عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 09-30-2010, 03:49 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بالفلوس ، وتركوا ديارهم وأموالهم .
مُكَافَأَةٍ الْلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ- لَلْمُهَاجِرِيْنَ: لأجل هذا كافئهم الله- عز وجل- بأن أحل لهم الغنائم في بدر وما حَلَت لأحد قبلهم قط في الدنيا كلها قال النبي- صلي الله عليه وسلم-: " لن تحل الغنائم لسود الرؤوس غيركم " وقال- عليه الصلاة والسلام- في سبب إحلال الغنائم قال: " لما رأي الله عجزنا وضعفنا أباحها لنا " ، كافئهم عن الأموال التي تركوها في ديارهم بأن أباح لهم الغنائم ، والحمد لله زادت الغنائم حتى الآن مباحة للمسلمين إذا قاتلوا عدوهم فغنموا .
كَرَمِ الْأَنْصَارِ لَلْمُهَاجِرِيْنَ :عبد الرحمن دخل المدينة فقيرًا فأخا النبي- صلي الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، فوقعت المؤاخاة بين عبد الرحمن وسعد بن الربيع كما في صحيح البخاري ، وقد روي البخاري هذا الحديث في أكثر من عشرة مواضع من صحيحه ، فسعد بن الربيع أول ما آخي الرسول- صلي الله عليه وسلم- بين عبد الرحمن وبين سعد ، قال له سعد: أنا أكثر الأنصار مالًا خذ شطر مالي ، وعندي زوجتان أنظر أعجبها إليك أطلقها ثم تتزوجها ، وهذه مسألة غريبة جدًا عند العرب ، العرب قوم غيورين كافر وغيور .
الْأَجَانِبِ بِخِلَافِ الْعَرَبِ لَا يَغَارُوْنَ عَلَىَ أَعْرَاضِهِمْ:بخلاف الدياييس وهم الأجانب ، ديوس يتبادل المرأة يعطي زوجته عن طيب خاطر لواحد آخر ويأخذ زوجة الرجل الثاني وغير ذلك ، حتى أن فيه واحد أديب مشهور عندنا سنة حوالي ثلاثة وثمانين وكان عمره ثلاثة وثمانين سنة عندما ذهب إلي فرنسا في رحلة ورجع فقالوا له: ما أكثر شيء عجبك في فرنسا ؟ قال لهم الزواج الجماعي .
أَمْثِلَةِ لْغَيْرَةِ الْعُرْبِ عَلَىَ أَعْرَاضِهِمْ:فالعرب كانوا قومًا غيورين علي العرض ، ولعل مر بنا كلام سعد بن عباده ، عندما جاء هلال بن أمية الواقفي وقال: يا رسول الله وجدت رجلاً مع امرأتي ولم تكن نزلت آيات الملاعنة بين الرجل وامرأته فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" يا هلال أربعة شهداء أو حد في ظهرك " ، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله . أدع لكاعًا معها ولا أهيجه ؟ أول ما أجده معها وأذهب للطريق أقول لهم تعالوا أربعة لكي نلحق به وتشهدوا عليه ." أدع لكاعًا معها وألتمس له أربعة شهداء والله ما أعطيه إلا السيف ، فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" فانظروا ماذا يقول سيدكم ؟ "_ كيف ؟ لأنه يخالف الآية _فقالوا يا رسول الله: إنه غيور والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرًا وما طلق امرأة فجرأ أحدنا أن يتزوجها بعده ،" الذي يطلقها سعد بن عبادة تظل طول عمرها بلا زوج لأنه غيور ، لا يتحمل أن هذه كانت في يوم من الأيام امرأته وبعد ذلك أصبحت امرأة شخص آخر ، فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" إن سعدًا يغار ، وأنا أغير من سعد ، والله أغير مني ، ولذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ". مسألة الغيرة عند العرب هذه كانت مسألة كبيرة ، فكيف السماحة وصلت إلي درجة أن يقول: أنظر أعجبهما إليك ،قال عبد الرحمن المُملِق الذي ليس عنده فلس:" بارك الله لك في اهلك ومالك ولكن دلني علي السوق.أنظر إلي الناس الذي لديهم عزة نفس ، أنا أستغرب علي الشباب الذي بعد أن تخرج يجلس من غير عمل ويقول: أصل لا يوجد عمل يناسبني ، ويرضي أن يمد يده ويأخذ المال سواء من أبيه ، أو من أخيه ، أو من عمه ، أو من خاله أو يتلقي زكاة من الزكوات وهو قادر علي أن يعمل وأن يحفظ ماء وجهه ,لكن هذه هي إشكال تربية المجتمع الزراعي ، المجتمع الصناعي يقلب علي الفور لا يوجد شيء غالي عند واحد في المجتمع الصناعي ، إنما المجتمع الزراعي مختلف .وأنا مرة كنت في سفر معين فنزلت انتظار في سويسرا ، وجالس انتظر أن الرحلة التي ستذهب إلي البلد كنت ذاهب إليها وهي أسبانيا وقتها ، فكنت منتظر الطائرة حتى نأخذ أربع أو خمس ساعات في المطار ، فجلست أراقب الناس التي تمشي ، فوجدت رجل وزوجته طبعًا كل واحد يحمل متاعه في مخلة مثل مخلة الجيش علي كتفيه، وولد ابنهم الصغير مثلهم بالضبط يحمل مخلة مثلهم وكانوا يتجولون في المطار يذهبون ويعودون كأن المخلة كانت ثقيلة علي الولد قليلاً ، صار الولد يصرخ وأنا فهمت من الحركات أنه يقول أنها ثقيلة عليه خذوها مني ، لا الأب نظر إليه ولا الأم نظرت إليه ، فخلع الولد هذه المخلة ورماها وأخذ يتمرغ في الأرض ، تركوه هم سيعودن إليه ، والولد بعد أن تمرغ علي الأرض قعد ووضع يده على خده ثم قام يجرى وحمل المخلة وانطلق ورائهم ,نحن إذا حدث هذا عندنا نقول له ما بك يا حبيبي ، ثقيلة عليك هات هذه نحملها عنك أن أحمل المخلتين وأنت امشي فارغ ، ليس في هذا مشكلة ن لا ، هذا أثر التربية في المجتمع الزراعي .
مَا الْمُرَادُ بِتَرْبِيَةِ الْمُجْتَمَعِ الْزِّرَاعِيِّ هَذِهِ ؟ المزارع أو الفلاح يرمي البذرة في الأرض وينتظر البذرة لما تطلع ، طلعت بورقتين يبدأ يتخلص من الحشائش والنجيل وغير ذلك ، ثم بعد أن تكبر قليلاً يرويها في مواعيد معلومة وينتظر ، ثم يبدأ يضع لها كيماويات ومبيدات ، أي فيه شيء من التواكل ، وتجد الواحد حتى منا يقول له والده أنت أثناء الدراسة لا علاقة لك بالعمل ، أنت عليك أن تذاكر وتتفوق وأنا أصرف عليك ، يطلع الولد في الدراسة يذاكر وفي الأجازة يقول أتركه أصله متعب طوال العام ,وطبعاً لم يتعب ولا يحزنون ، كلهم يلعبون ، ولا أحد يذاكر ولا حاجة ، فيكون الولد في المدرسة يذاكر أو في الجامعة وفي الأجازة يجلس في البيت لا يعمل ، وبعد أن ينتهي من الجامعة لا يحسن شيئًا ، أبوه كل مدة يقول له: اذهب وابحث عن عمل ، وهو لا يعرف حاجة ، لم يتعلم شيئًا ، لما بسبب أنه منتظر ، كما ترمي البذرة في الأرض وتنتظر لما تخرج الورقتين ، هو منتظر لما تأتي له الوظيفة ، ولابد أن تأتي له وظيفة معقولة تناسب الطموح الذي عنده والدراسة الذي عنده والليسانس أو البكالوريوس ، ومتواكل على هذه المسألة ,فهذه لها تأثير ، تربية المجتمع عمومًا هي تربية خاطئة ، جعلت الشباب كله متواكل لا يريد أن يعمل ، أنا فاكر قديمًا وأنا في الصف الأول الثانوي كان عندنا في بيتنا بيتان وباب وسط ، البيت الذي نعيش فيه ، وباب الوسط يذهب بك على بيت الدجاج والبهائم أي الحظيرة ، وكانوا وهم يعملون الباب الظاهر لم يجدوا حاجة معينة ، فبدل من أن يضعوا ترباس لغلق الباب أحضروا خشبة لغلق الباب .أنا في يوم من الأيام الباب انفتح ودخل علينا الدجاج فأنا قمت لأجمعهم وأدخلتهم إلى الداخل وبحثت عن الخشية لأغلق الباب فلم أجدها بماذا أغلق الباب ، وصعدت على السطح ولم يكن فيه أسطح خراسانية أو غير ذلك ، لا البيت بالطوب اللبني وفوقها القش الذي كان يعتبر وقود للفرن وغير ذلك ، وتجد ثلاثة أمتار من القش فوق السطح وهذا القش يكون فيه الخشب وفوارغ الذرة بعد أن نزعنا منه الحب وأظل أبحث داخل القش وذلك لكي أجد ما أغلق به الباب ، فربما أظل أبحث ثلاث ساعات حتى أجد الخشبة أو غير ذلك .مع أنه كان بإمكاني أن أحضر مسمار واثنيه وأعمله ترباس ، لا ، لم تخطر على عقلي ، أنا أريد خشبة أي خشبة ، وهذا نوع من تربية المجتمع الزراعي لم أتعود أن أعمل رأسي ، طلعت ووجدتها هكذا ، فهي هكذا ، وأنا أقول للشباب أنت عندك أكبر استثمار وهي صحتك ، أخرج واعمل أي عمل ليس عيب أنك تعمل أي عمل ، لابد أن تعف نفسك لتكون ذا مروءة لأن مد اليد سيء ، يجعلك سميك الوجه ، وليس عندك مروءة مع طول الزمان .عبد الرحمن بن عوف يقول له: يعرض عليه نصف المال أكثر أهل المدينة مالاً كان سعد بن الربيع ويزوجه بدون مال ، فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك دلني على السوق ، انطلق عبد الرحمن- رضي اله عنه- يتاجر في السوق بقدر ما أعجبني بذل سعد وسماحة نفسه أعجبني نبل عبد الرحمن وأنه لم يأخذ شيئًا من مال أخيه .بعد عدة أيام الرسول- عليه الصلاة والسلام- وجد عليه صفرة ، وهذه الصفرة تكون على العروس ، فلما لقيه في بعض الطرق قال:" مهيم يا عبد الرحمن " _، ما هي الحكاية ؟ قال: تزوجت ، بعد أيام قليلة تزوج _ قال: بكم أصدقتها ؟ قال بنواة من ذهب ، قال له: بارك الله لك أولم ولو بشاة " وكان عبد الرحمن لو تاجر في التراب لربح ، حمل حفنة تراب من على الأرض وتاجر فيها لربح ، وغنى عبد الرحمن معروف ، ولما مات كان له زوجات كل زوجة أخذت الثمن ، ثمن المرأة مائة ألف ، يوم مات خلف ألف بعير وثلاثة ألاف شاة ومائة فرس وعشرين ناضحاً كان يزرع بها أرضًا في الجرف ، مكان اسمه الجرف على بعد أميال من المدينة .
عَبْدِ الْرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ الَّذِيْنَ سَبَقَتْ لَهُمْ الْحُسْنَىَ:سبقت له الحسنى حديث صحيح رواه يعقوب بن سفيان الفسوى في تاريخه والحاكم في المستدرك ، أن عبد الرحمن بن عوف غشيَّ عليه حتى ظنوا أنه مات ، وانطلقت زوجته أم كلثوم بنت عقبة إلى المسجد لكي تجد أحد يسمعها كلمتين في الصبر على فقد الزوج ، وبعد مدة أفاق عبد الرحمن .
أول كلمة نطقها بعد ما أفاق كبر ، فلما كبر ، كبر بتكبيره أهل البيت ، لم كانوا يعتقدون أنه مات ، فقال لهم غُشيَّ عليَّ ؟ قالوا نعم ، قال: رأيت أن رجلين أخذاني وفي احدهما غلظة وفظاظة ، فقالا لي: تعالي نحاكمك إلى العزيز العليم فاعترضهما رجل ، فال لهما إن هذا ممن كتب الله له السعادة وهو في بطن أمه وسيمتع به بنوه إلى ما شاء الله ، فعاش بعد هذا شهرًا .مات عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- سنة اثنين وثلاثين في خلافة عثمان عن خمس وسبعين سنة .
حَدِيْثٍ عَبْدِ الْرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوا حَدِيْثٌ مُنْكَرٌ:أما الحديث الذي له طرق أن عبد الرحمن - رضي الله عنه- يدخل الجنة حبوًا بسبب غناه فكل الطرق لهذا الحديث لا تصح وهو حديث منكر ، وفي بعض طرق الحديث أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ظل ينتظر عبد الرحمن وهذا الكلام في الآخرة بعد ما يدخل الجنة ، حتى يأس أن يراه ، فلما جاء عبد الرحمن قال له النبي- صلي الله عليه وسلم- ما ظننت أني أراك ، قال يا رسول الله من شدة الحساب ,ولكن كما قلت لكم هذا الحديث حديث منكر لا يصح .
