عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-03-2012, 08:57 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

فالشاهد
أن الصحابة أجازوا الخروج بالسيف , حتى أن الدولة انفكت أوصالها , وهذا كأنه إجماع عمليّ من الصحابة على أن أمر الشورى ركن من أركان الدين .
فالسنة : إقامة الحكم الإسلامي على مبدأ الشورى , والبدعة : ترك هذا , ومن الحقائق التي غابت عنَّا : أنَّ حديث النبي r : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي , يتكلم في الأصل عن الحكَّام الراشدين الذين أقاموا الخلافة على مبدأ الشورى , والتي حدث بعدها ما حدث في الدولة , وهذا معنى خطير جدًا , فنحن قد قصرنا الحديث على اتباع السنة في المَلبس والمأكل والمشرب والبيع والشراء والكلام ... أمَّا دخول الحكم فـي هذا الحديث , فلم يخطر ببال الكثير ,


وكذلك أن يربطوا بينه وبين قول النبي r : أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ([1]).
فإذًا المقصود بقوله : " بسنتي " طريقة الحكم ؛ لأن أول مخالفة حدثت كانت من بني أمية ؛ لأنهم أول مَن أزالوا أمر الشورى , وهذا يتقابل مع ما قاله زعيم بني شيبان ( من أهل اللغة ) : أن لا نُحْدِثَ حَدَثًا , ولا نؤي مُحْدِثًا " . فهو يفهم أن الحدث هو الابتداع في تظم الحكم , فبدلاً من أن يكون السمع والطاعة لفارس وقوانينهم , سيكون السمع والطاعة لمحمد بن عبد الله r .
وطبعًا : لا تزال طائفة من أمتي قائمين بالحق , فأهل العلم قديمًا من الأندلسيين تكلموا في هذا المعنى , وهذا يفيدنا أن أخطر بدعة هي بدعة الحكم , وأهم سنة هي الحكم ؛ وهذا يوضح لنا حديث النبي r : لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ([2]).
والحكم الإسلامي كان مستمرًا حتى 1850 م ولم يكن حكمًا صوريًّا , وإنما كان حكمًا حقيقيًّا , ولكن معنى : " وأولهن نقضًا الحكم " المقصود به زوال ركن الحكم وهو الشورى , الذي وقع في عصر معاوية .
كذلك فإننا لا نعرف من سيرة الحسن البصري إلا أنه العابد الزاهد – وهذا صحيح – لكن هناك جزء مهم جدًا في سيرة الحسن البصري قلَّما يذكره أحد , وهو أنه كان ثائرًا خارجًا على ظلم الحكَّام , مشجعًا مفتيًا بالخروج عليهم ولو بالسلاح .
ومن هنا ننبه على نقطةٍ وهي : إذا فتحنا أي كتاب من كتب العقائد كالعقيدة الطحاوية وبعض كتب العقائد لابن تيمية بخلاف العقيدة الوسطية , ونظرنا على مسألة الخروج بالسيف , نجد أنهم يذكرون أن مذهب أهل السنة عدم الخروج على الحكَّام بالسيف , وهذا أمر عجيب ! لأننا عندما نرجع إلى كتب السلف سنجد أن كبار الصحابة والتابعين خرجوا بالسيف , بل يمكن أن لا تجد أحدًا من الصحابة اعترض على مبدأ الخروج بالسيف على مَن أزال الشورى , وعلى مَن أزال البيعة , بل قد لا تجد من التابعين مَن أنكر الخروج بالسيف , بل الأئمة الكبار , مالك وأبو حنيفة والشافعيّ معلوم عنهم أنهم كانوا مجاهدين للحكَّام , مجيزين للخروج عليهم , وكذلك سعيد بن المسيب وسفيان وسعيد بن جبير قد اشتهر أمرهم بأنهم خرجوا أو أجازوا مقاومة الحكَّام لمجرد أنَّ الحكَّام بدَّلوا طريقة الحكم , مع أنهم لم يغيّروا شرع الله U .
وقد ذكر ابن حزم الخلاف في مسألة الخروج بالسيف على الحكَّام , ولم يكد يستثني أحدًا من كبار الصحابة والأئمة , حتى ابن عمر الذي رفض هذا , ثبت عنه بإسناد صحيح أنه رجع عن ذلك , وندم أنه لم يخرج على الحجاج .
ونحن نعلم أن المنهج السلفي يُنسَب في العصور المتأخرة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية , أو للشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمة الله على الجميع – فلمَّا تقرأ في سيرة هؤلاء تعجب جدًا لِما أصابنا من تعميةٍ لهذا المنهج .
فتجد أن الشيخ محمد عبد الوهاب في أول خروجه , خرج يدعو الناس إلى السنة والتوحيد بالحسنى , بتدرج السنن , فبدأ الناس يعترضوا عليه ويقاومونه , ففوجئوا بأن الشيخ يقول لأتباعه : يجب علينا أن نجاهدهم باليد , فإن لم ينفع , نجاهدهم بالسيف , وهذا في أي كتاب سيرة لمحمد بن عبد الوهاب . فخرج عليه دعاة الباطل يقولون : " إن البلد بها خليفة للمسلمين , فكيف تدعو للجهاد بدون إذن الإمام , فأنت خارجيّ " . فهنا أظهر الشيخ بالأدلة أنه لا يكون خليفة إلا إن دعا للجهاد , ولا يكون خليفة إلا إذا قام على حفظ الدين , فإن فرَّط في ذلك فلا يكون له سمع ولا طاعة .
أمَّا الآن فتجد أن هذا المعنى قد انعكس , تجد أن المشهور في السلفية الآن هو تسكيين الناس عن الخروج عن الحكام , ليس بدعوى أن هذا يترتب عليه مفاسد أكبر – كما نقول – وإنما بدعوى خطيرة جدًا وهي أنه وليّ أمر المسلمين !!!
فهذه الأمور أدَّت إلى تحريف المنهج السلفيّ , فأصبح عبارة عن منهج يختص بركن العبادات , أمَّا كيفية إدارة هذه الدنيا , وما يفعل هؤلاء أو غيرهم , تجد أنهم نزعوا أنفسهم منه , بل تجد أنهم أفهموا الناس أن منازعة وجهاد هؤلاء لتطبيق شرع الله U , جعلوا هذا ليس من الدين , وليس من السلفية في شيء , وطبعًا هذا فهم قاصر جدًا أن يُختصر الدين في مجموعة من العبادات والهيئات فقط .
وقول النبي r : " وأن لا تنازعوا الأمر أهله" كنَّا نقول : معناه أن لا ننازع الحاكم في حكمه , كالوزير وغيره , ثم اتضح لنا أن هذا المفهوم قاصر , فقبل أن يكون حاكمًا , الشعب هو الذي له الحق في أن يقول كلمته من خلال البيعة والشورى , فالشعب هو أهله ؛ فإذًا أي مؤامرة لمصادرة حق الشعب في أن ينتخب أو يبايع أو يتشاور أو أن يفعل ذلك بحرسة , هذا معارض لسنة النبي r في قوله : " وأن لا تنازعوا الأمر أهله" . والشعب هو أهل هذه المرحلة .
إذًا الشورى في الشرع الإسلامي تخص أمرين , الأول : انتخاب الإمام أو الخليفة , والثاني : في كيفية تسيير أمور الحكم , وهذه الشورى يكون حكمها إمَّا للاتفاق , فإن لم يكن فيؤخذ برأي الأكثرية , وهنا قد يُشكل بأن الله U قال : ] فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [[النساء: 59] , فكيف يكون القول قول الأكثرية , والآية تأمرنا بالردِّ إلى كتاب الله ؟
والجواب بأن أمر الشورى ليس في أي شيء , وإنما هو فيما لم يرد فيه نص شرعيّ .
والشورى في الشرع مُلزمة , إمَّا بقول الله U : ] وشاورهم في الأمر [[آل عمران: 159] ,وإمَّا بوضف الله U لهذه الأمة في قوله : ] وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [[الشورى: 38] , فلا يمكن أن تكون الشورى مأمورًا بها , ووصفًا للأمة , ومع ذلك تكون الشورى مستحبة .
?وقبل أن نكمل كلامنا عن أركان الدولة وكيفية قيامها , نقف وقفة لنتكلم عن نقاط تتعلق بما سبق من واقع عملي ؛ حتى تتم الاستفادة من الكلام :
1- أمر السلطان أو إقامة الحكم هو لإقامة مصالح , وقد يكون لإقامة هذه المصالح , تقع بعض المفاسد في سبيل قيام المصلحة الكبرى ألا وهي إقامة شرع الله .
