من أراد الآخرة أضر بالدنيا ، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة ،
يا قوم فأضروا بالفاني للباقي .

وعنه قال : أنتم أطول صلاة وأكثر اجتهاداً من أصحاب
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم كانوا أفضل منكم؟ قيل له: بأي شيء ؟
قال : إنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة منكم .

وقال الربيع قال لي الشافعي : عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن
من الحلي على المرأة الناهد .

قال ابن رجب : فالزهد في الدنيا يُراد به تفريغ القلب من الاشتغال بها ،
ليتفرغ لطلب الله ومعرفته والقرب منه والأنس به والشوق إلى لقائه .



وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – بعض الأسباب – التي تساعد في الزهد :

فقال رحمه الله :
أحدها : علم العبد أنها ظلٌ زائل ، وخيالٌ زائر ،
وأنها كما قال تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ
فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً ) .

وصدق رحمه الله : فإن الإنسان لا يمكن أن يزهد في الدنيا حتى يعرف حقيقتها .
فمما يسهل عليك الزهد فيها : علمك يقيناً أنها زائلة فانية ،
سريعة الزوال والاضمحلال ، مليئة بالغصـص والأنكاد .


فهي دار نفاد لا محل إخلاد ، ومركب عبور لا منزل حبور ، جديدها يبلى ،
وملكها يفنى ، وعزيزها يذل ، وكثيرها يقل ، وحيها يموت ، وخيرها يفوت .

أحلام نومٍ أو كظلٍ زائل إن اللبيبَ بمثلها لا يخدع .
فهي إذاً سريعة الفناء ، قريبة الانقضاء .

قال عمر بن عبد العزيز في وصفها :
بقاؤها قليل ، وغنيها فقير ، وشابها يهرم ، وحيها يموت ،
فلا يغرنكم إقبالها مع مـعرفتكم بسرعة إدبارها فالمغرور من اغتر بها ،
الركون إليها خطر ، والثقة بها غرر ، كثيرة التغير ، سريعة التنكير ،
أمانيها كاذبة ، وآمالها باطلة ، عيشها نكد ، وصفوها كدر ، والمرء منها على خطر ،
إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرا ، وإن سرّت يوماً ساءت أشهراً وأعواماً ،
غناها مصيره إلى فقر ، وفرحها يؤول إلى ترح ، وهيهات هيهات أن يدوم بها قرار .
وكان الإمام أحمد يقول : يا دار ، تخربين ويموت سكانُك .
قد نادتِ الدنيا على نفسِها لو كان في العالَمِ من يسمعُ
كم واثقٍ بالعمر أفنيتـهُ وجامعٍ بدَّدْتُ ما يَجمعُ

قال تعالى عن مؤمن فرعون أنه قال لقومه
(يَا قَـوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَـيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ) .

قال ابن رجب : والمتاع هو ما يَتمتع به صاحبُه برهةً ثم ينقطع ويفنى ،
فما عيبت الدنيا بأبلغ من ذكر فنائها وتقلب أحوالها ، وهو أدل دليل على انقضائها وزوالها ،
فتتبدل صحتها بالسقْم ، ووجودُها بالعدم ، وشبيبتُها بالهرم ، ونعيمها بالبؤس ،
وحياتها بالموت ، وعمارتها بالخراب ، واجتماعها بفُرقة الأحباب ، وكلُّ ما فوقَ التراب ترابُ .

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال - رسول الله صلى الله عليه وسلم -
( مالي و للدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها )
رواه الترمذي .


وقال - رسول الله صلى الله عليه وسلم - لابن عمر
( يا ابن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) رواه البخاري وفي رواية
( وعد نفسك من أهل القبور ) .
هذه وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر ،
وهي في الواقع وصية له وللأمة من بعده رضي الله عنه وأرضاه .


قال الإمام النووي رحمه الله في معنى الحديث :
( لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا ، ولا تحدّث نفسك بطول البقاء فيها
ولا بالاعتناء بها ، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه ) .
[ كتاب رياض الصالحين ]

قال - صلى الله عليه وسلم -
( لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقا منها كافراً شربة ماء ) رواه الترمذي .

نعم : فلا يمكن أن تزهد في الدنيا حتى تعرف حقيقتها ،
وهذه حقيقتها : لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء .


وقال - صلى الله عليه وسلم -
( والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ) رواه مسلم .

قال النووي : معنى الحديث : ما الدنيا بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها ،
ودوام الآخرة ، ودوام لذاتها ونعيمها إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالإصبع إلى باقي البحر .

