عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-09-2014, 03:41 PM
نور الماجد نور الماجد غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي تفسير جزء عم - الدرس الرابع : الشيخ زيد البحري

 

تفسير جزء عم ( الدرس الرابع )
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري


بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليماَ كثيراً إلى يوم الدين أما بعد
من الفوائد
· أن قصة موسى عليه الصلاة و السلام تكررت في كلام الله عزوجل أكثر من مرة وفي كل موطن تكون هناك فائدة غير الفائدة التي في الموطن الآخر وتكرارها يدل على عظمها بل هي أعظم قصة في كلام الله عزوجل فهي أعظم من قصة يوسف كما قال شيخ الإسلام رحمه الله.
· الأسلوب التشويقي الذي يكون في كلام الله إذ قال (هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى) الاستفهام هنا لتشويق كما في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ] {الصَّف:10} .
· إثبات أحد نوعي الكلام لله عزوجل فإن الكلام نوعان :
1. نداء.
2. مناجاة.
فالمناداة بصوت رفيع , والمناجاة بصوت خفيض فهنا فيه إثبات صفة المناداة لله عزوجل وهي أحد نوعي الكلام.
· أن الربوبية هنا ربوبية خاصة فربوبيته عزوجل لموسى ربوبية خاصة إذ يربي قلبه ويغذيه بالإيمان.
· تفضل الله حتى على الجمادات إذ يجعل في بعضها من المزايا ما ليس في غيرها كما قال هنا (بالوادي المقدس) يعني المطهر.
· ان القرآن يفسر بعضه بعضا فكلمة طوى اسم لذلك الوادي المقدس.
· أن هذه المناداة من جانب الوادي إذ كان هذا الوادي عن يمين موسى عليه الصلاة و السلام كما قال تعال في سورة أخرى [فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ] {القصص:30} وهذا الوادي قريب من جبل وهو جبل الطور قال تعالى [وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا] {القصص:46}
· بيان عظم طغيان وتكبر فرعون إذ تجاوز حده كعبد إلى أن قال [فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] {النَّازعات:24} .
· فيه تسلية للدعاة وتشجيع لهم أن يقدموا على دعوة من تجبر وعصى أسوة بموسى إذ ليس هناك أحد أطغى من فرعون ومع ذلك قام بهذه الدعوة منه عليه الصلاة و السلام.
· توضيح القرآن للأسلوب المناسب لدعوة الغير إذ قال عزوجل لموسى [فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى] {النَّازعات:18} فهذا أسلوبٌ رقيق ولذا قال عزوجل[فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] {طه:44} ولذا لم يقل أن أزكيك و إنما قال أن تزكى .
· أن العلم يورث الخشية من الله عزوجل وذلك لأن الهداية في قوله تعالى[وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى] {النَّازعات:19} هداية تبين وتوضيح فمن أخذ بهذا العلم خشي الله عزوجل ولذا قال عزوجل [إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ] {فاطر:28}.
· تأييد الله عزوجل لموسى بالمعجزات وهن تسع كما قال تعالى [وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ] {الإسراء:101} لكن أعظمها العصا واليد وهما الآية الكبرى من هذه المعجزات التسع والدليل قوله تعالى [قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى(21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى(22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الكُبْرَى(23) ]. {طه}.
· أن من طمس الله على بصيرته لم تنفعه الموعظة ولم تفد فيه المعجزة والأدلة على هذا كثيرة كقوله تعالى [وَمَا تُغْنِي الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ] {يونس:101} وقال تعالى [حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ] {القمر:5} ولذا لما رآها فرعون كذب وعصى.
· أن التكذيب يكون في الخبر والعصيان يكون في الأمر وهذا كثير في كلام الله عزوجل فكذب الخبر وعصى الأمر كقوله تعالى [وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى] {القيامة:32} كذب الخبر وتولى عن الأمر وكما قال تعالى [الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى] {الليل:16} و الآيات في هذا كثيرة ويفسر هذه الآية ما في سورة المزمل [إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا(15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا(16) ]. {المزمل}. من الرسول الذي عصاه فرعون (موسى).
· أن من أعرض عن الذكر مصيره أن يدبر ويكون إدباره معه إعراض والآيات في هذا كثيرة منها قوله تعالى [وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ] {الأنفال:23} ففرعون أدبر عن الإيمان ولم يكتفِ بذلك بل سعى في الإفساد.
· أن السعي بالفساد الذي أتى به فرعون مبين هنا [فَحَشَرَ فَنَادَى] {النَّازعات:23} وهذه مجملة مفسرة في آيات كثيرة حشر من ؟ ونادى من؟ الجواب:السحرة وجنوده [فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ] {الشعراء:38} .
· بيان أعظم طغيان أتى به فرعون وهو ادعاه الربوبية [فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] {النَّازعات:24} وقال أيضاً[وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي] {القصص:38} فهو لم يقل هذا بلسانه مع انضمام اعتقاد القلب لأنه يعرف بقرارة قلبه بأنه ليس رباً و إنما قال ذلك بلسانه كما أخبر عزوجل[وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا] {النمل:14}. وقال تعالى [قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ] {الإسراء:102} .
· أن فرعون جعل هناك آلهة صغيرة أمر الناس بعبادتها فمن عبدها فقد عبده قال تعالى [وَقَالَ المَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ] {الأعراف:127}
· أن الله عزوجل يمهل ولا يهمل فمع طغيانه العظيم وإمهاله له عاقبه عقوبة عظيمة في دنياه و في أخراه فأما ما في دنياه فقد قال عزوجل[فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ] {الزُّخرف:55} و أما في القبر [النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا] {غافر:46} و أما في الآخرة فهو يتقدم قومه إلى النار [يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ] {هود:98} .
· أن بعض العلماء قال إن قوله تعالى[فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآَخِرَةِ وَالأُولَى] {النَّازعات:25} أي عقوبة كلمته الأخيرة وعقوبة كلمته الأولى فأما كلمته الأخيرة التي بسببها أوقع به هذا العذاب قوله هنا [فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] {النَّازعات:24} و أما الكلمة الأولى فهي قوله تعالى إخباراً عنه [وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي] {القصص:38} فبسبب هاتين الكلمتين أوقع الله له هذه العقوبة .
· أن من طرق تفسير القرآن بالقرآن أن تفسر الكلمة بقرينتها أو بأختها وهذا على الرأي الأول في قوله تعالى [فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآَخِرَةِ وَالأُولَى] كيف عرفنا أن الأولى هي الدنيا لوجود الكلمة التي قبلها وهي الآخرة. وهذه طريقة من تمعنها وجد كثيراً من الكلمات فسرت بأختها قوله تعالى [وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى] {الضُّحى:8} عائلاً: فقيراً كيف عرفت فأغنى مثال آخر [أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى] {البقرة:282} ما معنى أن تضل : أن تنسى. مثال آخر [وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ] {المجادلة:7} ما معنى ولا أدنى: ولا أقل , وعلى هذا فقس.
· أن القصص القرآنية يراد منها العبرة و العظة ولذا ثلث القرآن قصص يراد منه الاعتبار والاتعاظ مما أحل بالمجرمين ويراد منها التأسي والاقتداء بأهل الخير الصالحين ولذا قال تعالى [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى] {النَّازعات:26} .
· أن المتأمل فيما يجريه الله عزوجل يورث هذا التأمل الخشية من الله فإذا نظر إلى مساكن هؤلاء المجرمين خشي الله عزوجل قال تعالى [فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا] {النمل:52} وقال تعالى [قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ] {النمل:69}إلى غير ذلك من الآيات الكثيرات.
قال تعالى :-
[أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا(27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا(28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا(29) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا(30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا(31) وَالجِبَالَ أَرْسَاهَا(32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ(33) ]. {النَّازعات}.
معاني الآيات
أَشَدُّ خَلْقًا: أعظم خلقا.
سَمْكَهَا: سقفها .
فَسَوَّاهَا:جعلها مستوية بلا عيب و لا خلال.
أَغْطَشَ لَيْلَهَا:أظلم ليلها.
َأَخْرَجَ ضُحَاهَا:أبرز نورها.
دَحَاهَا:بسطها.
وَمَرْعَاهَا: ما ترعاه الدواب من العشب.
أَرْسَاهَا:أثبتها.
من فوائد هذه الآيات
· بيان الدلائل والبراهين الساطعة إذ أنكروا البعث كما مر معنا في سورة النبأ فإنهم لما أنكروا البعث ذكر الدلائل في سورة النبأ [أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا] {النَّبأ:6} إلى آخره كما ذكرها هنا.
· أن القادر على خلق السموات والأرض قادر على إحياء هؤلاء بعد موتهم وهذا كثير في كلام الله عزوجل قال تعالى [لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ] {غافر:57} [فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا] {الصَّفات:11} وقال تعالى [أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ] {الأعراف:185} والآيات كثيرة .
· إثبات صفة الخلق لله عزوجل.
· بيان كيفية خلق السماء في قوله تعالى [بَنَاهَا(27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا(28)]. إلى آخره.
· أن السموات تعد سقفاً كما قال تعالى [وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا] {الأنبياء:32} .
· إحكام وإتقان خلقه عزوجل لسماء وقد مر معنا مثل هذا في سورة النبأ [وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا] {النَّبأ:12} و كما في قوله تعالى [فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ] {الملك:3} أي هل ترى من تشقق أو عيوب [ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ] {الملك:4} .
· الاعتبار و الاتعاظ بالليل والنهار فإن إتيان الليل ثم النهار وهلم جرا فيه عظة وعبرة ولذا يذكر الليل والنهار معاً كثير ومر معنا في سورة النبأ [وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا(10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا(11) ]. {النَّبأ}. وقال تعالى [وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا] {الفرقان:62} .
· أن الأرض دحيت بعد السماء لكن الأرض أسبق من السماء في الخلق فالله عزوجل خلق الأرض أولا في يومين ثم خلق السماء بعد خلقه للأرض في يومين ثم دحى الأرض بعد خلقه للسماء في يومين فتكون الأرض مخلوقة أولاً دون دحوٍ ثم خلفت السماء ثم لما خلقت السماء دحيت الأرض وهذا مذكور في قوله تعالى [قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ(9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ( مع الدحو) سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ]. {فصِّلت} يومان للأرض و يومان للسماء و يومان لدحو الأرض المجموع: ستة أيام قال تعالى [إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ] {يونس:3} .
· أن الدحو للأرض مذكورٌ هنا ما هو الدحو [أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا(31) وَالجِبَالَ أَرْسَاهَا(32) ]. {النَّازعات}.
· بيان فضل الله عزوجل على البشر إذ فجر من هذه الأرض العيون وأنبت العشب ومعلوم أن الماء سبب للحياة وعلامته في كونه سبباً للحياة وجود هذا العشب ففيه تذكير لهؤلاء بأن يأخذوا هذا القرآن لأن القرآن سبب لحياة القلوب ولذا في المسند في دعاء إزالة الهم (أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي).
· أن الجبال في نفسها مثبته مرساه من الله عزوجل فهي ثابتة ومستقرة وبدورها تثبت الأرض كما مر معنا في سورة النبأ [وَالجِبَالَ أَوْتَادًا] {النَّبأ:7} .
· كرم الله عزوجل إذ جعل ما ذكر متعة لنا و لأنعامنا إذ قال [مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ] {النَّازعات:33} أفلا يستحق هذا المتفضل جل و علا أن يعبد؟ بلى والله .
قال تعالى
[فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى(34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى(35) وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى(36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37) وَآَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا(38) فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى(39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى(41) ]. {النَّازعات}.
معاني الآيات
الطَّامَّةُ الكُبْرَى:الأمر الشديد الذي لا شدة أكبر منه.
َبُرِّزَتِ الجَحِيمُ: أظهرت لكل راءٍ.
طَغَى: تجاوز وتكبر.
آَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا:فضلها.
المَأْوَى:المستقر.
مَقَامَ رَبِّهِ:الوقوف بين يدي ربه.
من فوائد هذه الآيات
· أن ذكر يوم القيامة هنا يدل على أن هؤلاء الكفار قد أنكروه ولذا أتى بالبراهين السابقة ففي قوله تعالى ([أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا] {النَّازعات:27} ).
· أن يوم القيامة سمي بأسماء كثيرة سمي بالصاخة وبالحاقة وبالقارعة وهذه التسميات المتعددة فيها تذكير وتنويع في الوعظ لقلب ابن آدم هذا إذ لو ذكر اسماً واحداً له لربما اعتادت الأسماع على هذا الاسم ولم يغير في النفوس شيئا.
· أن التذكر النافع إنما يكون في الدنيا أما التذكر في الآخرة فلا ينفع لمَ؟ لأنه أصبح أمام اليقين.
· أن ابن آدم يوم القيامة يتذكر ما سلف منه وهذا موجود ومذكور في كلام الله عزوجل ويندم ولا ينفع الندم حينها قال تعالى [وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24) ]. {الفجر}.
· إظهار النار يوم القيامة على الملأ إذ لا تغيب عن أعين الناظرين قال تعالى [وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا] {الكهف:100} وقال النبي صلى الله عليه و سلم كما في صحيح مسلم (يؤتى بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها).
· إظهار هذا القرآن للحقائق في هذه الدنيا حتى لا يغفل ابن آدم ولذا لما حكى ما يكون في يوم القيامة فعاش القارئ مع تلك المشاهد أرجعه إلى أنه مازال في فسحة فليغتنم فقال [فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37) وَآَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا(38) فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى(39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى(41) ]. {النَّازعات}. وفي سورة الزلزلة في أولها ما يكون يوم القيامة [إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2) وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا(3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6) ]. {الزَّلزلة}. بعض المفسرين يقول الآيات التي بعدها إرشاد للقارئ بأنه مازال في الدنيا [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8) ]. {الزَّلزلة}.
· أن إبراز الجحيم يعظم على الضالين الغاوين كما قال تعالى [وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ] {الشعراء:91} وقال تعالى [إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا] {الفرقان:12} وقال تعالى [تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ] {الملك:8} أي تكاد تقطع من الغيظ .
· بيان خيرية الآخرة وأنها لا تقاس بالدنيا ولذا من آثر آخرته على دنياه أفلح ومن آثر دنياه على آخرته خسر [بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا(16) وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(17) ]. {الأعلى}.
· بيان مآل الطغاة وأنه إلى الجحيم ولذا قال [هِيَ المَأْوَى] لاغيرها وأكد ذلك بقوله (هي ) [فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى] وقال تعالى [فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9) ]. {القارعة}.
· أن الخوف من الوقوف بين يدي الله عزوجل يوم القيامة يورث العبد إقبالا على الطاعة و إدباراً عن المعصية فيكون مآله الجنة ولنعم المأوى .
· بيان خطر النفس الأمارة بالسوء إذ قال تعالى [وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى] {النَّازعات:40}
قال تعالى :-
[يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا(42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا(43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا(44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا(45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا(46) ]. {النَّازعات}.
معاني الآيات
أَيَّانَ مُرْسَاهَا:متى وقوعها.
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا:ليس عندك علمٌ بها حتى تذكرها.
إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا:مستقر علمها .
عَشِيَّةً:آخر النهار.
ضُحَاهَا: أول النهار.
من فوائد هذه الآيات
· أن القيامة كما سبق تذكر بأسماء متعددة لإيقاظ القلوب من غفلتها ولذا سماها هنا بالساعة .
· أن مرساها تدل على الانتهاء كما قال تعال عن نوح في سفينته عليه الصلاة و السلام [بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا] {هود:41} أي انتهاء رسوها و مستقرها.
· أن النبي عليه الصلاة و السلام لا يعلم متى تكون الساعة ولذا لما سأله جبريل لما أتاه في صورة الرجل قال (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل).
رد مع اقتباس