2- قد لا يكون إقامة لشرع الله , ولكن يكون تقليلاً للمفاسد , والوقع المعاصر الذي نعيشه مشابهٌ تمامًا لهذه المرحلة تقريبًا , وأهم شيء في هذه المفاسد التي سوف تزول بإذن الله هي إزالة القيود بين الناس وبين أن يختاروا ما يشاؤون , وفي هذا الصدد يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : والسُّلْطَانُ يُؤَاخَذُ [ يعني من قِبَل الله U ] عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنَ الْعُدْوَانِ وَيُفَرِّطُ فِيهِ مِنَ الْحُقُوقِ مَعَ التَّمَكُّنِ , لَكِنْ أَقُولُ هُنَا : إذَا كَانَ الْمُتَوَلِّي لِلسُّلْطَانِ الْعَامَّ أَوْ بَعْضَ فُرُوعِهِ كَالْإِمَارَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ وَاجِبَاتِهِ وَتَرْكُ مُحَرَّمَاتِهِ على الوجه الأكمل , جَازَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ , وَرُبَّمَا وَجَبَتْ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إذَا كَانَتْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَجِبُ تَحْصِيلُ مَصَالِحهَا مِنْ جِهَادِ الْعَدُوِّ , وَقَسْمِ الْفَيْءِ , وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ , وَأَمْنِ السَّبِيلِ : كَانَ فِعْلُهَا وَاجِبًا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِتَوْلِيَةِ بَعْضِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ , وَأَخْذِ بَعْضِ مَا لَا يَحِلُّ , وَإِعْطَاءِ بَعْضِ مَنْ لَا يَنْبَغِي , وَلَا يُمْكِنُهُ تَرْكُ ذَلِكَ : صَارَ هَذَا مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَوِ الْمُسْتَحَبُّ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا , إذَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ دُونَ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُسْتَحَبِّ , بَلْ لَوْ كَانَتْ الْوِلَايَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ [ تكون الولاية غير واجبة إذا كان هناك بديل آخر , أو المصالح لن تضيع ] وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ظُلْمٍ , وَمَنْ تَوَلَّاهَا أَقَامَ الظُّلْمَ , حَتَّى تَوَلَّاهَا شَخْصٌ قَصْدُهُ بِذَلِكَ تَخْفِيفُ الظُّلْمِ فِيهَا , وَدَفْعُ أَكْثَرِهِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِ , كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا مَعَ هَذِهِ النِّيَّةِ , وَكَانَ فِعْلُهُ لِمَا يَفْعَلُهُ مِنَ السَّيِّئَةِ بِنِيَّةِ دَفْعِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا جَيِّدًا . وَهَذَا بَابٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ [ وهذا ليس كلام شيخ الإسلام فقط , بل يكاد يكون من القواعد المستقرة عند فقهاء المسلمين ] فَمَنْ طَلَبَ مِنْهُ ظَالِمٌ قَادِرٌ وَأَلْزَمَهُ مَالًا , فَتَوَسَّطَ رَجُلٌ بَيْنَهُمَا لِيَدْفَعَ عَنِ الْمَظْلُومِ كَثْرَةَ الظُّلْمِ , وَأَخَذَ مِنْهُ وَأَعْطَى الظَّالِمَ مَعَ اخْتِيَارِهِ أَنْ لَا يَظْلِمَ وَدَفْعَهُ ذَلِكَ , لَوْ أَمْكَنَ كَانَ مُحْسِنًا , وَلَوْ تَوَسَّطَ إعَانَةً لِلظَّالِمِ كَانَ مُسِيئًا . وَإِنَّمَا الْغَالِبُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَسَادُ النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ , أَمَّا النِّيَّةُ فَبِقَصْدِهِ السُّلْطَانَ وَالْمَالَ , وَأَمَّا الْعَمَلُ فَبِفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَبِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ , لَا لِأَجْلِ التَّعَارُضِ وَلَا لِقَصْدِ الْأَنْفَعِ وَالْأَصْلَحِ . ثُمَّ الْوِلَايَةُ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً أَوْ وَاجِبَةً فَقَدْ يَكُونُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْمُعِينِ غَيْرُهَا أَوْجَبُ أَوْ أَحَبُّ , فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ خَيْرُ الْخَيْرَيْنِ وُجُوبًا تَارَةً وَاسْتِحْبَابًا أُخْرَى . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَوَلِّي يُوسُفَ الصِّدِّيقَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ لِمَلِكِ مِصْرَ [ مسألة شرع مَن قبلنا لا ترِد هنا ؛ لأننا نتكلم عن إقامة مظالم , ولا يُتَصور الظلم في شرع مَن قبلنا ] بَلْ وَمَسْأَلَتُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ , وَكَانَ هُوَ وَقَوْمُهُ كُفَّارًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : ] وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ [ الْآيَةَ [ يعني : ما زلتم في شكٍّ منذ جاءكم يوسف u إلى الآن ] وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ : ] يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ [ الْآيَةَ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَعَ كُفْرِهِمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَادَةٌ وَسُنَّةٌ فِي قَبْضِ الْأَمْوَالِ وَصَرْفِهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمَلِكِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَجُنْدِهِ وَرَعِيَّتِهِ , وَلَا تَكُونُ تِلْكَ جَارِيَةً عَلَى سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَدْلِهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ يُوسُفُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا يُرِيدُ وَهُوَ مَا يَرَاهُ مِنْ دِينِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ , لَكِنْ فَعَلَ الْمُمْكِنَ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [ وهذا قطعًا ؛ لأنه نبي الله ] وَنَالَ بِالسُّلْطَانِ مِنْ إكْرَامِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ أَنْ يَنَالَهُ بِدُونِ ذَلِكَ [ لأنه تبع دخولهم مصر أمور كبيرة , فهذا سبب دخول بني إسرائيل مصر , أنهم أول ما دخلوا , دخلوا مع الهكسوس , فلمَّا هُزِمَ الهكسوس , اعتبر أهل المصر أن الهكسوس خَوَنَة ؛ ولذلك لمَّا كانت وظيفتهم عندما جاء فرعون أن يكونوا خادمين فقط ] وَهَذَا كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ :] فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [ . فإذا ازْدَحَمَ وَاجِبَانِ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فَقُدِّمَ أَوْكَدُهُمَا [ أوكدهما من جهة قوة دليله , أو لكثرة المصالح العامة التي تترتب عليه ... وغير ذلك ] لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاجِبًا , وَلَمْ يَكُنْ تَارِكُهُ لِأَجْلِ فِعْلِ الْأَوْكَدِ تَارِكَ وَاجِبٍ فِي الْحَقِيقَةِ . وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ مُحَرَّمَانِ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ أَعْظَمِهِمَا إلَّا بِفِعْلِ أَدْنَاهُمَا , لَمْ يَكُنْ فِعْلُ الْأَدْنَى فِي هَذِهِ الْحَالِ مُحَرَّمًا فِي الْحَقِيقَةِ , وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَرْكُ وَاجِبٍ , وَسُمِّيَ هَذَا فِعْلُ مُحَرَّمٍ بِاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ لَمْ يَضُرَّ . وَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا : تَرْكُ الْوَاجِبِ لِعُذْرِ , وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِدَفْعِ مَا هُوَ أحرم([3]). اهـ .
3- الأركان التي تقوم عليه الدولة الإسلامية – والتي ذكرناها – موجود الآن في أرض الوقع .
يقول أحد العلمانيين : فمن الواضح أن المعركة حول الدولة المدنية والدينية تمثل ساترًا إعلاميًا لمعركة أهم , وهي المعركة الحقيقية , وهي بين الدولة الإسلامية والدولة العلمانية . والمراد من المعركة الدائرة , والتي تقودها النخب العلمانية , إلصاق تعبير الدولة الدينية بكل صور الدولة الإسلامية , وحصر تعبير الدولة المدنية علي الدولة العلمانية , وجعله غطاء لها , بحيث يصبح الحديث عن الدولة المدنية يقود بالضرورة للدولة العلمانية , دون ذكر مصطلح الدولة العلمانية , والذي لا يحظي بالقبول الشعبي([4]).
هذا الكاتب العلماني اعتبر أن الدولة تقوم على ركنين اثنين , الأول : كيفية اختيار الحاكم , والركن الثاني هو : طبيعة الدولة , يقول : فأول ما يحددطبيعة الدولة هو كيفية اختيار الحاكم , ومادام اختيار الحاكم يتم طبقًا للإرادة الشعبية الحرة [ وهذا ما ذكرناه من أن ذلك يكون بالبيعة التي تكون بالشورى الحرة ] فنحن بصدد دولة تقوم علي الإرادة الشعبية الحرة , وهي بهذا دولة مدنية ديمقراطية . والأهم أن الدولة التي تقوم علي الإرادة الشعبية الحرة , هي الدولة الوكيل عن الأمة , والتي تعتبر وكيلاً وخادمًا للأمة [ كأنه ينقل من كلامنا ] ويوكل فيها الحاكم من الأمة , وتظل الأمة هي صاحب الحق الأصيل في اختيار من يحكمها . ولكن الدولة المستبدة , فهي الدولة التي تحكّم فيها الحاكم بدون تفويض من الناس , وتكون الدولة محتكرة من قبل طبقة سياسية أيًّا كانت , ويفرض فيها الحاكم وصايته علي المجتمع , وتصبح الدولة مهيمنة علي المجتمع وليست وكيلة عنه . والدولة المستبدة ليست دينية بالضرورة , بل يمكن أن تكون دولة علمانية مستبدة , أو دولة دينية مستبدة ... والخلاف الحادث حول فكرة الدولة المدنية والدولة الدينية في حقيقته , خلاف حول مرجعية الدولة , ليس خلاف حول طبيعة الحكم , فكل دولة يكون لها مرجعية عليا تستند لها , وهي تمثل منظومة القيم الإنسانية التي تحكم العملية السياسية , وتحكم النظام السياسي , وتلتزم الدولة بها . وقد تكون تلك المرجعية علمانية , أو مرجعية إسلامية . والدولة المدنية الديمقراطية , ودولة المؤسسات والقانون , هي الدولة التي تستمد مرجعيتها من المجتمع , وتعبر عما يجمع عليه المجتمع , أو ما يتوافق عليه , أو ما تختاره الأغلبية . وبهذا إذا اختار المجتمع المرجعية الإسلامية , يصبح مجتمعًا إسلاميًّا , وعليه تكون الدولة إسلامية . وعندما تعبّر الدولة عن المرجعية السائدة في المجتمع , يتأكد أنها دولة مدنية ديمقراطية ؛ لأنها قامت علي الارادة الشعبية الحرة , وتلك الإرادة الشعبية لا يتوقف دورها علي اختيار الحاكم وممثليها , بل يحق لها أولا أن تختار مرجعية النظام السياسي . وفي المجتمع العلماني , تكون الدولة علمانية , وفي المجتمع الإسلامي تصبح الدولة إسلامية ... ولكن الاختلاف الحقيقي حول مرجعية الدولة , وهل تكون علمانية تحيد دور الدين , وتجعل السياسة متحررة من القيم الدينية [ وشهد شاهد من أهلها ] أو تكون إسلامية , تجعل القيم الدينية إطارًا حاكمًا للعمل السياسي([5]) . اهـ .
الركن السادس : لا شورى إلا بحرية ( الحرية ):
وهذا هو أهم مبدأ في الإسلام , وإذا جئنا للكلام على الحرية سنسمع كلامًا عجبًا في الانتقاد والاعتراض في الدولة الإسلامية , فما كان يُصادر قوم أحد , وما كان يُقتل أحد إلا بعد بيان وبعد توضيح , ويوضح ذلك قصة عبد الله بن أُبَيّ بن سلول , ففي قوله تعالى : ] يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [[المنافقون : 8] , ينجد أن معنى هذه الآية خطير جدًا , فهذا يُعَدُّ في مصطلاحاتنا العامة في هذه الأيام , قلبٌ لنظام الحكم , وإسقاط الدولة الإسلامية , وإخراج للنبي r من المدينة ، ومع ذلك لم يتعرض له النبي r بشيء ، بل قال بعد أن بلغه هذا الخبر عنه ، وأراد بعض الصحابة قتله : لا,بل نُحسِنُ صُحبَتَه، وقال : لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه([6]).
وقد بلغ الأمر من ابن سلول أن انسحب بثلث الجيش يوم احد , وترك النبي r وهو في طريقه إلى القتال .
وقد قال رجل للنبي rمعترضًا عليه في قسمة : اعدِلْ يا محمد ، فإنك لم تعدل ! وإن هذه القسمة ما أُرِيدَ بها وجه الله ؟ ! ، فقال النبي r : " ويحك!مَنْ يَعدِلُ إن لَم أَعدِلْ ؟ . فأراد الصحابة ضَربَهُ فقال r: مَعَاذَ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي([7]).
وقال له رجل يهودي - وكان النبي rفي مجلس مع أصحابه - " يا بني عبد المطلب ، إنكم قومُ مَطْلٍ ، أي : لا تُؤَدُّونَ الحقوق ، وقد كان النبي r قد استسلف منه مالاً ، فأراد عمر t أن يضرب اليهودي ، فقال له النبي r: إنَّا كنا أحوجُ إلى غير هذا منك يا عمر،أن تأمره بِحُسنِ الطلب ، وتأمرني بِحُسنِ الأداء ([8]).
وكذلك كان الحال في عهد الخلفاء الراشدين ، فقد كان المسلمون يعترضون على سياستهم ، وينتقدون ممارساتهم ، ولم يتعرض أحد للأذى بسبب هذه المعارضة ، مما يدل على رسوخ مبدأ الحرية .
وقد كان الخلاف جَليًا بين المهاجرين والأنصار في شأن تولي السلطة بعد النبي r حتى قال الحبَّابُ بن المنذر الأنصاري يومها : منا أميرٌ ومنكم أمير ، ورَدَّ عليه أبوبكر بقوله : قد عرفتم أن هذا الحيَّ من قريش بمنـزلة من العرب ليس بها غيرهم ، وإن العرب لا تجتمع إلا على رجل منهم ، وفي رواية : لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش([9]).
فأبو بكر t احتجَّ عليه بمثل الحجة , فلم يقل له – مثلاً - : لا يحق لك أن تتكلم بهذا الكلام .
وقد اعترض عمرُ على أبي بكر عندما أراد قتال أهلِ الردة ، وما زال أبو بكر يُجادِلُ الصحابةَ حتى أقنعهم برأيه([10]).
ودخل رجلٌ على أبي بكر فأغلظَ الرجل القولَ لأبي بكر ، فقال أبو بَرزَةَ الأسلمي : ألا أضربُ عنقه يا خليفة رسول الله ؟ فغضب أبو بكر من هذه الكلمة التي قالها أبو برزة ، وقال : لا والله ما كانت لأحد بعد رسول الله([11]).
وقد اعترض بلالٌ الحبشي t ومعه جماعة من الصحابة على سياسة عمر في شأن الأرض المَغنُومة ، وطالبوه بتقسيمها على الفاتحين ، ورَأى عمرُ وقفها على جميع المسلمين ، وما زالوا يُجادلونه حتى دعا الله عليهم ، وكان يقول : اللهم اكفني بلالاً .
فلم يجد الخليفة من وسيلة لمواجهة معارضيه في هذه القضية إلا محاورتهم ثم الدعاء عليهم ، وقد كان بلال أشد الناس معارضة لعمر ، فجمع عمرُ الصحابة وقال لهم : قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين يزعمون أني أظلمهم حقوقهم ، وإني أعوذ بالله أن أركب ظلمًا ، لئن كنت ظلمتهم شيئًا هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شَقِيتُ([12]). وقد رضي الناس واقتنعوا برأي عمر ، وأجمع الصحابة عليه بعد ذلك ، وقد استطاب نفس من لم يرضَ منهم([13]).
وإذا كانت المعارضة الفرديةُ لسياسة الخلفاء هي الأبرز في عهد أبي بكر وعمر ، فقد ظهرت جماعات منظمة معارضة لسياسة عثمان t ، وقد بدأت في البصرة والكوفة ومصر , ثم أصبحت أكثر انتشارًا , واستطاعت أن تستقطب إلى صفوفها بعض الصحابة كعمار بن ياسر الذي أرسله عثمان t لمعرفة أخبار هذه المعارضة في مصر ، فانضم إلى صفوفها([14]). وهذه هي المرحلة الأولى من المعارضة , وكل ذلك ولم يتخذ معهم عثمان t أي إجراء , والأعجب من ذلك أن والي مصر أرسل يستأذن عثمان أن يتخذ إجراءً مع عمَّار , فنهاه عن ذلك أشد النهي .
وقد كانت المطالب التي طالب بها المعارضون لسياسة عثمان محددة , تتمثل في الإصلاح السياسي , والإصلاح الاقتصادي , والإصلاح الإداري , وقد تم الاتفاق بين المعارضة وبين الخليفة الراشد عثمان بن عفّان على هذه الشروط ، وتم توثيقها بحضرة علي بن أبي طالب ، وقد أثنى عثمان t على الوفد المِصري الذي عَقَدَ معهم الاتفاق([15]).