انتهي الدرس الثالث عشر
المحاضرة الرابعة عشر
فلا زال حديثنا موصولاً عن كلام بن الجوزي-رحمه الله تعالي- في هؤلاء الذين يعبدون الله- عز وجل- بالجهل وإما بالرأي ، وصلنا إلى كلامه عن الدنيا وعن المال قال رحمه الله: ( فبَانَ لَنا أن الذَّمَ إنما هو لأفعَالِ الجَاهلِ أو العَاصِي في الدُّنيا ، فَإِنَّه إذا اقتَنَى المالَ المُباحَ و أدَى زكَاتهُ لم يُلَم ,وقد عُلمَ ما خَلَفَ الزبير وبن عوف و غيرهما ، وبلغت صدقة علي- رضي الله عنه- أربعين ألفًا وخلَّف بن مسعود تسعين ألفًا )أما علي رضي الله عنه: فكان فقيرًا في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى أنه- رضي الله عنه- لما أراد أن يتقدم لخطبة فاطمة- رضي الله عنها- لم يكن معه المهر ، حتى قال له النبي- صلى الله عليه وسلم- أين درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم كذا وكذا ، الدرع التي كان يقاتل بها ، كان يلبسها إذا قاتل ، وهي درع من حديد ، فجعلها مهرًا لابنته ، ولم يكن معه مالٌ يتمول به ، وصل به الحال- رضي الله عنه- أنه تمول وتقدم في إحراز المال حتى أن صدقته بلغت أربعين ألفًا ، التي هي الزكاة . (وخلف بن مسعود تسعين ألفًا .)وكان أيضًا بن مسعود- رضي الله عنه- ممن لم يتمول في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- وإن كان هذا الخبر أن بن مسعود تمول تسعين ألفًا لا يصح من جهة النقل لأن فيه سيف بن عمر ، وهو متروك .و كان- رضي الله عنه- فقيرًا حتى كانت امرأته تعطيه زكاة مالها ، كما ثبت في الصحيحين من حديث زينب امرأة بن مسعود أنها سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:" تصدقن ولو من حليكن، فلما سمعت زينب زوجة بن مسعود ذلك وكانت تنفق على أيتام في حجرها ، فقالت لابن مسعود سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هل يجوز أن أصرف لكم أموال الصدقة أي الزكاة ، فقال لها بن مسعود: سلي أنت ، فانطلقت زينب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لتستفتيه ، قالت: فوجدت امرأة من الأنصار بالباب حاجتها حاجتي ،وكانت المرأة الأنصارية هذه اسمها زينب أيضًا ، قالت: فمرَّ بنا بلال فقلنا له: سل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن كذا وكذا_ أي عن المسألة التي من أجلها ذهبت_ ,فقال يا رسول الله إن امرأة بالباب تقول كذا وكذا ، قال: من هي ؟ قال: زينب ، قال: أي الزيانب ، قال: زينب امرأة بن مسعود ، قال: " نعم لها أجران أجر الصدقة وأجر القرابة " أي أن المرأة يجوز إن كانت صاحبة مال أن تعطي زوجها من مال الزكاة ، لماذا ؟ لأنه هو أولي ينفق على أولادها وينفق عليها ، فكان بن مسعود_ رضي الله عنه- كذلك .وحديث أيضًا ترويه رائطة ، وهي أم ولد بن مسعود ، أم ولد تدل على أنها أمة ولم تكن حرة ، وكان أيضًا لها مال وحدث معها مع بن مسعود نفس الكلام ، لكن الزيادة في حديث رائطة ، أنها قالت: "إن إنفاقي عليكم حرمني من الصدقة " لأنها كانت تتصدق على الناس ورأت إن إعطاء بن مسعود الصدقة حرمها أن تتصدق ، فسألت إذا كانت ما أعطيه لك من الصدقة إنما إذا كان لا يعد من الصدقة فهي تريد أن تحرز أو تصيب سهمًا في التصدق بن مسعود رضي الله عنه ما مات حتى كان موسرًا . (وَكَانَ الْلَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُسْتَغَلَّ كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِيْنَ أَلْفا )وكان الليث بن سعد يستغل : أي كانت غلته ، غلة الأرض والتجارة وغير ذلك ، كان يستغل كل سنة عشرين ألفًا ,الليث بن سعد فقيه أهل مصر وبن الجوزي يدلل على أن الفضلاء كانوا يمتلكون المال ، أي أن المال ليس عيبًا ، لأنه لو كان اقتناء المال يذم ما تموله هؤلاء الفضلاء ، وهذه هي الأمثلة التي يضربها بن الجوزي- رحمه الله- .يقول: الليث بن سعد يستغل كل سنة عشرين ألفًا ، والليث كما قال الشافعي- رحمه الله - ، قال: الليث أفقه من مالك ، لكن أصحابه لم يقوموا به .وهذه أرزاق ، الصحبة أرزاق ، المذاهب ليست أربعة فقط كما قد يتبادر إلى ذهن بعض الناس ، المذاهب الأربعة الفقهية عند أهل السنة ، وهي المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي ، لا ، هؤلاء العلماء رزقوا بتلاميذ نجباء نقلوا أقوالهم وفسروها وحرروها وبحثوا عن القواعد التي يمكن فتاوي الإمام تلتئم عليها ، فالليث لم يقم أصحابه به ، سفيان الثوري ، أبو عمر الأوزاعيأبو عمر الأوزاعي: هذا كان إمام أهل الشام حتى قال فيه مالك:لا يزال أهل الشام بخير ما بقي فيهم الأوزاعي ، ويوم مات الأوزاعي جاء رجل إلى سفيان الثوري فقل له يا أبا عبد الله رأيت أمس كأن وردة قلعت من الأرض وارتفعت في السماء ، قال ويحك أنظر ما تقول ؟ لو صحت رؤياك مات الأوزاعي ، فجاء نعي الأوزاعي من أخر النهار .
الْثَّوْرِيُّ وَتَقْدِيْرُهُ لِلْأَوْزَاعِيِّ بِرَغْمِ الْخِلَافِ :هذا الكلام يقوله سفيان الثوري عن الأوزاعي مع أنه جرت بين الأوزاعيوبين سفيان الثوري مناظرة في فرع من الفروع الفقهية فاحتد عليه الأوزاعي وقال له: قم بنا نلتعن عند المقام أينا أصوب ، أي يلعن بعضنا بعضًا عند المقام في البيت الحرام فتبسم سفيان الثوري وقال لم يصل الأمر إلى هذا ، وانتهت المناظرة وإذا سفيان الثوري آخذٌ بلجام بغلة الأوزاعي ، يسلُّ بغلة الأوزاعي في الزحام ويقول أوسعوا لبغلة الشيخ ، من الذي يعمل ذلك ؟ سفيان الثوري يأخذ لجام بغلة الأوزاعي ، هؤلاء هم الذين رباهم العلم ، كانوا يتزينون بالعلم .
وأنا في الحقيقة أتمني أن الأخوة يطلعوا على تراجم أهل العلم ، ممكن يختلفوا لكن تبق الأخوة كما هي ، أنا لا أتصور أن تعصف مسألة خلافية بإخوة اثنين فإن حدث فالواقع أنه ليس بينهما أخوة أصلاً ، لأن الأخوة بنيان متين ، لا تعصف به لا مسألة ولا اثنين ولا عشرة ولا عشرين ، نحن نختلف لكن الأخوة ليس لها شأن بذلك الموضوع ، إلا أن نختلف في الأصول خلافًا يفرق مثل القول بخلق القرءان فرق بين أحمد وبين أحب الناس إليه وأقرب الناس إليه ، مثل يحي بن معين وعلى بن المديني ، نعم ممكن ,لكن في الفروع ، الفروع أكثر أن تنضبط ، الأخوة بنيان متين لا تعصف به الخلافات الْشَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ فِيْ الْأُخُوَّةِ مَعَ الْخِلَافِ:يونس بن عبد الأعلى أحد الأئمة الثقات ، وهو من مشايخ البخاري ومسلم وكان رفيقًا للشافعي ، قال: اختلفت مع الشافعي في مسألة ، فجاءني والشافعي هذا شيخ يونس ، والشافعي حاجة كبيرة جدًا جدًا ، ولا أعبر عنه بقلم ، شيخه واختلف مع التلميذ ، قال يونس التلميذ فجاءني فطرق بابي وأخذ بيدي ، وقال يا أبا موسي ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة ، هل ينفع أن نظل على الأخوة حتى لو اختلفنا في كل مسألة ولم نتفق في مسألة ، طالما هذه المسألة مسألة فرعية .فهؤلاء الأئمة الكبار كانت لهم مذاهب ، مثل داود الظاهري له مذهب الظاهرية كذلك بن جرير الطبري أبو جعفر الإمام الكبير كان له المذهب الجريري وكل هذه المذاهب التلاميذ لم يقوموا ،من يمن الشيخ ، من يمن طالعه أن يرزق بتلاميذ أوفياء هم الذين ينقلون علمه .
مَافَعَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ لِلْمَذْهَبِ الْشَّافِعِيُّ:البيهقي مثلاً هو صاحب الشافعي ، الصحبة المعروفة عند المتأخرين أن كل من تمذهب للشافعي صار من أصحابه ، لو تعرفوا ما الذي فعله البيهقي للمذهب الشافعي ،كتيبة من أهل العلم لا يعرفون أن يعملوا ما عمله البيهقي الشافعي حتى قال الجويني ما من شافعي إلا وللشافعي عليه فضل إلا البيهقي فله الفضل على الشافعي لأنه قرب مذهبه وذب عن المذهب أمام الخصوم الكتب الفقهية التي صنفها البيقهي لخدمة المذهب الشافعي,وصنف كتاب معرفة السنن الآثار وصنف كتاب الخلافيات التي كانت بين أبي حنيفة والشافعية وصنف كتابًا في تخريج أحاديث الأم للإمام الشافعي . والمسائل التي توقف الشافعي في الحكم بها لأنه لم يعرف صحة الحديث اثنين وخمسين مسألة ، موجودة في كتب البيهقي كلها ، والحافظ بن حجر العسقلاني جمع كل هذه المسائل في كتاب لا أعلم عنه شيئًا وهو لا يزال مخطوطًا سماه[ المنحة فيما علق الشافعي به الحكم على الصحة ] يقول إن صح هذا الحديث قلت به .الحاصل: أن المذاهب الفقهية كثيرة ، لكن أصحاب حرروا المذهب ونقلوه لمن بعدهم وآخرون لم يقوموا بالمذهب ، من هؤلاء العلماء الفضلاء الكبار الليث بن سعد وهو إمام أهل مصر وهو أفقه من مالك كما قال الشافعي وحسبك بالشافعي حكمًا ، لاسيما فيما يتعلق بالفقه .(وَكَانَ سُفْيَانُ يَتَّجِرُ بِمَالٍ ).سفيان الثوري أبو عبد الله الإمام الزاهد القدوة شيخ الإسلام وأمير المؤمنين في الحديث وكان العلماء يفضلونه على شعبة ، هم الاثنين كفرسي رهان شعبة بن الحجاج وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وكان شعبة يفضل سفيان على نفسه ، يقول: سفيان أمير المؤمنين في الحديث ,الذي يقول ، ما أشد إنصافهم ، كان لما يُزكي يزكي يحي القطان يقول: لا أقدم علي شعبة في زمانه أحد ، وإن خالفه سفيان فالقول قول سفيان ، وهذا كلام يحي القطان ، وما أدراك ما يحي القطان ، بن سعيد- رحمة الله عليه ,فسفيان في الحديث في السماء وكذلك في الفقه وفي الزهد كان كذلك وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان كذلك ، كان إذا دخل سوقًا من الأسواق لا يفتر لسانه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، رأوه في السوق ومعه مال ، فكأن بعض الناس تعجب كيف سفيان الثوري الزاهد العابد يكون معه فلوس مثلهم ، فقال له يا أبا عبد الله: أمعك دراهم ؟ قال له: اسكت لولاها لتمندل بنا الملوك ، كانوا جعلونا كالمناديل ، وأنت تعرف المنديل أنت تستعمله وترميه في السلة .فسفيان يقول: أن هذه الدراهم تعصم المرء لاسيما أن كان عالمًا أن يريق ماء وجهه ، لأنه لا يوجد شي إلا بمقابل ، والملوك يعطون عطاء من لا يخشي الفقر ، لماذا ؟ لن الخزائن تحت أيديهم .أبو دلامة الشاعر: أخذ ثلاثين ألف درهم في ثلاث أبيات ، كان هو والمهدي وسليمان بن علي في رحلة صيد ، يصوبوا ، المهدي أصاب ظبيًا وسليمان صوب فأصاب كلبًا ، وهم أخذوا أبو دلامة أصلًا لكي يضحكوا به حتى يكون نديم جميل ، ويقول بعض الشعر ، ويجعل الرحلة جميلة ، فقال له المهدي: قل لنا شيئًا في هذا الأمر ، أنا رميت ظبي أصبته وهذا رمي كلباً و الكلام كان عندهم علي البديهة قال :
قد رمي المهدي ظبيًا
شك بالسهم فؤاده
وعلي بن سليمـــــة
رمي كلبًا فصـــاده
فهنيئًا لهما كــــل