قال تعالى ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ
الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً ) .

وقال تعالى ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ
مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ
عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

وقال موسى عليه الصلاة والسلام: الدنيا قنطره فاعبروها ولا تعمروها .

وقال عيسى عليه السلام لأصحابه : من ذا الذي يبني على موج البحار داراً
تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً .

وقال يونس بن عبيد : ما شبهت الدنيا إلا كرجل نائم ،
فرأى في منامه ما يكره وما يحب ، فبينما هو كذلك إذا انتبه .

وقال أبو حازم : من عرف الدنيا لم يفرح فيها برخاء ، ولم يحزن على بلوى .

وقال ابن مسعود - في كلمة مهمة فيه الفرق الكبير بيننا وبين السف -
يقول : أنتم اليوم أكثر صلاة وعبادة من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -
وكانوا خيراً منكم ، فقيل لما ؟ قال كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة منكم .

وقال الحسن البصري : أن عمر مر علي مزبلة ووقف عندها وقال لأصحابه
وقد تأذوا منها : قال هذه دنياكم التي تحرصون عليها .
ولذلك قال الشاعر

خذ من الرزقِ ما كفى ........ومن العيشِ ما صفى


كلُّ هذا سينقضي ......... كسراجٍ إذا انطفى



قال بعض السلف : ما من حَبرةٍ إلا يتبعها عبرة ، وما كان ضَحِك في الدنيا
إلا كان بعده بكاء ، ومن عرف الدنيا حق معرفتها حقرها وأبغضها .

ولما علم أهل الفضل والنهى أن الله عز وجل قد أهان الدنيا ولم يرضها جزاء لأوليائه ،
وأنها عنده حقيرة ذليلة ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زهد فيها ،
وحذر أصحابه من فتنتها ، أكلوا منها قليلاً ، وقدموا كثيراً ،
وأخذوا منها ما يكفي وتركوا ما يلهي ، لبسوا من الثياب ما ستر العورة ،
وأكلوا من الطعام ما سد الجوعة ، نظروا إلى الدنيا بعين فاحصة ، فعلموا أنها فانية ،
وإلى الآخرة فعلموا أنها باقية ، فتزودوا من الدنيا كزاد الراكب وما بقي عمروا به الآخرة ،
ثم تفكروا ملياً في أمر الآخرة فارتحلوا إليها بقلوبهم قبل أن ترتحل إليها أبدانهم .


إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا


نظروا إليها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا


جعلوها لجةً واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا .


قال علي t : إن الدنيا أدبرت ، وإن الآخرة أقبلت ،
ولكل بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا ،
فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل .

قال يحي بن معاذ : مسكين ابن آدم لو خاف من النار كما يخاف الفقر لدخل الجنة .

وقال الحسن البصري : من أحب الدنيا وسرته خرج حب الآخرة من قلبه .
وقد سئل مرة من المرات من الفقيه يا أبا سعيد ؟ فقال الزاهد في الدنيا الراغب بالآخرة .
إذاً الأمر الأول المعين على تحقيق الزهد هو معرفة حقيقة الدنيا وسرعة زوالها
وانقضائها وغصصها وأنكادها .

وصدق ابن عجلان حين قال : من جعل الموت نصب عينيه لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها .



ثم قال ابن القيم رحمه الله :
ثانياً : علمه أن وراءها داراً أعظم منها قدراً وأجل خطراً وهي دار البقاء .

وهذا من أعظم ما يحقق الزهد ، أن يوقن الإنسان إيقاناً كاملاً بالجنة ،
وأن ينظر فيها وفي إقبالها ومجيئها ودوامها ، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات ،
والتفاوت العظيم بينها وبين هذه الدار الحقيرة .

فإن الإنسان لا يمكن أن يزهد في شيءٍ إلا إذا أيقن أن بعد هذا الشيء ، شيء أعظم وأجل .
قال الله تعالى ( والآخرة خير وأبقى ) فهي خيرات كاملة دائمة ،
والدنيا خيالات ناقصـة منقطعة مضمحلة .

الجنة كما قال - صلى الله عليه وسلم -
( من يدخلها ينعم لا ييأس ، ويخلد لا يموت ، لا تبلى ثيابهم ، ولا يفنى شبابهم )

وهذا إشارة إلى بقاء الجنة ، وبقاء جميع ما فيها من النعيم ، وأن صفات أهلها
كاملة من الشباب لا تتغير أبداً ، وملابسهم التي عليهم من الثياب لا تبلى أبداً .

قال أحد السلف :لو كانت الدنيا ذهب يفنى ،والآخرة خزف يبقى لأثرت ما يبقى
على ما يفنى فكيف والآخرة ذهب يبقى و الدنيا خزف يفنى.

الجنة : فيها : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

الجنة : ( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) .

الجنة : قال - صلى الله عليه وسلم -
( موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ) .
الجنة : دار النعيم والسرور .

الجنة : ( فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ
وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى
وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ) .

الجنة : ( فيه شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ) .

الجنة : لا موت فيها وحزن
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) ،
وفي الحديث ( يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت )


تصور نفسك يا أخي الكريم إن كنت من أهل الجنة يوم يقال لك
(ادْخُـلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكـُمْ تُحْبَرُونَ .يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ
وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

أهل الجنة يا أخي : ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ) .
أهل الجنة يا أخي : ( فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) .
أهل الجنة يا أخي : ( في شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) .
أهل الجنة يا أخي : ( يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ ) .
أهل الجنة يا أخي : ( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ) .
أهل الجنة يا أخي : ( وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أتراب ) .


فعلى المسلم أن يعلق قلبه بالجنة ، وأن يقرأ في أوصافها في القرآن والسنة ،
حتى يتعلق قلبه بها ، ويعرف حقيقتها وبقائها وحسنها وجمالها .

فلا يمكن أن يزهد في الدنيا حتى يوقن بالجنة وبقائها ومجيئها وقدومها وأنها حق ،
حين ذلك يزهد في هذه الدنيا الحقيرة ، بل لا يلتفت إليها ، ولا ينظر إليها .



ثم قال ابن القيم رحمه الله :
ثالثاً: معرفته أن زهده فيها لا يمنعه شيئاً كتب له منها،
وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها.

وهذا من الأسباب المهمة في الزهد في الدنيا ، أنه إذا تيقن هذا الكلام ،
وعلم علماً مؤكداً أن زهده لا يمنعه شيئاً من الدنيا ، وأن حرصه على الدنيا لا يمكن أن
يأتي له بشيء منها إلا ما كتب له ، فلو عرف ذلك حقيقة هان عليه الزهد في الدنيا .

فما هو مكتوب لك سيأتيك، زهدت في الدنيا أو لم تزهد، فاطمئن وارتح،
فازهد فيها تنل الدنيا والآخرة .

واعلم أن زهدك في الدنيا لا يضيع عليك الدنيا ، بل العكس ،
ربما يزهدك في الدنيا تأتيك الدنيا من توفيق الله تعالى .


وقد قال ابن كثير : من طبع الدنيا الهرب ممن طلبها ، والطلب لمن هرب منها .
فكثير من الناس يركضون وراء الدنيا، بل يبيعون أيمانهم ودينهم ولم يحصلوا منها شيئاً،
فخسروا الدنيا والآخرة .

وبعض الناس زهد فيها ، فجاءته الدنيا ، فجمع بين الدنيا والآخرة ، كحال بعض العلماء
الربانيون الزهاد ، فإنهم تركوا الدنيا ، فجاءتهم الدنيا من كل صوب وجهة .

فما عند الله أيها الإخوة لا ينال بمعصية الله ، إنما ينال بطاعة الله
كما في الحديث قال - صلى الله عليه وسلم -
( إن روح القدس نفث في روعي ، أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها
فأجملـوا في الطلب فإن ما عند الله لا ينال بمعصيته ) .


وقد سئل الحسن البصري عن سر فقال الحسن :
(علمت أن رزقي لا يأخذهغيري فاطمـأن قلبي .
وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به .
وعلمت أن الله مطلع عليّ فاستحييت أن يرانيعلى معصية
وعلمت أن الموت ينتظرنيفأعددت الزادللقاءربي )

ثم قال ابن القيم رحمه الله :
فهذه الأمور الثلاثة تسهل على العبد الزهد في الدنيا ، وتثبت قدمه في مقامه .

في ختام الدرس :
أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في العلم والعمل ،
وأن تكون الدنيا زاداً لنا في كل خير ، وأن لا تكون الدنيا أكبر همنا .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


الاثنين 15 / 4 / 1429هـ


موقع مجلة رياض المتقين





وللتحميل المحاضرة صوتياً
http://www.almotaqeen.net/Sounds/ebn-alkaim2.rm




رحمكِ الله ياقرة عيني

التعديل الأخير تم بواسطة أم سُهَيْل ; 04-06-2012 الساعة 01:57 AM
رد مع اقتباس