عرض مشاركة واحدة
  #213  
قديم 03-14-2012, 11:20 PM
صابر عباس حسن صابر عباس حسن غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الثلاثون
(45)
ومع بعض آيات من سورة الناس

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ – 1 مَلِكِ النَّاسِ – 2 إِلَهِ النَّاسِ – 3 مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ – 4 الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ – 5 مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ – 6

هذه السورة مشتملة على الاستعاذة بالله تعالى وبصفاته فهو رب الناس, ملك الناس، إله الناس,
والله رب كل شيء , وملك كل شيء , وإله كل شيء . ولكن تخصيص ذكر الناس هنا يجعلهم يحسون بالقربى في موقف العياذ والاحتماء .

والله - برحمة منه - يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته إلى العياذ به والالتجاء إليه , مع استحضار معاني صفاته هذه , من شر خفي , لا قبل لهم بدفعه إلا بعون من الرب الملك الإله.

فالوساوس تأتي من حيث لا نحتسب . والوسوسة :الصوت الخفي . والخنوس : الاختباء والرجوع . والخناس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس عند ذكر الله تعالى .

*******

وبهذا تختم سور القرآن العظيم ببيان عالمية الرسالة.


فالناس كافة مدعون للإيمان..

فكانت من أول الآيات ترتيبا في المصحف الشريف :

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

وجاء النداء للناس جميعا بالإيمان في الربع الأول . قال تعالى في سورة البقرة :

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ

الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ – 21 الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ – 22

هذا أمر عام لكل الناس , بأمر عام , وهو العبادة الجامعة, لامتثال أوامر الله, واجتناب نواهيه , وتصديق خبره , فأمرهم تعالى بما خلقهم له ، قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ – 56 الذاريات

ثم استدل على وجوب عبادته وحده , بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم , فخلقكم بعد العدم , وخلق الذين من قبلكم , وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة , فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها , وتنتفعون بالأبنية , والزراعة , والحراثة , والسلوك من محل إلى محل , وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها ، وجعل السماء بناء محكما لحمايتكم من الإشعاعات المنبعثة من الشمس , وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم , كالشمس , والقمر , والنجوم.

*******
وجدير بنا أن نتذكر كيف أخرج إبليس اللعين أبانا أدم وزوجه من الجنة, بأن وسوس لهما بالأكل من الشجرة المحرمة عليهما.
قال تعالى في الربع الثاني من سورة البقرة :

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ – 35
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ – 36

لما خلق الله آدم وفضله , أتم نعمته عليه , بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها , ويستأنس بها , وأمرهما بسكنى الجنة , والأكل منها رغدا , أي : واسعا هنيئا ، ﴿ حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾ أي : من أصناف الثمار والفواكه , وقال الله له : ﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى – 118 طه
﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾ نوع من أنواع شجر الجنة , الله أعلم بها ، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء أو لحكمة غير معلومة لنا .
﴿ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ دل على أن النهي للتحريم , لأنه رتب عليه الظلم.
فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه , حتى أزلهما ، أي : حملهما على الزلل بتزيينه. ﴿ وَقَاسَمَهُمَا ﴾ بالله ﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ -21 الأعراف ﴾ فاغترا به وأطاعاه , فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد , وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة.
﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ أي : آدم وذريته , أعداء لإبليس وذريته.

قال تعالى : ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ – 6 فاطر

وقال تعالى : ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا – 50 الكهف

ومازالت وساوس شياطين الإنس والجن تتعرض للإنسان وتصده عن طريق الحق الموصل إلى رضوان الله تعالى , ولذلك وجب الاستعاذة بالله تعالى واللجوء إليه.

عن ابن عباس - رضي الله عنهما –
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله تعالى خنس , وإذا غفل وسوس .


ووسوسة شياطين الجن نحن لا ندري كيف تتم , ولكنا نجد آثارها في واقع النفوس وواقع الحياة .
ونعرف أن المعركة بين آدم وإبليس قديمة قديمة , وأن الشيطان قد أعلنها حربا تنبثق من كبريائه وحسده وحقده على الإنسان .
ولكن الله تعالى لم يترك الإنسان فريسة للشيطان مجردا من العدة . فقد جعل الله تعالى له من الإيمان حماية , وجعل له من الذكر عدة , وجعل له من الاستعاذة سلاحا .


فإذا أغفل الإنسان حمايته وعدته وسلاحه فهو إذن وحده الملوم..

فينبغي للإنسان أن يستعين و يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
وبألوهيته التي خلقهم لأجلها ، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم ، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها ، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس ، ولهذا قال تعالى : ﴿ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ .

قال تعالى في سورة الأنعام :

وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ -112 وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ - 113

ومن وساوس شياطين الإنس والجن أن يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل ، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة ، ليغتر به السفهاء ، وينقاد له الأغبياء ، الذين لا يفهمون الحقائق ، ولا يفقهون المعاني ، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة ، والعبارات المموهة ، فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقا.

فمن رحمة الله تعالى لعباده المؤمنين أن هداهم للإستعاذة به من تلك الوساوس ..

ففي الحديث الشريف : قل هو الله أحد و المعوذتين حين تمسي و حين تصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء.

فمن السنن أن يقرأ المسلم سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات قبل نومه لحمايته من الحسد والسحر ووساوس الشيطان..

*******

الحمد لله على نعمة الإيمان ونعمة الإسلام.
الحمد لله رب العالمين أن جعلنا من أتباع حبيبه سيد البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وأن أرسل لنا القرآن العظيم كلام الله لهداية البشر.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
سبحان الله وبحمده عدد خلقه وزنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته.
وصلى الله وسلم على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة وسلامًا دائمين متواصلين أبد الأوقات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

********

وإلى موضوع أخر بإذن الله تعالى.

******

مصادر هذا البحث : كتاب الله تعالى.
الحديث الشريف : صحيح البخاري وصحيح مسلم والترمذي.
تفسير إبن كثير والطبري وتفسير السعدي .
كتاب ظلال القرآن للشهيد سيد قطب رحمه الله .
كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.
كتاب مبادئ الإسلام لإبي الأعلى المودودي.
دروس الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله.
مجموعة مؤلفات الشيخ يس رشدي رحمه الله.
الخواطر الإيمانية للشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى.
منهج الدراسات العليا بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية.
ومنهج تمهيدي ماجستير للشريعة الإسلامية.
مواقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

******
لا تنسونا بالدعاء
أخوكم في الله / صابر عباس
رد مع اقتباس