عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 04-17-2009, 05:30 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي


طارق بن زياد وقضية حرق السفن !!!

قبل الانتقال إلى ما بعد وادي برباط كان لا بد لنا من وقفة أمام قضية اشتهرت وذاع صيتها كثيرا في التاريخ الإسلامي بصفة عامة والتاريخ الأوروبي بصفة خاصة ، وهي قضية حرق طارق بن زياد للسفن التي عَبَر بها إلى بلاد الأندلس قبل موقعة وادي برباط مباشرة .



فما حقيقة ما يقال من أن طارق بن زياد أحرق كل السفن التي عبر عليها ؟ وذلك حتى يحمس الجيش على القتال ، وقد قال لهم : البحر من ورائكم والعدو من أمامكم فليس لكم نجاة إلا في السيوف .


في حقيقة الأمر فإن هناك من المؤرخين من يؤكد صحة هذه الرواية ، ومنهم من يؤكد بطلانها ، والحق أن هذه الرواية من الروايات الباطلة التي أُدخلت إدخالاً على تاريخ المسلمين ، وذلك للأسباب الآتية :

أولاً : أن هذه الرواية ليس لها سند صحيح في التاريخ الإسلامي ، فعلم الرجال وعلم الجرح والتعديل الذي تميز به المسلمون عن غيرهم يحيلنا إلى أن الرواية الصحيحة لا بد أن تكون عن طريق أناس موثوق فيهم، وهذه الرواية لم ترد أبدا في روايات المسلمين الموثوق في تأريخهم ، وإنما أتت إلينا من خلال المصادر والروايات الأوروبية التي كتبت عن موقعة وادي برباط .

ثانياً : أنه لو حدث فعلا إحراق لهذه السفن كان لا بد أن يحدث رد فعل من قِبَل موسى بن نصير أو الوليد بن عبد الملك استفسارا عن هذه الواقعة ، فكان لا بد أن يكون هناك حوار بين موسى بن نصير وطارق بن زياد حول هذه القضية ، ولا بد أن يكون هناك تعليق من الوليد بن عبد الملك ، وأيضا لابد أن يكون هناك تعليق من علماء المسلمين : هل يجوز هذا الفعل أم لا يجوز ؟ وكل المصادر التاريخية التي أوردت هذه الرواية وغيرها لم تذكر على الإطلاق أي رد فعل من هذا القبيل ؛ مما يعطي شكا كبيرا في حدوث مثل هذا الإحراق .

ثالثاً : أن المصادر الأوروبيّة قد أشاعت هذا الأمر ؛ لأن الأوروبيين لم يستطيعوا تفسير كيف انتصر اثنا عشر ألفا من المسلمين الرجّالة على مائة ألف فارس من القوط النصارى في بلادهم وعقر دارهم ، وفي أرض عرفوها وألفوها ؟!

ففي بحثهم عن تفسير مقنع لهذا الانتصار الغريب قالوا : إن طارقا قام بإحراق سفنه لكي يضع المسلمين أمام إحدى هاتين : الغرق في البحر من ورائهم ، أو الهلاك المحدق من قبل النصارى من أمامهم ، وكلا الأمرين موت محقق ؛ ومن ثم فلم يكن هناك حلا لهذه المعادلة الصعبة إلا بالاستماتة في القتال للهروب من الموت المحيط بهم ، فكانت النتيجة الطبيعية الانتصار ، أما إذا كانت الظروف طبيعية لكانوا قد ركبوا سفنهم وانسحبوا عائدين إلى بلادهم .

وهكذا فسّر الأوروبيين النصارى السر الأعظم في انتصار المسلمين في وادي برباط ، وهم معذورون في ذلك ؛ فهم لم يُجربوا ولم يفقهوا القاعدة الإسلامية المشهورة والمسجلة في كتابه سبحانه وتعالى والتي تقول : { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة:249] .

فالناظر في صفحات التاريخ الإسلامي يجد أن الأصل هو أن ينتصر المسلمون وهم قلة على أعدائهم الكثيرين ، بل ومن العجيب أنه إذا زاد المسلمون على أعدائهم في العدد فتكون النتيجة هي الهزيمة للمسلمين ، وذلك هو ما حدث يوم حنين { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } [التوبة:25] .

ومن هنا فقد حاول الأوروبيون على جهل منهم وسوء طوية أن يضعوا هذا التفسير وتلك الحجة الواهية حتى يثبتوا أن النصارى لم يُهزموا في ظروف متكافئة ، وأن المسلمين لم ينتصروا إلا لظروف خاصة جدا .

رابعاً: متى كان المسلمون يحتاجون إلى مثل هذا الحماس التي تُحرّق فيه سفنهم ؟! وماذا كانوا يفعلون في مثل هذه المواقف - وهي كثيرة - والتي لم يكن هناك سفن ولا بحر أصلا ؟! فالمسلمون إنما جاءوا إلى هذه البلاد راغبين في الجهاد طالبين الموت في سبيل الله ؛ ومن ثم فلا حاجة لهم بقائد يحمسهم بحرق سفنهم وإن كان هذا يعد جائزا في حق غيرهم .

خامساً: ليس من المعقول أن قائدا محنكا مثل طارق بن زياد رحمه الله يقدم على إحراق سفنه وإحراق خط الرجعة عليه ، فماذا لو انهزم المسلمون في هذه المعركة وهو أمر وارد وطبيعي جدا ؟ ألم يكن من الممكن أن تحدث الكرة على المسلمين خاصة وهم يعلمون قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ } [الأنفال:15-16]

فهناك إذن احتمال من أن ينسحب المسلمون من ميدان المعركة ؛ وذلك إما متحرفين لقتال جديد ، وإمّا تحيزا إلى فئة المسلمين ، وقد كانت فئة المسلمين في المغرب في الشمال الأفريقي ، فكيف إذن يقطع طارق بن زياد على نفسه التحرف والاستعداد إلى قتال جديد ، أو يقطع على نفسه طريق الانحياز إلى فئة المسلمين ؟!

ومن هنا فإن مسألة حرق السفن هذه تعد تجاوزا شرعيا كبيرا لا يقدم عليه من هو في ورع وعلم طارق بن زياد رحمه الله ، وما كان علماء المسلمين وحكّامهم ليقفوا مكتوفي الأيدي حيال هذا الفعل إن كان قد حدث .

سادساً : وهو الأخير في الرد على هذه الرواية أن طارق بن زياد كان لا يملك كل السفن التي كانت تحت يديه ؛ فبعضها كان قد أعطاها له يوليان صاحب سبتة بأجرة ليعبر عليها ثم يعيدها إليه بعد ذلك فيعبر بها هو ( يوليان ) إلى إسبانيا كما وضحنا سابقا ، ومن ثم فلم يكن من حق طارق بن زياد إحراق هذه السفن .

لكل هذه الأمور نقول : إن قصة حرق السفن هذه قصة مختلقة ، وما أُشيعت إلا لتهون من فتح الأندلس وانتصار المسلمين .





التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 07-31-2009 الساعة 05:53 PM
رد مع اقتباس