عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 07-16-2008, 08:27 AM
البتار البتار غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي



قبور الياسمين ( 6 )

بقيت الحافلة متوقفة قليلا .. ضاق الناس وفي النهاية سمح لنا بالذهاب ..

لماذا نعجز عن وصف السعادة ؟ وكأن اللغة لا تحوي كلمات للتعبير عنها .. أن أننا من كثرة المرارة في حياتنا لم نتعلم إلا معاني الشقاء .. كنت أتلفت خوفا من أن يلحق بي أحدهم ليعيدني أو ليأسرني .

وصلت إلى ما ظننته المحطة الأخيرة في رحلتي .. كنت أشعر بالنور يشرق من كل شي .. بدا لي أن الناس لم يشعروا بوجود غريب بينهم .. وكنت أشعر أنهم ليسوا غرباء .. ألفت كل شي في تلك البلاد منذ النظرة الأولى . أشرت لتاكسي ، ركبت معه .. ابتسم لي وقال مجاهدين .. ابتسمت له : نعم .


الأيام تمر بسرعة لا تشعر بانتهائها .. تنتهي من عمل لتنتقل إلى الذي يليه .. الأعمال كثيرة ، فهناك التدريب والقتال .. وهناك الدعوة والتعليم .. وبين هذا وذاك هنا قلوب مؤمنة معلقة بربها تبحث عن الموت في كل لحظة وتنتظر لقاء الله .


أخي .. من أراد أن يعرف معنى الأخوة فلينظر إلى الاخوة في الخنادق .. يعانقون البنادق .. تقسم اللقمة بينهم ، يضحكون ، يلعبون ، تدك مواقعهم وهم يصنعون القهوة وينشدون ، وفي النهاية يقتلون ليبتسمون .. لن أتحدث عنهم فقد عرفتهم أنت كما عرفتهم أنا .. يوم أن كنا في جبهة واحدة ..


أتذكر يوم أن قيل لنا انتهى القتال .. أتذكر مقتل الاخوة .. كان الموت خيرا لنا ، كنا نتمناه ولكنها مشيئة الله يؤخرنا لنتابع الطريق ونكمل المسير .. وتفرقت بنا السبل بعد أن كنا مجتمعون .. وعدنا للرحيل من جديد .


لم نغادر تلك البلاد كما يفعل الناس عادة .. كنا نواة إرهاب .. فكان لا بد من خروج متميز لنا .. نغادر البلاد في حراسة مشددة ، لا نحمل سلاحا ماديا ولكن أسلحتنا المعنوية أقوى من آلاتهم ، لم ندخل من باب المطار ولكن أدخلونا مباشرة إلى طائرة كانت تنتظرنا لتأخذنا بعيدا عن أراضيهم .. كنت وحيدا حينما دخلت هذه البلاد أول مرة .. واليوم أخرج منها وحولي مجموعة من رجال الأمن كلهم مسلحون خوفا مني حتى لا أدمر بلدهم .


ركبت الطائرة .. وضعت السماعة في أذني وسمعت الشيخ العجمي يقرأ ..

(ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين .. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ..)

وضعت وجهي بين كفي وبكيت .. فقد كانت نفس الآية التي سمعتها يوم أن قتل من إخواني الكثير …
رد مع اقتباس