وفي رواية : قال أبو سعيد مولى أبي أسيد : فقالوا [ أي المعارضة ] : والله لقد أحسنت يا أمير المؤمنين - في أمور سألوه عنها فَتَابَ منها ورجع عنها - ثم قام خطيبًا ، فقال : ما رأيت ركبا كانوا خيرًا من هؤلاء الركب ، والله إن قالوا إلا حقًا ، وإن سألوا إلا حقا([16]).
كل ذلك يؤكد مدى الحرية السياسية التي رَسَخَت في عهد الخلفاء الراشدين ، فهذه هي المرحلة الأولى , وقد كانت قادة هذه المعارضة وزعماؤها من الصحابة ومن كبار التابعين ومشاهيرهم من القراء وأبطال الفتوح الإسلامية , وبعضهم أصبح فيما بعد من قادة جيش عليّ t كالأشتر النخعيّ , وقد ولاه عليّ لى مصر , ومحمد بن أبي بكر , وزيد بن صوحان وغيرهم .
وبعد ذلك خرجت هذه الحركة إلى نوع من الانحراف ( المرحلة الثانية ) حينما خرجت لحصار عثمان , وكان سبب ذلك أن بعض أهل الشر أحدث فتنة , فظنوا أن عثمان نكث العهد , فذهب إليه بعض أهل الشر وحاصروه , وطالبوه بتسليم مروان , فرفض خشية أن يقتلوه , ثم طالبوا بخلع الخليفة , فقال : لو خلعني الذين بايعوني فعلت , وهذا يبيّن ما قلناه من أن عقد البيعة عقد وكالة .
فاستشار عثمان عبد الله بن عمر , فأشار عليه بعد الموافقة على هذا الطلب , وقد علل عثمان رفض هذا الطلب كما في أكثر الروايات بأنه يخشى حدوث فتنة وقتال بين الأمة , وكل ذلك يبيّن مدى ما كان يتمتع به هؤلاء المعارضين من حرية , وفي بعض الروايات بأن النبي r أوصاه بالصبر وعدم خلع نفسه من الخلافة ؛ مما يدل على مشروعية هذا الطلب في الأصل .
وبعدما نتخطى مرحلة الخلافة الراشدة , ونأتي إلى عصر معاوية سنجد أن معظم هذا العصر كان عبارة عن مراجعات حقيقية بين معاوية وأصحابه , حتى من عائشة - رضي الله عنها – يضيق المقام بذكرها , إلى أن يأتي عصر الدولة العباسية , سنجد أن هذا العصر كانت أشد وأعلى أنواع الاعتراض على الخلفاء , فالعباسيين استولوا على الدولة بحدِّ السيف ؛ لأنهم وجدوا أن الفساد وصل به الحال لأن يُخْلَع الخليفة , لكن في أثناء خلعه ارتكبوا أشياءً ليست من الشرع في شيء , واستولوا على أشياء ليست لهم كالأموال , بدعوى تأمين الحدود , وقد كانوا صادقين , لكن ليس هذا مبررًا لأن يأخذوا أموال الناس .
فأبو حازم ينصح أحد الخلفاء فيقول : إن آباءك قد استولوا على هذا الأمر بالسيف , وأثروا ما ليس لهم , فلو تعلم يا أمير المؤمنين ما قالوا , وما قيل لهم ؟ يعني في قبورهم .
وأبو جعفر كان إمام وخليفة مُمَكَّن , وكان على دين , ولكنهم استولوا على الحكم بتأويل فعلوه , فلننظر ما قال فيه العلماء , كان الخليفة حريصًا على أن يأتيه سفيان , وسفيان هارب منه , فأتى عليه سفيان فقال له : ماذا ترى ؟ قال : عليك يا أمير المؤمنين بسيرة عمر . فقال له : كان مع عمر أصحابه . فقال له : فعمر بن عبد العزيز ؟ فقال الخليفة : فإذا لم أطق ؟ فقال له : اجلس في بيتك .
