عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-11-2009, 05:13 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

سُنَّةُ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تكونُ بالفعلِ تكون بالتَّرْكِ،



والتَّرْكُ المراد هاهنا هو التَّرْكُ الوجودي،
وهو: أنْ يقعَ الشيء في زمنِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ويوجد المقتضِي لفعلِهِ
- الدافع والباعث - الذي يدفع ويبعثُ لفعله والشيء موجود,
ومع وجودِ هذا المقتضي وانتفاءِ المانع الذي يمنع من فعلِهِ،
مع ذلك يتركه رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا كان ذلك كذلك؛
فالتَّرْكُ سُنَّةٌ والفعلُ بدعة،

التَّرْكُ المراد هو التَّرْكُ الوجودي أنْ يقع الشيء ويوجد المقتضي الدافع لفعلِهِ
وينتفي المانعُ من فعله، ومع ذلك يترُكُهُ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ،
فالتَّرْكُ الذي هو سُنَةٌ وقُرْبَةٌ هو التَّرْكُ في ما لم يكن مانعٌ من فعلِهِ مع وجودِ المقتضي
لفعلِ ذلك الأمر الذي تَرَكَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو التَّقَرُّبُ إلى اللهِ تبارك وتعالى،

والوقتُ وقتُ تشريعٍ وتنزيل وبيان للأحكام،
لأن النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يؤخرُ البيانَ عن وقت الحاجة،
فلو كان ذلك جائزًا على هذا النحو: قام المقتضي لفعله، الدافع لفعله موجود,
والمانع الذي يمنع من فعله منتفٍ لا وجود له, ومع ذلك يتركه
رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ, حينئذٍ يكون التَّرْكُ سُنَّةً ويكونُ الفعلُ بدعةً.

كما تَرَكَ الأذان للعيدين، وكما تَرَكَ الغُسْلَ لكل صلاة, وكما ترك الاحتفالَ بعيد مولده
أو عيد ميلاده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وكما ترك الأذان للتراويح،
وكما ترك صلاة النصف من شعبان، وكما ترك القراءة على الموتى وغير ذلك،

فهذه أمورٌ تُرِكَتْ على عهدِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السنينَ الطُّوَال
مع عدمِ المانعِ من فعلِها, وقيامِ المقتضي الدافع الذي يدفعُ لفعلها,
ومع ذلك تركها رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,

والوقتُ وقتُ تشريعٍ للأحكام,
فظهرَ من ذلك أنَّ هذا التَّرْكَ سُنَّةٌ, وأنَّ الفعلَ - الذي ينافي هذا التَّرك -
بدعةٌ في دين اللهِ ربِّ العالمـــين.

لو كانت مشروعة وكان فعلُها ينطوي على شيءٍ من الخير لفعلها
النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرْكُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذه الأمور
ومواظبتُه على الترك مع عدم المانع ومع وجود المقتضي الدافع لفعل الفعل,
وهو التقرب إلى الله تبارك وتعالى، تَرْكُ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك

وهو كذلك والوقت وقت تشريع وتنزيل وبيان للأحكام دليل على أنَّ المشروع في
هذه الأمور هو التَّرْك، وأنَّ الفعلَ خلافُ المشروع، فلا يُتَقَرَّبُ بفعل مثل ذلك؛
لأن القُرْبَةَ لابد أنْ تكونَ مشروعة.



العملُ لا بد أنْ يكون خالصًا وأنْ يكون صوابًا،

والصواب أنْ يكونَ على قدمي رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وأنْ يتوفرَ فيه شرطُ المتابعة لدينِ اللهِ ربِّ العالمـــين
الذي جاء به النّبيُّ الأمين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.

وهذه قاعدة من القواعد الجليلة جدًّا يحتاجُها المسلمُ المُتَسَنِّنُ
بسُنَّةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحتاجُها طالبُ العلم من أجل التمييزِ
بين ما هو سُنَّة وما هو بدعة, ويحتاجها العالم الداعية من أَجْلِ أنْ تكونَ غُصَّةً وحجرًا
يُلْقَمُ في أفواه وحُلُوقِ المبتدعة, ما يسمى بـ «السُّنَّة التَّرْكية»
هو: ما تَرَكَهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع قيام المقتضي لفعله وانتفاء المانع من فعله
- مع أنَّ الزمانَ زمانُ تشريع وبيان للأحكام -, فالحكم في ذلك أنَّ التَّرْكَ سُنَّة
وأنَّ الفعل بدعة - قاعدة مهمة في غاية الأهمية ذكرها العلماء رحمةُ اللهِ عليهم -.


وكيف يُعقل أنْ يتركَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا نافعًا يعودُ على الأمةِ بالرحمة
وهو من بَيَّنَ لنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّه {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة : 128]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ كيف يُعقل أنْ يترك النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلَ هذا؟!
وهل يُعقل أنْ يكونَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ قد رأى في ذلك بابًا
من أبوابِ الرحمة ثم يتركُه حياتَه كلَّها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ-
ولا يفعلُه ولو مرةً واحدةً لبيان الجواز حتى ولو كان لبيان الجواز؟


مثال ذلك أنَّ الناسَ إذا ماتَ لهم ميت جمعوا بعضَ أحبَّائِهِم وأودَّائِهِم وأصفيائِهِم
وصنعوا للميتِ (عِتَاقَة كبرى!) أو (عِتَاقَة صغرى!)،
فيجلسون يقرؤون سورةَ الإخلاصِ عددًا، ألف مرة أو مائة ألف مرة في العتاقة الصغرى
والعتاقة الكبرى! ويقولون إننا إذا قرأنا هذا القدر
ثم وهبنا ثوابَه للمتوفَّى فإنه تُعْتَقُ رقبتُهُ من النار!!

فيُقال: هذا المقصد هو الذي لأَجْلِهِ أرسلَ اللهُ رسولَهُ، من أجل عِتْقِ الناس من النار،
أنْ يوحدوا اللهَ وأن يعبدوه حتى ينجوَ هؤلاءِ من النار، فهذا هو المقصد الذي لأَجْلِهِ
أَرْسَلَ اللهُ ربُّ العالمـــين رسولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.


ما المانع الذي كان يمنعُ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أنْ يُكَلِّفَ
بعضَ أصحابِهِ رضوان الله عليهم بعد موتِ واحدٍ من الصحابةِ رضوان الله عليهم
أنْ يجتمعوا ناحيةً, وأن يقرؤوا سورةَ الإخلاصِ هذا القَدْرَ,
ثم يَهَبُوا ثوابَ تلك القراءةِ للميت، ما الذي كان يمنع؟
لا شيء.
إذن؛ ليس هنالك مانع، والدَّافع المقتضي لوجود الفعل قائم
- وهو عِتْقُ هذا المتوفَّى من النار -, والزمانُ زمان تشريع وتنزيل للأحكام
على قلبِ النّبيِّ الهُمَام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك لم يفعلْه,
فيكون التَّرْكُ سُنَّةً, ويكونُ الفعلُ بدعة.


رد مع اقتباس