عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 05-06-2010, 08:12 AM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




افتراضي



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه– وبعد ..

نكمل بمشيئة الله دروسنا وهذا هو

الدرس الرابع

سفره إلى الشام وقصة بحيرى الراهب

ولما بلغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عشر سنوات - وقيل اثنتي عشرة سنة – ارتحل به أبو طالب تاجراً إلى الشام، حتى وصل إلى بُصْرى ، وكانت في ذلك الوقت من البلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان ، وكان في هذا البلد راهب عُرف ببحيرى، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال : هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال أبو طالب وأشياخ قريش : وما علمك بذلك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خرّ ساجداً، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا، ثم أكرمهم بالضيافة، وسأل أبا طالب أن يردّه، ولا يقدم به إلى الشام، خوفاً عليه من الروم واليهود، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة. رواه الترمذي، وقد حسنه الترمذي وصححه الحاكم والألباني وابن حجر وغيرهم

موقف المستشرقين من الحادثة والرد عليهم : زعموا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تلقى علم التوراة من بحيرى، وأنه خرج على الناس يدعو لدينه الجديد الذي لفقه من اليهودية والنصرانية، والرد عليهم أنه كيف يُعقل ذلك وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في سن الثانية عشرة، فكيف يتلقى علم التوراة في هذه السن، وهو لا يحسن القراءة والكتابة، فضلاً عن حاجز اللغة، إذ لم يكن قد وُجد في ذلك الوقت توراة ولا إنجيل باللغة العربية، ثم ما الذي أخذه النبي – صلى الله عليه وسلم - ؟ هل هي عقيدة التثليث ؟ أم غيرها من عقائد النصارى التي جاء الإسلام بهدمها ؟ ثم لماذا لا يتبعه نصارى اليوم وقد تتلمذ – بزعمهم - على يد سيدهم ؟

مشاركته في الأمور العامة

وبالرغم من اعتزاله – صلى الله عليه وسلم – عبادة الأوثان وتجنبه منكرات الجاهلية وفواحشها، فإنه لم يكن بمعزل عن أحداث وطنه ومجتمعه، ولم يكن منطوياً على نفسه، منكباً على ذاته، وإنما كان يتابع الأحداث والوقائع، ويشارك فيها بحكمة بما لا يؤثر بالسلب في نفسه السامية وروحه الصافية، وفي الوقت ذاته يعود على مجتمعه وبني وطنه بالخير والنفع.
ومن الأحداث التي شارك فيها فترة شبابه : حرب الفجار – حلف الفضول – تجديد بناء الكعبة

1 - حرب الفِجار : وقعت في السنة العشرين من عمره – صلى الله عليه وسلم – في سوق عكاظ، بين قريش وكنانة من جهة وبين قيس عيلان ومعها ثقيف من جهة أخرى، وسببها أن أحد بني كنانة اغتال ثلاثة رجال من قيس، ووصل الخبر إلى عكاظ فثار الطرفان، وقد تداعى بعض قريش إلى الصلح، على أن يحصلوا قتلى الفريقين، فمن وُجد قتلاه أكثر أخذ دية الزائد، فاصطلحوا على ذلك ووضعوا الحرب، وقد سميت بالفِجار لوقوعها في أحد الأشهر الحرم، وقد حضرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكان يُنبّل على عمومته ( أي يجهز لهم النبل للرمي )، وقد روى بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم – ذكر الفجار فقال : "قد حضرته مع عمومتي، ورميت فيه بأسهم، وما أُحبُ أني لم أكن فعلت "

2 - حِلف الفُضُول : (وسُمِيَ بالمُطيبين ) حدث في العام نفسه الذي وقعت فيه حادثة حرب الفجار، بعدها بأربعة أشهر، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه " أخرجه أحمد والبخاري ، وهو تحالف على نصرة المظلوم، ورد حقوقه.

3 - زواجه من خديجة : لا يوجد روايات ثابتة صحيحة تحدد تفاصيل زواجه – صلى الله عليه وسلم – من خديجة، بل كلها روايات غير صحيحة، ولكن الثابت في الروايات الصحيحة زواجه – صلى الله عليه وسلم – بخديجة رضي الله عنها، وثناء النبي عليها وإظهاره محبتها وتأثره عند ذكرها بعد وفاتها، ومواقفها في طمأنته عند نزول الوحي عليه ومسارعتها للإيمان به، ومما اتفق عليه أهل العلم أنها أولى أزواجه، وقد أنجبت منه ذكرين هما القاسم وعبد الله، وأربع بنات هن زينب وأم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية، فأما القاسم وعبد الله فماتا قبل الإسلام، وأدركت البنات الإسلام فأسلمن، وقد توفيت خديجة قبل هجرة النبي إلى المدينة بثلاث سنين.

الحكمة من موت أولاده الذكور صغاراً : قالوا لقد ذاق النبي – صلى الله عليه وسلم – مرارة فقد الأبناء، كما ذاق مرارة فقد الأبوين، وقد شاء الله تعالى – وله الحكمة البالغة – أن لا يعيش له – صلى الله عليه وسلم - أحد من الذكور، حتى لا يكون مدعاة لافتتان بعض الناس بهم، وادعائهم لهم النبوة، فأعطاه الذكور تكميلاً لفطرته البشرية، وقضاءً لحاجات النفس الإنسانية، ولئلا ينتقص النبي – صلى الله عليه وسلم – في كمال رجولته شانئ، أو يتقول عليه مُتقول، وأيضاً ليكون ذلك عزاءً وسلوى للذين لا يُرزقون البنين، أو يُرزقون ثم يموتون، وقيل وقد تكون الحكمة ليفرغ قلبه – صلى الله عليه وسلم – من التعلق بشيء إلا من محبة الله عز وجل، فيكون كامل العبودية له سبحانه وتعالى.

4 - مشاركته في بناء الكعبة : ولخمس وثلاثين سنة من مولده – صلى الله عليه وسلم – قامت قريش ببناء الكعبة، وذلك لأن الكعبة كانت رَضْماً ( أي حجارة عظيمة ) فوق القامة، ارتفاعها تسعة أذرع من عهد إسماعيل عليه السلام، ولم يكن لها سقف فسرق أحد اللصوص كنزها الذي كان في جوفها، وكانت قد تصدعت جدرانها لمرور الزمن عليها، وقبل مبعثه – صلى الله عليه وسلم – بخمس سنين جرف مكة سيل أوشكت الكعبة منه على الانهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها، واتفقوا على ألا يُدخلوا فيها إلا طيب ( يعني من المال )، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليال أو خمساً، واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم، ولكنهم اتفقوا على تحكيم أول من يدخل عليهم من باب المسجد، وشاء الله أن يكون ذلك رسوله – صلى الله عليه وسلم – فلما رأوه هتفوا : هذا الأمين، رضيناه، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع عليه الحجر وطلب من رؤساء القبائل أن يمسكوا جميعاً بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه.

بشارات النبوة

ولما بلغ – صلوات ربي وسلامه عليه – أربعين سنة، بَدَأَت آثار النبوة تلوح له، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستة أشهر، روى البخاري من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : " أول ما بُدئ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء .. " والحكمة من البدء بالرؤيا حتى يكون تمهيداً لما سيحدث في اليقظة، وقبل ذلك كان تسليم الحجر عليه كما في حديث جابر بن سمرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسلم عليّ قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن " ، وكذلك عند بناء الكعبة ونقل الحجارة مع عمه العباس رفع إزاره ليضعه على كتفه ليتقي به الحجارة، فسمع صوتاً يقول له " اشدد عليك إزارك " وهو في صحيح البخاري.

جبريل ينزل بالوحي

روى البخاري من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : " أول ما بدئ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه ( أي يتعبد ) الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال : اقرأ . قال : ما أنا بقارئ . قال : فأخذني فغطّني ( ضمني وعصرني ) حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال : اقرأ . قلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) فرجع بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها – فقال : زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتَكْسِبُ المعدوم، وتَقْري الضيف، وتُعين على نوائب الحق. فانطلقت بها خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى – بن عم خديجة – وكان امرءاً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي. فقالت خديجة : يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : يا ابن أخي، ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خبر ما رأى، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، ياليتني فيها جَذَعَاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : أومخرجي هم ؟ قال : نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب أن تُوفي، وفَتَرَ الوحي "

والحكمة من غطّ جبريل للنبي : شغله عن الالتفات لشيء آخر – إظهار الجد في الأمر – وقيل غير ذلك.
الحكمة من البدء بهذه الآيات : ويظهر فيها مقاصد القرآن ففيها التوحيد من صفات الأفعال والذات، وفيها الأحكام ( اقرأ )، وفيها الإخبار ( علّم الإنسان ما لم يعلم )، كما يظهر فيها مكانة القراءة والعلم في الإسلام حيث كان أول أمر من الله تعالى ( اقرأ ) .

فائدة : في قول خديجة ( أبشر والله، ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم ... ) فيه استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه – وأن من نزل به أمر استحب له أن يُطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه.

لماذا قال ورقة ( هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى ) ولم يقل عيسى ؟

المراد بالناموس هنا جبريل، قال بن حجر : وقول ورقة ( موسى ) ولم يقل عيسى مع كونه نصرانياً :
1 – لأن كتاب موسى – عليه السلام – مشتمل على أكثر الأحكام، وكذلك النبي – صلى الله عليه وسلم - بخلاف عيسى.
2 – أو لأن موسى بُعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى، وكذلك وقعت النقمة على يد رسول الله – صلى الله عليه وسلم بفرعون هذه الأمة، وهو أبو جهل.
3 – أو قاله تحقيقاً للرسالة، لأن نزول جبريل – عليه السلام – على موسى مُتفق عليه بين أهل الكتاب، بخلاف عيسى، فإن كثيراً من اليهود ينكرون نبوته.

هل يدل قول ورقة بن نوفل " وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً " على أنه أسلم ؟
روى أبو يعلى – بإسناد حسن كما قال بن كثير – عن الشعبي عن جابر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سئل عن ورقة بن نوفل، فقال : قد رأيته، فرأيت عليه ثياباً بياض، في بطنان الجنة ( أي وسطها ) وعليه السندس "

فَتْرةُ الوحي

أي انقطاعه ، وكانت أياماً على أصح الروايات، والحكمة من ذلك – كما قال بن حجر – ليذهب ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – وجده من الروع، وليحصل التشوف ( أي التطلع ) إلى العودة، فلما حصل له ذلك وأخذ يرتقب مجيء الوحي أكرمه الله به مرة ثانية.

عودة الوحي
روى البخاري عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت، فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، فرفعت رأسي فرأيت شيئاً، فأتيت خديجة، فقلت دثروني، وصبوا عليّ ماءً بارداً. قال فدثروني وصبوا عليّ ماءً بارداً، فنزلت : (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)

الواجب
س1 ما هو موقف المستشرقين من قصة بحيرى وكيف يكون الرد عليهم ؟
س2 ما هو أول ما بدئ به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوحي ؟ اذكر الحديث .
س 3 لماذا قال ورقة ( ذلك الناموس الذي نزّل الله على موسى ) ولم يقل عيسى ؟


نكمل الدرس القادم
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك