عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 04-08-2009, 08:07 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي




ما هِيَ بِلادُ الأَنْدَلُـس؟



في بدايةِ الحديثِ عن تاريخِ الأندلسِ نردُّ أولاً عمّا قد يُثارُ من أسئلةٍ حول معنى هذهِ الكلمةُ والمرادُ منها ، فبلادُ الأندلسِ هيَ اليومَ دولتي إسبانيا والبرتغال؛ أو ما يُسمى شبه الجزيرة الأيبيرية، ومساحتها ( مجموع الدولتين ) ستمائة ألف كيلو متر مربع؛ أي أقل من ثُلثيّ مساحةِ مِصر.


وَعن سبب تسميتها بالأندلسِ.. فقد كانت هناكَ بعضُ القبائلِ الهمجيةِ التي جاءت من شمالِ إسكندنافيا من بلادِ السويدِ والدنمارك والنرويجِ وغيرها، وهجمت على منطقةِ الأندلسِ وعاشت فيها فترةً منذُ القرنُ الأولُ الميلاديّ ، ويُقالُ أن هذهِ القبائلَ جاءت من ألمانيا، وما يهمّنا هو أن هذه القبائل كانت تسمى قبائل الفندال أو الوندال باللغةِ العربية؛ فسميت هذه البلاد بفاندليسيا على اسم القبائل التي كانت تعيش فيها ، ومع الأيام حُرف إلى أندوليسيا فـ أندلس.

وقد كانت هذه القبائلَ تتسمُ بالوحشيةِ والهمجيةِ حتى إن في الإنجليزية إلى الآنَ كلمةُ همجية ووحشية تعني فندليزم ، وتعني أيضاً أسلوب بدائي أو غير حضاري ، وهو المعنى والاعتقاد الذي رسختهُ قبائلُ الفندال، وقد خرجت هذه القبائلَ منَ الأندلسِ وحَكَمَها طوائفُ أخرى من النصارى عُرفت في التاريخ باسم قبائل القوط أو القوط الغربيين، وظلّوا يحكمونَ الأندلسَ حتى قدومَ المسلمينَ إليها.




لماذا تَوَجَّهَ المسلمونَ إلى الأَنْدَلُـسِ دونَ غيرها؟



لماذا اتجه المسلمون في فتوحاتهم إلى بلاد الأندلسِ بالذات من بلاد العالم ، وأيضاً لِمَ هذا التوقيتَ بعينهِ ؛ أي سنة اثنتينِ وتسعينَ منَ الهجرةِ ؟

المسلمونَ كانوا قد فتحوا الشمالِ الإفريقيِّ كلهِ ، ففتحوا مصرَ وليبيا وتونس والجزائر والمغربَ، ووصلوا إلى حدودِ المغربِ الأقصى والمحيطِ الأطلسي، ومن ثَمَّ لم يكن أمامهم في سيرِ فتوحاتهم إلا أحدَ سبيلينِ ، إمّا أن يتجهوا شمالاً ، ويعبروا مضيق جبل طارق ويدخلوا بلادَ إسبانيا والبرتغال؛ وهيَ بلادُ الأندلسِ آنذاك، وإمّا أن يتجهوا جنوباً صوبَ الصحراءِ الكبرى ذاتَ المساحاتِ الشاسعةِ والأعدادِ القليلةِ منَ السكانِ، والمسلمونَ بدورهم ليسَ من همّهم إلا البحثَ عن تجمعاتِ البشرِ حتى يعلمونهم دينَ اللهِ سبحانهُ وتعالى ، ولم يكن همهمُ البحثُ عنِ الأراضي الواسعةَ أو جمعُ الممتلكاتِ.
وبما أن المسلمينَ وصلوا إلى الحدودِ القريبةِ من الأندلسِ مباشرةً ، واستتبَّ لهمُ الأمرُ في أواخرِ الثمانيناتِ منَ الهجرةِ فيما دونَ ذلكَ منَ البلادِ التي فتحوها - كما سيأتي تفصيلهُ بإذنِ اللهِ - فالأندلسُ إذن هيَ البلاد التي تلي بلاد المسلمين مباشرةً ، واللهُ تعالى يقولُ في كتابهِ الكريمِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ } [ التوبة:123] .
وعلى هذا النهجِ سارَ المسلمونَ في كل فتوحاتهم ، ويجسدُ هذا المنهجَ ذلكَ الحوارُ الذي دارَ بينَ معاذٍ بنِ جبلٍ رضيَ اللهُ عنهُ وبينَ ملكٍ من ملوكِ الرومِ قبلَ موقعةِ اليرموكِ - وكانَ رسولاً إليهِ - .

سألَ ملكُ الرومِ رسولَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ معاذَ بنَ جبلٍ: ما الذي دعاكم إلى الولوغِ في بلادنا وبلادُ الحبشةِ أسهلُ عليكم - وقد كانتِ الرومُ آنذاكَ تقتسمُ العالمَ مع فارس-، فيسألُ ملكَ الرومِ متعجباً كيف تَطْرقونَ أبوابَ القوةِ العظمى وتتركونَ الحبشةَ وهيَ الأسهلُ والأيسر؟!
فأجابهُ معاذٌ رضيَ اللهُ عنهُ قائلاً: قالَ لنا ربُّنا في كتابهِ الكريمِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ } [التوبة:123] .
أنتمُ البلادُ التي تلينا ، ثم بعدَ الانتهاءِ من بلادِ الرومِ سنجَوِّزها إلى الحبشةِ وغيرها منَ البلادِ ؛ أي أننا لم ننسَ الحبشةَ ولكن أنتمُ المجاورونَ لنا، وهكذا كانَ الحالُ بالنسبةِ إلى الأندلسِ؛ حيثُ كانت هيَ التي تلي بلادِ المسلمينَ .




زمن فتح الأَنْدَلُـس



في أي زمان تم فتح الأندلس؟ سؤالٌ مهمٌ جداً، ونقصدُ بهِ: مع أيِّ العصورِ الإسلاميةِ يتوافقُ تاريخُ فتحِ الأندلسِ، وهو اثنتانِ وتسعونَ منَ الهجرةِ؟ والجوابُ أنَّ هذهِ الفترةَ كانت من فتراتِ الدولةِ الأمويةِ، وتحديداً في خلافةِ الوليدِ بنِ عبدِ الملكِ رحمهُ اللهُ تعالى .. الخليفةُ الأمويُّ الذي حكمَ من سنةِ ستٍ وثمانينَ إلى سنةِ ستٍ وتسعينَ منَ الهجرةِ، وهذا يعني أنَّ فتحَ الأندلسِ كانَ في منتصفِ خلافةِ الوليدِ الأمويِّ رحمهُ اللهُ.

وهذا التاريخُ يجرُّنا إلى الحديثِ عنِ الدولةِ الأمويةِ المظلومةِ في التاريخِ الإسلاميّ، تلكَ الدولةُ التي أُشيعَ عنها الكثيرَ والكثيرَ منَ الافتراءاتِ والأكاذيبِ والأحداثِ المغلوطةِ التي تشوهُ صورتها ، وبالتاليَ صورةَ التاريخِ الإسلاميِّ كلهِ ، وذلكَ حتى يتسنّى للمتربصينَ القولَ بأنَّ التاريخَ الإسلاميَّ لم يكن إلا في عهدِ أبي بكرٍ وعمرَ ، حتى وصلَ الأمرُ إلى الطعنِ في تاريخِ أبي بكرٍ وعمرَ نفسيهما مع علمِ الجميعِ بفضلهما!

ولا يخفى على الجميعُ المرادَ الأسمى من ذلكَ ، ألا وهوَ: لا تعتقدُ قيامَ أمةٍ إسلاميةٍ! فإذا كانَ هذا شأنُ السابقينَ القريبينَ من عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ، إذا كانَ هذا شأنُ دولةُ بني أميةَ وبني العباسَ وغيرهما منَ الدولِ التي لم تستطع أن تقيمَ حكماً إسلامياً صالحاً ؛ فكيفَ بالمتأخرينَ؟!!! وهي رسالةً يريدونَ الوصولَ بها إلى كلِّ المسلمينَ .

لكن !!! { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ } [الرعد:17].




التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 07-16-2009 الساعة 04:58 PM
رد مع اقتباس