عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-29-2010, 06:38 AM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




افتراضي



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه– وبعد ..


نكمل بمشيئة الله دروسنا وهذا هو


الدرس الثاني

نشأة مكة


هاجر إبراهيم - عليه السلام - من العراق إلى الشام ، ثم إلى مصر . وكانت ترافقه زوجته سارّة وكانت امرأة جميلة ، وكان من عادة مَلِك مصر أن يستأثر لنفسه بكل امرأة جميلة ، وشاء الله أن يصرفه عن سارّة ، وتنقلب منه بجارية لتخدمها ، وهي هاجر أم إسماعيل - عليه السلام - .


ولما كانت سارة عقيماً وطعن إبراهيم في السن وابيض شعره ، رأت أن تهب له هاجر ليتزوجها ، وشاء الله أن تلد هاجر إسماعيل . فاشتدت غيرة سارة بعدما ولدت هاجر إسماعيل ، فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء ، فهربت هاجر بابنها مع زوجها ، ووضعهما إبراهيم عند مكان البيت الحرام وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ، ووضع عندها جراباً فيه تمر وسقاءً فيه ماء ، ثم رجع فتبعته هاجر قائلة : " يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء " وكررت كلامها وهو لا يلتفت لها ، فقالت له : آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا . فانطلق إبراهيم حتى إذا كان لا يُرى استقبل بوجهه مكان البيت ثم دعا قائلاً : (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) فلم يلبث أن نفد ما عند هاجر من ماء ، فعطشت هي وابنها وكرهت أن ترى ابنها يتلوى من العطش ، فانطلقت حتى قامت على أقرب جبل منها وهو الصفا ، ثم استقبلت الوادي فلما لم تر أحداً هبطت إلى الوادي ثم رفعت طرف ثوبها ، وسعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة فقامت عليه فلم تر أحداً ، ففعلت ذلك سبع مرات - وذلك سعي الناس بينهما كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم – وفي نهاية المرة السابعة جاءها جبريل وأخذ يبحث بجَنَاحه عند موضع زمزم ، حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه ، وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم – " يرحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم " أو قال " لو لم تغرف من زمزم لكانت زمزم عيناً معيناً " .


وبينما هي على هذا الحال ، مر بها أهل بيت من قبيلة جرهم اليمانية القحطانية وعندما وجدوا الماء استأذنوها في النزول عندها ، فأذنت لهم بشرط ألا يكون لهم نصيب في الماء فوافقوا وأرسلوا إلى بقية أهليهم فنزلوا معهم ولما شب الغلام ( إسماعيل عليه السلام ) تعلم العربية منهم – وكان أول نبي يتكلم العربية - فلما كبر زوجوه امرأة منهم فلما شكت حالهما إلى إبراهيم - في القصة المشهورة - طلب إبراهيم – عليه السلام - منه أن يطلقها فطلقها وتزوج غيرها صالحة . (1)


وبهذا كانت الحياة في أرض مكة قبل نزول هاجر صحراء جرداء لا زرع بها ولا ماء ، ومن ذرية سيدنا إسماعيل جاء الحبيب محمد صلوات ربي وسلامه عليه .
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها


فائدة : لا شك أن جرهم اتبعت دين إبراهيم في عبادة الله وحده لاسيما أن سيدنا إسماعيل كان بين أَظْهُرِهم ، فما الذي وجّه الناس لعبادة الأصنام حتى وصل الأمر لما ذكرناه من أن الحياة قبل مبعث النبي – صلى الله عليه وسلم - قد انتشر فيها الفساد وعبادة الأوثان ؟


أول من جلب الأصنام لأرض مكة كان عمرو بن لُحَي الخزاعي من الشام ودعا الناس لعبادتها ، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أنه رآه في المنام يجرّ قصبه في النار ، وأنه أوّل من سيّب السوائب التي ذكرها الله تعالى في كتابه (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) وهو تحريم ظهر الأنعام فلا يُحمل عليها شيء نذراً للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا ماء ولا يركبها أحد ، وهذا تحريم ما لم يأذن به الله حتى لو لم يقترن بالنذر للأصنام ، وأما مع الاقتران فهو الشرك . (2)


فائدة : القاعدة الأولى من القواعد الأربع للإمام محمد بن عبد الوهاب قال فيها : أن تعلم أنّ الكفّار الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقِرُّون بأنّ الله تعالى هو الخالِق المدبِّر، وأنّ ذلك لم يُدْخِلْهم في الإسلام، والدليل: قوله تعالى(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ)[يونس:31] (3) انتهى ، فلننتبه رحمني الله وإياكم إلى أن نعبد الله على مراده وعلى سُنَّةِ رسوله ، ولنعلم أن من شروط قبول العمل أن يكون خالصاً صواباً ، يعني أن يكون خالصاً لله وحده – نسأل الله الإخلاص – وأن يكون صواباً على الهيئة التي جاء بها المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه .


صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


كان رسول الله من أحسن الناس وجهاً – قلت : بل أحسن الناس - ، أبيض اللون بياضاً مزهراً ، مستدير الوجه ، مَلِيحًهُ ، واسع الفم ، طويل شِق العينين ، رَجِلَ الشعر يصل إلى شحمة أذنيه ، وأحياناً بين أذنيه وعاتقه ، وقد يمتد حتى منكبيه أحياناً أخرى ، ولم يَشِب شعره الأسود إلا اليسير منه ، حيث قُدِّر شيبه في أواخر عمره بعشرين شعرة موزعة في الرأس وتحت الفم والصدغين ، ويميل اللون إلى الحمرة في بعض شعره من أثر الطِّيب .


وكان متوسط القامة ، متوسط الوزن ، ليس بالنحيف ولا الجسيم ، عريض الصدر ضخم اليدين والقدمين ، مبسوط الكفين ، كفّاه لينتان ، قليل لحم العقبين ، يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة وهو شعر مجتمع كالزُّرِّ .


وهذه الصفات الجسمية تدل على جمال المظهر ، واكتمال الجسم وقدرته على النهوض بالواجبات العظيمة التي أنيطت به ، فلم ير أعداؤه في مظهره ما يعيبونه عليه أو يلقبونه به على سبيل الانتقاص ، وإضافة لحسن خِلقته وسلامة حواسه وأعضائه ، فقد اعتنى بمظهره من النظافة وحسن الهيئة والتطيب بالطيب .


أما صفاته الخُلُقية ، فقد وصفه القرآن الكريم ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، قالت أُمّنا عائشة – رضي الله عنها - : ( كان خلقه القرآن ) (4)



نسبه الشريف ( صلى الله عليه وسلم )


نسب نبينا – صلى الله عليه وسلم – ينقسم إلى ثلاثة أجزاء : جزء اتفق عليه كافة أهل السير والأنساب ، وهو الجزء الذي يبدأ منه - صلى الله عليه وسلم – وينتهي إلى عدنان .


وهذا النسب كما ذكره البخاري في صحيحه – كتاب مناقب الأنصار ، قال : " محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدّ بن عدنان "


وجزء آخر كثر فيه الاختلاف، حتى جاوز حد الجمع والائتلاف، وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم عليه السلام فقد توقف فيه قوم، وقالوا‏:‏ لا يجوز سرده، بينما جوزه آخرون وساقوه‏. إلا أن الجميع متفقون على أن عدنان من صريح ولد إسماعيل عليه السلام‏.


أما الجزء الثالث فهو يبدأ من بعد إبراهيم عليه السلام وينتهي إلى آدم عليه السلام، وجل الاعتماد فيه على نقل أهل الكتاب، وعندهم فيه من بعض تفاصـيل الأعمـار وغيرهـا ما لا نشك في بطلانه، بينما نتوقف في البقية الباقية‏. (5)


شرف النسب النبوي


روى مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع قال : سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم "


فائدة : وقد اجتهد بعض الباحثين في استخراج الحكمة من شرف النسب النبوي فقالوا : لقد كان ومازال شرف النسب له المكانة في النفوس ، لأن ذا النسب الرفيع لا تنكر عليه الصدارة ، نبوة كانت أو ملكاً ، ويُنْكَر ذلك على وضيع النسب فيُعرِض الكثير من الانضواء تحت لوائه والطاعة له . (6)

الواجب الأُسْبُوعي


س1 : من أول من دعا الناس لعبادة الأصنام ؟


س2 : على أي شيء تنص القاعدة الأولى من القواعد الأربع للإمام محمد بن عبد الوهاب ؟


س3 : ما هي الحكمة - التي استنبطها العلماء - من شرف نسب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ؟


نكمل الدرس القادم


سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك



(1) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ، د.مهدي أحمد (ص47-49 بتصرف)
(2) السيرة النبوية الصحيحة ، د.أكرم ضياء العمري (ص83 بتصرف)
(3) القواعد الأربع ، الإمام محمد بن عبد الوهاب
(4) السيرة النبوية الصحيحة ، د.أكرم ضياء العمري (ص88-89 بتصرف)
(5) الرحيق المختوم (ص49-50)
(6) محاضرات في السيرة النبوية المطهرة ، د.طه عبد المقصود عبد الحميد (ص23)