عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-27-2008, 04:10 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




Islam مبادئ علم التوحيد(6) تم بفضل الله

 






المبحث التاسع
غاية علم التوحيد

وتظهر ثمرة دراسة علم التوحيد -على منهج أهل السنة والجماعة- من جهات وحيثيات كثيرة، إلا أنها تعود إلى أمرين أساسيين، الأول: باعتبار المكلف، والثاني: باعتبار العلم نفسه وعلوم الإسلام الأخرى، وما يتعلق بالمكلف يعود إلى منفعة دنيوية وأخروية، والدنيوية ترجع إلى منفعة علمية وعملية، وتفصيل هذه المنافع على النحو التالي:

أولاً: بالنسبة لحياة المكلف في الدنيا:
إن قيام المدنية، وطيب العيش، لمن ثمرات التوحيد المباركة، قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} {الأعراف:96} .
"إن الإيمان يثمر طمأنينة القلب وراحته، وقناعته بما رزق الله، وعدم تعلقه بغيره، وهذه هي الحياة الطيبة، فإن أصل الحياة الطيبة راحة القلب وطمأنينته، وعدم تشوشه مما يتشوش منه الفاقد للإيمان الصحيح"( 34 )، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} {الرعد:28} ، وفي الصحيح: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن"( 35 ).

والمؤمن يتلذذ بلذات معنوية هي أعظم من كل اللذات الحسية، ولذا قال بعض السلف: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه؛ لجالدونا عليه بالسيوف"( 36 )، وقال غيره: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"( 37 ).
ومظاهر الحياة الطيبة التي خص الله بها عباده المؤمنين في الدنيا كثيرة نذكر منها:
ولاية الله عز وجل فقد قال تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} {البقرة:257} ، ومحبة الله عز وجل للمؤمنين ومحبة الخلق لهم حيث قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} {مريم:96} ، ومدافعة الله عن المؤمنين وإنجائه لهم ونصرهم على أعدائهم، قال سبحانه:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} {غافر:51} ، وحصول نور البصيرة التي تفرق بين الحق والباطل، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} {لأنفال:29} ، وحصول العزة وتمام الكرامة والشرف: قال تعالى:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} {المنافقون:8} .

ثانيًا: من حيث قوة المكلف العلمية:
وهي القوة التي يدرك الإنسان بها، ويفرق بين الحق والباطل، وتظهر ثمرة علم التوحيد العلمية من خلال الأمور التالية:
- معرفة الله تعالى معرفة يقينية: فكلما ازداد العبد علمًا بالتوحيد، ازداد رقيًّا في مدارج الإيمان ومعارج اليقين، وارتقى من الإيمان المجمل إلى الإيمان المفصَّل، ومن حال التقليد إلى حال اليقين والإذعان، والتصديق عن حجة وبرهان، وهذا أفضل ما اشتغل بعلمه إنسان، كما في الحديث: "أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شك فيه"( 38 )، والعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته سبيل لرفع الدرجات وحصول البركات، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} {المجادلة:11} .

- انشراح الصدر وطمأنينة القلب: وهذا الأمر ثمرة حصول المعرفة الصحيحة بالله تعالى، والإجابة على أسئلة الفطرة حول الكون والحياة، فنفس لا إيمان فيها مضطربة، قلقة، تائهة خائفة، قال تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} {الزمر:29} . فإذا تعددت الأسياد على المملوك، فقد شقي حاله، واضطرب أمره.
وفي النفس قلق على المستقبل وطلب لاستجلاء الغيوب، ولا يزيل هذا القلق كالإيمان بخيرية الذات، وخيرية العمل، وخيرية المآل والمصير، فالمؤمن الموحِّد ينظر إلى الغيب بعين التفاؤل والرضا عن الله تعالى في قضائه وقدره، فيسكب في النفس برد اليقين، ومشاعر الأمن والاطمئنان، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} {الأنعام:82} ، فمن أراد الله له الهداية وانشراح الصدر هداه إلى الإسلام أولاً، ثم إلى سلامة العقيدة من شوائب البدع ثانيًا.

