عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 05-28-2008, 03:56 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الكلمة التاسعة في حكم نمص الحواجب
نمص الحواجب من المخالفات التي انتشرت بين النساء, بل وجدت طريقها إلى بعض المنسوبات إلى الالتزام, وما أدري سبب ذلك, فلعله الجهل أو الشبهة التي قد تتخطف قلوب الكثير منهن بسبب ثقتهن في كثير ممن يتصدر للفتوى في القنوات من المتساهلين الذين يتعمدون إسقاط كثير من الأحكام بدعوى التيسير, ولا يسر إلا في شرع الله لا في أهوائهم واختياراتهم, وقد وردت نصوص صحيحة صريحة في ذم النامصة , بل صح لعنها , ومن تلك الأحاديث ما رواه البخاري ومسلم وبوب له البيهقي في السنن الكبرى بقوله : ( باب ما لا يجوز للمرأة أن تتزين به) عن عبد الله بن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله فقالت المرأة لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عز وجل وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فقالت المرأة فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن قال اذهبي فانظري قال فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا فجاءت إليه فقالت ما رأيت شيئا فقال أما لو كان ذلك لم نجامعها ) وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة.
قال أبو داود في السنن : (وتفسير الواصلة التي تصل الشعر بشعر النساء والمستوصلة المعمول بها والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترققه والمتنمصة المعمول بها). قال الحافظ في الفتح : (10/377) : (دلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات بل عند بعضهم أنه من علامات الكبيرة).وقال أيضا : قال الطبري: (لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن لا للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه) وقال النووي (14/106) : (وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها) قال الحافظ : (قلت: وإطلاقه مقيد بإذن الزوج)(10/378).
واستدلوا لهذا بما رواه عبد الرزاق (رقم 5104)وعلي بن الجعد في مسنده (رقم 451) وهذا سياق ابن الجعد عن أبي إسحاق السبيعي قال : دخلت امرأتي على عائشة فقالت : يا أم المؤمنين إن في وجهي شعرات أفأنتفهن أتزين بذلك لزوجي فقالت عائشة: (أميطي عنك الأذى) .ونسبه الحافظ في الفتح للطبري .وأبو إسحاق اختلط بأخرة. فقد يكون الإسناد ضعيفا.ولو صح لما كان فيه دليل . لأن المرأة استفتت عن بعض شعيرات في وجهها لا عن نتف حواجبها.فحذار أيتها الأخت الملتزمة من تلبيسات إبليس , وأخص المقبلات على الزواج منهن, وأحذرهن مما يقع لكثير منهن من الاستسلام للمزينة وطاعتها في نمص حواجبها بدعوى أنه لا يتم جمالها إلا بذلك, وقد بلغني أن بعضا من الأخوات رفضن ذلك وتحدين مزينتهن .وجزاهن الله عن سنة نبينا خيرا, واستغربت جدا حينما علمت أن بعض المزينات كانت تكثر من الصيام والنوافل, فلما سئلت عن ذلك قالت: إنني أنتف حواجب النساء فأكثر من النوافل لعل الله تعالى يتجاوز عني ولله الأمر كله.
وقد شاغب بعضهم بما نقل عن الإمام أحمد في أحكام النساء أنه سئل عن النامصة والمتنمصة (رقم:29/دار الكتب العلمية)فقال: (هي التي تنتف الشعر, فأما الحلق فلا.قيل له فما تقول في الحلق؟ قال: الحلق غير النتف, النتف تغيير فرخص في الحلق).وقال مرة في الحف (رقم 26): (ليس به بأس)
والمعروف أن الحلق نمص أيضا لحديث ابن مسعود مع العجوز . ففي بعض رواياته أنه اتهمها بحلق جبينها لما رأى وجهها يبرق فقالت له : (التي تحلق جبينها امرأتك) فأورد عليها بقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله النامصة ...الحديث) فدل هذا على أن ابن مسعود كان يرى الحلق نمصا وإلا ما أورد الحديث في هذا المقام.
فائدة:
ذكر الحافظ في كتاب الإصابة ( 8/204) مزينة للنساء اسمها أم رعلة قال فيها : (أم رعلة بكسر أوله وسكون المهملة القشيرية لها حديث أورده المستغفري من طريق وأبو موسى من طريق آخر كلاهما من حديث ابن عباس أن امرأة يقال لها أم رعلة القشيرية وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة ذات لسان وفصاحة فقالت السلام عليك يا رسول الله وبركاته إنا ذوات الخدور ومحل أزر البعول ومربيات الأولاد ولاحظ لنا في الجيش فعلمنا شيئا يقربنا إلى الله عز وجل فقال عليكن بذكر الله أناء الليل وأطراف النهار وغض البصر وخفض الصوت الحديث وفيه قالت يا رسول الله أني امرأة مقينة أقين النساء وأزينهن لأزواجهن فهل هو حوب فأثبط عنه فقال لها يا أم رعلة قينيهن وزينيهن إذا كسدن)
وذكر ابن الأثير حديثها هذا فقال : (أوردها جعفر المستغفري. روى بإسناد ضعيف عن الأوزاعي، عن عطاء عن ابن عباس قال: وفدَت إلى النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم امْرَأَة يقال لها أم رِعلة القشيرية...الحديث)




الكلمة العاشرة في حكم صباغة الشفاه والخدود والرموش

الأصل في ذلك قوله تعالى: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (32/الأعراف)
وروى الترمذي (2787)والنسائي (5117) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه)
وروى الترمذي أيضا (2788) عن عمران بن حصين قال:قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : إن خير طيب الرجل ما ظهر ريحه وخفي لونه وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ونهى عن ميثرة الأرجوان)
قال شمس الحق آبادي في عون المعبود (6/157): (طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه كالحناء.
قال القاري في المرقاة في شرح السنة حملوا قوله (وطيب النساء) على ما أرادت أن تخرج فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت. انتهى )
قلت: والمقصود بالطيب ما يكون منه في الثوب أو البدن.
وروى الإمام أحمد (6/302) وأبو داود (311) والترمذي (139) وابن ماجه(648) وغيرهم عن أم سلمة قالت: (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما فكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف)
قال في الصحاح : (الوَرْس بوزن الفلس نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه الغُمرة للوجه)
وقال: (الكلَف: شيء يعلو الوجه كالسِّمسم. كَلِفَ وجهُه يَكْلَفُ كلَفاً، وهو أَكلف: تَغَيَّر. والكلَف والكُلْفَةُ: حُمْرة كدرة تعلو الوجه، وقـيل: لون بـين السواد والـحمرة، وقـيل: هو سواد يكون فـي الوجه)
وقال في لسان العرب(7/124): (إذا قالوا: فلان أَبْـيَض الوجه وفلانة بَـيْضاءُ الوجه أَرادوا نقاءَ اللون من الكَلَفِ والسوادِ الشائن)
وروى البخاري (1993) ومسلم (1427) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال ما هذا ؟ قال إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب قال بارك الله لك أولم ولو بشاة )
قال النووي في شرح مسلم (9/216): (الصحيح في معنى هذا الحديث أنه تعلق به أثر من الزعفران وغيره من طيب العروس ولم يقصده ولا تعمد التزعفر فقد ثبت في الصحيح النهى عن التزعفر للرجال وكذا نهى الرجال عن الخلوق لأنه شعار النساء وقد نهى الرجال عن التشبه بالنساء فهذا هو الصحيح في معنى الحديث وهو الذي اختاره القاضي والمحققون)
قلت: قوله: (إلا لمن أذن الله لها) يشير إلى قوله تعالى : (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)
وقوله : (إذا لم يثبت له ضرر كبير) مبني على قاعدة دفع المفاسد والضرر لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار) , أي لا يجوز الإضرار بنفسك ولا بغيرك. وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، عن حكم مساحيق التجميل فأجاب: (المساحيق فيها تفصيل: إن كانت يحصل بها جمال و لكن لا تضر الوجه ولا تسبب شيئا فلا بأس، أما إن كانت تسبب شيئا فيه ضرر فإنها تمنع من أجل الضرر ).
وقد ثبت ...
فائدة:
سمى ابن العربي هذا الآية آية الضمائر في كتابه أحكام القرآن (3/385), فقال: (فإنها آية الضمائر,إذ فيها خمسة وعشرون ضميرا لم يروا في القرآن لها نظير)
طريفة:
قال الماوردي في أدب الدنيا والدين: (حكي أن عبيد الله بن سليمان رأى على بعض ثيابه أثر صفرة فأخذ من مداد الدواة فطلاه به ثم قال : المداد بنا أحسن من الزعفران ، وأنشد:
إنما الزعفران عطر العذارى ومداد الدُوِيِّ عطر الرجال)
ـ خضاب اليد والأظافر
عن عائشة :أن امرأة مدت يدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فقبض يده فقالت يا رسول الله مددت يدي إليك بكتاب فلم تأخذه فقال إني لم أدر أيد امرأة هي أو رجل قالت بل يد امرأة قال لو كنت امرأة لغيرت أظفارك بالحناء.
قلت: قوله صلى الله عليه وسلم : (لغيرت أظافرك) دليل على جواز تغيير الأظافر بما لا يحرم بالنص أو بالضرر) وقد سئل
ولا يجوز تغييرها بالطلاء الخاص بها لغير الحائض لأن ذاك الطلاء يمنع وصول الماء إليها في الوضوء والغسل,بخلاف الحناء. فإن كانت حائضا جاز كما ذكر أهل العلم.
وقد أشار إلى مثل هذا أمثال الحطاب الرعيني المالكي فقال في مواهب الجليل شرح مختصر حليل (1/199): (ونزع غير الخاتم من كل حائل في يد أو غيرها ، ويندرج فيه ما يجعله الرماة وغيرهم في أصابعهم من عظم ونحوه ، وما يزين به النساء وجوههن وأصابعهن من النقط الذي له جسد وما يكثرن به شعورهن من الخيوط وما يكون في شعر المرأة من حناء أو جثيث أو غيرهما مما له تجسد أو ما يلصق بالظفر أو بالذراع أو غيرهما من عجين أو زفت أو شمع أو نحوها)
ـ مسألة في التطريف والنقش
يجوز للمرأة أن تطرف بالحناء أي أن تغير أطراف الأصابع فقط ـ وهو التطريف ـ وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن التطريف) .
قال الحافظ في الفتح (2/237): ( هو أن تختضب المرأة أطراف الأصابع, هذا الحديث لم أجده, لكن روى الطبراني في ترجمة أم ليلى امرأة أبي ليلى من حديث بن أبي ليلى قالت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان فيما أخذ علينا أن تختضب الغمس ... وهذا لا يدل على المنع بل حديث عصمة عن عائشة المتقدم عند أحمد وغيره فيه ( لغيرت أظفارك ) يدل على الجواز)
قلت: حديث الطبراني رواه في الكبير (25/128/334) ,وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/171): (في إسناده من لم أعرفه) وما حققه الحافظ هو الفقه عينه !
روى ابن أبي شيبة في المصنف (4/49)قال:نا وكيع عن شعبة عن يزيد بن ميسرة عن أبي عطية من امرأة منهم قالت: (سمعت عمر ينهى عن النقش والتطاريف في الخضاب) وهذا إسناده ضعيف .فالمرأة مبهمة.
وروى ابن أبي شيبة (4/50) حدثنا وكيع عن زكريا قال حدثتني أمية قالت: كنت آمر العرائس بالمدينة فسألت عائشة عن الخضاب فقالت: ( لا بأس به ما لم يكن فيه نقش)
وروى ابن أبي شيبة (4/50) حدثنا عبد الأعلى عن جابر عن شيخ أن عمر (نهى عن نقش في الخضاب والتطاريف).
وروى عبد الرزاق في المصنف (4/318) عن معمر عن بديل عن أبي العلاء ابن عبد الله بن شخير قال حدثتني امرأة أنها سمعت عمر بن الخطاب وهو يخطب وهو يقول يا معشر النساء إذا اختضبتن فإياكن النقش والتطريف ولتخضب إحداكن يديها إلى هذا وأشار إلى موضع السوار
وروى البخاري في التاريخ الكبير (2/142) قال لي محمد بن محبوب عن عبد الواحد عن ليث عن بديل بن ميسرة عن امرأة منهم قالت: جاورت عمر بن الخطاب سنين بالمدينة (فنهانا عن النقش والتطاريف )
وقال لنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن بديل عن عمر وقال حماد بن سلمة عن بديل عن عمه وقال حماد بن سلمة عن بديل عن عطية وقال إسحاق عن جرير عن ليث عن بديل إذنه عن امرأة منهم جاورت عمر سنة بهذا
قال القرطبي (5/393) : (أجاز مالك أيضا أن تشي المرأة يديها بالحناء وروى عن عمر إنكار ذلك وقال إما أن تخضب يديها كلها وإما أن تدع وأنكر مالك هذه الرواية عن عمر)وهذا الذي ينبغي اعتقاده فلا حجة في قول أحد إلا أن يكون قول الله أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم.
ـ الكحل
كثير من أخواتنا يعتقدن أن الكحل من الزينة المحرمة إبداؤها ويبالغن في ذلك حتى يصل الأمر ببعضهن أن يتهمن المكتحلات بدعوى أنهن يتقصد فتنة الرجال بذلك جاهلات بأن الحكم في هذا لله ورسوله والأصل في هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)(النور: من الآية31): (الكحل والخاتم), بل قد صح ذلك مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن سبيعة بنت الحارث رضي الله عنها أنها كانت تحت سعد بن خولة, فتوفي عنها في حجة الوداع, وكان بدريا , فوضعت حملها قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته, فلقيها أبو السنابل بن بعكك حين تعلت من نفاسها, وقد اكتحلت واختضبت وتهيأت فقال لها : أربعي على نفسك ـ أو نحو هذا ـ لعلك تريدين النكاح؟ إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك, قالت : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك, فقال : قد حللت حين وضعت
قلت : هذا لقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(الطلاق: من الآية4) والحديث صريح واضح في جواز إبداء العينين من الوجه على الأقل وفيه أيضا جواز الاكتحال بدليل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها على اكتحالها ولن يكون أحد أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم بالحلال والحرام.
قال الشيخ الألباني في حاشية (الجلباب ص69) وقد كتب عبارة (اكتحلت واختضبت وتهيأت) في أصل الحديث بخط مميز: (والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة , وكذا الوجه أو العينين على الأقل وإلا لما جاز لسبيعة رضي الله عنها أن تظهر ذلك أمام أبي السنابل ولا سيما وقد كان خطبها فلم ترضه).
قلت : تأمل قول الشيخ رحمه الله: (ولا سيما وقد كان خطبها فلم ترضه). فإنه يدل على أنها لم تقصده هو بالكحل فسقطت دعوى قد يدعيها أحد فيقول :( إنه يجوز لها أن تختضب للخطاب فإن تزوجت لم يجز لها).
ـ وعن ابن أبي فديك عن يحيى بن أبي خالد عن ابن أبي سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأكره المرأة المرهاء السلتاء. فقالت عائشة بابي أنت وأمي إني لأسمع منك الكلام فقال: أنا أعرب العرب ولا فخر أما المرأة المرهاء فالتي لا كحل في عينيها وأما المرأة السلتاء التي لا خضاب في يديها)
قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/419): ( يحيى بن أبي خالد مجهول وابن أبي سعيد مثله وهو حديث ضعيف)
الكلمة الحادية عشرة في حكم نزع المرأة ثيابها في غير بيتها
ـ قد قال الله تعالى (ولا تخرجوهن من بيوتهن)
ـ عن أبي المليح الهذبي أن نساء من أهل حمص أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت أنتن اللاتي يدخلن نساؤكن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من امرأة تضع أثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها قال أبو عيسى هذا حديث حسن
ـ وسألت شيخنا محمد بوخبزة عن هذا فذكر أن معناه (في بيت غير محرم من محارمها) فإن نزعته في بيت أخيها أو أبيها أو ابنها أو عمها فلا بأس إلا أن تحتاط من ظهور عورتها أمام أجنبي
والظاهر أنه إن كان المقصود جنس ثيابها فقد علم أن النهي لأجل العورة فإن أمن ذلك جاز لحديث فاطمة بنت قيس :
( أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة ( وفي رواية : آخر ثلاث تطليقات ) وهو غائب . . . فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له . . . فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال : تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ( وفي رواية : انتقلي إلى أم شريك - وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله ينزل عليها الضيفان - فقلت : سأفعل فقال : لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن أم مكتوم الأعمى . . . وهو من البطن الذي هي منه فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك فانتقلت إليه فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي ينادي : الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد) . ‌
ـ قال النووي في شرح مسلم (10/100) في قوله (فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك: (معناه لا تخافين من رؤية رجل إليك)
وإن كان المعنى (كل ثيابها) وهو المناسب لسبب ذكر عائشة للحديث حيث استدلت به على المنع من نزع الثياب للاغتسال مستترة في غير بيت الزوج, فيستثنى منه حيث يؤمن الفتنة في بيوت محارمها كأخيها وأبيها وابنها حيث لا يوجد غيرهم.
قال في عون المعبود (11/32/دار الكتب العلمية): (ولو في بيت أبيها وأمها قاله القاري ).
والجواب أنه يلزمهم منعها من اغتسال غير المتزوجة في بيت أبيها وأخيها.وهم لا يقولون بذلك.فعلم أن تخصيص الزوج بالذكر خرج مخرج الغالب.
الكلمة الثانية عشرة في حكم قص المرأة شعرها أو حلقه.