امرؤ يأكــــل زاده
فطبعًا هذا المهدي أمير المؤمنين ، وهذا علي بن سليمان رئيس الوزراء فرئيس الوزراء لا يوجد مانع أن يهان ، لكن المهدي لا يقرب منه أعطي له ثلاثين ألف درهم ، كل بيت بعشرة آلاف درهم ، يعطون عطاء من لا يخشي الفقر الخزائن كلها تحت أيديهم لا أحد يقول له ماذا تعطي ؟ ,المأمون مثلًا عندما دخل عليه النضر بن شميل وطبعًا النضر بن شميل إمام في النحو ، واللغة ، والحديث ، وكان يعيش في بغداد وهو طالع بغداد شيعه ثلاث مائة عمامة فقال: يا أهل بغداد لو وجدت عندكم مُدًا من باقلا ما خرجت من بغداد ، لو أجد كل يوم كيلو فول لم أخرج من بغداد ، هل الثلاث مائة هؤلاء لا يعرفون أن يوفروا كيلو فول لكي لا يخرج النضر من بين أيديهم ؟ لا يوجد لديهم ، خرج النضر بن شميل هذا الإمام الكبير فذهب إلي مرو ، ومرو هذه كان فيها المأمون أمير المؤمنين ، فعادة الناس قديمًا وهم الخلفاء كانوا يقربون أهل الدين ، وأهل اللغة ، فقال لهم: التمسوا لي واحداً أتكلم معه يكون نديمي ، فبحثوا له ثم أتوا بالنضر بن شميل ,فالنضر أتي وهو يلبس ملابس ممزقة ومقطعة ، فأول ما دخل علي المأمون فقال له: يا نضر أتجالس أمير المؤمنين بهذه الخُلقَان ؟ ، قال: يا أمير المؤمنين إن حر مرو شديد ، وهذه فتحات تهوية وليست ملابس ممزقة ، ولكنها للتهوية قال له: لا ولكنك رجل زاهد ، قال: ثم جري ذكر النساء ، فالمأمون قال: حدثنا هشيم بإسناده ، وكان الإسناد مرسل أن النبي- صلي الله عليه وسلم - قال: " إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كان سَدَادًا من عِوَل " , فالنضر قال: صدق أمير المؤمنين حدثنا ثم ساق بإسناد نفسه " إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كانت سِدَادًا من عول " ، المأمون قالها سَدَاداً ، فهو لن يقول له أخطأت يا أمير المؤمنين أو مثل هذا ، لا , كانوا يعرفون من يخاطبون ؟ وطبعًا الناس لهم منازل ، والملوك يستصعبوا أحد يقول له أنت أخطأت ، لأنه يلبس الملك وأنت تكلمه ، فمخاطبة الملوك لها فقه الشافعي عندما كان يخاطب الخليفة كان يقول له: يا بن عم رسول الله ، فلا يهيجون قلوب الملوك فهو أراد أن يعرفه خطأه ، فساق الحديث بإسناد نفسه ولكنه صحح اللحن اللغوي ، هو قال سَدَاداً النضر قال سِدَاداً ، و قال: وكان متكأ فجلس ، لأن اللحن كان مصيبة عند هؤلاء .
حِرَصَ الْخُلَفَاءِ عَلَىَ تَعْلِيْمِ أَوْلَادُهُمْ:الخليفة كان أولاده يأتي لهم بأكابر العلماء في النحو واللغة ، والفقه ، والحديث قبل ما يكون ولي العهد لابد أن يكون عالم ، يجلس في وسط العلماء وليس مثل الأصم في الزفة ، يتكلم ، ويأخذ ، ويعطي عنده أسانيد وغير ذلك كان متكأ فجلس قال: أتلحنني يا نضر ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين ، ولكن الذي لحن هشيم ، هو لم يفتري علي هشيم أيضًا ، حتى لا يفكر أحد أنه أراد أن يجامل المأمون علي حساب هشيم بن بشير الإمام الثقة الكبير .
هُشيم بن بشير: شيخ المأمون الذي حدثه بهذا الحديث ، وهشيم هذا شيخ الإمام أحمد بن حنبل ، وهشيم هذا حدوته كبيرة ، كل ما أمر بعالم من علماء الحديث يصعب علي أن أمر من غير أن أحكي حكايات عنه ، لأنهم أئمة كبار لكن هشيم كان لحانًا ، كان يلحن هشيم كان هذا فيه كان لحانًا ,قال: إنما لحنه هشيم ، فتبع أمير المؤمنين لفظه هشيم ، وهذا أيضًا فيه مبحث من علم الحديث .
هَلْ إِذَا تُلْقِيَ الْشَّيْخُ الْلَّحْنُ مِنْ شَيْخِهِ يَقُوْلُهُ كَمَا هُوَ أَمْ يُصَحِّحُهُ ؟ فالعلماء يقولون: بل يقوله كما هو ، ثم يعلق بما شاء لاحتمال أن تكون لغة وهو لا يدري ، فلا يصح إذا كان رجل بصريًا يتبع مدرسة أهل البصرة في النحو مثلًا أن يأخذ الحديث عن رجل كوفي ، فيُخضع مذهب الكوفيين للبصريين ، وأنتم تعرفون البصرة كان علي رأسها سيبويه ، ويمكن مذهب أهل البصرة هو المنتشر في المشرق أكثر من مذهب الكوفيين ,مذهب الكوفيين في النحو كان علي رأس الإمام الكسائي علي بن حمزة الكسائي صاحب القراءة المتواترة المشهورة ، فمن الممكن أن يكون هناك قاعدة مثلًا عند الكوفيين هي خطأ عند البصريين ، فأنا كرجل مثلًا بصري أخذت الحديث عن شيخ كوفي بلغة معينة ، فلا يصح أن أقول هذا خطأ لماذا ؟ لأن لها وجهاً في العربية ، فيكون الصحيح في هذه المسألة أن تأخذ الحديث من شيخك فترويه كما هو ، ثم تعلق بما شئت .فقال له: هُشيم لحن وأمير المؤمنين تبعه ، قال: ما تقول يا نضر ؟ ما الصواب في ذلك ؟ فقال له: السَدَادُ في كل شيء هو الطريقة المسلوكة السديدة وهو القصد ، أما السِدَادُ فهو البُلغة ، ما يُتَبَلغُ به ، والبلغة مأخوذة من ذلك أيضًا لأنك تركب البلغة كالدراجة لتذهب بها وتبلغ المكان ، لذلك سميت بلغة ,فقال له: السِدَادُ فهو البلغة وطبعًا يدل عليها من عوز أي الحاجة ، فقال له: يا نضر أتعرف العرب ذلك ؟ قال: نعم ، قال العرجي :
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسداد ثغرٍ
قال المأمون: قبَّحَ الله من لا أدب له ، مالك يا نضر ، أي أذكر لي مالك ، ما عندك من المال ، وهو جاء من بغداد لا يجد كيلو فول ، فقال عندي أريضة أتمزجها ، أريضة: تصغير أرض ، وأتصابها ، أي عندما تشرب الماء في الكوب وتظل ترتشف الماء من الكوب حتى لا تبقي فيه شيء ، وهي صبابة الإناء أي ليس عنده شيء ، فقال يا نضر: ألا أفيدك مالاً ؟ فقال إني لذلك لمحتاج فكتب له ورقة يذهب بها إلى فلان الفلاني القائم على بيت المال ، وقام بثني الورقة والنضر لا يعرف ما القصة , فلما ذهب إليه وقال له: هذه ورقة أمير المؤمنين وفتحها وقرأها ، قال له: لا أنا لن أعطيك المال إلا لما تقول لى ما الحكاية ، أمير المؤمنين أعطاك خمسين ألفًا فقال له الحكاية ، فقال لولا أنه لا يجوز لي أن أساوي أمير المؤمنين في العطاء وانظر إلى الأدب ، لأعطيتك خمسين ألف ، هذه ثلاثون مني ، يقول النضر أستفيد مني بحرف واحد كان في مقابل هذا الحرف ثمانون ألفًا .سفيان الثوري يقول: لما قال له رجل معك فلوس ، قال له: لولاها لتمندل بنا الملوك ، هذا الذي يجعل عند العالم عزة نفس طول ما هو مستغني لذلك أنا أقول لطلبة العلم استغنوا ، حتى لا ينظر أحد لأموال في أيدي الناس اعمل وحقق كتب وابحث لك عن عمل ، وعش بقدر ما عندك من المال ولا تنظر إلى ما في أيدي الناس لأن هذا يضعف المُنة ، يجعلك لا تستطيع أن تنكر ، وبن الجوزي له هنا كلام جميل ، يمكن لو أنا استقبلت من أمري ما استدبرت وكنت أعرف أنني سأتكلم في هذا المعنى وأوسع فيه ، كنت أحضرت لكم كلام بن الجوزي ,وهو يقول: الأغنياء تلاعبوا بالعلماء وهذا في زمان بن الجوزي، تلاعبوا بالعلماء لأن الأغنياء علموا أن العلماء ينظرون إلى ما في أيديهم ، فالأموال لما تكون عند الإنسان
رد مع اقتباس