عرض مشاركة واحدة
  #210  
قديم 02-25-2012, 01:08 AM
صابر عباس حسن صابر عباس حسن غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(42)
وبعض آيات من سورة المسد

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ – 1 مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ – 2 سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ – 3 وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ – 4 فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ – 5

كان اللقاء السابق مع أنوار أواخر مانزل من القرآن العظيم وهي سورة النصر وهي تبشر رسولنا الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - بنصر الله وفتحه ودخول الناس في دين الله أفواجا.. بعد طول عناء وجهاد طويل منذ أن نزل عليه الوحي.

واليوم نواصل بعون الله تعالى مع أوائل ما نزل من الوحي ليلتقيا ويتبين لنا الإعجاز الترتيبي لسور القرآن العظيم .

فقد حكمت الآيات في مصير أبي لهب وامرأته أمام أهل مكة والناس جميعا , وكان في إمكان أبي لهب أن يقول ولو نفاقا أمنت .. ويطعن في الرسالة ولكن قدرة الله العظيم وعلمه بما كان وما سيكون , أكبر من هذا الكائن الإنساني الضعيف المتكبر على الحق الرافض لرسالة الله .
فكان الجزاء من جنس العمل..وهذا من إعجاز القرآن العظيم.

وأبو لهب - [ واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ] هو عم النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وإنما سمي أبو لهب لإشراق وجهه , وكان هو وامرأته "أم جميل" من أشد الناس إيذاء لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وللدعوة التي جاء بها . .

قال ابن اسحاق : " حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يتبع القبائل , ووراءه رجل أحول , وضيء الوجه ذو جمة , يقف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على القبيلة فيقول : " يا بني فلان . إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا , وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان . هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس , إلى ما جاء به من البدعة والضلالة , فلا تسمعوا له , ولا تتبعوه . فقلت لأبي : من هذا ? قال عمه أبو لهب . [ ورواه الإمام أحمد والطبراني بهذا اللفظ ] .


فهذا نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول [ صلى الله عليه وسلم ] , وكانت زوجته أم جميل في عونه في هذه الحملة الدائبة الظالمة . [ وهي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ] .

ولقد اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] منذ اليوم الأول للدعوة .

أخرج البخاري - بإسناده - عن ابن عباس , أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] خرج إلى البطحاء , فصعد الجبل فنادى: " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش ,
فقال : أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ? أكنتم مصدقي ? قالوا : نعم .
قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " .

فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ? تبا لك . فأنزل الله ( تبت يدا أبي لهب وتب . . .) الخ . وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تبا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ?! فأنزل الله السورة .

وهكذا دون تفكير رفض "إبو لهب" الإيمان والتدبر في الأمر من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم..الذي أشهدهم على صدقه وبإعترافهم أنه الصادق الذي لم يجربوا عليه كذب قط .

وياليت كان من أبي لهب الرفض والسكوت ولكنه وامرأته ناصبا الرسول - صلى الله عليه وسلم – العداء والأذى وكأنهما شياطين الإنس توسوس في صدور الناس لتصدهم عن دعوة الحق حسدا من عند أنفسهم..

فالحق واضح لا يزيغ عنه إلا هالك .

أن للكون إله خالق مدبر يمده بمقومات حياته. وقدر سبحانه أن الدنيا دار إختبار ..وأن الموت مصير كل إنسان . وأن البعث حقيقة, كما أنشأكم أول مرة, وأن يوم الحساب أت ليجزى كل إنسان عن أعماله التي قدمها في دنياه في ظل عقيدة الإيمان بالله الواحد, وكتبه ورسله وملائكته وبالقدر خيره وشره.. وجميع فرائض الإيمان..


أما الجانب الأخر وهو الكفر والشرك , فلا بد من إلغاء عقله ليصدق أن الأصنام تضر أو تنفع ..أو أن الكون خلق نفسه ..أو أن أحدا من الناس هو الخالق ..أو أن النجوم أو الكواكب هي الخالقة..فيجب أن يكون الإنسان فاقدا للعقل حتى يصدق هذا..

فالتكبر على الحق والكفر والشرك طريق الهلاك في الدنيا والأخرة.

وتعالوا للنظر لبعض نماذج الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ولو لم يكونوا على دينه , تلبية لدافع العصبية القبلية , خرج أبو لهب على إخوته , وحالف عليهم قريشا , وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] .

وكان قد خطب بنتي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] رقية وأم كلثوم لولديه قبل بعثة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما حتى يثقل كاهل محمد [ صلى الله عليه وسلم ] بهما !

وهكذا مضى أبو لهب هو وزوجته أم جميل يثيرانها حربا شعواء على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وعلى الدعوة , لا هوادة فيها ولا هدنة .

وكان بيت أبي لهب قريبا من بيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فكان الأذى أشد .

وقد روي أن أم جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي ; وقيل : إن حمل الحطب كناية عن سعيها بالأذى والفتنة والوقيعة .

فنزلت هذه السورة ترد على هذه الحرب المعلنة من أبي لهب وامرأته .

وتولى الله - سبحانه - عن رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] أمر المعركة !

( تبت يدا أبي لهب وتب ). . والتباب الهلاك والبوار والقطع . ( تبت ) الأولى دعاء . ( وتب ) الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء . ففي آية قصيرة واحدة في مطلع السورة تصدر الدعوة وتتحقق , وتنتهي المعركة ويسدل الستار !

فأما الذي يلي آية المطلع فهو تقرير ووصف لما كان .
( ما أغنى عنه ماله وما كسب ). . لقد تبت يداه وهلكتا وتب هو وهلك . فلم يغن عنه ماله وسعيه ولم يدفع عنه الهلاك والدمار .

ذلك - كان - في الدنيا . أما في الآخرة فإنه : ( سيصلى نارا ذات لهب ). . ويذكر اللهب تصويرا وتشخيصا للنار وإيحاء بتوقدها وتلهبها .

( وامرأته حمالة الحطب ). . وستصلاها معه امرأته حالة كونها حمالة للحطب . . وحالة كونها : ( في جيدها حبل من مسد ). . أي من ليف . . تشد هي به في النار . أو هي الحبل الذي تشد به الحطب . على المعنى الحقيقي إن كان المراد هو الشوك . أو المعنى المجازي إن كان حمل الحطب كناية عن حمل الشر والسعي بالأذى والوقيعة .

قال ابن إسحاق : فذكر لي أن أم جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن , أتت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو جالس في المسجد عند الكعبة , ومعه أبو بكر الصديق , وفي يدها فهر [ أي بمقدار ملء الكف ] من حجارة .
فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت: يا أبا بكر . أين صاحبك ? قد بلغني أنه يهجوني . والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه . أما والله واني لشاعرة . ثم قالت: مذمما عصينا وأمره أبينا ..


ثم انصرفت . فقال أبو بكر: يا رسول الله , أما تراها رأتك ? فقال: ما رأتني , لقد أخذ الله ببصرها عني . .

وهكذا إن الله يدافع عن رسوله والذين أمنوا.

واليوم نرى ونسمع كثير من السفهاء يتطاولون بالأذى على خير الأنام صلى الله عليه وسلم ..
ونحذرهم بهذه الآيات ونقول لهم أنتم أهون من أبي لهب . فتداركوا أمركم وعودوا إلى المنطق والحق والعدل ودعوكم من التعصب الأعمى الذي يدل على عدم الإدراك للحق ولمكارم الأخلاق.

فنصر الله أت لدينه وعباده المؤمنين .

قال تعالى في سورة الصف :

يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ – 8 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ – 9


*********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس