عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 02-04-2019, 09:43 PM
كامل محمد محمد محمد عامر كامل محمد محمد محمد عامر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 




افتراضي

بنـــــــــــود خاصة
مقدمة
أحكام الشريعة تنقسم ثلاثة أقسام:
• فروض: لا بد من اعتقادها، والعمل بها على قدر الإستطاعة.
• حرام: لا بد من اجتنابه إلا فى حالة الإضطرار.
• حلال: مباح فعله ومباح تركه(19)
قال الله عزوجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [البقرة: 29]
وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]
وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]
وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]
فصح بهذه الآيات أن كل شئ في الأرض، وكل عمل فمباح حلال، إلا ما أُمرنا به فهو فرضٌ واجب، وإلا ما فصل الله سبحانه وتعالى لنا تحريمه في القرآن، أو بكلام النبي صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه عز وجل، والمبين لما أنزل عليه.
فالفروض لا تكون إلا بأوامر، والمحرمات لا تكون إلا بنهى مفصل.
والسنن تنقسم ثلاثة أقسام:
• السنة القوليه: وأمثلتها كثيرة، وعليها مدار كتب الحديث.
• السنة الفعلية: وأفعال رسولنا عليه السلام أكثر من أقواله أضعافاً كثيرة، وهى تشمل جميع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم.
• السنة التقريرية: وهى أكثر من السنة القولية والفعلية، فإن ما رآه رسولنا عليه السلام أو علمه من أفعال الصحابة وتروكهم لا يحصى.
فيكون أمامنا الآن فيما وصل إلينا من آيات الأحكام وصحيح السنة:
• نصوص القرآن وصحيح الأحاديث (أوامر ونواهى القرآن والسنة).
• أفعال الرسول عليه السلام.
• إقرارُهُ صلى الله عليه وسلم على ما رآه أو عَلِمَه ولم ينكره.
فكيف نستقى الأحكام من تلك المجموعات الثلاث، التى وعدنا ربنا سبحانه وتعالى بحفظها لنا؟
إن مدار الأحكام على آيات القرآن وأقوال رسولنا عليه السلام؛ فننظر أولاً فى نصوص القرآن وأقوال الرسول عليه السلام، ثم ننظر فى السنة الفعلية والتقريرية.
إن هذه البرامج ما هى إلا بنود مقترحة لكيفية استخراج الأحكام من القرآن والسنة بالبيان الذى بينه لنا الرسول عليه السلام؛ فقد تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك(20).
هذا، وقد جعلتُ لتلك البرامج عدة مداخل حتى يستوعبها طالب العلم المبتدئ؛ وقد قسمتُ البرامج الرئيسية إلى عدة برامج فرعية على النحو التالى:
(1) نصوص القرآن وأقوال الرسول عليه السلام والتى لا يوجد لها مخالف ولا معارض.
(2) النصوص التى يظن أنها مختلفة ولكنها غير متعارضة.
(3) النصوص التى يظن أنها متعارضة.
(4) السنه الفعلية وكيف نستخرج منها الأحكام.
(5) تعارض الأقوال والأفعال.
(6) السنة التقريرية وكيف تساعد فى تقرير الأحكام.
وإن شاء الله تُنَاقش تلك البنود فى الورقات التالية.
أولاً نصوص القرآن وأقوال الرسول عليه السلام والتى لا يوجد لها مخالف ولا معارض
نقرأ النص بالطريقة التى بينها لنا رسولنا عليه السلام.
فإذا كان النص مفهوماً بَيِّنَاً فعلينا العمل به فور وروده، أو فور مجيئ سببه أو وقتة إن كان له سبب أو له وقت محدد؛ حتى يبلغنا نسخه، أو تخصيصه، أو نقله من رتبته إلى رتبة أخرى.
وإذا كان النص مجملاً؛ فلا يلزمنا إلا التصديق به؛ فنقول: سمعنا وأطعنا، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا }[المزمل: 20] وكذلك قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وهذه الآيات مكية، ولم تُحَدَّد أنصبة الزكاة ومقاديرها إلا فى المدينة فى السنة الثانية من الهجرة؛ فكان على الصحابة عليهم رضوان الله التصديق والإيمان بها مجملة؛ حتى جاءهم البيان بتفاصيل أحكام الزكاة.

ثانياً: النصوص التى يظن أنها مختلفة ولكنها غير متعارضة
(أ‌) قد يكون أحد النصين مطلق والآخر مقيد؛ فنفعل ما يخرجنا من عهدة التكليف بيقين والذى فيه طاعة للنصين ولا نلتفت إلى السابق أو التالى منهما. (ملحق 4)
(ب‌) وقد يكون بين النصوص عموم وخصوص ولكنها غير متعارضة؛ فقد يأتى قول عام وأقوال كثيرة خاصّة؛ فيكون أحد النصوص يأمر ببعض الأشياء المأمور بها فى نص آخر؛ أو أحد النصوص ينهى عن بعض الأشياء المنهى عنها فى نص آخر؛ فلا تعارض هنا؛ فننفذ جميع النصوص (ملحق 5)
(ت‌) وقد تأتى أقوال كثيرة بخصوص شيئ معين؛ فقد يأتى نص بحكم مَّا في قضية معيَّنة، ويأتى نص آخر بحكم آخر في تلك القضية بعينها؛ فليس فى ذلك تعارض ولكنهما جميعاً مقبولان ومأخوذ بهما (ملحق 6)

ثالثاً: النصوص التى يظن أنها متعارضة
نبحث أولاً عن وجود نسخ؛ ولا بد من أن يكون هذا النسخ بنصٍ بَيِّنٍ واضح أو إجماع؛ مع باقى شروط النسخ (ملحق 7)
فإن لم نتيقن من وجود نسخ :
(1) نحاول أولاً الجمع بين تلك النصوص المتعارضة، ولا ننظر إلى التاريخ (ملحق 8).
(2) إن لم نستطع، ووجدنا بين النصين عموم وخصوص؛ استثنينا الأخص من الأعم ولا ننظر إلى تاريخ النصين (ملحق 9).
(3) فإن تيقينا من عدم وجود نسخ، ولم نستطع الجمع بينهما، و لم نجد بينهما عموم وخصوص؛ نظرنا فى تاريخ النصين:
(4) فإن أمكن التَّمْيِيزُ بَيْنَ السَّابِقِ وَالتَّالِي أخذنا بالنص الأخير ، وهذا أيضاً يعتبر نسخ (ملحق 10 ).
(5) وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ التَّمْيِيزُ:
• فإن كان أحد النصَّين موافقاً لما كنا عليه، أخذنا بالنص الناقل لنا عمَّا كنا عليه؛ لأن الأصل فى التشريع أن ينقلنا من حالة إلى أخرى، والعودة إلى الحالة السابقة بحاجة إلى بيان جديد. (ملحق 11)
• وإن كان أحد النصَّين به حكم زائد عن النص الآخر، أخذنا بالنص الذى فيه حكم زائد، فكأنه تشريع جديد، لا يجوز تركه إلا بنص آخر أو إجماع.(ملحق 12،13)
مدخــــــــــــــــــــــــــــل آخر
ننظر فى جميع النصوص التى لها علاقة بالمسألة قيد البحث:
ــــ فإن وجدنا نصوص متفقة وليس لها ما يعارضها؛ تُنَفَّذ وتُقْرَأ بالبيان الذى بَيَّنَه الرسول عليه السلام.
ــــ وإن وجدنا نصوص متعارضة أو ظاهرها الإختلاف ولكنها غير متعارضة ؛ فننفذ جميع النصوص لقوله تعالى :{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور: 54]
كيفية تنفيذ جميع النصوص
ــــ إن كانت النصوص ظاهرها الإختلاف ولكنها غير متعارضة أو غير متدافعة:
• إن وجدنا نص مطلق ونص مقيد لنفس المسألة؛ أخذنا بالنص الذى يخرجنا من عهدة التكليف (ملحق 4)
• وإن وجدنا نص عام ونص خاص؛ فنلتزم بالنص العام فنكون قد نفذنا (ملحق 5)
• وإن وجدنا نص جاء بحكم مَّا في قضية معيَّنة، ونص جاء بحكم آخر في تلك القضية بعينها؛ فنلتزم بالنصين ونطيعما معاً (ملحق 6)
ــــ وإن كانت النصوص متعارضة:
فإن كان التعارض بين النصين غير تام وبينهما عموم وخصوص؛ استثنينا الخاص من العام، فنكون قد نفذنا النصين(ملحق 9)
وإن كان التعارض تام بحثنا أولاً عن النسخ بشروطه (ملحق 7)
فإن لم نجد نسخ وكان أحد النصين فيه حكم زائد؛ أخذنا بالحكم الزائد فنكون قد أطعنا الله والرسول ونفذنا النصين(ملحق 12) (كيف نعرف الحكم الزائد ....ملحق 13)، ، وإن كان أحد النصين ينقلنا عمّا كنا عليه؛ فنأخذ بالنص الناقل لنا (ملحق 11)
مدخــــــــــــــــــــــــــــل آخر
النص :
• إذا جاء مخالف للإباحة الأصلية { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } ؛ فهذا تشريع جديد وليس نسخاً كقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } [النور: 30]، وكقوله عليه السلام " لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ " [البخاري: كِتَاب الْوُضُوءِ؛بَاب الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ] وهذا لا إشكال فيه، فكأنه استثناء من الإباحة الأصلية.
• وإن جاء مخالف لقول سابق (تشريع سابق) ولا يمكن الجمع بينهما (لا يمكن استثناء أحدهما من الآخر) فهو نسخ للحكم السابق وهذا لا إشكال فيه؛ فنأخذ بالحكم الأخير الناسخ (ملحق 7)
• وإن جاء مخالف لفعل سابق للرسول عليه السلام وكان هذا الفعل موافق للإباحة الأصلية أو موافق لما كان عليه المسلمون قبل التشريع؛ فهذا تشريع جديد وليس نسخاً
• وإن جاء مخالف لفعل سابق ؛ وكان هذا الفعل موافق لتشريع سابق ؛ كان هذا القول نسخاً للتشريع السابق.
• وقد تأتى أقوال كثيرة بخصوص شيئ معين؛ وهذه لا إشكال فيها، فننفذ جميع الأقوال (ملحق 6)
• وقد يأتى قول عام وأقوال كثيرة خاصّة؛ فإن كانت مختلفة استثنينا الخاص من العام (ملحق 9) ، وإن كانت متفقة نفذنا جميع الأقوال (ملحق 5)
رابعاً:السنه الفعلية وكيف نستخرج الأحكام منها
إن أفعال رسولنا عليه السلام لن تخرج عن:
• أفعالٌ موافقة للإباحة الأصلية وما كنا عليه من أعراف وعادات قبل التشريع؛ ولم يأتى تشريع جديد ينقلنا عن هذه الإباحة؛ فهذه الأفعال مباحة ولا إشكال فى هذا.
• و أفعالٌ قد تكون موافقة لتشريع جديد؛ فتكون تلك الأفعال بياناً لهذا التشريع؛ ويكون حكم تلك الأفعال هو حكم ذلك التشريع. فمن ذلك قوله عليه السلام: صلوا كما رأيتموني أصلي(21)، و لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ(22).
• و أفعالٌ قد تكون تنفيذاً لحد من الحدود؛ وهذه الأفعال لا شك فى وجوبها؛ كجلده عليه السلام شارب الخمر فقد أمر عليه السلام بجلد شارب الخمر ثم كان فعله بياناً للجلد الذي أمر به(23)
• و أفعالٌ قد تكون فى معنى الأمر فيكون حكمها الوجوب. كإزالته عليه السلام ابن عباس عن يساره، ورده إلى يمينه، فهذا وإن كان فعلاً فهو أمرٌ لابن عباس للوقوف عن يمينه، ونهي له عن الوقوف عن يساره(24).
• وقد تتعارض الأفعال مع ألأقوال فيكون لها أحكام خاصة.
• وما عدا ذلك من أفعال الرسول عليه السلام فهى للإتساء فقط وليست للوجوب.
خامساً: تعارض الأقوال والأفعال
إذا كان الفعل قبل القول:
فالقول يُبْطِل الفعلَ، ويبين أن حكم ذلك الفعل قد ارتفع، وأصبح الحكم للقول فالرسول عليه السلام كان يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ثم قال لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا(25) وكان يصلى عليه السلام إلى سهوة فيها تصاوير ثم قال لعائشة عليها رضوان الله أخريه عنى(26).
وإذا كان الفعل بعد القول:
إن كان بينهما تعارض تام؛ فالفعل يبين أن حكم ذلك القول قد ارتفع، وأصبح الفعل مباحاً؛ لأن حكم أفعال الرسول عليه السلام الإتساء وليست فرضاً . لأن حكم أفعال الرسول عليه السلام الإتّساء وليست فرضاً؛ كما أمر عليه السلام بالقيام للجنازة ونهى عن الجلوس حتى توضع؛ ثم قعد رسول الله عليه السلام بعد ذلك؛ فالقول بالقيام وعدم الجلوس قد ارتفع وأصبح الجلوس مباحاً(29)وكأمره عليه السلام للمأمومين أن يصلوا جلوساً إذا صلى الإمام جالساً(30)؛ ثم صلى عليه السلام في مرضه الذي مات فيه جالساً والناس وراءه قياماً ولم ينكر عليه السلام ذلك(31)فهذا نسخ لايجاب الجلوس عن المأموم خاصة، فإن شاء صلى جالسا، وإن شاء قائماً.
وإن لم يكن بينهما تعارض تام فالفعل يخصص القول حيث أنه لا عموم فى الأفعال؛ فكأنه استثناء لحالة الفعل من عموم القول. فحينئذ نخص تلك الحالة من عموم القول؛ فلقد صح أن المرأة تقطع الصلاة(27)، ولكن عائشة رضى الله عنها ذكرت أن رسول الله عليه السلام كان يصلي وهي بين يديه معترضة كاعتراض الجنازة، فتكره أن تقعد فتؤذي رسول الله عليه السلام فتظل كما هي(28).
إن هذا الفعل كان بعد النهي، لأنها أخبرت أنها لو قعدت لآذت رسول الله عليه السلام بذلك، فنستثنى الاضطجاع من قطع المرأة الصلاة على سائر أحوالها.

إذا كان الفعل مخالف للقول ولا ندرى أيهما كان قبل الآخر:
• أخذنا بالذى ينقلنا عمَّا كنا عليه؛ لأن الأصل فى التشريع أن ينقلنا من حالة إلى أخرى، والعودة إلى الحالة السابقة بحاجة إلى بيان جديد.
• أو بالذى فيه حكم زائد عما كنا عليه فكأنه تشريع جديد.
كما في نهيه عليه السلام عن الشرب قائماً(32)، وروي عنه عليه السلام أنه شرب قائما(33).
وفي نهيه عليه السلام عن الاستلقاء ووضع رجل على رجل(34)، وروي عنه أنه عليه السلام رئي مضطجعاً في المسجد وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى(35)
فنأخذ بما ينقلنا عما كنا عليه وهو النهي في كلا الموضوعين، لأن الأصل إباحة الاضطجاع على كل حال والاستلقاء كما نشاء، وإباحة الشرب على كل حال، فقد تيقنا أننا نقلنا عن هذه الاباحة إلى نهي عن كلا الامرين بلا شك في ذلك، ثم لا ندري هل نسخ ذلك النهي أو لا ؟ ولا يحل لمسلم أن يترك شيئا هو على يقين من أنه قد لزمه، لشئ لا يدري أهو ناسخ أم لا ؟ واليقين لا يبطل بالشك.
وهكذا حديث رسول الله عليه السلام: كل مما يليك(36) مع ما قد صح من تتبعه الدباء من نواحي القصعة(37)
لا يجوز أن يقال في شئ فعله عليه السلام أنه خصوص له إلا بنص في ذلك.
مثل وصاله عليه السلام في الصوم، فلما كان الوصال يخص رسول الله عليه السلام قال: » إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ«(38)
ومثل قوله لعائشة رضى الله عنها عندما قالت له: أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي"(39)
فما جاء فيه بيان فهو خصاصُّ به عليه السلام، وما لم يأت فيه نصٌّ فلنا أن نتأسى به عليه السلام،
لقد غضب عليه السلام على من خصص أفعاله عليه السلام دون بيان(40)؛ وكل شئ أغضب رسول الله عليه السلام فهو حرام، فعندما سأل عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عن القُبْلَة للصائم قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ؛ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَه (40) وعندما قال رجل لرسول الله عليه السلام إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ وعندما قال له الرسول عليه السلام وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ فيقول الرجل يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي (40)

سادساً: السنة التقريرية وكيف تساعد فى تقرير الأحكام
السنة التقريرية أكثر من السنة القولية والفعلية، فإن ما رآه رسولنا عليه السلام أو عَلِمَه من أفعال الصحابة، وأقوالهم، لا يحصى.
إن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على ما رآه أو عَلِمَه من أفعال الصحابة لا يدل على استحبابه، أو سنيته، وإنما يدل على جواز هذا الفعل في مثل هذه الحال فحسب؛ لأنه عليه السلام لم يصدر منه أى قول بالاستحباب أو الندب أو الكراهية؛ بل سكت عليه السلام على ما رآه أو عَلِمَه.
وبهذا يظهر الفرق بين إقرار النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، ففعله يدل على الندب مطلقًا، بخلاف تقريره المجرد من الثناء والاستحسان، فهو لا يدل إلا على رفع الحظر.
هذا من حيث الإجمال؛ ولكن في بعض ما يقره صلى الله عليه وسلم تفصيل:
رسولنا عليه السلام لا يعلم الغيب؛ يقول تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } [الأنعام: 50]
و يقول تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} [هود: 31]
و يقول تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59]
و يقول تعالى: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188]
وعلى هذا يكون قول الصحابى: كنا نفعل هذا والرسول بيننا؛ لا يدل على شيئ إلا إذا تيقنا أن رسولنا عليه السلام شاهد هذا الفعل أو علمه وأقره؛ فجابر رضى الله عنه يقول: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ(41)؛ وفى رواية عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ما يدل على أنه عيه السلام ما كان اطلع على ذلك إذ يقول عليه السلام "أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ"(42) فهذا الاستفهام يشعر بأنه ما كان اطلع عليه السلام على فعلهم ذلك، ففي هذا الخبر أنهم فعلوا العزله، ولم يعلم به عليه السلام حتى سألوه عنه، وفى رواية لمسلم قال عليه السلام ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ(43)
وَرِفَاعَةُ بْنِ رَافِعٍ يقول فى عدم الغسل من الإكسال: إنَّا كُنَّا لَنَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَا نَغْتَسِلُ(44)؛ وعمر رضى الله عنه يقول له: أَفَسَأَلْتُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ؟(44) وعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تروى حديث النبى عليه السلام " إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ "(44)
والقول فى الإقرار كالقول فى الأفعال؛ فالصحابة رضى الله عنهم كانت حركاتهم وسكناتهم مرتبطة بالتشريع، وبأوامر ونواهى القرآن والسنة؛ فننهج فى الإقرارات نفس النهج الذى نتبعه فى الأقوال والأفعال؛ فعَبْدُ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يقول: كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى(45)؛ وجَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يروى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ(46).
وجابر رضى الله عنه يقول: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ(41)؛ وفى رواية أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ما يدل على أنه عيه السلام ما كان اطلع إذ يقول عليه السلام "أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ"(42) وتروى جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سُئِل عليه السلام عن العزل "ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ"(43) وقد يكون الإقرار منسوخاً كما فى حديث " الماء من الماء"(44) وفى حديث "كنا نبيع أمهات الأولاد"(47)؛ وفى أحاديث العزل وفى قصة الصحابى الذى صلى الركعتين بعد الصبح وأقره الرسول عليه السلام(48) وجاء النهى عن الصلاة بد الصبح وبعد العصر (49) ؛وقد تتعارض الإقرارات، وقد تتعارض الإقرارات مع الأقوال أو الأفعال؛ فنحاول الجمع بينهما؛ فإن لم نستطع بحثنا عن الناسخ منهما؛ فإن لم نجد أخذنا بالناقل لنا عمَّا كنا عليه، أو بالحكم الزائد عمَّا كنا عليه.
التوقيع


يقول إلهنا رُدُّوا إِلَىّ إذا اختلفتم
وقائلُهم يقولُ:أنا أختارُ إن كثر المقــول
فأىُّ الفريقين أشــــــــــــــــــــــــدُّ قرباً
من البيضـــــــــــــــــاءِ يترُكهـــا الرســـــــولُ
دكتور كامل محمد
رد مع اقتباس