ودخل المهدي أيضًا المسجد , فلم يبق إلا من قام إلا ابن أبي ذئب – وكان قرين مالك – . فقيل له : قم فهذا أمير المؤمنين ، فقال : إنما يقوم الناس لرب العالمين ، فقال المهدي : دعوه فقد قامت كل شعرة في رأسي . فاستدعى ابن أبي ذئب فقال له : ما تقول في الحسن بن كذا بن كذا بن فاطمة ؟ فقال : إنه ليتحرى العدل ، فقال له : ما تقول فيّ ؟ فقال : والله إنك لجائر ، قال مالك : فضممت ثيابي [ حتى لا يأتي الدم على ثيابه ؛ لأنه توقع أن الخليفة سيقتله لا محالة ] فأمره أن يناوله المحبرة , فلم يناوله وقال : انصرفا .
فلو استعرضنا عصر الخلفاء الذي يسمّونه بالسفاح وغيره , سنجد أن بطش الخلفاء كان على مَن رفع السيف , أمَّا مَن لم يرفع السيف وانتقد الدولة , فكانوا يسمعونه .
أيضًا عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن عباس , كان قويًّا جدًا وغشومًا جدًا , وهو الذي أزال بني أمية من الشام كلها , فاستدعى الأوزاعي إلى أن حصل عليه , فقال له : ما الذي منعك عنا يا أوزاعيّ ؟ أريد الأخذ منكم والاقتباس عنكم ... ثم قال له : يا أوزاعيّ , أترى أن ما قمنا به هو رباط في سبيل الله ؟ فقال : إنما الأعمال بالنيات . فاستشاط غضبًا , وقال : أترى أن دماء بني أمية حلال لنا ؟ فقال : قال رسول الله r : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث. فاستشاط غضبًا وقال : ألم يعهد إلينا رسول الله r بالوصية ؟ فقال : لو فعل هذا يا أمير المؤمنين , ما رضي عليّ بمَن قبله , وما رضي بأمر الحكمين .
فإذًا هكذا كانت حرية الشعب في أن يقولوا لهم ما يشاؤون .
ويجب التنبيه إلى أن الشرع قد أعطى هذا الحق للجميع , فالنبي r مات والإسلام قد انتشر في كل ربوع الجزيرة , ثم يأتي بعد ذلك مَن يقول : " إن الإسلام انتشر بالسيف " ! وهذا لا يُمكن أن يُصَدَّق , فالإسلام انتشر في كل ربوع الجزيرة , وعدد القتلى لم يتجاوز ألفًا .
وفيما يتعلق بالرِّق والعبيد , النبي r لم يُقسم المجتمع إلى أحرار وعبيد , بل هذا كان نظامًا قائمًا في بلاد العرب وفارس والروم , وذلك بالانتصرات التي يحرزونها على الآخرين , فيستولوا على ما عندهم , لكن دين الإسلام تعامل مع هذا الأمر بأمور لا يُمكن أحد أن يتصورها , فجعل من أعظم القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله U أن يعتق الرقاب , وهذا نجده في الآيات المكية , بل جعلها الله U فرضًا على المسلمين في عدة مواضع , ولو ضرب السيد عبده , فهذا يكون عتقًا له , ولا يجوز له أن يخاطبه بـ " عبدي وأمتي " , والآخر لا يقول : " سيدي وسيدتي " , وإذا نكح السيد أمته , فلا يجوز لأحد من العائلة أن يطأها , وإن حملت منه تكون حرة .
وقال الله U في ذلك أيضًا : ] فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [[النور: 33] , يعني : إن رأى فيه الخير , يجعل له ثمنًا , ثم يقول له : اذهب وسدد لي المبلغ على مدار كذا سنة , في كل سنة كذا , وهذا الأمر من الله U للوجوب على الراجح .
والأهم من ذلك أنه قد ثبت عن عمر t بالإسناد الصحيح أن عمر حرر جميع عتقاء العرب , فلم يمت tوالعرب فيها رقيق , حتى أنَّ مَن لم يستطع أن يدفع , دفع له من بيت المال .
وقد نصَّ الإمام مالك في المُدَوَّنة أنه إذا اتفق البلدان على أن لا يسترق أحد منهم في الحرب , فيجب ذلك , وأشد من ذلك أن الطرف الآخر الذي عقد مع المسلمين هذه المعاهدة , لو دخل مع حرب في طرف ثالث , فأخذ منه هذا الطرف أرقَّاء وعبيد , وأراد أن يبيعها للمسلمين , فلا يجوز له أن يشتريها .
رد مع اقتباس