- هداية العقل واستنارته: إن دراسة علم التوحيد على منهج السلف الصالح يقضي على الخصومة المفتعلة بين النقل والعقل، وبين الوحي والرأي، وبين النص والفكر، ويبدو هذا جليًّا في النقاط التالية:
1- إن عقيدة أهل السنة تحترم العقل وتعلي من شأنه، وتحث على التعقل والتدبر: قال تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} {يوسف:2}، { أَفَلا تَعْقِلُونَ} {هود:51} ،{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ}{محمد:24}، ويثني على العقلاء:{ وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}{صّ:43}.
2- إن هذه العقيدة تذم التقليد الأعمى الذي هو حجاب العقل، وغطاء الفهم، قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} {البقرة:170} .
3- وهي تهدي العقل إلى مجالاته النافعة، قال{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} {قّ:6} ، وقال تعالى:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} {الذريات:21} .

4- وهي تحظر على العقل ما لا يمكن الخوض فيه، فتوفر طاقته فيما يطيق ويحسن، قال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} {الاسراء:85} ، وقال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} {طـه:110} .
5- وهي في شأن العقل وسط بين طرفين، المهملون للعقل -مثل كثير من المتصوفة الجهال-، والمقدسون له -كالمتكلمة-، فمن انضبط بمنهج أهل السنة في دراسة العقيدة وعلم التوحيد، اهتدى عقله، وسلم ذهنه من الانحراف، ووقف على الحجج البينة، وكثر صوابه، وقل خطؤه، وأمن من شرور البدع.

ثالثًا: من حيث قوة المكلف العملية:
وهي القوة التي تحمل الإنسان على السير إلى الله تعالى، والاجتهاد في عبادته، والتقرب إليه بما يرضيه، واجتناب ما يسخطه، وتظهر ثمرة علم التوحيد العملية من خلال الأمور التالية:
- تحقيق الإخلاص وأعمال القلوب على الوجه الصحيح: فالإخلاص هو حقيقة الدين، ومفتاح دعوة رسل الله أجمعين، وهو روح التوحيد ولب الرسالة، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} {البينة:5}، والإخلاص هو إفراد الحق سبحانه بالقصد، وهو تصفية العمل من كل شوب، وفي أهمية الإخلاص وأعمـال القلوب يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإن النية بمنـزلة الروح، والعمل بمنـزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح فموات... فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح"( 39 ).

والإخلاص يتوقف في حصوله وكماله على معرفة العبد لربه، وتعظيمه وتأليهه، ومعرفة أسمائه تعالى وصفاته، وإحصائها والتعبد لله بمقتضاها، فمن كان بالله أعرف كان له أخلص، وفيما عند الله تعالى أرغب، ومن عقوبته أرهب، والإخلاص إذا تمكن من طاعة من الطاعات مهما كانت يسيرة، فإن الله تعالى يغفر بها الذنب ويضاعف الأجر، كما في حديث البطاقة( 40 )... فهذه حال من قال كلمة التوحيد بإخلاص وصدق، كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم يقولون لا إله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم، كما ترجح قول صاحب البطاقة، كذلك البغي التي سقت كلبًا فغفر الله لها، والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له، "فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص"( 41 ).

- اشتغال الجوارح بالطاعات: إذا عمَّر الإخلاص قلب العبد، وتحققت أعمال القلوب من محبة الله ورسوله، والتوكل على الله والصبر له، والخوف منه والرجاء فيما عنده، انطلقت الجوارح ولابد في طاعة الله تعالى، ولا يتخلف ذلك أبدًا، وفي الصحيح: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"( 42 )، فصلاح الظاهر تابع لصلاح الباطن في الأصل، والارتباط بينهما حاصل.

رابعًا: بالنسبة للمكلف في الآخرة:
إن امتناع الخلود في النار لمن ظلم نفسه من الموحِّدين، ودخول الجنة ابتداء لمن اقتصد من أصحاب اليمين، والفوز بالدرجات العلى لمن سبق بالخيرات، مع رضوان الله تعالى ورؤية وجهه الكريم في الجنات، هو غاية المطالب، ونهاية الرغائب لجميع المؤمنين، قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير ُ- 32- جَنَّاتُ عَدْنٍ {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير ُ- 32- جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} {فاطر:32-33} يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} {فاطر:32-33} ، ففي هذه الآية حرف من الحيف أن يُكتب بالمداد، وإنما ينبغي أن يكتب بماء الذهب فرحًا وطربًا؛ لأنه يشير إلى كرامة من الله لهذه الأمة لا تعدلها كرامة، ألا وهو حرف الواو في قوله تعالى:{يَدْخُلُونَهَا} ، فالداخلون هنا هم الموحِّدون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأصنافها الثلاثة المذكورة في الآية، وعندما خطب عمر رضي الله عنه وتلا الآية السابقة قال: "سابقنا مقرب، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له"( 43 ).
والجنة لا يدخلها إلا مؤمن موحد وإن ظلم نفسه بغير الشرك، ولا يخلَّد في النار إلا كافر أو منافق، ففي الحديث: "لا يدخل الجنة إلا مؤمن"( 44 ), وفي الحديث القدسي: "يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة"( 45 )، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} {النساء:48} ، قال علي رضي الله عنه: "ما في القرآن آية أحب إليَّ منها"( 46 ).

خامسًا: بالنسبة للعلم نفسه وعلوم الإسلام:
وثمرة علم التوحيد باعتبار العلم نفسه هي حفظ هذا العلم بحفظ قواعده، وأصوله ومسائله، وفي هذا حفظ الله للدين نفسه؛ لأن العلم الشرعي دين يدان الله تعالى به، قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"( 47 )، وإذا كان العلم الشرعي مطلوب الحفظ عامة، فلا شك أن علم الاعتقاد يطلب حفظه على وجه الخصوص؛ لأنه أصل لما عداه، ولأنه أول الواجبات وآخرها وألزمها على المكلف، قال ابن القيم رحمه الله: "إن العبد لو عرف كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئًا"( 48 ).
وحفظ العلم كما يكون بتعلمه يكون بتعليمه وتوريثه وبذله لطالبيه، وهذا من أفضل القرب وأعلى الرتب، وفي الحديث: "خير ما يخلف الرجل بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية يبلغه أجرها، وعلم يعمل به من بعده"( 49 )، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "بلغني أن العلماء يُسألون يوم القيامة كما تُسأل الأنبياء، يعني عن تبليغه"( 50 ).

- كما أن من ثمرات تعلم علم التوحيد وتعليمه تحصيل القدرة على إرشاد المسترشدين، وهداية المنحرفين، والوقوف أمام التيارات الإلحادية، والأهواء البدعية، وفي ذلك ثواب المنافحة عن الإسلام، والمدافعة عن السنة، وقد افتتح الإمام أحمد رحمه الله كتابه "الرد على الجهمية والزنادقة" بذكر أوصاف أهل العلم، فكان من جملة ما قال: "ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"( 51 ).
- ومن ثمرات هذا العلم إقامة ما عداه من علوم الشريعة والفروع، فإنها تتعلق بعد ذلك بالعمل، "والعلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع"( 52 )، فإقامة علوم الفروع تبنى على إثبات إله عالم، مرسل للرسل، منـزل للكتب، وبغير هذا العلم لا يتصور علم تفسير أو حديث أو فقه ونحو ذلك.

________________________________________
المبحث العاشر
مسائل علم التوحيد

"إن مسائل كل علم هي معرفة الأحوال العارضة لذات موضوع العلم"( 53 )، فإذا كان تعريف علم التوحيد هو "العلم بالأحكام الشرعية العقدية، المكتسب من أدلتها المرضية، ورد الشبهات وقوادح الأدلة الخلافية"، وكان موضوع علم التوحيد هو الله تعالى، والملائكة، والرسل الكرام، وقضايا اليوم الاخر والغيبيات؛ فإن مسائله هي معرفة أحكام القضايا الاعتقادية المتعلقة بذلك كله من الوجوب والجواز والاستحالة، وما توقفت عليه تلك الأحكام لاستفادتها على منهج أهل السنة والجماعة.

فمسائل علم التوحيد تتضمن معرفة الأحكام الشرعية العقدية كأحكام الألوهية، وعصمة الرسل، وقضايا اليوم الآخر ونحو ذلك، وقد عنيت كتب العقائد به أعظم عناية، وكتبت في تحريره وتقريبه -على منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة- مطولات ومختصرات، ومنظومات ومنثورات من زمن السلف وإلى يوم الناس هذا.

! ! !

________________________________________
( 1 ) ترتيب العلوم للمرعشي ص90.
( 2 ) أخرجه البخاري (2856)، ومسلم (30).
( 3 ) أخرجه البخاري (1458)، ومسلم (19).
( 4 ) وهذا مذهب الأشاعرة. انظر: "الإنصاف" للباقلاني ص22.
( 5 ) وهذا مذهب الجويني. انظر: "الإرشاد" ص3.
(5) وهذا مذهب المعتزلة. انظر: "الأصول الخمسة" للقاضي عبد الجبار، وهذا كله مبني على أن الإيمان بالخالق كسبي نظري في أصله، وأهل السنة على أن الإيمان بالخالق في أصله فطري وهبي.
( 6 ) شرح العقيدة الطحاوية (1/21-23).
( 7 ) أخرجه مسلم (917).
( 8 ) أخرجه مسلم (26).
( 9 ) أخرجه أحمد (1187)، والبخاري (5/2019-تعليقًا)، وأبو داود (4402)، والترمذي (1423)، والحاكم (949) من حديث علي رضي الله عنه. قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة، وحديث علي حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن علي رضي الله عنه...، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم. اهـ.، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. اهـ.، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4/35).
( 10 ) العلم أصوله ومصادره ومناهجه. محمد الخرعان ص28، 29.
( 11 ) رواه أحمد (15866)، وابن أبي عاصم (404)، وأورده الهيثمي في المجمع وقال: رجاله رجال الصحيح، وصححه الحافظ في الفتح (3/246) والألباني في صحيح الجامع (881).
( 12 ) صحيح مسلم بشرح النووي (1/149).
( 13 ) رواه مسلم (27) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
( 14 ) رواه البخاري (128)، ومسلم (32) من حديث أنس رضي الله عنه.
( 15 ) تفسير الطبري (10/ 156).
( 16 ) انظر: طريق الهجرتين ص587، 588.
( 17 ) أخرجه مسلم (153).
( 18 ) أخرجه البخاري (1519)، ومسلم (83) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
( 19 ) التنبيهات السنية على شرح الواسطية ص 33.
( 20 ) مجموع الفتاوى (1/136).
( 21 ) تقدم تخريجه.
( 22 ) انظر: تفسير الطبري (20/12)، وتفسير القرطبي (13/232).
( 23 ) مجموع الفتاوى (19/ 93-94).
( 24 ) عزو
( 25 ) إيثار الحق على الخلق لابن الوزير ص13.
( 26 ) لوامع الأنوار (1/105).
( 27 ) شرح الطحاوية (1/231).
( 28 ) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/433).
( 29 ) أخرجه البخاري (1385)، ومسلم (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
( 30 ) مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية (2/347، 348).
( 31 ) زاد المعاد لابن القيم (3/680).
( 32 ) إعلام الموقعين بتصرف (4/148-150).
( 33 ) طبع بتحقيق أ.د. محمد محمود فرغلي.
( 34 ) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان. الشيخ السعدي ص73.
( 35 ) أخرجه مسلم (2999) من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه.
( 36 ) القائل هو الفضيل بن عياض. انظر: الجواب الكافي ص168.
( 37 ) القائل هو ابن تيمية. انظر: الوابل الصيب ص69.
( 38 ) تقدم تخريجه.
( 39 ) بدائع الفوائد، ابن القيم (3/705).
( 40 ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول‌:‌ أتنكر من هذا شيئًا‌?‌ أظلمك كتبتي الحافظون‌?‌ فيقول‌:‌ لا يا رب، فيقول‌:‌ أفلك عذر‌?‌ فيقول‌:‌ لا يا رب، فيقول:‌ بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول‌:‌ احضر وزنك فيقول ‌:‌ يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات‌?‌ فيقال‌:‌ فإنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء ‌".‌ صححه الألباني في صحيح الجامع‌ (1776).‌
( 41 ) منهاج السنة النبوية (6/218-220) بتصرف يسير.
( 42 ) أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
( 43 ) عزو.
( 44 ) أخرجه البخاري (4204)، ومسلم (111) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
( 45 ) رواه الترمذي (3540) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. اهـ.، وأخرج مسلم نحوه (2687) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
( 46 ) رواه الترمذي (3037)، وانظر: تفسير القرطبي (5/246)، وتفسير ابن كثير (1/556)
( 47 ) تقدم تخريجه.
( 48 ) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/68).
( 49 ) أخرجه ابن ماجه (241) من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه. وقد صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/46).
( 50 ) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/149).
( 51 ) الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص6.
( 52 ) مجموع الفتاوى (4/53).
( 53 ) شرح الكوكب المنير (1/33).

التعديل الأخير تم بواسطة أم الزبير محمد الحسين ; 04-08-2012 الساعة 01:47 AM
رد مع اقتباس