عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 06-07-2008, 08:12 AM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




افتراضي

الفصل السابع


في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه


وما يمنع الحمل أو يسقطه

*استعمال المرأة ما يمنع حيضها جائز بشرطين :
الأول:ألا يخشى الضرر عليها ، فإن خشي الضرر عليها من ذلك فلا يجوز لقوله تعالى:( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)([68]) . (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)([69]) .
الثاني : أن يكون ذلك بإذن الزوج إن كان له تعلق به مثل أن تكون معتدة منه على وجه تجب عليه نفقتها ، فتستعمل ما يمنع الحيض لتطول المدة وتزداد عليه نفقتها ، فلا يجوز لها أن تستعمل ما يمنع الحيض حينئذ إلا بإذنه، وكذلك إن ثبت أن منع الحيض يمنع الحمل فلا بد من إذن الزوج ، وحيث ثبت الجواز فالأولى عدم استعماله ، إلا لحاجة ؛ لأن ترك الطبيعة على ما هي عليه أقرب إلى اعتدال الصحة فالسلامة .
* واما استعمال ما يجلب الحيض فجائز بشرطين أيضاً :
الأول : ألا تتحيل به على إسقاط واجب ، مثل أن تستعمله قرب رمضان ، من أجل أن تفطر أو لتسقط به الصلاة ، ونحو ذلك .
الثاني : أن يكون ذلك بإذن الزوج ، لأن حصول الحيض يمنعه من كمال الاستمتاع ، فلا يجوز استعمال ما يمنع حقه إلا برضاه ، وإن كانت مطلقة فإن فيه تعجيل إسقاط حق الزوج من الرجعة إن كان له رجعة .
*وأما استعمال ما يمنع الحمل فعلي نوعين :
الأول : أن يمنعه منعاً مستمراً فهذا لا يجوز ، لأنه يقطع الحمل فيقل النسل ، وهو خلاف مقصود الشارع ، من تكثير الأمة الإسلامية ، ولأنه لا يؤمن أن يموت أولادها الموجودون فتبقي أرملة لا أولاد لها .
الثاني : أن يمنعه منعاً مؤقتاً ، مثل أن تكون المرأة كثيرة الحمل ، والحمل يرهقها ، فتحب أن تنظم حملها كل سنتين مرة أو نحو ذلك فهذا جائز، بشرط أن يأذن به زوجها وألا يكون به ضرر عليها ، ودليله أن الصحابة كانوا يعزلون عن نسائهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل ألا تحمل نساؤهم ، فلم ينهوا عن ذلك . والعزل أن يجامع زوجته وينزع عند الإنزال فينزل خارج الفرج .
*وأما استعمال ما يسقط الحمل على نوعين :
الأول : أن يقصد من إسقاطه إتلافه ، فهذا إن كان بعد نفخ الروح فيه فهو حرام ، بلا ريب ، لأنه قتل نفسٍ محرمة ٍ بغير حق وقتل النفس المحرمة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وإن كان قبل نفخ الروح فيه فقد اختلف العلماء في جوازه ، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، ومنهم من قال : يجوز ما لم يكن علقة، أي ما لم يمض عليه أربعون يوماً ، ومنهم من قال : يجوز ما لم يتبين فيه خلق إنسان .
والاحوط المنع من إسقاطه إلا لحاجة كأن تكون الأم مريضة لا تتحمل الحمل ونحو ذلك ، فيجوز إسقاطه حينئذ ٍ إلا إن مضى عليه زمن يمكن أن يتبين فيه خلق إنسان فيمنع . والله أعلم .
الثاني : ألا يقصد من إتلافه بأن تكون محاولة إسقاطه عند انتهاء مدة الحمل وقرب الوضع فهذا جائز ، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر على الأم ، ولا على الولد،وألا يحتاج الأمر إلى عملية فإن احتاج إلى عملية فله حالات أربع :
الأولي : أن تكون الام حية والحمل حياً ، فلا تجوز العملية إلا للضرورة ، بأن تتعسر ولادتها فتحتاج إلى عملية ، وذلك لأن الجسم أمانة عند العبد، فلا يتصرف فيه بما يخشى منه إلا لمصلحة كبرى ؛ ولأنه ربما يظن ألا ضرر في العملية فيحصل الضرر .
الثانية:أن تكون الأم ميته والحمل ميتاً، فلا يجوز إجراء العملية لإخراجه لعدم الفائدة
الثالثة : أن تكون الأم حية والحمل ميتاً ، فيجوز إجراء العملية لإخراجه ، إلا أن يخشي الضرر على الأم لأن الظاهر ـ والله أعلم ـ أن الحمل إذا مات لا يكاد يخرج بدون العملية ، فاستمراره في بطنها يمنعها من الحمل المستقبل ، ويشق عليها ، وربما تبقي أيماً إذا كانت معتدة من زوج سابق .
الرابعة : أن تكون الأم ميتة والحمل حياً ، فإن كان لا ترجى حياته لم يجز إجراء العملية . وإن كان ترجى حياته ، فإن كان قد خرج بعضه شُق بطن الأم لأخراج باقيه ، وإن لم يخرج منه شيء ، فقد قال أصحابنا رحمهم الله : لا يشق بطن الأم لإخراج الحمل ، لأن ذلك مثله ، والصواب أنه يشق البطن إن لم يمكن إخراجه بدونه ، وهذا اختيار ابن هبيرة ، قال في الإنصاف ([70]) : وهو أولى .
قلت : ولا سيما في وقتنا هذا فإن إجراء العملية ليس بمثله ، لأنه يشق البطن ثم يخاط؛ ولأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت ، ولأن إنقاذ المعصوم من الهلكة واجب ، والحمل إنسان معصوم فوجب إنقاذه . والله أعلم .
تنبيه : في الحالات التي يجوز فيها إسقاط الحمل فيما سبق لا بد من إذن من له الحمل في ذلك كالزوج .
وإلى هنا انتهى ما أردنا كتابته في هذا الموضوع الهام ، وقد اقتصرنا فيه على أصول المسائل وضوابطها وإلا ففروعها وجزئياتها وما يحدث للنساء من ذلك بحر لا ساحل له ، ولكن البصير يستطيع أن يرد الفروع إلى أصولها والجزئيات على كلياتها وضوابطها ، ويقيس الأشياء بنظائرها .
وليعلم المفتى بأنه واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ ما جاءت به رسله ، وبيانه للخلق،وانه مسئول عما في الكتاب والسنة ، فإنهما المصدران اللذان كلف العبد فهمهما، والعمل بهما ، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو خطأ يجب رده على قائله ، ولا يجوز العمل به ، وإن كان قائله قد يكون معذوراً مجتهداً فيؤجر على اجتهاده لكن غيره العالم بخطئه لا يجوز له قبوله .
ويجب على المفتي أن يخلص النية لله تعالى ، ويستعين به في كل حادثة تقع به ، ويسأله تعالى الثبات والتوفيق للصواب . ويجب عليه أن يكون موضع اعتباره ما جاء في الكتاب والسنة ، فينظر ويبحث في ذلك أو فيما يستعان به من كلام أهل العلم على فهمهما .
وإنه كثيراً ما تحدث مسألة من المسائل ، فيبحث عنها الإنسان فيما يقدر عليه من كلام أهل العلم ، ثم لا يجد ما يطمئن إليه في حكمها ، وربما لا يجد لها ذكراً بالكلية ، فإذا رجع إلى الكتاب والسنة ، تبين له حكمها قريباً ظاهراً وذلك بحسب الإخلاص والعلم والفهم .
*ويجب على المفتي أن يتريث في الحكم عند الإشكال وألا يتعجل ، فكم من حكم تعجل فيه ، ثم تبين له بعد النظر القريب ، أنه مخطئ فيه ، فيندم على ذلك ، وربما لا يستطيع أن يدرك ما أفتي به .
* والمفتي إذا عرف الناس منه التأني والتثبت وثقوا بقوله واعتبروه ، وإذا رأوه متسرعاً ، والمتسرع كثير الخطأ ، لم يكن عندهم ثقة فيما يفتي به فيكون بتسرعه وخطئه قد حرم نفسه وحرم غيره ما عنده من علم وصواب .
نسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم ، وأن يتولانا بعنايته ، ويحفظنا من الزلل برعايته ، إنه جواد كريم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
تم بقلم الفقير إلى الله : محمد الصالح العثيمين في ضحى يوم الجمعة الموافق 14 شعبان 1392هـ .
 
رد مع اقتباس