عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 10-20-2014, 11:04 AM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي


القصــة الثانيــة

قصــــــرٌ في الجنـَّــــــة

طُرق الباب، دخل على أبي في الجمعيّة الخيريّة شابٌّ في العقد الرّابع من عُمره، في يده حقيبة بُنّيَّة، وعلى وجهه آثار السّفر،
ألقى التّحية وردّ عليه أبي ورحّب به، وأجلسه في المقعدِ القريبِ منه، قال وهو يرتشف قدحاً من الشّاي:
لقد قرّرتُ أنا وزوجتي أن نتصدّق بهذا المال الذي ادّخرناه لسنوات، يحدونا الأمل أن نبني به بيتاً أنيقاً تُحيطه حديقةٌ فيحاء،
يلعب فيها أطفالنا مع أترابهم، أحلامٌ وأحلامٌ..
وبعد أن جمعنا المال، بدا لنا أمرٌ آخر.. أن ندّخره عند الله، قصراً في دار السّلام، وها هُو بين يديك فاجعله حيث شئت في أبواب الخير صدقةً جاريةً.

ابتسم أبي ابتسامةً مُشرقةً، وربت على كتف الشّاب، وقال:
أسأل الله أن يتقبّله منك رصيداً وذُخراً في دار البقاء.

فتح الحقيبة؛ ولشدة ما كانت المفاجئة السّارّة.. مليونان من الجُنيهات!!
إنّها تكفي لتشييد مصنع أو لبناءِ مدرسة!
نعم إنّه تكلفة مشروع المدرسة النّموذجية التي طالما تمناها أبي، كي تنهض بالمُجتمع وترقى بالأخلاق وتغرسُ القِيَم وتُهذّب النُّفوس وتُغذّي العُقول،
قال الشّابّ:
كما ترى يا أبا أحمد؛ بشرط أن أتكفّل بكُلّ النّفقات مهما بلغت.

مرّت الأيام وتفتّق البِناء وارتفع، وكاد أن يتمّ لولا نفقات يسيرة لا تتجاوز خمسة عشر ألف جُنيه،
برّ أبو أحمد بوعدِه.. اتّصل بهذا الشّاب السّخيّ، فطلب منه أن يتفضّل بزيارته في المؤسّسة التي يُديرُها بالقاهرة،
سافر إليه ومعَه ولده خالد أصغر أبنائه، وصلا لمكتبه هشّ لهم وبشّ، أكرم ضيافتهم، حضر وقت صلاة الظُّهر، خرجوا جميعا للمسجد،
وبعد الصّلاة انصرف بهم إلى بيتِه للغداء والاسترواح، ثُمّ عادوا إلى المُؤسّسة بعد صلاة العصر، وطال مُكْثُهم حتّى المغرب!!
أبو أحمد يُريد أن يعود.. لقد تأخّر طويلاً، والشّاب لم يتطرّق إلى الموضوع ( المبلغ )، تكلّم أبو أحمد بعد تردُّد، وكان معروفا بحزمه،
قال:
لقد تأخّرت.. وعدتني بالمبلغ! فهل أنصرف الآن؟
قال الشّاب بسُكُونٍ وتؤدة:
بل انتظر قليلاً، لقد تعمّدت أن تبقى معي حتّى ينتهي الدّوام، إنّني عزمْت أن أتصدّق بكُلّ ما في خزينة اليوم من مال.

بعد ساعاتٍ انتهى الدّوام، وأخذ الشّاب حصيلة اليوم ستّون ألف جُنيْهاً قدّمها لأبي أحمد الذي عاش لحظاتٍ بين الذّهول والفرح،
قال للشاب المحسن مشفقا:
طلبتُ منك رُبْع هذا المبلغ، هُو يكفينا لا حاجة لنا بالباقي!
قال الشّاب:
ولكن هل تحرمني من هذا الخير؟

سكتَ الوالد سكُوت الرّضا وانصرف شاكراً.

عُدْنا إلى بلدِنا.. ما إن ولجت البيت حتّى ارتميت على الفراش، وخطفني النّوم، وطرحني في سهاده، وأنا استمتع بدفء الفِراش في ليل الشّتاء،
دقّ جرس الهاتف نهِضت من الفراش أوقدت المِصباح نظرتُ في السّاعة التي على المنضدة، السّاعة الثّالثة يا لقلّة الذوق، يوقظون النّاس من نومهم في هذه السّاعة.
قُلت هذا ضجِراً، ولم أردّ على الهاتِف، الذي رنّ للمرّة الثّانية..
انتبه أبي وسألني:
لم لا ترد يا خالد؟
فقلت: أناسٌ مُزعجون! لا يستحقُّون رفع السّمّاعة،
قال: عيبٌ عليك يا بُنيّ، الله أعلمُ بخطبهم،
رفعت السّمّاعة، إنّه الشّاب السّخي!!
يا أبي.. تناول الوالد السّمّاعة، وحيّاه الشاب وقال:
تدري يا حاجّ لماذا اتّصلتُ بك في هذه السّاعة؟
قال أبي: لا يا بُنيّ!! ما الخطب؟
قال الشّاب: المبلغ الذي أعطيتك؟
قال أبي:هل تُريد استرداده؟ هل أخطأت في الحساب؟!
قال الشّاب: لا يا عمّ لم أُخطئ في الحساب.. لقد رُدَّ إليّ بالفعل؛ ولكن بعشر أضعاف!
قال أبي متعجبا وقد طار النوم من عينيه: كيف يا بُنيّ؟
قال الشّاب: هذا ما أردتُ أن أقوله لك، ولم أُطق صبراً حتّى الصّباح،
بينما أنا أهنئ بنومٍ حالمٍ، إذ بمركبة في عرض البحر، محمّلة بالبضائع في طريقها إلى استانبول، منعت السّلطات دُخولها إلى البلاد التّركيّة،
فلم يكن بُدّ من تفريغها في أقرب ميناء وعِند أكبر تاجر بخصم كبير جِدّاً، وقع الاختيار على مِصر، وعلى العبدِ الفقير،
اتّصلوا بي وعرضوا الأمر وقد قبلت..
تدري يا حاج محمد كم أربح فيها بإذن الله وفضلِه؟
ستمئة ألف، يعني عشر أضعاف ما قدمت.

قال أبي: صدق الله العظيم:

(وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ).
.
( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا )

( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ )



تابعونا بأمر الله، والقصة الثالثة...



.
التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس