عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-20-2014, 09:58 AM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي قصص معاصرة في حياتنا العابرة؛ فيها عبر ومواعظ مؤثرة... (متجدد بأمر الله)

 

إنـــــــــــــذار...!!....*

تم توجيهي للعمل في مراقبة الطرق السريعة.. وأطراف المدينة للمحافظة على الأمن ومراقبة الطرق ومساعدة المحتاجين..
كان عملي متجدداً وعشت مرتاحاً.. أؤدي عملي بجد وإخلاص.. ولكني عشت مرحلة متلاطمة الأمواج..

من المشاهد المتكررة في حياتي العملية الحوادث والمصابين.. ولكن كان يوماً مميزاً..
في أثناء عملنا توقفت أنا وزميلي على جانب الطريق.. نتجاذب أطراف الحديث.
فجأةً سمعنا صوت ارتطام قوي..
أدرنا أبصارنا.. فإذا بها سيارة مرتطمة بسيارة أخرى كانت قادمة من الاتجاه المقابل.. هبَّينا مسرعين لمكان الحادث لإنقاذ المصابين..
حادث لا يكاد يوصف..شخصان في السيارة في حالة خطيرة.. أخرجناهما من السيارة.. ووضعناهما ممدين..
أسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية.. الذي وجدناه فارق الحياة.. عدنا للشخصين فإذا هما في حال الاحتضار..
هبّ زميلي يلقنهما الشهادة..
قولوا: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله..
لكن ألسنتهما ارتفعت بالغناء!!
.. أرهبني الموقف.. وكان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت.. أخذ يعيد عليهما الشهادة..
وقفت منصتاً.. لم أحرك ساكناً شاخص العينين أنظر.. لم أر في حياتي موقفاً كهذا.. بل قل لم أر الموت من قبل وبهذه الصورة..
أخذ زميلي يردد عليهما كلمة الشهادة.. وهما مستمران في الغناء..
لا فائدة..
بدأ صوت الغناء يخفت.. شيئاً فشيئاً.. سكت الأول وتبعه الثاني.. لا حِراك..
فارقا الدنيا..
حملناهما إلى السيارة وزميلي مطرق لا ينبس ببنت شفه.. سرنا مسافة قطعها الصمت المطبق..
قطع هذا الصمت صوت زميلي فذكر لي حال الموت وسوء الخاتمة.. وإن الإنسان يُختم له إما بخير أو شر..
وهذا الختام دلالة لما كان يعمله الإنسان في الدنيا غالباً..
وذكر لي القصص الكثيرة التي رويت في الكتب الإسلامية.. وكيف يُختم للمرء على ما كان عليه بحسب ظاهره وباطنه..
قطعنا الطريق إلى المستشفى في الحديث عن الموت والأموات.. وتكتمل الصورة عندما أتذكر أننا نحمل أمواتاً بجوارنا..
خفت من الموت واتعظت من الحادثة.. وصليت ذلك اليوم صلاة خاشعة..
ولكن نسيت هذا الموقف بالتدريج..!!

بدأت أعود إلى ما كنت عليه.. وكأني لم أشاهد الرجلين وما كان منهما..
ولكن للحقيقة أصبحت لا أحب الأغاني.. ولا أتلهف عليها كسابق عهدي.. ولعل ذلك مرتبط بسماعي لغناء الرجلين حال احتضارهما..




من عجائب الأيام..

بعد مدة تزيد على ستة أشهر.. حصل حادث عجيب.. شخص يسر بسيارته سيراً عادياً.. وتعطلت سيارته.. في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة..
ترجل من سيارته.. لإصلاح العطل في أحد العجلات.. عندما وقف خلف سيارته.. لكي ينزل العجلة السليمة..
جاءت سيارة مسرعة.. وارتطمت به من الخلف.. سقط مصاباً إصابات بالغة..
حضرت أنا وزميل آخر غير الأول.. وحملناه معنا في السيارة وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله..
شاب في مقتبل العمر.. متدين يبدو ذلك من مظهره.. عندما حملناه سمعناه يهمهم.. ولعجلتنا في سرعة حمله لم نميز ما يقول.
ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا..
سمعنا صوتاً مميزاً..
إنه يقرأ القرآن.. وبصوت ندي.. سبحان الله لا تقول هذا مصاب..
الدم قد غطى ثيابه.. وتكسرت عظامه.. بل هو على ما يبدو على مشارف الموت.
استمر يقرأ بصوت جميل.. يرتل القرآن..
لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة.. كنت أحدث نفسي وأقول سألقنه الشهادة مثل ما فعل زميلي الأول.. خاصةً وأن لي سابق خبرة كما أدعي..
أنصتُ أنا وزميلي لسماع ذلك الصوت الرخيم..
أحسست أن رعشة سرت في جسدي.. وبين أضلعي.. فجأة.. سكت ذلك الصوت.. التفت إلى الخلف.. فإذا به رافع إصبع السبابة يتشهد..

ثم انحنى رأسه..
قفزت إلى الخلف..
لمست يده..
قلبه..
أنفاسه..
لا شيء..
فارق الحياة..


نظرت إليه طويلاً.. سقطت دمعة من عيني.. أخفيتها عن زميلي.. ألتفت إليه وأخبرته أن الرجل قد مات..
انطلق زميلي في البكاء.. أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف.. أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثراً.
وصلنا المستشفى..
أخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجل.. الكثير تأثروا من الحادثة وقبَّل جبينه..
الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا متى يُصلى عليه ليتمكنوا من الصلاة عليه.
اتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل المتوفى.. كان المتحدث أخوه..
قال عنه:
أنه يذهب كل اثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية.. كان يتفقد الأرامل والأيتام.. والمساكين..
كانت تلك القرية تعرفه فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة الدينية.. وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين..
وحتى حلوى الأطفال لا ينساها ليفرحهم بها.. وكان يرد على من يثنيه عن السفر ويذكر له طول الطريق:
إنني استفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته.. وسماع الأشرطة والمحاضرات الدينية..
وأنني أحتسب إلى الله كل خطوة أخطوها..
،،،،،،،،،،،،،،،،،


من الغد.. غصَّ المسجد بالمصلين.. [1]

صليت عليه مع جموع المسلمين الكثيرة.. وبعد أن انتهينا من الصلاة حملناه إلى المقبرة.
أدخلناه في تلك الحفرة الضيقة، ووجهوا وجهه للقبلة..


لي تعـقـيــــب؛ أسأل الله أن تجدوا فيه فائدة
__________________________________________________ ____________________


في القصتين السابقتين، نرى صورة واقعية لحسن الخاتمة وسوء الخاتمة، والله أعلم؛
لكنَّ هذه علامات تبدو لنا فيها دلالات ملحوظة تجعلنا نحكم بذلك
وتعالوا معًا نتحدث فقط عن حسن الخاتمة الذي هو أمل ورجاء لكل العباد،
فمن القصتين السابقتين نخرج بفوائد هامة إن شاء الله:
أولها: الإمتثال لأمر الله تعالى في قوله:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ آل عمران: 102.

قال الإمام السعدي رحمه الله:
[هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه، وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات، فإن من عاش على شيء مات عليه، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على الدوام،
ثبَّتهُ الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة].


ثانيها: السعيُ لحسن الخاتمة؛ .......................
الذي هو غايةُ الصالحين، وهمةُ العباد المتقين؛ عملا بقوله تعالى:
﴿ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ آل عمران: 193

ثالثهما: النيةُ الصالحة والإخلاص لله،
والمتابعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النية والإخلاص شرط الأعمال المقبولة.

فمن صدقَ اللهَ في نيته وعمِل بسنة رسول اللهواتبع هديَ أصحابه رضوان الله عليهم؛
فسيختِم له بخير توفيقا منه سبحانه، كما :

﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا الكهف: 30،
.....
..... وكما قال:
﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًاطه: 112،
.....
وكما قال:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ البقرة: 143.

فلنجدد عهدنا مع الله تعالى ونخلص نوايانا ونداوم على الدعاء والرجاء
آملين توفقيًا منه سبحانه أن نحيا ما تبقى من أعمارنا مخلصين له سبحانه مداومين على العبادات والطاعات ونحن منيبين إليه
عساه يعفو عما سلف منا، وأن يثبتنا على طاعته، وأن يختم لنا بخير..
رزقنا الله وإيكم من فضلة هداية دائمة نحيا بها ونموت عليها
ورزقنا وإياكم بحسن الخاتمة


تابعونا بأمر الله، وقصص أخرى من الحياه...



_______________________________________
* منقول من كتاب: الزمن القادم للدكتور عبد الملك القاسم
[1] غَصّ: غص - يغص ويغص ، غصا وغصصا
غص المكان بالقوم : امتلأ بهم وضاق .
غص بالماء أو الطعام : وقف في حلقه شيء من الماء أو الطعام فمنعه التنفس.
..
التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس