عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 01-07-2013, 10:57 PM
صابر عباس حسن صابر عباس حسن غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة البقرة
(8)

جدال إبراهيم مع الملك الكافر


أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ – 258



نشاهد اليوم حوارا بين إبراهيم - عليه السلام - وملك في أيامه يجادله في الله تعالى....
لا يذكر السياق اسمه , لأن ذكر اسمه لا يزيد من العبرة التي تمثلها الآية شيئا .
وهذا الحوار يعرض علينا في أسلوب التعجيب من هذا المجادل , الذي حاج إبراهيم في ربه ;

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

إن هذا الملك الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكرا لوجود الله أصلا إنما كان منكرا لوحدانيته في الألوهية والربوبية ولتصريفه للكون وتدبيره لما يجري فيه وحده ,
كما كان بعض المنحرفين في الجاهلية يعترفون بوجود الله ولكنهم يجعلون له اندادا ينسبون إليها فاعلية وعملا في حياتهم !

وكذلك كان منكرا أن الحاكمية لله وحده , فلا حكم إلا حكمه في شؤون الأرض وشريعة المجتمع . ( في ظلال القرآن )

إن هذا الملك المنكر المتعنت إنما ينكر ويتعنت للسبب الذي كان ينبغي من أجله أن يؤمن ويشكر . هذا السبب هو ( أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ). . وجعل في يده السلطان !

لقد كان ينبغي أن يشكر ويعترف , لولا أن الملك يطغي ويبطر من لا يقدرون نعمة الله , ولا يدركون مصدر الإنعام . ومن ثم يضعون الكفر في موضع الشكر ; ويضلون بالسبب الذي كان ينبغي أن يكونوا به مهتدين ! فهم حاكمون لأن الله حكمهم ,

وهو لم يخولهم استعباد الناس بقسرهم على شرائع من عندهم . فهم كالناس عبيد لله , يتلقون مثلهم الشريعة من الله , ولا يستقلون دونه بحكم ولا تشريع فهم خلفاء لا أصلاء !

ومن ثم يعجب الله من أمر ذلك الطاغية وهو يعرضه على نبيه:

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ ? ). .

ألم تر ? إنه تعبير التشنيع والتفظيع ; وإن الإنكار والاستنكار لينطلقان من بنائه اللفظي وبنائه المعنوي سواء .

فالفعلة منكرة حقا : أن يأتي الجدال بسبب النعمة والعطاء !
وأن يدعي عبد لنفسه ما هو من اختصاص الرب , وأن يستقل حاكم بحكم الناس بهواه دون أن يستمد قانونه من الله تعالى خالق الكون.

( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ ). .

والإحياء والإماتة هما الظاهرتان المكرورتان في كل لحظة , المعروضتان لحس الإنسان وعقله . وهما - في الوقت نفسه - السر الذي يحير , والذي يلجيء الإدراك البشري الجاء إلى مصدر آخر غير بشري . وإلى أمر آخر غير أمر المخاليق . ولا بد من الالتجاء إلى الألوهية القادرة على الإنشاء والإفناء لحل هذا اللغز الذي يعجز عنه كل الأحياء .

إننا لا نعرف شيئا عن حقيقة الحياة وحقيقة الموت حتى اللحظة الحاضرة . ولكننا ندرك مظاهرهما في الأحياء والأموات . ونحن ملزمون أن نكل مصدر الحياة والموت إلى قوة ليست من جنس القوى التي نعرفها على الإطلاق . .

ولكنها هي قوة الله الحي القيوم. .

ومن ثم عرف إبراهيم - عليه السلام - ربه بالصفة التي لا يمكن أن يشاركه فيها أحد , ولا يمكن أن يزعمها أحد , وقال وهذا الملك يسأله عمن يدين له بالربوبية ويراه مصدر الحكم والتشريع غيره . . قال : ربي الذي يحيي ويميت فهو من ثم الذي يحكم ويشرع .

فذلك عمل الرب المتفرد الذي لا يشاركه فيه أحد من خلقه .

ولكن الذي حاج إبراهيم في ربه رأى في كونه حاكما لقومه وقادرا على إنفاذ أمره فيهم بالحياة والموت مظهرا من مظاهر الربوبية .

فقال لإبراهيم : أنا سيد هؤلاء القوم وأنا المتصرف في شأنهم , فأنا إذن الرب الذي يجب عليك أن تخضع له , وتسلم بحاكميته: ( قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ ) !

عند ذلك لم يرد إبراهيم - عليه السلام - أن يسترسل في جدل حول معنى الإحياء والإماتة مع رجل يماري ويداور في تلك الحقيقة الهائلة . حقيقة منح الحياة وسلبها . هذا السر الذي لم تدرك منه البشرية حتى اليوم شيئا .

. وعندئذ عدل عن هذه السنة الكونية الخفية , إلى سنة أخرى ظاهرة مرئية ; وعدل عن طريقة العرض المجرد للسنة الكونية والصفة الإلهية في قوله : ( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ ). . إلى طريقة التحدي , وطلب تغيير سنة الله لمن ينكر ويتعنت ويجادل في الله ; ليريه أن الرب ليس حاكم قوم في ركن من الأرض , إنما هو مصرف هذا الكون كله . ومن ربوبيته هذه للكون يتعين أن يكون هو رب الناس المشرع لهم:

( قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). .

وهي حقيقة كونية مكرورة كذلك ; تطالع الأنظار والمدارك كل يوم ; ولا تتخلف مرة ولا تتأخر . وهي شاهد يخاطب الفطرة - حتى ولو لم يعرف الإنسان شيئا عن تركيب هذا الكون , ولم يتعلم شيئا من حقائق الفلك ونظرياته - والرسالات تخاطب فطرة الكائن البشري في أية مرحلة من مراحل نموه العقلي والثقافي والاجتماعي , لتأخذ بيده من الموضع الذي هو فيه . ومن ثم كان هذا التحدي الذي يخاطب الفطرة كما يتحدث بلسان الواقع الذي لا يقبل الجدل : ( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ). .

فالتحدي قائم , والأمر ظاهر , ولا سبيل إلى سوء الفهم , أو الجدال والمراء . . وكان التسليم أولى والإيمان أجدر . ولكن الكبر عن الرجوع إلى الحق يمسك بالذي كفر , فيبهت ويبلس ويتحير . ولا يهديه الله إلى الحق لأنه لم يتلمس الهداية , ولم يرغب في الحق ; ولم يلتزم القصد والعدل:

( وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). .

**********
وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى

رد مع اقتباس