المرأة مطالبة بإكرام شعرها خصوصا لزوجها, فتغسله وتدهنه بما لا يضر من أنواع الدهون الطبيعية والصناعية,وتمشطه وتزينه,وتختلف أنواع المشطات و(التسريحات) من بلد لآخر ومن عصر لآخر ومن سن لآخر. ويجوز لها قصه للتزيين أو لغيره من الحاجات بإذن زوجها.
روى مسلم في صحيحه (320 ) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة فدعت بإناء قدر الصاع, فاغتسلت وبيننا وبينها ستر وأفرغت على رأسها ثلاثا قال: وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة.
قال القاضي عياض رحمه الله في إكمال المعلم (2/163و164/دار الوفاء) : (وقوله (يأخذن من رؤوسهن...دليل على جواز تحذيف النساء بشعورهن وجواز اتخاذهن الجمم, وقد كانت للنيي صلى الله عليه وسلم جمة,والوفرة أشبع من اللمة,واللمة ما ألم بالمنكبين من شعر الرأس دون ذلك, قاله الأصمعي, وقال غيره: الوفرة أقلها وهي التي لا تجاوز الأذنين, الجمة أكبر منها, واللمة ما طال من الشعر ,وقال أبو حاتم: الوفرة ما غطى الأذنين من الشعر,والمعروف أن نساء العرب كن يتخذن القرون والذوائب, ولعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعلن ذلك بعد موته لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعور لذلك تخفيفا لمؤونة رؤوسهن))
وقد ورد ما يدل على كراهية الجمة , فعن عبد الله بن عمرو قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجمة للحرة والقصة للأمة
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/169): (رواه الطبراني في الكبير والصغير ورجال الصغير ثقات)
وعن عائشة قالت (كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة دون الجمة)
أما الحلق فلا يجوز.فقد روى النسائي (5049) والترمذي (914) عن علي رضي الله عنه قال : (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها). لكنه حديث ضعيف. ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (678) ولذلك لم يشرع لها ذلك للتحلل يوم النحر. إنما أمرت بأخذ مثل قدر الأنملة من شعرها كله إذا جمعته.فقد روى أبو داود (1984) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : (ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير) والحديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (1984)
قال ابن المنذر: ( أجمع على هذا أهل العلم وذلك لأن الحلق في حقهن مثلة)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/375) : (يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة)
وقد استحبت حفصة بنت سيرين أن لا تبالغ الشابة في الأخذ من شعرها وإن كان ذلك عند تحللها. فروى ابن أبي شيبة (3/147/مكتبة الرشد) عن هشام عن حفصة ابنة سيرين في تقصير المرأة من شعرها .قالت: ( إنه يعجبني أن لا تكثر المرأة الشابة وأما التي قد دلت فإن شاءت أخذت أكثر فإن فعلت فلا تزيد على الربع )
واختلف أهل العلم في حلق رأس الجارية الحديثة الولادة كما يفعل بالغلام الذكر.
قال ابن حجر في الفتح (9/595) : (حكى الماوردي كراهة حلق رأس الجارية وعن بعض الحنابلة يحلق)
وقال المناوي في فيض القدير (4/416): ( إطلاقه حلق الرأس يشمل الأنثى لكن حكى الماوردي كراهة حلق رأسها وعن بعض الحنابلة تحلق) ومن طريف ما يذكر عن بعض طوائف الصابئة كما في الفهرست للنديم (ص453) أنه (كان فيهم نسوة إذا هن تزوجن الأزواج يحلقن رؤوسهن) !
فائدة في فرق المرأة قصتها وشعرها.:
سئل مالك : هل يكره للمسلمة أن تفرق قصتها كما يصنعن نساء أهل الكتاب ؟فقال: لا.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى في البيان والتحصيل (18/570و571): (...عن ابن القاسم أنه كان يقول: أكره القصة للشعر للمرأة كراهية شديدة,قال: وكان فرق الرأس أحب إلى مالك.وهو يبين قوله في هذه الرواية, إذ لم يذكر فيه إلا أنه لم يكره للمرأة تفريق قصتها , فالمعنى فيها أنه لم يكره ذلك لها,وأنه اختاره لها على السدل,وقوله كما يصنعن أهل الكتاب خلاف ظاهر ما روي عن ابن عباس من أنه قال : كان أهل الكتاب يسدلون شعورهم , وكان المشركون يفرقون , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء. فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد ذلك. وقد يحتمل أن يكون حديث ابن عباس هذا في سدل أهل الكتاب شعورهم في الرجال دون النساء.فلا يكون على هذا التأويل خلاف ما وقع في هذه الرواية من أن نساء أهل الكتاب كن يفرقن قصصهن أي شعورهن وبالله التوفيق )
قلت: حديث ابن عباس رواه البخاري (3365) ومسلم (2336)
قال ابن عبد البر في التمهيد (6/73): (فيه من الفقه أن الفرق في الشعر سنة وأنه أولى من السدل لأنه آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الفرق لا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله والناصية شعر مقدم الرأس كله وسدله تركه منسدلا سائلا على هيئته والتفريق أن يقسم شعر ناصيته يمينا وشمالا فتظهر جبهته وجبينه من الجانبين والفرق سنة مسنونة وقد قيل أنها من ملة إبراهيم وسنته صلى الله عليه وسلم عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله عز وجل وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال الكلمات عشر خصال خمس منها في الرأس وخمس في الجسد فأما التي في الرأس ففرق الشعر وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق وأما التي في البدن فالختان وحلق العانة والاستنجاء ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقوله فأتمهن أي عمل بهن قال أبو عمر: يؤكد هذا قول الله عز وجل (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا الآية )وقوله تبارك وتعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين))
فائدة:
روى الطبراني (7/62/6382 ) حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر السراج العسكري ثنا إسماعيل بن إبراهيم الترجماني ثنا عمر بن هارون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن سالم خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يجعلن رؤوسهن أربع قرون فإذا اغتسلن جمعنهن على أوساط رؤوسهن [ولم ينقضنه])
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/273): (وفيه عمر بن هارون وقد ضعفه أكثر الناس ووثقه قتيبة وغيره)
قلت: قوله (ولم ينقضنه) أخذتها من مجمع الزوائد والله أعلم !
فائدة في امتشاط النساء بالخمر أو بشيء من المستحضرات التي فيه كحول بنسبة ظاهرة !
روى ابن أبي شيبة (5/98) حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو اسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه بلغه أن نساء يمتشطن بالخمر فقال ألقى الله في رؤوسهن الحاصة
وروى أيضا حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن أبي السفر عن امرأته أن عائشة سئلت عن المرأة تمتشط بالعسلة فيها الخمر فنهت عن ذلك أشد النهي.
وروى أيضا حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن حذيفة قال: تمتشط بالخمر؟ لا طيبها الله .
فتأمل في هذا: ابن عمر يدعو عليها بالحصة وعائشة تنهى عنه أشد النهي وحذيفة يدعو عليها بـ(لا طيبها الله)
وهذا كاف في الزجر والكهر.
طريفة:
ومن طريف ما يحكى في كتب الأدب والمحاضرات أنهم ذكروا أن قرشية رأى شعرها رجل فحلقته وقالت: (لا أريد شعراً اكتحل به نظر غير ذي محرم).ومثل هذه تشكر على نيتها وتعاتب على فعلها.
الكلمة الثالثة عشرة في حكم صبغ المرأة لشعرها
الأصل في ذلك الجواز, وقد ورد النهي عن استعمال السواد فقط. وعليه فلا بأس بصباغة النساء لشعورهن بغير السواد , فالنساء شقائق الرجال في الأحكام.وقد قال النووي في شرح مسلم (14/80): (مذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم خضابه بالسواد على الأصح وقيل يكره كراهة تنزيه والمختار التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم هذا مذهبنا) هذا ما يظهر بادي الرأي وإلا فقد روى ابن سعد في الطبقات (8/487): أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي وعارم بن الفضل قالا حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرتنا أم شبيب قالت: سألنا عائشة عن تسويد الشعر فقالت : (لوددت أن عندي شيئا فسودت به شعري) وهذا إسناد صحيح.وظاهر الأثر يدل على أن النهي خاص بالرجال عند عائشة , فيكون شعرها كثوبها كما قال عنبسة بن سعيد : (إنما شعرك بمنزلة ثوبك فاصبغه بأي لون شئت) وإلى هذا ذهب إسحاق ابن راهويه لكن قيده بالزوجة فقال: ابن قدامة في المغني (1/92): (ورخص فيه إسحاق للمرأة تتزين به لزوجها).وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأعلم أهله ,وهي أعلم في هذه الأمور من أكابر الصحابة من الرجال.وقلبي إلى رخصة عائشة أميل, والنفس مطمئنة إلى علمها في مثل هذه الأمور والله أعلم.



يتبع إن شاء الله

رد مع اقتباس